حرب العقوبات الاقتصادية ومولد نظام عالمي جديد

بقلم/ ساجدة السيد ميز

بعد أن وصلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى أَوْجِ جمحها، تقف روسيا اليوم أمام قرارات الأمم المتحدة التى تصدر العقوبات فى حقها وتمنع عنها التسهيلات مُحاوِلَة هدم اقتصادها ؛ من أجل تَرَاجُع روسيا عن قراراتها التى تتجه نحو حرب عالمية ثالثة وشل قدرات روسيا المالية والاقتصادية. في هذا الشأن، تزداد التحالفات ويتغير شكل النظام العالمي ويتصارع الجميع حول مَن سيتربع على عرش العالَم، فالحرب يمكن وصفها أنها حرب استنزاف الطاقات من أقصى مغرب الأرض إلى مشرقها. لكن علينا أن نتعرف على الرئيس الروسى من مواقف سابقة مرت بها روسيا كأمر العقوبات الاقتصادية الغربية الذى لم يكن جديداً فلابد من أن نتطرق إلى كيفية تعامل بوتين مع تلك العقوبات التى كانت عام 2014-2015 لكى نلاحظ تعامله مع موقف العقوبات الراهنة من قِبَل الأمم المتحدة ، نجد أن روسيا عندما قامت بضم جزيرة القرم تعرضت عملتها لهزة شديدة مما أحدث تضخماً كبيراً فى الاقتصاد الروسى فقام بوتين بما يلى لكى يتفادى تلك العقوبات:

1. بناء احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية.
2. أصبحت روسيا أكبر رابع دولة فى العالم لديها احتياطات بالعملة الأجنبية.
3. أسس بوتين صندوق استثمار سيادى نظراً لخوف بوتين من حرمان أمريكا له باستخدام الدولار من خلال خروج روسيا من نظام (SWIFT) هو “نظام مالي عالمي تستخدمه معظم الدول والبنوك المشتركين به ، كما أنه أكبر نظام تمر من خلاله التحويلات المالية الدولية”.
4. قام بوتين “الرئيس الروسي” بإنشاء نسخة خاصة من نظام (SWIFT) مع الصين ؛ من أجل حماية القطاع المالى الروسي من التحطم.

أما فيما يتعلق بالعقوبات الراهنة تتمثل فى:

1. عزل بعض المصارف الروسية عن نظام (SWIFT) المسئول عن التراسل بين المصارف عالمياً.
2. إقرار عقوبات على البنك المركزى ذاته.
3. تعليق العمل فى إتمام الخط المشترك بين دولتى ألمانيا ورويا ألا وهو “خط نورد ستريم2 ” بعد أن تكلف ما يقرب من 11 مليار دولار.

لكن تعامَلَ بوتين مع تلك العقوبات باخاذ بعض الإجراءات حيث:

1. استبدال نظام (SWIFT) بنظام (SPFS) رغم أنه محدود المدى.
2. تقليص حيازة روسيا من الدولار بشكل كبير فى احتياطاتها فكما ذكرنا كانت موسكو تقوم بتوسيع تعاملاتها من العملات المحلية بعيداً عن الدولار واليورو.

وفق هذا، بدأ العالَم يتحرك وبدأت الدول الكبرى فى الشرق والغرب تتخذ موقفاً تجاه روسيا وتقديم الدعم الاقتصادي والمالي فهذه اللُعبة من أجل الحفاظ على اقتصاد تلك الدول ، وبدأ الدعم من قِبل دول فى آسيا مُمَثَلة في:

• الصين (أقوى دولة اقتصادية فى العالم):

تعتبر الصين من أولى الدول الآسيوية التي قدمت دعم اقتصادي قوى لروسيا من أجل الحفاظ على العلاقات الروسية الصينية ويمكننا النظر إلى تاريخ العلاقات الروسية الصينية أو ما يسميها البعض ب “العلاقات الصين و روسية” التى نجدها منذ عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبأ هذا التقارب الفعلى بين روسيا والصين عام 1992 ، نلاحظ وقوف الصين بجانب روسيا عندما تعرضت الصين لأزمة مالية حادة بين عامى 2008،2009 وتخطت روسيا أزمتها بفضل الاقتصاد الصينى وعلى وجه الخصوص قطاع التعدين والبتروكيماويات لكن الأساس فى شكل التعاون بين البلدين هو التجارة وازداد حجم التبادل التجاري في عامي 2013، 2014 ، واستمر شكل التعاون بين البلدين حتى نجد الآن ما يمر به العالم من وراء روسيا خاصة أن روسيا مهتمة بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسى والصين واستخدام العملة الوطنية في تلك المنطقة.

نشهد اليوم تحالفاً قوياً بين روسيا والصين في ظل الحرب الروسية الأوكرانية فنجد الإعلان الصريح من جانب الصين لصالح روسيا والتعهد بالدعم الاقتصادي لروسيا فى حال تأثر الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الأمم المتحدة خلال الحرب، وكعادة الحروب والمصالح التي تبحث عنها كل دولة لها طرف فى تلك الحرب فالصين نجد مصلحتها من دعم روسيا بأنها تحاول استعادة جزيرة تايوان تحت سيطرتها فالمنفعة متبادلة بين الدولتين كما أن المصلحة المشتركة بين الدولتين أن كليهما يحاول سوياً بناء اقتصاد عالمى قوى ضخم منافساً للاقتصاد الأمريكي الدلى يجتاح العالم.

• كوريا:

أعرب الرئيس الكوري عن دعمه ومساندته القوية لروسيا خاصةً أن كوريا ترى لابد من القضاء على الهيمنة الأمريكية والتحالف من أجل نظام جديد بعيد كل البعد عن سيطرة أمريكا التي لا تنتهى ، وظهر العم الكوري من خلال التهديد الصريح بالنووي والقوى العسكرية في حال تعرُض الدول الغربية لروسيا والوقوف ضدها وضد مصالحها ، وكما اعتدنا الأمر بخصوص المنفعة المتبادلة نجد ان روسيا سبق وقامت بدعم كوريا أثناء إجراء التجارب النووية خاصةً عند فرض عقوبات على كوريا أثناء تلك التجارب نظراً لمعارضتها للقانون الدولى حيث قامت روسيا بالوقوف ضد تلك القرارات وقررت الوقوف بجانب كوريا من أجل القيام بتصنيع أسلحة تعين كوريا وروسيا على الفوز في حال التعرض لحرب.

• إيران:

تعتبر إيران من أكبر الدول الداعمة لروسيا وترفض رفضاً باتاً توسع حلف الناتو لأن ذلك سيعود بالضرر على المعسكر الشرقي والتوغل فيه فإيران سنجدها بجانب روسيا اقتصادياً إن قامت الحرب وزادت حدتها.

لم يكن الأمر متوقفاً على تلك الدول الآسيوية ولكن مازالت تشهد روسيا دعماً كبيراً من بعض الدول العربية مثل سوريا ودعم بشار الأسد الصريح لروسيا ، وليبيا ، والجزائر حيث تبلغ قيمة ميزانية الأسلحة الروسية فى الجزائر ما يقرب من 10 مليارات دولار ، والعراق من أجل تقليص الدور الأمريكي في العراق ، ومصر التى لم تفقد حصتها من السلاح الروسى منذ حرب أكتوبر 1973 وازدادت المبادلات بين كل من مصر وروسيا عام 2021 بنسبة تقترب من 10% ، ولم تكن تلك هى الدول الوحيدة الداعمة لروسيا واستقلالها لكن ها نحن نتابع الأحداث وتتكشف الحقائق حول تبادل المصالح خاصةً أنه تزداد الرغبة لدى الكثير من الدول وتزداد رغبة روسيا فى أن تتربع على عرش العالم لكن علينا ألا نغفل ما يمكن أن تُحدثه تلك الحرب من تداعيات ستودى بحياة الكثيرين فاللُعبة حول مَن ستكون له القبضة على العالَم وهل ستنجح الأساليب الديمقراطية التى تدعو لها دول كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرهم حتى لا تنشأ حرب عالمية ثالثة حقيقية أم أن الحرب ستكون هى الحل الحقيقي من وجهة نظر روسيا أم ستخضع أوكرانيا لشروط روسيا وينتهى الأمر بوضع لن تراضاه دول شتى غربية؟!