بعد”وثيقة بكين” واغتيال “هنية”.. مستقبل المصالحة الفلسطينية في زمن الحرب
إعداد:محمد عبادي –باحث مساعد ببرنامج دراسات التطرف
مراجعة: أحمد سلطان – مسئول برنامج دراسات التطرف بالمركز
مقدمة
لم يكد يمر أسبوع على توقيع اتفاق المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة التحرير الوطني “فتح” حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في العاصمة الصينية بكين حتى اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، خلال زيارته للعاصمة الإيرانية طهران، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثير وتداعيات على الاتفاق وأفقه المستقبلي[1].
ووقع الاتفاق المذكور 14 فصيلًا فلسطينيا، وهو اتفاق هام لجملة من الأسباب أهمها الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي تعد محورية للقضية الفلسطينية ككل، ودخول وسيط جديد على الخط هو الوسيط الصيني الذي يُحاول إبراز نفوذه في الشرق الأوسط[2].
وتضمنت المباحثات التي حدثت قبيل توقيع الاتفاق واستمرت ليومين متتاليين نقاشات عديدة أسفرت في النهاية عن الاتفاق على إطار المصالحة الذي يتضمن: توحيد الجهود الوطنية لمواجهة العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة والتمسك بوحدة الأراضي الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة من الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورفض كل أشكال الوصايا علي قطاع غزة بعد الحرب سواء بقوات عربية أو دولية مع أحقية الشعب الفلسطيني في تمثيل نفسه، بالإضافة للنص على الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية وجود الاحتلال والاستيطان وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال و إنهائه.
ويأتي هذا الاتفاق ضمن جهود محاولة إنهاء الانقسام في الحاصل في البيت الفلسطيني الداخلي بين فتح وحماس والذي تزيد مدته عن 17 عامًا تخللتها أحداث كبيرة وفاصلة في مسار الصراع العربي الفلسطيني.
جذور الخلافات بين فتح وحماس .
وترجع الخلافات والانقسام بين حركتي فتح وحماس إلى العام 2007 الذي شهد ما عُرف بالحسم في قطاع غزة وطرد أجهزة السلطة الفلسطينية المحسوبة على منظمة التحرير الفلسطينية في القطاع وسيطرة حماس، التي كانت تقود وقتها الحكومة المنتخبة، على مقاليد الأمور في قطاع غزة[3].
على أن للخلاف جذور أبعد زمنًا منها الاختلاف الأيديولوجي بين الحركتين، وموقف كل منهما من إسرائيل فمنظمة التحرير “فتح” اعترفت رسميًا بإسرائيل حين وقعت على اتفاق أوسلو عام 1993 لكن حماس لم تفعل ورفضت الاعتراف بوجود إسرائيل وآزرها في هذا التوجه العديد من الفصائل الفلسطينية.
وظلت حماس تقاطع العملية الفلسطينية وتشكك في شرعيتها إلى أن قررت في عام 2006 الدخول في الانتخابات وبالفعل حققت انتصارا كبيرا وحينها كلف محمود عباس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بتشكيل حكومة جديدة، وهي الحكومة التي اعترضت عليها “فتح”، وقادت هذه الأمور للانقسام الكبير بين الفصيلين الرئيسيين في فلسطين.
أبرز الجهود الدولية لإنهاء الانقسام الفلسطيني
تبنت عدد من الدول العربية اتفاقات للمصالحة بين فتح وحماس من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني، ومنها اتفاق مكة عام 2007 والذي جرى التوقيع عليه برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز وركز الاتفاق على إيقاف اعمال الاقتتال الداخلي في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية لكن لم يجد الاتفاق طريقه للتنفيذ وتعثر مساره، واتفاق القاهرة عام 2011 وهو معروف باتفاق الوفاق الوطني وركز علي ضرورة إنهاء حالة الانقسام من خلال حوار شامل وإجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تفعيل المجلس التشريعي وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتدخل فيها جميع الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حماس.
وفي عام 2012، رعى أمير دولة قطر السابق حمد بن تميم اتفاق الدوحة لتسريع وتيرة المصالحة بين الطرفين وضمان استمرار عمل اللجان التي تم تشكيلها في اتفاق القاهرة[4].، ثم كان هناك اتفاق عام 2017 في القاهرة والذي ركز على ضرورة تمكين حكومة الوفاق من تولي كافة المسؤوليات في قطاع غزة وبالفعل تم دعوة حكومة الوفاق من جانب حركة حماس الي القدوم لغزة وممارسة مهامها المنصوص عليها.
وبعد نحو 5 سنوات، جرى التوقيع على اتفاق مصالحة في العاصمة الجزائرية وعرف هذا الاتفاق بإعلان الجزائر الذي نص تقريبًا على نفس ما نص عليه إعلان القاهرة عام 2011، وهذا يعني أن كل الاتفاقات لم يتم تنفيذها، حتى توقيع اتفاق بكين في العاصمة الصينية[5].
الفرص والتحديات أمام إعلان بكين
أولا- فرص نجاح إعلان بكين
بعد تقعد المشهد قطاع غزة سياسيا وعسكريا فإن أي تقديرات بشأن التطورات في القطاع لابد أن تبني علي مقاربة الفرصة والتحدي، وفي هذا الإطار هناك عدة فرص تعزز من نجاح الإعلان برعاية الصين خصوصا أن الصين نجحت مسبقا في تخفيف حدة التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية والتوصل لاتفاق بينهما، وفي هذا الإطار توجد عدة فرص منها أن الإعلان جاء في وقت تستمر في الحرب ضد الشعب الفلسطيني مما يستوجب التعاون والاتحاد في مواجهة التهديدات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، وفضلًا عن ما سبق فهناك ترحيب من الفصائل بمخرجات اتفاق بكين واستعدادها للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية التي ستقام بعد انتهاء الحرب، غالبا.
وعلاوة على ذلك، توجد جهود إقليمية ودولية تسعى لتوحيد الطيف الوطني الفلسطيني من أجل ضمان وضع مستقبلي أفضل للقضية، كما أن الاتفاق يأتي بعد اعتراف عدة دول أوروبية وآسيوية بالدولة الفلسطنيية وهو الامر الذي يمكن الاستفادة منه في تجميع الفرقاء الفلسطينيين.
ثانيا- التحديات أمام اتفاق بكين
في المقابل، وبسبب تعقيدات الوضع في قطاع غزة فأن هناك العديد من التحديات التي يمكن أن تقف عقبة أمام تنفيذ هذا الإعلان وأبرزها ما يلي :احتواء الاتفاق على نصوصه علي مواد ة يُفهم منها وجود تناقضات في الاتفاق، كما أن الاتفاق لم يحدد بإطار زمني ولم توضع له صيغة تنفيذية وهذا يعني أنه قد ينضم لقائمة من الاتفاق التي عقدتها القوى الإقليمية ولم تُنفذ،ة ولعل التحدي والتهديد الأخطر هو استمرار الحرب في القطاع وما تفرضه من واقع جديد قد يقوض السلطة الفلسطينية سواء في غزة أو حتى الضفة.
الخاتمة
و ختاما، يتضح مما سبق أن إعلان بكين الذي يهدف إلي إنهاء الإنقسام الفلسطيني يأتي في توقيت حساس للغاية تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعطف تاريخي بعد الدمار الذي خلفته إسرائيل في قطاع غزة، وتبذل قوى إقليمية ودولية جهدا حتى يتم تنفيذ الاتفاق بما يضمن المصالح الخاصة بجميع الطيف الوطني الفلسطيني ورغم الجهود المبذولة في الفترة الماضية لإتمام المصالحة إلا أن التحديات الخطيرة التي تقف أمام نجاحه تبقى عاملا حاسما في مستقبل التنافس الفلسطيني الفلسطيني، وكذلك مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي.
[1] كيف تمت العملية؟.. فرضيات طريقة اغتيال إسماعيل هنية في طهران، روسيا اليوم، 2-8- 2024، متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com/middle_east/1587832-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%85%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D8%B6%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84-%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86/
[2] عدنان البرش و عاطف عبد الحميد، هل هناك جديد في “إعلان بكين” قد يحقق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع؟، بي بي سي، 27-7- 2024، على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/articles/c134yvz8n1ko
[3] الانقسام الفلسطيني.. كيف تفجّر الصراع بين فتح وحماس؟، الحرة، 21- 3- 2024، متاح على الرابط: https://www.alhurra.com/palestine/2024/03/21/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%91%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%88%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3%D8%9F
[4] ننشر النص الكامل لـ”اتفاق القاهرة” و”اعلان الدوحة”، دنيا الوطن، 22- 4- 2014، على الرابط التالي: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/04/22/526824.html
[5] إعلان الجزائر.. الفصائل الفلسطينية توقع وثيقة مصالحة، العربية نت، 13- 10 – 2022، متاح على الرابط التالي: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2022/10/13/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D9%81%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9.