قراءة في مؤتمر القاهرة: خطوات نحو حل النزاع السوداني”
اعداد : نورهان شرارة- – باحثة بوحدة الدراسات السياسية
مراجعة : رامي زهدي – عضو الهيئة الاستشارية للدراسات الافريقية بالمركز
المقدمة
على مدار يومين احتضنت القاهرة مؤتمراً لقوى سياسية سودانية في غياب “الدعم السريع” و” ممثلين عن الجيش السوداني”، فقد مر عام ونيف والسودان بين رحى الحرب ونيران النزوح، ولا تعرف للسلام طريق في ظل تقاتل فصيلين مسلحين ينتميان إلى ذات الدولة ونفس الشعب.
منذ أبريل عام 2023 وخلال ساعات الصباح في نهار شهر رمضان الفضيل تم إطلاق أول رصاصة استقرت في جسد أحد السودانيين لتبدأ بعدها مرحلة هي الأخطر في تاريخ السودان وتستمر لعام وثلاثة أشهر استمرت خلالها محاولات التهدئة أو الحل السلمي وسط تعنت من الطرفين أودى بالسودان إلى نفق مظلم لا خروج منه.
القاهرة تعود من جديد لتضع يدها في قلب الأزمة محاولةً الجمع بين الأطراف المتناحرة والتوصل إلى حل ينهي نزيف الولايات السودانية التي هي الآن في طور النهاية، لذلك دعت جمهورية مصر العربية الأطراف السودانية الفاعلة في الأزمة لعقد مؤتمر “القوى السياسية والمدنية السودانية”، تحت شعار “معاً لوقف الحرب”، والمؤتمر الذي استغرق يومين متتاليين هدف إلى تقديم رؤى لإنهاء النزاع، وذلك بحضور ممثلين لمنظمات إقليمية ودولية، ودبلوماسيين من دول أفريقية وعربية وأوروبية، ولكن مع غياب طرفي الأزمة الرئيسيين.
الأطراف المشاركة في المؤتمر
أما عن الأطراف التي شاركت في المؤتمر فقد ضم عدداً من الشخصيات السودانية المؤثر بينهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، ورئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، ووزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، ورئيس “حركة تحرير السودان”، مني أركو ميناوي.
وضم المؤتمر أيضا رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر، ورئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي بابكر فيصل، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ورئيس حزب البعث كمال بولاد، وقائد حركة تحرير السودان -المجلس الانتقالي الهادي إدريس، وزعيم تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، بجانب ممثلي المهنيين والنقابات والمجتمع المدني ولجان المقاومة
وحضر المؤتمر كذلك رئيس قوى “الحراك الوطني” السوداني، التيجاني السيسي، منظمات دولية وإقليمية، بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، ومنظمة (إيغاد) ، بالإضافة لأطراف “منبر جدة”، ومبعوث الولايات المتحدة الأميركية للسودان، توم بيريلو
ملفات المؤتمر
دار مؤتمر القاهرة حول ثلاثة ملفات رئيسة طرحتها مصر لإنهاء النزاع، تضمنت “وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية للحل”، وتستهدف تلك المحاور الثلاث بناء الثقة بين الأطراف السياسية بالسودان وخاصة المعنية بالأزمة، ووضع خريطة طريق لحوار سياسي أوسع وأشمل لحل الأزمة.
وعلى مدار يومين اجتمعت الأطراف المشاركة في المؤتمر بالعاصمة المصرية القاهرة ليخرج بعدها بيانًا ختامياً للمؤتمر يوضح كل ملف من الملفات على حدى.
واعتبر البيان أن ما يمر به السودان من أزمة واقتتال هي لحظة حرجة من تاريخ السودان، تُهدد استقراره واستقلاله ووحدة أراضيه، وبقاءه كدولة واحدة وأنه ينبغ ي الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، ودعت الأطراف المشاركة في المؤتمر جميعاً طرفي القتال للعودة إلى التفاوض من أجل إنهاء معاناة الشعب السوداني.
وتوافقت الأطراف المشاركة في المؤتمر على العمل لوقف القتال، والعمل على بداية فترة انتقالية جديدة توصل السودان إلى مرحلة تأسيس دولة حقيقية مع تجنب كل الأسباب التي أدت إلى إفشال الفترات الإنتقالية السابقة.
أما عن الإغاثة الإنسانية التي يحتاجها الشعب السوداني، فقد جاء البيان الختامي مؤكدا على ضرورة الالتزام بإعلان جدة، علاوة على النظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب والتي اتسعت رقعتها أضعاف ما كانت حين الاتفاق السعودي، وارتفعت معها معاناة الشعب السوداني من نزوح ومجاعات وأزمات صحية كارثية، وقتل العشرات كل يوم.
ودعا البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية إلى حماية العاملين فى المجال الإنساني، وأكد على ضرورة عدم تعرضهم للخطر والملاحقة من قبل أطراف وفقاً للقانون الدولي والإنساني.
واتضحت والرؤية السياسية للحل بعد انتهاء المؤتمر وخلال عرض التقرير الختامي، حيث اتفق الأطراف الحضور على أن أي عملية سياسية مستقبلية يجب أن تشمل كافة الأطراف الفاعلة بالسودان، وفي إطار احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وناقشت المشاورات خطة لإجراء حوار سوداني شامل، تشارك فيه كل الأطراف والقوى السودانية، بما فيها القوى التي لم تحضر مؤتمر القاهرة ، للمساهمة في وقف النزاع والعودة إلى التفاوض والإلتزام بما سبق من اتفاقات وكذلك العودة إلى العمل بما جاء في إعلان جدة.
قراءة في مخرجات المؤتمر
جمعت وزارة الخارجية المصرية أكثر من 50 من قيادات القوى السياسية والمدنية والمجتمعية وشخصيات قومية ورجال دين وإدارات أهلية، كما رعا الجانب المصري التوازنات على ضفتي المشهد السوداني، حيث تضمنت الدعوات القوى المحسوبة على تحالف قوى الميثاق الوطني المساندة للجيش، والقوى المدنية الديمقراطية “تقدم” والمعروفة في الأوساط السياسية السودانية بموالاة قوات الدعم السريع، وهذا التوازن جعل من مؤتمر القاهرة مدخلاً هاماً وفرصة قوية لعودة أطراف الأزمة لطاولة المفاوضات، ودراسة التداعيات السلبية للقتال بالسودان وطبيعة الاحتياجات المطلوبة للمتضررين، وكذلك وضع محددات واضحة للحوار السياسي السوداني – السوداني الذي دعا إليه المؤتمر.
إن من أهم مكتسبات مؤتمر القوى السياسية السودانية إدراك تلك القوى أن السودان الآن أصبح في مهب الريح وأن مسئولية التوصل لحل سياسي يهدأ من الأزمة تقع الآن على عاتق تلك القوى السياسية المشكلة للمجتمع السوداني حيث أنها منوطة بوضع تصور سياسي وقيادة المشهد في السودان وأن من دون تلك الجهود لن تضع الحرب أوزارها.
مؤتمر القوى السياسية السودانية في نظري جاء ليعبر عن جهود مصرية محسوبة إزاء الأزمة، وأوضح منهجها في التقريب بين الأطراف السودانية للتوصل أخيراً إلى حل سوداني – سوداني لوقف الحرب والخروج بالسودان إلى النور مرة أخرى، لذلك فان نجاح المؤتمر ومخرجاته يتوقف فقط على مدى التقارب الذي أحدثه بين القوى السودانية والانتهاء من مرحلة التخوين وتبادل الاتهامات وعدم الثقة المتبادلة بين القوى أطراف الأزمة، وكذلك تصفية الخلافات بين تلك القوى وتغليب مصلحة السودان على المصالح الشخصية أو مصالح تيار معين.
أخيراً، يجب التسليم بأن المؤتمر لم يكن أبدا مؤتمر “الفرصة الوحيدة”، ولم يكن كذلك مؤتمر “الفرصة الأخيرة” وأن عمق وتعقد المشهد فى تظل تلاقى وتضاد المتغيرات وتنافر الأطراف وارتفاع خط الاختلافات في الرؤى والمواقف وفي الخلفيات الحاكمة، يجعل المؤتمر مؤتمراً “للفرصة الهامة”، وإعادة محتملة للمسار الإيجابى الذى وإن ارتضت وتوافقت الأطراف معظمها عليه، قد يكون بداية للدفع بطرف ثالث إلى طرفي الصراع لكنه طرف ديناميكى فى معادلة الحل، كونه يتبنى أو يجب أن يتبنى إطار توافق القوى المدنية والسياسية وذات الصلة والتأثير فى مكونات الدولة والشعب والأمة السودانية، سواء كانت أحزاب أوحركات مدنية أو حركات مسلحة أو قبائل وعشائر وسياسين مستقلين.
إن القاهرة بمؤتمرها , تلقى بما تستطيع من أطواق النجاة للدولة السودانية التى توشك على الغرق فى خطايا أبنائها، وبدا أن الدولة السودانية تتدمر داخلياً وذاتياً.
لن تستطيع القاهرة بهذا المؤتمر ولا بألف مؤتمر مثله أن تنقذ السودان مالم يرغب ويصدق أهل السودان أنفسهم فى هذا المسعى.
كذلك كان لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي فى اليوم التالي للمؤتمر مع بعض القوى السياسية السودانية التى شاركت فى اليوم الأول مؤثراً جداً، ربما لأنهم رغبوا أو هو هام لهم ولنا، ان يسمعوا بأنفسهم وبشكل مباشر صوت مصر ممثلاً فى رئيسها كقمة الهرم السياسي المصري، وربما حديث الرئيس لهم كان معبراً عن التطلعات المشتركة للمصريين والسودانيين فى عودة سريعة للدولة السودانية، التى يحتاج الجميع عودتها وأن مصر والسودان كلا منهما يدعم الأخر وقت الحاجة، لأن كلاهما يصبح أقوى بقوة الأخر.
التوصيات
- على القاهرة أن تعي أن المؤتمر محاولة أولية لتقريب وجهات النظر وتوحيد الجهود السودانية وأنه لن يؤتي ثماره إلا بعد تكراره مراراً والجمع بين القوى المختلفة والتوصل إلى هدف واحد.
- المؤتمر لاقى اختلافاً كبيراً حول مخرجاته وسط رفض بعض القوى لتلك المخرجات وهو ما يؤكد ضرورة استمرار سعى القاهرة في محاولاتها للتقريب بين تلك القوى.
- الأزمة السودانية بين الجيش والدعم السريع لن تنتهي إلا بتصفير العداد لصالح أحدهما، وذلك لن يكون بالغلبة الحربية على ساحة المعركة، إنما سيكون بتدخل الأطراف الخارجية الفاعلة في الأزمة السودانية لذلك على القاهرة محاولة التوفيق بين تلك الأطراف.
- ضرورة عمل مظلة واحدة تجمع كافة القوى السياسية على هدف واحد وهو إنهاء الحرب السودان، وبدء فترة انتقالية جديدة بمساندة القوى المدنية، والضغط على طرفي الأزمة الرئيسيين لإنهاء الحرب.
- على القوى السياسية المدنية بالسودان عمل خارطة طريق واضحة تهدف إلى توحيد صفوف الجيش تحت قيادة واحدة من أجل بناء سودان قوي.
- ضرورة تطهير الجيش ومرافق الدولة من بقايا نظام البشير ووضع خطة لتسيير الدولة لحين انتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة.
المصادر