انتخابات جنوب أفريقيا ٢٠٢٤: فرصة للتغيير أم استمرار لمعادلة الاستقلال
إعداد
أيمن نبيل محمد سعدالدين –أحمد مصطفى أحمد
من خريجي برنامج التدريبي الصيفي للدراسات الأفريقية
مراجعة : نهاد محمود أحمد
باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية -عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
مقدمة:
تنتظر جنوب أفريقيا الانتخابات السابعة في تاريخها، منذ انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994. والتي ستقام في إبريل من العام المقبل 2024. تُعقد الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا كل خمس سنوات لاختيار الجمعية الوطنية من جانب، والهيئات التشريعية في المقاطعات والمجالس البلدية من جانب آخر، حيث تتزامن الانتخابات العامة مع المحلية. ويتم الأخذ بنظام التمثيل النسبي للأحزاب، ويُنتخب رئيس الجمهورية بشكل غير مباشر من قبل أعضاء الجمعية الوطنية، إحدى الغرفتين التشريعيتين على المستوى الوطني، وذلك على أثر النظام الانتخابي لدولة جنوب أفريقيا. وفي ضوء هذا المشهد، بدأت الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا منذ شهر أكتوبر في إقامة حملاتها والعمل على اجتذاب الأصوات.
وتمثل هذه الانتخابات مرحلة هامة في التجربة السياسية الديمقراطية لجنوب أفريقيا التي حُكِمت بواسطة حزب المؤتمر الوطني بأغلبية، منذ القضاء على نظام الفصل العنصري، حيث أن هذه الانتخابات قد تشهد تغيرات كبرى عن المعتاد، وذلك على أثر ما تشهده البلاد من متغيرات على مستويات عدة قد تقلل من أصوات حزب المؤتمر الوطني.
تغيّرات هامة على مستوي الانتخابات القادمة:
وقَّع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، قانونًا يسمح للمرشحين المستقلين دخول انتخابات المقاطعات والانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل. ويأتي القانون الجديد بعد أن قضت المحكمة الدستورية عام 2020 «عدم قانونية منع المرشحين المستقلين من خوض الانتخابات دون عضوية حزب سياسي».
وحول تعديل القانون الانتخابي ذكر رامافوزا: “أن تعديل القانون الانتخابي يمثل «علامة بارزة في تطور ديمقراطيتنا، من خلال توسيع المشاركة الانتخابية، وتوسيع مجموعة اختيار القيادة للجمعية الوطنية والمجالس التشريعية الإقليمية»”[1].
وعدّل القانون للسماح لمرشحين مستقلين بخوض الانتخابات. كما عُدّلَت الصيغة الانتخابية لتوزيع المقاعد، على أن يتم التعامل مع المقاطعات كدوائر انتخابية متميزة (تسمى المناطق). وتنقسم الجمعية الوطنية إلى 200 مقعد «إقليمي» و200 مقعد «تعويضي» يتم اختيارهم من قوائم التمثيل النسبي.
وخلال عملية المشاركة والمناقشة العامة في مشروع القانون، وجهت عدة انتقادات رئيسية له إذ اعتبر أنه يخلق منافسة غير متكافئة بين المرشحين المستقلين والأحزاب السياسية في انتخابات الجمعية الوطنية؛ لأن المرشحين المستقلين مؤهلون فقط للتنافس على 200 مقعد، بينما تتنافس الأحزاب السياسية على 400 مقعد.
ومنذ عام 1994، طبقت جنوب أفريقيا نظامًا انتخابيًا قائمًا على التمثيل النسبي لقوائم حزبية، ما يعني أن الأحزاب ممثلة بما يتناسب مع نتائجها الانتخابية، وهو نظام اعتبره البعض أنه يعزز الفساد السياسي.
أبرز الأحزاب المتنافسة:
تأتي هذه الانتخابات في ضوء مشهد أكثر تنافسية مقارنة بما مضى من انتخابات سابقة، وذلك في ظل وفرة وتنوع المشاركين في هذا السباق الانتخابي، فهناك حزب المؤتمر الوطني الذي يتولى السلطة على أثر انتخابه منذ انتهاء نظام الفصل العنصري عام 1994، ويتبنى هذا الحزب في حملته الانتخابية استراتيجية فحواها هو الاستمرار في حصد الأغلبية المطلقة، دون الحاجة إلى الدخول في تحالفات انتخابية، وهذا على الرغم من حصول الحزب على دعم النقابات العمالية والحزب الشيوعي، وذلك هو ما أعلنه وأكده رئيس الحزب ورئيس الجمهورية سيريل رامافوزا عن ثقته الكاملة في حصول الحزب الحاكم على الأغلبية المطلقة[2].
ويعتمد هذا الحزب على الذاكرة التاريخية للشعب الجنوب أفريقي الممتلئة بالإنجازات التي حققها هذا الحزب، وعلى رأسها القضاء على نظام الفصل العنصري. ففي حالة فوزه بهذه الانتخابات سيكون قد حكم جنوب أفريقيا لمدة 30 عام، لكن من الملاحظ ن بداية من انتخابات عام 2009، بدأت تتراجع الأصوات الانتخابية للحزب، على أثر مشكلات باتت تواجه المجتمع الجنوب أفريقي بازدياد كالفقر والبطالة والفساد، ولم تلق هذه المشكلات حلول ناجعة من حكومات حزب المؤتمر، كما كان للمؤثرات الخارجية ككوفيد – 19 والحرب الروسية الأوكرانية صدى على تراجع الوضع الاقتصادي الجنوب أفريقي تحت قيادة هذا الحزب. وشهدت انتخابات 2019 حصول الحزب على 57.7% من إجمالي الأصوات في الانتخابات التشريعية وهي أقل نسبة حصل عليها الحزب في تاريخه، ووفقًا لذلك قد تقل الكتلة التصويتية لهذا الحزب بشكل كبير لمرة أخرى في تاريخه في هذه الانتخابات. ومع ذلك يظل حزب المؤتمر المرشح الأقرب للفوز بالانتخابات القادمة بزعامة رئيسه سيريل رامافوزا، وذلك على الرغم من اتهامات الفساد التي لاحقته في السنوات الأخيرة[3]
وعلى الجانب الآخر، توجد العديد من الأحزاب المعارضة التي تسعى لاستغلال هذه الأوضاع، وتنافس بقوة من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد، لعل أبرز هذه الأحزاب هو التحالف الديمقراطي، الحزب الأكثر شراسة في المعارضة لحزب المؤتمر، وقد استطاع هذا الحزب حصد 84 مقعد في انتخابات عام 2019 السابقة، بالإضافة إلى أنه عمل على إقامة ائتلافات مع 6 أحزاب أخرى، مما يزيد في فرصته من تقوية المنافسة، والمشهد يوضح أن للتحالف الديمقراطي حظ كبير في هذه الانتخابات[4].
كما يعتبر حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية من الأحزاب المعارضة التي لها فرصة سانحة لحصد عدة مقاعد، وذلك على أثر أيديولوجيته الراديكالية المناهضة للرأسمالية والإمبريالية التي ستسمح له باستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لعرض نفسه كحزب يملك رؤية جذرية تجاه الحلول للمشاكل الاقتصادي في البلاد، وقد وضحت الانتخابات السابقة أن نسبة حصد هذا الحزب للأصوات في تزايد، حيث تعالت نسبة حصوله على المقاعد في 2019 إلى 10% بعدما كانت 6% عام 2014. مما قد يعطي مؤشرًا لزيادة هذه النسبة في انتخابات 2014.[5]
وأخيرًا يعتبر حزبي إنكاثا وجبهة الحرية هما الأطراف الأقل قدرة على المنافسة، نظرا لأن الأول يعتمد في تأييده على قبائل الزولو، أما الآخر فيعتمد على الأقليات البيضاء، فكل منهما يُحسب على اليمين ويتبنى سياسات اجتماعية واقتصادية محافظة، مما يعتبر عامل غير محفز انتخابيًا وفقًا للمتغيرات التي تمر بها جنوب أفريقيا في اللحظة الراهنة. ولذلك يعتبران حزبي التحالف الديمقراطي ومقاتلي من أجل الحرية هما المهدد الأكبر لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في انتخابات 2024.
تحديات أمام حزب المؤتمر قبيل انتخابات 2024:
يشهد المجتمع الجنوب أفريقي في هذه المرحلة عدة تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، فعمومًا لا تشير المؤشرات والأرقام الاقتصادية الحالية إلى وجود أُفق واضحة للخروج من الأزمات التي تعاني منها جنوب أفريقيا في الوقت الراهن، ذلك الأمر الذي يهدد من شعبية ومكانة حزب المؤتمر في الانتخابات القادمة.
على المستوى الاقتصادي، تشهد جنوب أفريقيا ارتفاعًا شديدًا في نسبة البطالة، إذ تعد الأعلى في العالم[6]، لتصل إلى 32.6% في عام 2023، وأن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.7%.
كذلك تعاني جنوب أفريقيا من التضخم[7] والذي وصل إلى 5.84% بعد وصوله إلى 6.87% يونيو قبل الماضي وتحتل أيضًا الديون نسبة عالية بالنسبة لجنوب أفريقيا، إذ يتوقع أن تصل إلى 75.79% في عام 2024[8].
تمثل قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية تحديًا آخر جذريًا يؤثر على شعبية حزب المؤتمر، هناك تفاوت كبير في توزيع الثروة والفرص في أفريقيا، حيث لا يزال الفقر وعدم المساواة قضايا رئيسية، وبرغم محاولات الحكومة تقليل تلك الفجوات فإنهما يزالان قضايا ملحة في المجتمع الجنوب أفريقي منذ نهاية نظام الفصل العنصري، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الأغلبية السوداء هي التي لازالت تعاني من الفقر والبطالة مثلما كان الحال خلال نظام الفصل العنصري، إذ وصلت نسبة الفقر بحسب إحصاءات البنك الدولي إلى حوالي 55.5% من إجمالي عدد السكان[9].
على المستوي السياسي، تعاني جنوب أفريقيا من تفشي الفساد، وانتشار العصابات وتصاعد معدلات الجريمة المنظمة، ففي السنوات الأخيرة لاحق العديد من السياسيين في جنوب أفريقيا اتهامات تتعلق بالفساد وسوء استغلال المناصب، بما فيهم الرئيس السابق جاكوب زوما، ويعتبر العديد من الجنوب أفريقيين أن الفساد يمثل التحدي الأبرز والأشمل بعد تحدي البطالة داخل البلاد.
وتواجه جنوب أفريقيا تحديات عرقية عديدة، بالرغم من مرور أكثر من عقدين على نهاية نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) في البلاد. فالعديد من هذه التحديات لا تزال قائمة وتلقي بظلالها اجتماعيًا.
ولايزال الفقر مرتبطًا بالعوامل العرقية في جنوب أفريقيا، مما جعل الوصول إلى الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية منحصرًا لبعض الطبقات العرقية[10]. كذلك يرى العديد من المواطنين أن التمثيل السياسي والفرص الاقتصادية لا تزال غير موزعة بالتساوي بين الأعراق في البلاد.
وتمثل التوترات العرقية قضية حساسة في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى عدة حوادث عنف وتصادمات. ولايزال الوصول إلى التعليم الجيد تحديًا بالنسبة للكثير من المواطنين، مما يؤثر على فرصهم في سوق العمل والتقدم الاجتماعي.
وعموما ماتزال الآثار النفسية والاجتماعية للفصل العنصري تُظهر تأثيرها في بعض الجوانب من التكوين المجتمعي في جنوب أفريقيا، وتحتاج إلى جهود مستمرة لمعالجتها ومواجهتها وهو ما يمثل تحديًا وقضية أساسية يجب حسمها في ظل الانتخابات القادمة.
إلى جانب هذا شهدت جنوب أفريقيا عدة كوارث وتغيرات مناخية كالفيضانات، والتي سببت العديد من الخسائر في جنوب أفريقيا وفاقمت من أزمات البنية التحتية، السيئة والمتهالكة بالأساس، تلك البنية التي زاد الضغط عليها بعد دخول العديد من اللاجئين من دول أفريقيا المجاورة هربًا من الصراعات المسلحة، مما أدى إلى حدوث أزمة في انقطاع الكهرباء، أدت لإعلان الرئيس رامافوزا حالة الكارثة الوطنية، التي تم إلغاؤها مؤخرًا، واستحداث منصب وزير الكهرباء للمرة الأولي.
خاتمة:
تطرح انتخابات جنوب أفريقيا المقرر إبرامها العام المقبل 2024 تساؤلًا رئيسيًا مفاده، هل تمثل تلك الانتخابات فرصة للتغيير عن الأغلبية المطلقة التي حصدها حزب المؤتمر طوال ما يقارب العقدين، وتجاوزًا لتراث مانديلا والمرحلة التي برز فيها الحزب كحزب يمثل رمز الاستقلال الجنوب أفريقي، أم لايزال الحزب بما يمتلكه من شعبية وقواعد وتراث تاريخي قادرًا على ضمان الأغلبية لصالحه، برغم ما يواجه من تحديات وصعوبات، وأزمات اقتصادية وتهم تتعلق بالفساد تطارد العديد من مسئوليه؟.
أما السؤال الآخر الذي يُمكن طرحه في المرحلة الحالية، هل تستطيع الأحزاب الجنوب أفريقية المعارضة والأفراد المستقلين، من إتمام تحالفات قوية والنجاح في إزاحة حزب المؤتمر عن السلطة، وذلك بعد عقود من تفتت تلك التحالفات، وضعف الأحزاب المكونة لها وعدم قدرتها على بناء قواعد شعبية قوية تضمن لها الفوز وتشكيل الحكومة؟
جريدة الشرق الأوسط، جنوب أفريقيا: السماح للمستقلين بخوض الانتخابات يُربك حسابات السياسيين، 18 إبريل
2023:
[2] مركز الاتحاد، رئيس جنوب أفريقيا يعد بفوز حزبه في انتخابات 2024، 2 سبتمبر 2023 :
[3][3] France 24 جنوب أفريقيا: تراجع شعبية حزب المؤتمر الوطني رغم تصدره نتائج الانتخابات، 10 مايو 2019:
[4] euronews. المعارضة في جنوب افريقيا توحد قواها في محاولة لإزاحة حزب المؤتمر الافريقي عن السلطة، 18 أغسطس 2023:
[5][5] swissinfo.ch فوز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في انتخابات جنوب إفريقيا، 11 مايو 2019:
[6] Kopano Gumbi, South Africa’s unemployment rate drops marginally in second quarter, Reuters, 15 August 2023,
Available at:
[7] Aaron O’Neill, South Africa: Inflation rate from 1987 to 2028, Statista, 23 Nov 2023,
Available at:
https://www.statista.com/statistics/370515/inflation-rate-in-south-africa/
[8] Aaron O’Neill, National debt of South Africa in relation to gross domestic product (GDP) 2028, Statista, 13 oct 2023.
Available at:
[9] World Bank, South Africa – World Bank,
[10] Natalie Cowling, Unemployment rate in South Africa 2019-2023, by population group, Statista, 6 oct 2023.
Available at:
https://www.statista.com/statistics/1129481/unemployment-rate-by-population-group-in-south-africa/