ترجمات وعروض : الانقلابات العسكرية في غرب ووسط أفريقيا: حقائق ومعلومات.
إعداد:هدير أحمد حسانين – منسق مجموعة عمل الدراسات الافريقية بالمركز
مراجعة:سلوى مأمون -المسؤولة التفيذية لمجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
في الأول من يوليو الجاري، كتبت ندزالاما كليوباترا ماثيبولا – محاضرة مساعدة في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة جوهانسبرغ- مقالًا على Accord بعنوان “المعضلة الأمنية التي تفرضها الانقلابات في غرب ووسط أفريقيا”. تناول هذا المقال عدة محاور تتبلور في التالي: المحور الأول تناول الانقلابات العسكرية التي شهدتها منطقة غرب ووسط أفريقيا، وناقش المحور الثاني العلاقة بين سيكولوجية المخاطرة والنفور من المخاطرة، في حين تطرق الثالث إلى الإشكالية المدنية العسكرية، بينما عرض المحور الأخير حالة مالي: ” انقلاب داخل انقلاب”، وفي هذا الإطار سلّط المقال الضوء على المعضلة الأمنية التي يواجهها القادة العسكريون من اختيارهم بين أن يتم قمعهم من قِبَل أصحاب السلطة أو قمع الأمة بأكملها كوسيلة للبقاء في السلطة وضمان عدم الإطاحة بهم؛ بالتالي يفضل العديد من القادة العسكريين اختيار الضربة الوقائية وقمع الأمة بأكملها، ويمكن اعتبار هذا بمثابة ضربة وقائية للحد من قدرة العدو قبل أن يتمكن من الهجوم، وتُعد حالة مالي وما شهدته من انقلاب داخل انقلاب الدليل الأوضح على ذلك.
الانقلابات العسكرية في غرب ووسط أفريقيا: حقائق ومعلومات.
شهدت القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة وخاصة منطقة غرب ووسط أفريقيا تصاعدًا في الانقلابات والوسائل غير الديمقراطية للاستيلاء على السلطة؛ وبالتحديد في مالي في أغسطس 2020، وتشاد في أبريل 2021، وغينيا في سبتمبر 2021، وبوركينا فاسو في يناير 2022، والنيجر في يوليو 2023، والجابون في أغسطس 2023.
أثارت الخصوصيات المحيطة بهذه الانقلابات جدلاً في الساحة الأكاديمية، حيث يسعى الباحثون إلى فهم المنطق والدافع وراء التصاعدي ، ويشير نمط هذه الانقلابات إلى احتمال انتقال عدوى الانقلاب، وهو الرأي الذي ينتقده سينغ؛ حيث يجادل سينغ بأنه لا يوجد دليل على وجود موجة معدية، بل إن ما تشهده المنطقة هو تأثير متزامن للدول التي كانت عرضة للانقلابات سابقًا في غرب ووسط أفريقيا.
وفي هذا الإطار يؤكد “أسادو” أن الدعم الشعبي الذي حظيت به العديد من هذه الانقلابات يشير إلى أنظمة سياسية متهالكة وشيوع جو من عدم الاستقرار السياسي، ركود في النمو الاقتصادي، تدهور مستويات المعيشة، ولكن الأهم من ذلك فشل الديمقراطيات، وانهيار سيادة القانون في العديد من الدول الأفريقية مع فشل الديمقراطيات في إحداث التغيير، قد استسلمت العديد من الدول الأفريقية لإقالة الرؤساء بالقوة والاستيلاء على السلطة.
تسعى المقالة إلى التركيز على قادة الانقلاب وقوتهم العسكرية وتأثير العوامل النفسية والتحيز المعرفي وكيف يختارون الاستجابة لما يعتبرونه مخاطرة وفي هذا الصدد سيتم التعريف ” بالمخاطرة ” على أنها” فقدان السيادة داخل دائرة الانقلاب”.
العلاقة بين سيكولوجية المخاطرة والنفور من المخاطرة
تناقش مبادئ المخاطر السياسية كيف أن الروابط المتعددة بين سيكولوجية المخاطر، والنفور من المخاطر، والقمع، والعلاقات المدنية العسكرية تفسر طبيعة عودة الانقلابات في الدول الأفريقية.
في هذا الصدد يشير كلًا من ” مودران وكوني” إلى أن تصاعد الانقلابات في منطقة غرب أفريقيا تعكس مواجهة التحديات لأنظمتهم السياسية التي تفشل باستمرار في تلبية التوقعات الديمقراطية؛ بالإضافة إلى انتشار الفساد داخلها ، من جانب تطرق “واريك آشر” إلى مصطلح سيكولوجية المخاطرة التي يحدد المعالجة العقلية التي يقوم بها الأفراد في إدراك المخاطر وتقييمها والاستجابة لها؛ تتمثل أحد الجوانب الرئيسية التي يتم تقديمها هنا أن الأفراد لا يتخذون دائمًا قرارات عقلانية أو موضوعية عندما يواجهون تقييم المخاطر وعدم اليقين، وبالتالي فإن التحيز المعرفي والإدراكي هو ميل الفكر إلى تبسيط معالجة المعلومات من خلال تفضيل المرشح وتصبح التجارب الشخصية ذات أهمية كبرى.
وعند مناقشة عودة الانقلابات إلى الظهور في أفريقيا، تبرز فكرة القمع وتجنب المخاطرة، وبسبب الطبيعة غير المستقرة وغير القابلة لحكم الحكومات الانقلابية، فإن الطريقة التي يتم بها الوصول إلى السلطة هي نفس الطريقة التي ينبغي أن يتم بها الحفاظ عليها؛ الأمر الذي يزيد من خطر القمع في الدول ويخلق دولة شديدة العسكرة ، إلا انها في ذات الوقت أكثر هشاشة وعُرضه لانقلابات مستقبلية ، وإن التغيير في القيادة الذي عجلت به الانقلابات ووصول عسكريون إلى الحكم يشير إلى نظام سياسي مشوهًا ومليئًا بالعيوب لدرجة أنه وصل إلى نقطة فقد فيها شرعيته.
الإشكالية المدنية العسكرية
إن تغيير القيادة الذي نتج عن الانقلابات والذي حاز على الدعم الشعبي يشير إلى نظام سياسي فقد مصداقيته ويعاني من أوجه القصور لدرجة أنه وصل إلى نقطة فقد فيها شرعيته. وفي هذا الصدد يوجب التأكيد على أن هذا النوع من انتقال القيادة لا ينتج عنه أي تغيير تقريبًا؛ وفقًا ل “بيتر فيفر” الذي يؤكد على أن انتقال القيادة بهذا الشكل يؤدي إلى إشكالية مدنية عسكرية، حيث أن القوات المسلحة التي لديها الوسائل للدفاع عن دولتها لديها أيضا الوسائل لمهاجمتها، وهذا يعني أنها لديها وسيلة لوضع قائد للانقلاب و وسيلة الإطاحة به، الأمر الذي يُزيد من مستوى جنون العظمة وعدم الثقة بين قادة الانقلاب وكبار العسكريين والنخبة العسكرية.
تأسيسًا على ما سبق، فإن الأفراد المشاركين في الانقلاب يعانون باستمرار من تصور متحيز ما يجعلهم يعتبرون أنفسهم منافسين قد يضربون ضربة وقائية كشكل من اشكال الحماية والتدبير لتجنب المخاطرة.
وفي هذا الإطار فإن المعضلة التي يواجهها هؤلاء القادة العسكريون من الاختيار من أن يتم قمعهم من قبل أو قمع الأمة بأكملها كوسيلة للبقاء في السلطة وضمان عدم الإطاحة بهم؛ وبالتالي يفضل العديد من القادة العسكريين اختيار الضربة الوقائية وقمع الأمة بأكملها ، بالنسبة إلى هذه المعضلة الأمنية يتم الإطاحة بعدد لا حصر له من قادة الانقلاب بشكل متكرر من قبل جيشهم، الذي لا يسعى إلى تغيير القيادة لصالح الأمة بأكملها ولكن كوسيلة للوصول إلى السلطة؛ ويمكن اعتبار هذا بمثابة ضربة وقائية للحد من قدرة العدو قبل أن يتمكن من الهجوم؛ وهذا يشير إلى شكل من أشكال التأطير النفسي والنفور من المخاطرة في كيفية اختيار الأفراد لإدراك المخاطر والاستجابة لها.
حالة مالي: ” انقلاب داخل انقلاب”
وفقًا لما سبق يُعد انقلاب مالي عام 2020 نموذج تطبيقي للحُجة المُقدمة أعلاه؛ فقد استند “أسيمي جويتا” إلى الاستياء الشعبي واسع النطاق تجاه من في السلطة عندما أطاح بهم؛ وعلى الرغم من ذلك لم يمض عام على الانقلاب حتى نَفذّ انقلاب أخر ففي مايو 2021 قاد انقلابًا أطاح بذات الحكومة الانتقالية التي ساعد في تأسيسها، ودعا إلى تعديل وزاري؛ وفقًا لهذا التعديل استبعد اثنين من القادة العسكريين الرئيسيين من الحكومة؛ أشار الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى هذا باعتباره ” انقلابًا داخل انقلاب”.
إجمالًا عند تحليل اتجاهات الانقلابات هذه باستخدام قواعد سيكولوجية المخاطرة، يتضح مدى تأثير البيئة العدائية التي أنشأتها الانقلابات والتي تؤدي حتمًا إلى القمع:
أولًا أطاح “أسيمي” بالحكومة الانتقالية التي ساعد في تأسيسها، لكنه لم يفعل ذلك بهدف التنمية وتحسين الحكم في مالي؛ وإنما التغيير المفاجئ في القيادة كان مدفوعًا بإطار نفسي فردي وتحيز إدراكي للاستجابة لما اعتبره مخاطرة، وعلى هذا النحو اختار أن يكون هو القامع بدلًا من أن يتم قمعه.
ثانيًا كإجراء لتجنب المخاطرة وضربة وقائية، استبعد اثنين من القادة الرئيسيين الذين أشاروا إلى مشكلة مدنية عسكرية لأسيمي، فقد أظهروا القدرة على الإطاحة به، تمامًا كما أطاح بالحكومة الانتقالية السابقة.
تجدر الإشارة إلى أن الطبيعة غير المنسقة للانقلابات تخفض من مستوى تغيير القيادة في حين تشجع السلوك المتمرد؛ وعلى هذا فإن القادة العسكريين لكي يحافظوا على النظام ويحتفظوا بالسلطة لابد وأن يمارسوا القمع على المجتمع بأسره، ومن ثم فإن مفهوم تغيير القيادة برمته لا طائل منه في تحقيق التنمية الفعلية لهذه الدول.
للاطلاع على النسخة الأصلية من المقال، يرجى زيارة الرابط التالي:
https://www.accord.org.za/analysis/the-security-dilemma-of-coups-in-west-and-central-africa /