تقدير موقف :أزمة الديمقراطية في تنزانيا: بين الوعود بالإصلاح واستمرار القمع
إعداد:دكتور محمد فؤاد رشوان – خبير بمجموعة عمل الدراسات الافريقية بالمركز
تنزانيا، الدولة الواقعة في شرق إفريقيا والتي تُعرف بجمال طبيعتها وتنوعها الثقافي، تواجه تحديات جدية على صعيد الحريات العامة، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، حيث شهدت البلاد تحولات سياسية كبيرة، خاصة بعد وصول الرئيسة سامية سولوحو حسن إلى سدة الحكم في مارس 2021، فعلى الرغم من التوقعات الإيجابية التي أحاطت بفترة حكمها، إلا أن اعتقال قادة المعارضة يوم 11أغسطس الجارى يلقي بظلال قاتمة على مستقبل الديمقراطية في البلاد، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة الجديدة بالحريات الأساسية.
أولًا:اعتقالات جماعية لقادة المعارضة
اعتقلت الشرطة التنزانية يوم 11 أغسطس شخصيات بارزة من حزب الديمقارطية والتقدم فى تنزنيا وهو الحزب المعارضة الأكبر والمعرف باسم تشاميدا بما فى ذلك المرشح الرئاسى السابق توندو ليسو نائب رئيس حزب تشاميدا والأمين العام للحزب جون منيكا وأكثر من 400 من أنصارة فضلًا عن خمسة من الصحفيين لانتهاكهم الحظر المفروض على عقد مؤتمر للشباب وتم القبض عليهم فى منطقة نياسا فى تشاميدا.[1]
وقد جاءت الاعتقالات بعد ساعات من حظر الشرطة لمؤتمر كان مخطط له من قبل شباب حزب تشاميدا فيما اتهمت الشرطة قادة الحزب بالتخطيط للتأثير على الشباب وتنظيم مظاهرات فى مدينة مبيا جنوب غرب تنزانيا وهو ما نفاه الحزب ، وتأتى هذه الاعتقالات لتلقى بظلالها على عودة اعمال القمع والعنف مرة اخرى ضد المعارضة خاصة مع اقتراب الانتخابات المحلية فى ديسمبر من العام الجارى والانتخابات الرئاسية مطلع العام المقبل 2025 .[2]
ثانيًا: السياق التاريخي (إرث جون ماغوفولي)
لتفهم الوضع الحالي في تنزانيا، من الضروري العودة إلى عهد الرئيس السابق جون ماغوفولي (2015-2021)، الذي شهدت البلاد في عهده تضييقاً كبيراً على الحريات العامة، وخاصة حرية الصحافة والرأي. ماغوفولي، الذي أطلق عليه لقب “البلدوزر” بسبب سياساته الاقتصادية الحازمة، اتبع نهجاً قمعياً تجاه المعارضة والمجتمع المدني. فقد أغلقت حكومته العديد من وسائل الإعلام المستقلة، وتم اعتقال واحتجاز عدد من الصحفيين والناشطين.
ورغم نجاحه في تحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية، إلا أن سياسات ماغوفولي القمعية أضرت بصورة تنزانيا الدولية كدولة ديمقراطية مستقرة. بعد وفاته المفاجئة في مارس 2021، تولت نائبته سامية سولوحو حسن الرئاسة، وسط توقعات بأن فترة حكمها قد تشهد تخفيفاً من القيود وإعادة إحياء الحريات المدنية.[3]
ثالثًا: وصول سامية سولوحو حسن: آمال بالإصلاح ومخاوف مستمرة
مع تولي سامية سولوحو حسن الرئاسة، أعرب العديد من المراقبين عن أملهم في أن تكون فترة حكمها بمثابة فرصة لتصحيح المسار، واستعادة الحريات المدنية التي تعرضت للتآكل خلال حكم ماغوفولي. وقد أظهرت الرئيسة الجديدة في بداية عهدها إشارات إيجابية من خلال اتخاذ بعض الخطوات التصالحية مع المعارضة والمجتمع المدني.
في أولى خطواتها، قامت بإطلاق سراح عدد من الصحفيين والنشطاء الذين كانوا محتجزين بتهم سياسية، كما أعادت فتح بعض وسائل الإعلام التي أغلقت خلال عهد ماغوفولي. كما وعدت بتحقيق الشفافية في إدارة الشؤون العامة، وتعزيز الديمقراطية من خلال إقامة حوار شامل مع جميع الأطراف السياسية.[4]
ومع ذلك، فإن حملة الاعتقالات التى حدثت العام الماضى لأشخاص يخططون للاحتجاج ضد صفقة إدارة الموانئ ، وحمله اعتقال قادة المعارضة اليوم يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها حكومة سامية حسن في تحقيق وعودها بالإصلاح. هذه الحادثة تُظهر أن النزعة القمعية التي كانت سائدة خلال عهد ماغوفولي لا تزال مستمرة، وإن كانت بدرجة أقل.[5]
رابعًا: اعتقال قادة المعارضة: أسباب ودلالات
تشكل عملية اعتقال قادة المعارضة اليوم حدثاً بالغ الأهمية، ليس فقط لأنه يثير قلقاً حول مستقبل الحريات في البلاد، بل لأنه يسلط الضوء أيضاً على التوترات السياسية العميقة التي لا تزال مستمرة. وفقًا للتقارير الأولية، تم اعتقال هؤلاء القادة بتهم تتعلق بتنظيم تجمعات غير مرخصة والتحريض على الفوضى، بينما تؤكد المعارضة أن هذه التهم ملفقة وأن الغرض من هذه الاعتقالات هو إسكات الأصوات المعارضة ومنعها من القيام بدورها الرقابي والمحاسبي.
وتُعتبر هذه الاعتقالات جزءًا من استراتيجية أوسع تستخدمها الحكومات الاستبدادية للحد من تأثير المعارضة، ففي ظل غياب مؤسسات ديمقراطية قوية، تصبح الاعتقالات والمضايقات وسيلة فعالة لضمان السيطرة على المشهد السياسي، وبالنظر إلى الأهمية المتزايدة للمعارضة في مراقبة السياسات الحكومية، فإن هذه الاعتقالات تشير إلى نية الحكومة الحالية في مواصلة قمع المعارضة حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الإنسان.
- التأثيرات على المجتمع المدني وحرية الصحافة
إن تأثير هذه الاعتقالات لا يقتصر على المعارضة السياسية فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع المدني ووسائل الإعلام. فحرية الصحافة، التي كانت تواجه تحديات كبيرة خلال عهد ماغوفولي، لا تزال تحت التهديد. فالإعلام المستقل، الذي يُعتبر من أهم ركائز الديمقراطية، يواجه ضغوطاً هائلة في تنزانيا. ومع استمرار الحكومة في اعتقال المعارضين، يصبح من الصعب على الصحفيين والناشطين التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من الانتقام.
هذا القمع المستمر يخلق بيئة من الخوف والترهيب، حيث يصبح من الصعب على الأفراد والمنظمات المدنية العمل بحرية. ومع غياب دور وسائل الإعلام في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات، تصبح الحكومة أكثر جرأة في قمعها للأصوات المعارضة.[6]
- التأثيرات على العلاقات الدولية لتنزانيا
الاعتقالات الأخيرة يمكن أن تؤثر سلباً على علاقات تنزانيا الدولية، خاصة مع الدول الغربية التي تعتبر حقوق الإنسان والديمقراطية من المبادئ الأساسية في سياساتها الخارجية، قد تواجه تنزانيا ضغوطاً دولية متزايدة إذا استمرت في انتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة، هذه الضغوط قد تتخذ أشكالاً مختلفة، من فرض عقوبات اقتصادية إلى تجميد المساعدات المالية.
على الرغم من أن تنزانيا قد تحاول التوازن بين علاقاتها الدولية واحتياجاتها الداخلية، إلا أن الاستمرار في قمع المعارضة قد يضر بمكانتها الدولية ويعرضها للعزلة، كما أن العلاقات مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان قد تتدهور، مما قد يؤثر على سمعة تنزانيا ويزيد من حدة الانتقادات الموجهة إليها.
وتأتى هذه المخاوف بعد تولى سامية حسن السلطة وإطلاقها لأجندة مصالحة بين الحكومة والمعارضة نالت اشادة واسعة على المستوى الدولى، وأعادت فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية والتقرب من القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي مع تعزيز التعاون مع الوكالات الدولية واتخاذ خطوات لتعزيز التعاون مع دول الجوار، وونجحت فى دور الوسيط الاقليمى لوقف القتال والسلام فى الكنوغوا الديمقراطية . [7]
سادسًاً: مستقبل حرية الرأي والتعبير في تنزانيا: السيناريوهات المحتملة
مع استمرار القمع والاعتقالات، تبدو آفاق حرية الرأي والتعبير في تنزانيا قاتمة. إلا أن هذا لا يعني أن المستقبل مغلق بالكامل أمام التحولات الإيجابية. يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الحريات في البلاد:
1. الاستمرار في النهج القمعي: في هذا السيناريو، تواصل الحكومة حملاتها القمعية ضد المعارضة والمجتمع المدني. سيؤدي ذلك إلى مزيد من التراجع في الحريات المدنية، وربما إلى تصاعد العنف السياسي وتدهور العلاقات الدولية.
2. الإصلاح التدريجي: قد تلجأ الحكومة إلى تبني بعض الإصلاحات المحدودة لتحسين صورتها الدولية والاستجابة للضغوط الداخلية. قد يشمل ذلك تخفيف القيود على وسائل الإعلام وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، دون إجراء تغييرات جوهرية في الهيكل السياسي.
3. التغيير الجذري: في هذا السيناريو، قد يؤدي الضغط الدولي والمحلي إلى إجراء إصلاحات حقيقية تؤدي إلى تعزيز الديمقراطية وحرية التعبير في تنزانيا. قد يشمل ذلك حواراً وطنياً شاملاً وإصلاحات دستورية تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان والحريات المدنية.
وختامًا إن اعتقال قادة المعارضة اليوم يشكل علامة فارقة في مسار تنزانيا السياسي، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل حرية الرأي والتعبير في البلاد. في ظل هذه التطورات، يصبح من الواضح أن التحديات التي تواجه الحريات المدنية في تنزانيا لا تزال كبيرة ومعقدة. ومع استمرار الضغوط الداخلية والدولية، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت تنزانيا ستتمكن من تجاوز هذه العقبات والمضي قدماً نحو تحقيق ديمقراطية حقيقية تضمن حقوق الإنسان لجميع مواطنيها.
في النهاية، يعتمد مستقبل حرية الرأي والتعبير في تنزانيا على قدرة الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني على العمل معاً من أجل بناء مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر احتراماً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
[1] Nuzulack Dausen, Tanzania police arrest senior opposition leaders, ban meeting at :
[2] الشرطة التنزانية تعتقل كبار زعماء المعارضة وتحظر الاجتماع جنوب غرب البلاد ، 12/8/ 2024 ، موقع قراءات افريقية على الرابط :
https://2u.pw/r476kF71
[3] unfinished Business: Magufulis Autocratic rule in Tanzania at:
[4] Hoping for more democracy and freedoms at:
https://www.bmz.de/en/countries/tanzania/political-situation-117242
[5] Tanzania opposition leaders and supporters arrested in crackdown, 12/8/2024 at :
https://www.theguardian.com/world/article/2024/aug/12/tanzania-opposition-leaders-supporters-arrested-crackdown
[6] President Hassan is the face of Tanzania’s reform agenda. But she needs to carry the country with her at:
[7] to restore Tanzania’s Democracy, Samia must solidify her reforms , 31/5/2023 at :