شبح العنف من أروقة السلطة بطهران إلى القدس وخارجها
كتب : أحمد ياسر صحفي متخصص في الشؤون العربية والدولية
الشرق الأوسط مرة أخرى في خضم خطوة تصعيدية جديدة علي مسرح الصراع الجيوسياسي، ومُهدد بتقويض أي آمال متبقية لتحقيق انفراجة في محادثات السلام الراكدة في غزة، لقد أدى توقيت الضربة ومقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وموقعها إلى تفاقم التوترات، مما قد يمهد الطريق لمزيد من الصراع ويقلل من آفاق الدبلوماسية في المنطقة التي مزقتها الحرب.
إن الشبكة المعقدة من التحالفات والعداوات في الشرق الأوسط تزداد تعقيدا، حيث يتردد صدى كل حدث عبر أروقة السلطة من طهران إلى القدس وخارجها.
إن المغزى المباشر لهذا الحدث صارخ.. فمن الواضح أن بنيامين نتنياهو ورفاقه المتشددين ليسوا منفتحين على أي وقف لإطلاق النار مع حماس، وجاءت وفاة هنية بعد ساعات فقط من تنفيذ إسرائيل غارة منفصلة على أحد قادة حزب الله في بيروت، ردا على هجوم سابق على بلدة تسيطر عليها إسرائيل أدى إلى مقتل 12 طفلا بشكل مأساوي.
قبل هذه الضربات، كان هناك تفاؤل حذر بأن إسرائيل وحماس تقتربان من التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 10 أشهر في غزة، وكان هنية مفاوضاً رئيسياً في المحادثات الجارية التي توسطت فيها مصر وقطر والولايات المتحدة.
إن عملية الاغتيال في طهران الآن تجعل إسرائيل تستعد لانتقام محتمل من حماس وحزب الله على قادتها المقتولين، وكذلك من إيران على عمليات القتل داخل حدودها، وتبدو آفاق السلام قاتمة على نحو متزايد، ويطغى عليها شبح العنف.
إن الفشل في حماية زعيم حليف داخل عاصمتها يشكل إحراجًا خطيرًا لإيران، وكان هنية قد التقى بآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، قبل يوم من اغتياله، ولا يعكس هذا الحادث نقاط الضعف داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية فحسب، بل يثير أيضًا تساؤلات جدية حول سلامة كبار القادة الإيرانيين وقدرة إسرائيل على استهدافهم بدقة.
ردود الفعل في طهران هي التي أصبحت تحت الأضواء أكثر من حماس، حيث يواجه الرئيس مسعود بيزشكيان هذه الأزمة في غضون 24 ساعة من توليه منصبه، وأعلن آية الله خامنئي أن الانتقام لمقتل هنية واجب على الإيرانيين، مشيراً إلى أن إسرائيل “أعدت لنفسها عقاباً قاسياً” بقتل “ضيف عزيز في منزلنا” علي حد وصفه… ولا شك أن هذا الخطاب قد وضع ضغوطًا هائلة على بيزشكيان للرد على إسرائيل.
لكن من غير المرجح أن ترد إيران بضربة عسكرية مباشرة أو خطيرة.
تاريخياً، فضلت إيران التكتيكات غير المباشرة، والانخراط في حرب سرية بالوكالة بدلاً من المواجهة المفتوح، ومن المتوقع أن يكون رد بيزشكيان بمثابة عرض محسوب للقوة يهدف إلى طمأنة جمهوره المحلي، وليس محاولة حقيقية لتصعيد التوترات.
وفي حين أن الخطاب قد يكون نارياً، فمن المرجح أن تكون تصرفات إيران محسوبة واستراتيجية، بهدف الحفاظ على التوازن بين تلبية الدعوات المحلية للانتقام وتجنب صراع واسع النطاق، ومن شأن هذا النهج أن يعكس استراتيجية إيران الطويلة الأمد المتمثلة في استخدام الوكلاء لاستعراض القوة والنفوذ دون الدعوة إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
ومن المرجح أن يتصرف النظام الإيراني، الذي يدرك تمام الإدراك العواقب الكارثية التي قد تترتب على المواجهة المباشرة مع إسرائيل، بحذر لتجنب تقديم ذريعة للتدخل العسكري، إن الحفاظ على منشآتها النووية، التي تشكل أهمية بالغة لطموحاتها طويلة المدى، يملي عليها رداً مدروساً ومعايراً لتجنب التصعيد.
ويبدو أن طهران مقتنعة بأن إسرائيل، في صراع شامل، ستوجه ضربة قاصمة لحزب الله، حليفها الرئيسي، وفي هذه اللحظة، تفضل طهران إبعاد فصائلها السورية والعراقية عن حرب شاملة لحماية شبكاتها الحيوية عبر الإقليمية.
فالعراق يحمل أهمية استراتيجية أكبر بالنسبة لإيران من حزب الله، وطهران غير راغبة في تعريضه للخطر في صراع في جنوب لبنان.
إن الحسابات الاستراتيجية في طهران واضحة… تجنب التصعيد، وحماية الأصول الحيوية، والحفاظ على توازن القوى الدقيق في المنطقة، ويؤكد هذا النهج تفضيل إيران للحرب بالوكالة والصبر الاستراتيجي على المشاركة العسكرية المباشرة، وربما يفسر هذا سبب إعراب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، عن تفاؤله بشأن التوصل إلى حل دبلوماسي وتهدئة الوضع.