Uncategorized

ماذا سيحدث في قمة الناتو التاريخية بواشنطن؟

كتب : أحمد ياسر صحفي متخصص في الشؤون العربية والدولية

قمة تاريخية سيجتمع فيها زعماء حلف شمال الأطلسي، في الفترة من 9 إلى 11 يوليو الجاري، بالعاصمة الأمريكية واشنطن، بعد مرور 75 عامًا على تأسيس الحلف عام 1949،  في وقت محفوف بالمخاطر في تاريخ الناتو، إذ يواجه التحالف حربًا في أوروبا وسط عدة أزمات عالمية.

وتطرح على طاولة مناقشات الحلف في قمة واشنطن ثلاثة مواضيع رئيسية،  (الأول) هو تعزيز دفاع الحلفاء والردع، (الثاني) هو دعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها، وهو البند “الأكثر إلحاحا” على جدول الأعمال، (الثالث) هو الاستمرار في تعزيز الشراكات العالمية لحلف شمال الأطلسي، “وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

وهنا يثار تساؤل عن جدول أعمال الدفاع والردع لحلف شمال الأطلسي في الجلسة المقبلة؟ وهذا السؤال يرتبط بأولويات الحلف بشكل وثيق فمنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كانت الأولوية الرئيسية لحلف الناتو، هي تعزيز الدفاع والردع لتجنب الحرب، لقد تغيرت هذه الأجندة قبل عامين بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، ووافق(الناتو) على مفهوم استراتيجي جديد في قمة مدريد، يرتكز على الجهود القائمة لتعزيز الدفاع والردع، وبعد مرور عام، اتفق الحلفاء في فيلنيوس، على خطط جديدة لتحقيق هذه الرؤية، وستركز قمة واشنطن، على تنفيذ هذه الخطط لردع الهجوم المسلح والدفاع عن التحالف.

ومنذ مؤتمر مدريد، أحرز حلفاء الناتو تقدماً كبيراً في التنفيذ، فقد زاد الإنفاق الدفاعي، وتعزز لدفاع الأمامي، وزادت القوات ذات الاستعداد العالي، وحدثت القيادة والسيطرة، وأحدثت تحولاً في التدريبات الدفاعية الجماعية، ونجحت في دمج حليفين جديدين هما فنلندا والسويد، كل هذا يعني أن الناتو مستعد “للقتال”.

ولكن، يظل التساؤل قائما حول ما إذا كان حلف الناتو، مستعدا لخوض حرب طويلة الأمد، وبالتالي ردعها، مثل الحرب في أوكرانيا، وهذا أمر بالغ الأهمية في أوروبا، لتعزيز “الركيزة الأوروبية” للتحالف، وهنا يتعين على زعماء الحلفاء أن يتفقوا على أربع “أعراف”: المزيد من الأموال المخصصة للناتو، والمزيد من القوة القتالية، والمزيد من القدرات، والمزيد من التعاون.

وفي هذا السياق، تبقى أزمة الصراع الروسي الأوكراني حاضرة على قمة أولويات الحلف، فعندما التقى بالرئيس زيلينسكي الأسبوع الماضي للتحضير للقمة، قال الأمين العام للناتو ستولتنبرغ: “إن أوكرانيا ستكون على رأس جدول أعمالنا، ونحن نسير على الطريق الصحيح نحو قمة ناجحة”،  ولكن على الرغم من رغبتها في اتخاذ قرار “قوي”، فمن غير المرجح أن تتلقى أوكرانيا دعوة رسمية للانضمام إلى الناتو في واشنطن.

ومع ذلك، فإن طموحات كييف؛ لتعميق التكامل الأوروبي تحركت للأمام الأيام الماضية عندما بدأت محادثات الانضمام الرسمية مع الاتحاد الأوروبي، كما وقع الاتحاد الأوروبي على “التزام أمني مشترك” جديد لدعم أوكرانيا “على المدى الطويل”، في حين وافقت دول مجموعة السبع، على إقراض أوكرانيا أكثر من 50 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة.

ولعل الحلفاء في “الناتو” يدركون بشكل متزايد، يومًا بعد آخر، أن التحديات التي تواجههم أصبحت متشابكة مع مناطق وبقع جغرافية أخرى، فعلى سبيل المثال، يمر 40% من التجارة الأوروبية عبر بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، في حين كانت حرب روسيا في أوكرانيا مدعومة بواردات الذخائر الكورية الشمالية والسلع الصينية ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن استغلالها في الصناعة العسكرية الروسية.

وتجسدت رؤية حلف الناتو للعلاقات الوثيقة مع   شركاءه الأربعة، وهم دول الـQuad: ( أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية )، في بيان مشترك صدر عام 2023، في قمة جمعت رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز أكدوا فيه أن “أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية ومنطقة المحيط الهادئ الهندية مرتبطان ارتباطًا وثيقًا”.

وفي القمة المقبلة، قد يكون هناك توجه من حلفاء الناتو والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ للالتزام بتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، وتبادل أفضل الممارسات في مواجهة العمليات السيبرانية الروسية والصينية، ومكافحة الإكراه الاقتصادي الصيني، وتعزيز التعاون الصناعي الدفاعي، وسيحضر القمة ممثلون من جميع شركاء الناتو، الذين يزيد عددهم عن 40 شريكًا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والبلدان القريبة منه والمعرضة للعدوان الروسي على الجهة الشرقية لأوروبا، مثل مولدوفا وجورجيا، والبوسنة والهرسك. 

وعلى صعيد متصل، تعد القمة المقبلة أول قمة يجتمع فيها حلف شمال الأطلسي بعد الإعلان عن اختيار الأمين العام الجديد مارك روته، رئيس وزراء هولندا المنتهية ولايته، والذي اختير لشغل المنصب أمينًا عامًا لحلف الناتو في 26 يونيو 2024، خلفًا للأمين العام الحالي “ستولتنبرغ” الذي سيترأس قمة واشنطن وسيظل يؤدي مهام عمله حتى تسليم المنصب للأمين العام الجديد في 1 أكتوبر المقبل أي بعد 10 سنوات كاملة قضاها في المنصب ليكون بذلك ثاني أطول أمين عام للناتو يمكث في منصبه بعد الهولندي جوزيف لونز.

وبنظرة على إرثه في السنوات العشر نرى أن “ستولتنبرغ” قاد تكيف الناتو مع البيئة الأمنية الجديدة، والتي كان محورها مفهومًا استراتيجيًا جديدًا تم الاتفاق عليه في عام 2022،  بعد الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا.

إلى ذلك، يُتوقع أن تشمل أجندة اجتماع حلف الناتو، أيضًا السباق الرئاسي الأمريكي، بعد حكم المحكمة العليا الأخير المثير للجدل بشأن الحصانة والمناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس بايدن والرئيس السابق ترامب اللذين سيكثفان حملاتهما الانتخابية، بعد أيام قليلة من اختتام القمة، وتمثل الانتخابات الأمريكية أهمية خاصة للناتو لأن الولايات المتحدة هي أحد الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو، وأهم الدول فيه نظرًا لأنها تساهم بأكبر جيش في الحلف.

فضلًا عن أن وصول “ترامب” إلى سدة الحكم مرة أخرى قد يربك حلف الأطلسي، في توقيت حرج، لأن لديه رؤية خاصة للتعامل مع الحلفاء وقد يشجع روسيا على “القيام بكل ما تريد”، وهو ما يقلق الحلفاء الأوروبيين بطبيعة الحال، بعكس الرئيس الحالي الديموقراطي جو بايدن الذي يعتبر أن “تحالفات أمريكا أعظم أصولها.

وسيظل هذا القلق الأوروبي سائدًا على الرغم من الزيادات الكبيرة في الإنفاق الدفاعي،التي قام بها الحلفاء الأوروبيون في السنوات الأخيرة – حيث يبلغ متوسط مستوى الإنفاق عبر الحلفاء غير الأمريكيين الآن،أكثر من 2 %،  من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لأن الأوروبيين ينظرون إلى الطموح الروسي بتوجس ويخشون أن تتمدد موسكو خارج أراضيها على حساب الأمن الإقليمي لدول القارة العجوز، وكل هذا يمنح القمة الأطلسية مزيدًا من الزخم والاهتمام الذي يعكس الترقب والتطلع لمستقبل القارة الأوروبية وللعالم ككل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى