تقارير

ترجمات وعروض :نحو أنظمة تعليميّة فعّالة بأفريقيا جنوب الصحراء

اعداد :

نهاد محمود أحمد – باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

نشر معهد الدراسات الأمنية مقالًا حول واقع التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء، من حيث التحديات الراهنة التي تواجهها بنية العملية التعليمية بهذه البُقعة من القارة، والتي تؤدي إلى تأخر النتائج المأمولة من مُخرجات مسار العملية التعليمية. كما سلّط المقال الضوء على مقاربات وسياسات التعاطي مع أبرز التحديات التي تقف عائقًا أمام تحقيق جودة التعليم المنشودة، بما يؤدي في الأخير إلى خلق أنظمة تعليميّة تلائم الواقع الأفريقي وسياقه المحلي شديد الخصوصية.

 في البداية يشير المقال إلى عام 2024 والذي كرّسه الاتحاد الأفريقي من أجل تحسين جودة التعليم، وهي مهمة تتطلب مقاربات أكثر حداثة وسرعة، لاسيما التكنولوجية منها. وتتزايد أهمية تحسين التعليم في أفريقيا مع إدراك أن ذلك من شأنه خَفض عدد الفقراء بنحو 47 مليون شخص بحلول عام 2043. كما يمكن أن يضيف 368.4 مليار دولار أمريكي إضافية إلى الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، ومكاسب أخرى إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تبلغ حوالي 240 دولارًا أمريكيًا.

فوائد ومُكتسبات:

وفقًا لدراسة أجراها برنامج المستقبل الأفريقي والابتكار التابع لمعهد الدراسات الأمنية، وبالقياس على ما أظهرته أبحاث أخرى، فإن كل سنة إضافية من الدراسة في أفريقيا جنوب الصحراء ترتبط بزيادة تقارب 0.6٪ في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل. على الرغم من الفوائد الملموسة للتعليم، لا تزال أفريقيا، وخاصة أفريقيا جنوب الصحراء، تكافح من أجل تحسين النتائج المرجوة من العملية التعليمية. في هذا الشأن كشف التقرير المرحلي لعام 2022 حول تنفيذ أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063 أن أفريقيا فشلت في تحقيق جميع أهداف التعليم، حيث بلغت درجة الأداء الإجمالية 44٪. ولا يزال الوصول إلى التعليم محدودًا في المرحلة الأساسية من التعليم، ولا يحضر العديد من الأطفال -ممَن هم في سن الذهاب إلى المدرسة- إلى الفصول الدراسية.

تراجع في مسار العملية التعليمية:

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، فإن  أكثر من 20٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام و11 عامًا، وأكثر من 33٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا، غير ملتحقين بالمدارس في أفريقيا جنوب الصحراء. أما بالنسبة لأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، فإن غير الملتحقين منهم بالمدارس تصل نسبتهم إلى 60٪. وتدلل هذه الأرقام على التسرب والانكماش السريع في مسار التعليم في أفريقيا، حيث تتسرب أعداد متزايدة من الأطفال طوال الوقت. في حين بلغ إجمالي الالتحاق بالمدارس الابتدائية في أفريقيا جنوب الصحراء 101.7٪ في عام 2019، انخفض الرقم الخاص بالمستويات الدنيا والعليا من التعليم (إعداي وثانوي) بشكل حاد إلى 58.4٪ و36.6٪ على التوالي. وكانت مستويات الالتحاق بالتعليم العالي كانت الأسوأ -حيث انخفض إجمالي الالتحاق بالتعليم العالي في أفريقيا جنوب الصحراء إلى 10٪. لذا يُقال إن إفريقيا قد فشلت في تحقيق جميع أهداف التعليم وفقًا لأجندة الاتحاد الأفريقي 2063.

شكل رقم (1)

معدل الالتحاق بالتعليم في كل من: أفريقيا جنوب الصحراء، شمال أفريقيا، العالم

(من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية، بترتيب الألوان: الأزرق، الأصفر، الأخضر، الأرجواني)

Source: International Futures model

من عدم تكافؤ الفرص إلى تدني جودة التعليم:

إلى جانب هذه التحديات سالفة البيان، التي يواجهها الشباب الأفريقي في المسار التعليمي، تبرز مشكلات أخرى كعدم المساواة في الحصول على التعليم، والتي تحمل تكلفتها الإناث؛ حيث كُنّ الأكثر تضررًا في هذا الأمر. وتقول اليونسكو إن ما يُقَدّر بنحو تسعة ملايين فتاة في أفريقيا تتراوح أعمارهن بين ستة أعوام و11 عامًا لا يذهبن إلى المدرسة أبدًا، مقابل ستة ملايين صبي في نفس الفئة العمرية.

إضافة لما سبق فإن نوعية التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء رديئة للغاية وفقًا للمعايير العالمية، على هذا الصعيد يقول تحديث حالة التعلم العالمي إن ما يقرب من 90٪ من الأطفال في إفريقيا لا يستطيعون القراءة بفهم في سن 10 سنوات. في هذا السياق حدد تقرير للبنك الدولي صدر في عام 2018 الأسباب الأربعة المباشرة التي تقف حائلًا أمام تحقيق جودة التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء والتي تمثلت فيما يلي:

  1.  يصل العديد من الأطفال غير مستعدين للتعلّم بسبب الأمراض أو سوء التغذية أو الحرمان من الدخل.
  2.  غالبًا ما يفتقر المعلمون إلى المهارات والدوافع اللازمة لمهنة التدريس.
  3.  لا تصل المقررات الدراسية وكل ما يتعلق بالعملية التعليمية إلى الفصول الدراسية في الوقت المناسب. 
  4. يؤدي سوء الإدارة والحوكمة إلى تقويض جودة التعليم.

الفجوة بين التعليم ومُتطلبات سوق العمل:

يواجه التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء تحديًّا أخر وهو عدم التوافق بين طبيعة التعليم المُقدّم وما يريده أرباب العمل وسوق العمل بشكل عام. في هذا الإطار نشير إلى تقرير صادر عن بنك التنمية الأفريقي ذكر أن معظم الأشخاص الذين ينهون دراستهم لا يتمتعون بالمهارات التي تتطلبها فرص العمل المتاحة. ويفتقر الشباب عمومًا إلى المهارات الشخصية والشبكات الاجتماعية والخبرة المهنية اللازمة للتنافس مع المتقدمين للوظائف الأكبر سنًا.

كما يشير المركز الأفريقي للتحول الاقتصادي  إلى عدم التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والتعليم التقني والمهني والمهارات المعرفية والتحليلية العليا. في الواقع، على سبيل المثال في عام 2019، كان 8.5٪ فقط من طلاب المدارس الثانوية العليا مسجلين في البرامج المهنية في أفريقيا جنوب الصحراء، في حين أن 14.2٪ فقط من خريجي التعليم العالي كان لديهم خلفية علمية وهندسية، وهي المجالات الأكثر حيوية لسوق العمل.

سياسات المواجهة:

نحتاج للتعاطي مع حجم هذه التحديات اتخاذ إجراءات عاجلة، بناء عليه خصص الاتحاد الأفريقي عام 2024 للتعليم. وكان الهدف هو “تثقيف أفريقي مناسب للقرن 21” من خلال زيادة الوصول إلى التعليم، على أن يكون شاملًا ومُستدام وجيد وذو صلة بسوق العمل. ولاشك أن تحقيق ذلك ليس بالأمر المستحيل ولكنه يتطلب جهودًا متضافرة، وطرقًا جديدة للتفكير، واعتمادًا سريعًا على التكنولوجيا، إضافة إلى ضرورة وجود حوكمة منضبطة.

كما يجب على أفريقيا جنوب الصحراء والجهات ذات الصلة بإدارة وتطوير ملف التعليم، تحسين كل مستوى من مستويات التعليم بما يضمن الاحتفاظ بالطلاب الموجودين بالفعل وزيادة عدد المتقدمين لاحقًا، لتوسيع أعداد المتعلمين في كل مرحلة متعاقبة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ سياسات جذب مثل تأسيس مزيد من المدارس الثانوية العليا المجانية وتبني مزيد من برامج التغذية المدرسيّة لزيادة معدلات الالتحاق بالمدارس والبقاء على قيد الحياة.

 من جهة أخرى يمكن توفير التدريب المهني والتقني بدلًا من التركيز فقط على التعليم الأكاديمي. إن مجرد دفع الأطفال إلى المدرسة ليس حلًا نهائيًا للأزمة، خاصة إذا كان تعليمهم لا يطور أساسيات القراءة والكتابة والحساب لديهم، ولا يسمح لهم ببناء المهارات المطلوبة للثورة الصناعية الرابعة.

بناء عليه نقترح بأن تخصص البلدان الأفريقية ساعات إضافية لتدريس الحساب ومحو الأمية في مرحلتي ما قبل الابتدائي والابتدائي لوضع الأساس الصحيح للقراءة والرياضيات. كما يجب استخدام تقنيات وأساليب التدريس الحديثة لمواجهة التحديات المستقبلية، خاصة بعد جائحة كوفيد-19. في هذا الصدد يمكن عقد شراكات مع شركات الاتصالات ومقدمي خدمات الإنترنت من أجل تقليل تكلفة خدمات الإنترنت على الأُسَر والطلاب والجهات التعليمية، بما يؤدي لتوفير هذه الخدمات للطلاب على نحو لا يعيق حتى التعلم الافتراضي. ولا يجب أن ننسى خلال ذلك رفع مهارات المعلمين، وتصميم أساليب للتدريس تراعي الظروف المحلية للبلدان الأفريقية، على أن يتم مشاركة أولياء الأمور في هذه السياسات لاختيار ما يلائم احتياجات وظروف أبنائهم، وكلها أمور لا غنى عنها حال أردنا بحق إنشاء أنظمة تعليميّة فعّالة في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء.

رابط المقال: https://rb.gy/ztegn9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى