تقدير موقفدراسات التطرف

بعد مقتل إبراهيم رئيسي.. آفاق التصعيد بين إيران وإسرائيل (تقدير موقف)

إعداد: أحمد حسام علوانيمساعد باحث في برنامج دراسات التطرف

مراجعة :أحمد سلطان – مسئول برنامج دراسات التطرف بالمركز

  • مقدمة:

بالتوازي مع استمرار التصعيد الذي تشهده جبهات متعددة في ضوء التداعيات التي أفرزها طوفان الأقصى، جاء مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الغامض، حتى الآن، ليثير العديد من التساؤلات حول مستقبل المواجهة بين طهران وتل أبيب لا سيما وأن البلدين منخرطين في صراع إستراتيجي تحكمه العديد من المحددات الإقليمية والدولية.

وفي الحقيقة فإن الحادث الذي وقع لطائرة الرئيس الإيراني ومعه وزير الخارجية حسين عبد اللهيان المسؤول عن صياغة السياسية الخارجية الإيرانية في الفترة الماضية والذي يعد أحد أبرز القادة الإيرانيين في الوقت الحالي يرتبط بشكل أو بآخر بالتصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، إذ تشير بعض التقديرات والتحليلات إلى أن جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة الإسرائيلي “الموساد” قد يكون وراء هذه العملية[1].

ويعزز من الفرضية السابقة حالة الصراع الموجودة بين إيران وإسرائيل في الفترة الماضية والتي بلغت ذروتها حين هاجمت مقاتلات إسرائيلية القنصلية الإيرانية في دمشق، في أبريل الماضي، مخلفة قتلى وجرحى من بينهم العميد محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان وفلسطين والعميد محمد هادي حاجي رحيمي وذلك وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان[2].

ووجهت طهران، مباشرة، أصابع الاتهام إلى إسرائيل وردت بعد نحو أسبوعين بإطلاق مسيرات وصواريخ على أهداف في العمق الإسرائيلي،  في أول عملية مباشرة تشنها طهران ضد إسرائيل، وحينها أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اعتراض معظم الصواريخ خارج الحدود الإسرائيلية، بيد أنه عاد وأعلن أن الهجوم ألحق أضراراً طفيفة  بمنشأة عسكرية إسرائيلية هي قاعدة نفاطيم الجوية التي كانت مقرًا لانطلاق الطائرات الإسرائيلية لاستهداف القنصلية الإيرانية [3].

ولاحقًا نشرت صحيفتا معاريف وهآرتس، معلومات مناقضة لما ذكره الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري مشيرة بحسب أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية بالتعاون مع الحلفاء صدت نحو 84%  فقط من الهجوم، موضحة أن صور الأقمار الاصطناعية أظهرت إصابة واحدة على الأقل في أحد مباني المفاعل النووي في ديمونة بالنقب، وإصابتين في محيطه[4].

وفي المقابل، قال اللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية إن الهجوم الذي شنته طهران على إسرائيل وسمته بعملية “الوعد الحق” حقق كل أهدافه، وبدا وقتها أن الجانب الإيراني يميل إلى خفض التصعيد وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة مع تل أبيب [5].

وعقب الرد الإيراني، ترأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اجتماعاً لحكومة الحرب في تل أبيب ولوح المسؤولون الإسرائليون بأن إسرائيل سترد بشكل مباشر على الهجمات الإيرانية وفي قلب إيران [6]، وذكر بيتر ليرنر وهو متحدث عسكري إسرائيلي أن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يدرسون مجموعة واسعة من الخيارات للرد على الهجوم الصاروخي الإيراني وهناك الكثير من السيناريوهات المختلفة مردفًا أن الحكومة الإسرائيلية ستقرر الخطوات المقبلة[7].

وبالفعل، ردت تل أبيب، بعد أيام قليلة، باستهداف منظومات دفاع جوي في محيط مدينة أصفهان الإيرانية، دون أن تتبنّى المسؤولية عن الهجمات وهو ما فسره المحللون بوجود رغبة إسرائيلية في إنهاء أول مواجهة عسكرية علنية مع إيران وعدم التصعيد، كما أن الجانب الإيراني اعتبر أن الهجوم الذي تم بواسطة 3 مسيرات انتحارية صغيرة حدثاً أمنيا ًلم ينجم عن اعتداء من الخارج ولم يستهدف المنشآت النووية كذلك، وهو ما يعني أن طهران أيضًا لم تكن راغبة في التصعيد[8].

وعلى صعيد متصل، شهدت الأسابيع التالية لهذه الهجمات تصعيدًا في المواجهات العسكرية سواء على جبهة الشمال الإسرائيلي أو في داخل قطاع غزة حتى مع جهود الوسطاء المصريين والقطريين وضغوط الولايات المتحدة على إسرائيل وحماس من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وفُسر التصعيد لدى الدوائر الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية بأنه رسالة مباشرة من طهران لتل أبيب.

وفي خضم هذا التصعيد، جاء سقوط طائرة الرئيس الإيراني ومرافقيه لتزيد حالة التعقيد والتوتر الموجودة في الإقليم خصوصًا مع وجود شبهات حول العملية التي تمت بعد زيارة أجراها إلى أذربيجان التقى فيها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وأجريا معًا مباحثات مشتركة، فمن المعروف أن أذربيجان تعتبر من الدول التي ينشط فيها الموساد الإسرائيلي بشكل مكثف باعتبار قربها من الحدود الإيرانية كما تروج بعض الدوائر المقربة من السلطات الإيرانية أن الوصول إلى معلومات حول مسار طائرة الرئيس الإيراني جاء نتيجة وجود عملاء في أذربيجان سهلوا مهمة “الموساد”، وهو ما لم يمكن الجزم به بالطبع في الوقت الحالي، غير أن تلك التكهنات لو صدقت فستعنى تصعيدًا غير مسبوق بين طهران وتل أبيب[9].

  • السيناريوهات المستقبلية

واستنادًا إلى العرض السابق، يمكن رسم 3 سيناريوهات مستقبلية للتصعيد بين إيران وإسرائيل في مرحلة ما بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي:

  1. حرب الظلال

 في حال تأكد الجانب الإيراني من أن إسرائيل تقف وراء إسقاط طائرة إبراهيم رئيسي فيمكن أن لا تُعلن إيران بشكل مباشر مسؤولية تل أبيب عن الهجوم وتنخرط في عمليات انتقامية سرية ينفذها الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات الإيرانية وذلك لأن طهران ما تزال متمسكة بنهج الصبر الإستراتيجي ولا تريد توسع الصراع في الوقت الحالي بحيث لا يمكن ضبطه أو السيطرة على نتائجه، ومع ذلك فلا يمكن أن تصمت طهران وتمرر مقتل إبراهيم رئيسي دون رد مناسب، ويمكن أن ينخرط وكلاء إيران في ضربات داخل العمق الإسرائيلي تستهدف مقرات هامة للحكومة والجيش الإسرائيلي، وهذا هو السيناريو الأرجح وفق المعطيات الحالية.

  • توسيع الصراع

قد تغامر طهران بتوسعة الصراع إذا تأكدت من وجود يد لإسرائيل في مقتل إبراهيم رئيسي ومرافقيه وفي هذه الحالة فستسعى للضغط على إسرائيل عن طريق توجيه وكلائها وقواتها العسكرية بضرب العمق الإسرائيلي، وهو ما سيتبعه رد إسرائيلي بالتأكيد ويمكن في هذه الحالة أن يتحول الأمر لصراع إقليمي لا يمكن التنبؤ بمداه، وهذا السيناريو قد يكون الأبعد حاليا، بالنظر لمجموعة من العوامل منها طبيعة القيادة الإيرانية والأوضاع الداخلية في البلاد والمنطقة ككل.

  • التهدئة والصبر الإستراتيجي

قد تلجأ إيران إلى التهدئة وعدم التصعيد وذلك لاحتمالية أن يكون مقتل إبراهيم رئيسي جاء بسبب تقني أو بسبب الظروف الجوية أو عدم تأكد طهران من وقوف إسرائيل خلف مقتل الرئيس الإيراني، وهو ما ألمح له مسؤولون إسرائيليون عقب إعلان إيران اختفاء طائرة رئيسي، غير أن طهران ستواصل اتباع نهج الصبر الإستراتيجي وستعمل على تعزيز وكلائها في المنطقة للتصدي لأي تهديد إسرائيلي مستقبلي لإيران.

  • المصادر والمراجع:

  1- كيف قتل رئيسي.. خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر؟، العربية نت، 20- 5- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/ystrwh7d.

   2-  ارتفاع حصيلة قتلى الضربة على القنصلية الإيرانية في دمشق، سكاي نيوز عربية٤أبريل ٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤، على الرابط: https://n9.cl/eij8r      

3- إيران تعلن أن هجومها على إسرائيل “حقق كل أهدافه” والدولة العبرية تؤكد”إحباطه”،فرانس٢٤، ١٤-٤-٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦ /٤/٢٠٢٤، على الرابط ، https://n9.cl/05inv9

 4- ضربات متبادلة بين إيران وإسرائيل.. هل انتهت المواجهات عند هذا الحد؟ Euro News،،٢٠أبريل٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤.علي  الرابط التالي: https://n9.cl/8srwc%0d%0a%0d%0a    

  5-  المرجع السابق نفسه.

  6-  ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات إيران النووية؟ فرانس ٢٤، ١٥-٤-٢٠٢٤،تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤، على الرابط ، https://n9.cl/yiz8e

  7- المرجع السابق نفسه.

8- صالح النعامي، الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني: تصعيد المواجهة أم احتواؤها؟، الجزيرة نت، 22- 4- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/59hnexe4 .

  10- وفاة رئيسي.. “مخبر” يتولى الرئاسة مؤقتاً والانتخابات خلال 50 يوماً، الشرق نيوز، 20- 5- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/3cx9bntb .


[1] كيف قتل رئيسي.. خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر؟، العربية نت، 20- 5- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/ystrwh7d.

[2][2] – ارتفاع حصيلة قتلى الضربة على القنصلية الإيرانية في دمشق، سكاي نيوز عربية٤أبريل ٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤، على الرابطhttps://n9.cl/eij8r

[3]  إيران تعلن أن هجومها على إسرائيل “حقق كل أهدافه” والدولة العبرية تؤكد”إحباطه”،فرانس٢٤، ١٤-٤-٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦ /٤/٢٠٢٤، على الرابط ،https://n9.cl/05inv9

[4] -ضربات متبادلة بين إيران وإسرائيل.. هل انتهت المواجهات عند هذا الحد؟ Euro News،،٢٠أبريل٢٠٢٤، تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤.علي  الرابط التالي ،https://n9.cl/8srwc%0d%0a%0d%0a

[5] – المرجع السابق، https://n9.cl/05inv9

[6] – ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات إيران النووية؟ فرانس ٢٤، ١٥-٤-٢٠٢٤،تاريخ التصفح٢٦/٤/٢٠٢٤، على الرابط ، https://n9.cl/yiz8e

[7] -المرجع السابق،https://n9.cl/yiz8e.

[8]  صالح النعامي، الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني: تصعيد المواجهة أم احتواؤها؟، الجزيرة نت، 22- 4- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/59hnexe4.

[9] وفاة رئيسي.. “مخبر” يتولى الرئاسة مؤقتاً والانتخابات خلال 50 يوماً، الشرق نيوز، 20- 5- 2024، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/3cx9bntb.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى