دراسات التطرف

تحليل :العلاقات المصرية- التركية.. حتمية التعاون في إقليم مضطرب

اعداد : محمد العبادي  -مساعد باحث ببرنامج دراسات التطرف بمركز

ندى أيمن -مساعد باحث ببرنامج دراسات التطرف بمركز

مراجعة: أحمد سلطان -مسئول برنامج دراسات التطرف بالمركز

  • المقدمة

بعد سنوات من توتر العلاقات بين البلدين، طوت مصر وتركيا صفحة الخلافات واتجهتا لتعزيز العلاقات الثنائية، وفي ضوء ذلك أتت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة، في فبراير الماضي، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، في الـ4 من سبتمبر الجاري.

وتأتي هذه الزيارات وما سبقها ثم صاحبها من تنسيقات استكمالا للجهود الرامية لتطوير العلاقات الثنائية التي أخذت تتطور تدريجيا بين مصر وتركيا، منذ عام 2020، حين نجح البلدان في استئناف الاتصالات المشتركة على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين، ولاحقًا على أعلى المستويات السياسية، فأعلنتا في عام  2023 رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لمستوي السفراء، وعكس هذا الموقف تطور العلاقات وتسارع عملية التطبيع بينهما.

وبالطبع يرتبط تطور العلاقات المصرية التركية بالأوضاع الجيوسياسية في المنطقة بالنظر إلى البعد الاستراتيجي للدولتين وثقلهما في الإقليم، ويعكس هذا التطور الإرادة السياسية المشتركة لتعزيز العلاقات في شتى المجالات بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والأمن والدفاع، والتنسيق المشترك في القضايا والملفات المطروحة أمام البلدين، ومنها التوترات الإقليمية في ظل استمرار الحرب عليَّ قطاع غزة والسعي إلى وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم عليَّ القطاع الممتد من أكتوبر الماضي، وحتى الآن،  وأيضاً التنسيق في ملفات إقليمية أخري منها الأوضاع في سوريا وليبيا والقرن الإفريقي وبالتحديد التطورات الأخيرة في الصومال وصولا إلى الأوضاع في السودان. 

تتناول العلاقات المصرية-التركية فترة من التوتر والتعاون الاستراتيجي في إقليم مضطرب، حيث تمثل الزيارات الرسمية بين الزعماء وتوقيع الاتفاقيات العديد من التحولات الإيجابية في العلاقات بين البلدين.

  • آفاق التعاون

وعلى ذات الصعيد، تكشف أي مراجعة للعلاقات بين البلدين أن الروابط بينهما لم تنقطع حتى في سنوات الخلاف، فشهد مسار التعاون الاقتصاديتطورارغم  التوترات السياسية التي استمرت عقدا كاملا بل وأخذ هذا الملف محورًا استراتيجيًا يقوم على إيجاد المساحات المشتركة بين البلدين لتعزيز دورهم في الإقليم. 

وشهدت الزيارة الأخيرة للرئيس المصري لتركيا، عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا، وانتهي الاجتماع بتوقيع 17 اتفاقية بعدة مجالات مختلفة منها الاستثمار المتبادل ومجالات الطاقة، وتستهدف البلدان زيادة التعاون التجاري بينهما إلي 15مليار دولار. [1]. 

وتهدف الاتفاقات الأخيرة إلي تعزيز البيئة الاستثمارية ودعم التجارة الحرة ودعم التبادل بين رجال الأعمال من خلال عقد مؤتمرات وفعاليات مشتركة مما يشير إلي مدى دعم وقوى مصر على استقبال الاستثمار الأجنبي، وفي ما يتعلق بمجالات الطاقة تسعى الدولتان انطلاقًا من مبدأ المنفعة المتبادلة إلى التركيز على مجالات الطاقة المتجددة، ولا سيما الغاز والطاقة النووية. 

ومن الجانب الاقتصادي إلى العسكري والأمني، الذي يحظى بزخم متزايد في الفترة الحالية، ويُشير هذا التعاون لتقدم العلاقات الدفاعية، وهو ما ظهر في صفقات بيع طائرات بيرقدار التركية بدون طيار لمصر، وكذلك التنسيق في الملفات الأمنية والدفاعية الأخرى، ولعل من آثار هذا التعاون ما ظهر جليا في مشاركة أكثر من شركه تركيا في مجال الدفاع الجوي وأنظمة الإلكترونية الدفاعية في معرض مصر الدولي للطيران والفضاء، لتسويق المنتجات الدفاعية التركية [2].

رغم التوترات السياسية السابقة، شهد التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا تطورا ملحوظا، خاصة في مجالات الاستثمار والطاقة، مما يعزز من دور كل منهما في الإقليم ويسهم في الاستقرار الاقتصادي والأمني.

  • قضايا مشتركة

من بين أهم الملفات التي دفعت العلاقات المصرية التركية إلى آفاق جديدة  القضايا المشتركة الإقليمية المشتركة التي كانت سببا رئيسيا في تطور العلاقات الثنائية، ومن أهم هذه القضايا حرب غزة والقضية الفلسطينية برمتها، إذ ترى مصر وأنقرة ضرورة وقف الحرب الدائرة وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والعمل على حل القضية الفلسطينية وضرورة إقامة دولة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع في يونيو 1967.

ومن القضية الفلسطينية إلى الأزمة الليبية، نلاحظ أن العلاقات الثنائية تخطت الجمود في الملف الليبي من خلال الاتفاق على خروج أي قوي غير شرعية في ليبيا وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة ودعم السيادة الليبية والحفاظ علىَّ الوحدة السياسية للدولة من خلال إقامة انتخابات شعبية يختار فيها الشعب الليبي من يمثلونه، وهذه القضية تحديدا تعد قضية أمن قومي لمصر كما أن الحفاظ على استقرار الأوضاع في ليبيا يساهم تعزيز الاقتصاد المصري [3].

ويرتبط الملف الليبي بملف الأوضاع في شرق المتوسط وتطمح مصر وتركيا لتوسيع نطاق التعاون في إقليم البحر المتوسط، ولا سيما في مجالات الطاقة والغاز الطبيعي، ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من العلاقة المصرية الجيدة مع قبرص واليونان اللتين تختلفا مع تركيا في عدد من الملفات.

وعلى نفس المنوال،  تتشارك مصر وتركيا الرؤى الخاصة بالأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، وكلاهما منخرط في الوقت الحالي في دعم الحكومة الصومالية الاتحادية وإعادة بناء الجيش الصومالي بالتوازي مع انسحاب بعثة القوات الإفريقية “أتميس” من الصومال والمقررة في عام 2025.

التنسيق بين البلدين في قضايا إقليمية حساسة مثل القضية الفلسطينية والأزمة الليبية، ودور كلا البلدين في حل النزاعات وتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة.

  • الواقع والتحديات

وبناء على الاستعراض السابق، يمكن القول إن العلاقة بين القاهرة وأنقرة ارتفعت إلي مستوي الشراكة الإستراتيجية وهو يؤكده إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي الذي يترأسه رئيسي مصر وتركيا، وبالطبع هناك دوافع ساعدت علىَّ ترسيخ هذه العلاقات من أجل المضي قدما لمجابهة التحديات المشتركة في إقليم مضطرب.

ولن يقتصر التعاون المصري التركي على الملفات الثنائية فقط بل ستلعب كلا من الدولتين أدوارا في خدمة المصالح المصيرية والحيوية لبعضهما البعض، فمثلا يمكن أن تلعب القاهرة دور الوسيط بين تركيا واليونان وقبرص لحل مشكلة غاز المتوسط، ومن نافلة القول هنا أن نشير إلى أن هذا الملف كان من أبرز الدوافع التي دفعت تركيا للتقرب من القاهرة وذلك لحاجتها لدعم القاهرة في “منظمة غاز شرق المتوسط”. 

وعلى الجانب الآخر، يمكن أن تلعب أنقرة دور الوسيط بين القاهرة وأديس أبابا، وذلك لأن تركيا تتمتع بعلاقة طيبة مع إثيوبيا، وهذه الوساطة ستركز على حل ملف سد النهضة المعقد.

وليس ببعيد عن ما سبق، ستعمل البلدين على زيادة تعاونهما الاقتصادي، خصوصًا مع التحديات التي تواجه كلا منهما والتي تفرض عليهما التعاون والتكامل الاقتصادي والاستثماري لتعظيم المكاسب الاقتصادية لصالح البلدين.

أما على صعيد التحديات الإقليمية فستنسق القاهرة وأنقرة في ملف القضية الفلسطينية وفي الملف الليبي وكذلك في ملف سوريا والمصالحة الوطنية فيها، وتحقيق أي اختراق في هذه الملفات من شأنه أن يساعد على حلحلة القضايا الإقليمية الملتهبة التي تهدد حالة الأمن والاستقرار في كامل المنطقة، في الوقت الراهن.

تحديات الأمن والاقتصاد في الإقليم تدفع البلدين للتعاون أكثر، خاصة في مجالات الطاقة والتجارة، وكذلك في مواجهة التحديات السياسية المشتركة مثل تحقيق السلام في المنطقة.

ترتكز العلاقات المصرية-التركية على شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتنمية في الإقليم، مع الاستفادة من تعزيز الروابط الثنائية في مواجهة التحديات الإقليمية المشتركة.

سيناريوهات مستقبلية للعلاقات المصرية-التركية:

  1. سيناريو تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية: في هذا السيناريو، تواصل مصر وتركيا تعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة، بما في ذلك مشروعات الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي. قد يؤدي ذلك إلى تحقيق نمو اقتصادي مشترك، ورفع حجم التبادل التجاري إلى المستهدف البالغ 15 مليار دولار، مع توسع الاستثمار التركي في مصر. على الصعيد السياسي، يستمر التنسيق في الملفات الإقليمية مثل ليبيا وفلسطين، مما يعزز دور البلدين في استقرار المنطقة.
  2. سيناريو التقارب الجيوسياسي لمواجهة التحديات الإقليمية: في ظل تزايد التوترات الإقليمية، مثل الصراع المستمر في غزة والأوضاع في ليبيا وسوريا، قد يؤدي التنسيق بين مصر وتركيا إلى تعزيز دورهما كقوتين إقليميتين مؤثرتين. قد تتجه الدولتان لتشكيل تحالفات سياسية ودبلوماسية أكثر قوة، ما يتيح لهما لعب أدوار وساطة في النزاعات الإقليمية، مثل الوساطة بين اليونان وتركيا في ملف شرق المتوسط، أو بين مصر وإثيوبيا في قضية سد النهضة.
  3. سيناريو العودة إلى التوتر السياسي وهذا السيناريو مستبعد في الوقت الحالي: رغم التحسن الحالي في العلاقات، يبقى هذا السيناريو قائمًا في حال ظهور خلافات سياسية جديدة أو تصاعد الأزمات الإقليمية. ملفات مثل النزاع في شرق المتوسط أو الدعم العسكري لأطراف مختلفة في ليبيا قد تؤدي إلى إعادة التوتر بين البلدين. في هذا السيناريو، قد يتباطأ التعاون الاقتصادي، ويعود التركيز على التنافس الإقليمي بدلاً من الشراكة.
  4. سيناريو الاستقرار المشروط: في هذا السيناريو، تستمر العلاقات بين مصر وتركيا في التطور التدريجي لكن بشكل حذر ومشروط بمدى التوافق على الملفات الإقليمية الحساسة. يبقى التعاون الاقتصادي في تطور مستمر، لكن القضايا السياسية الكبرى مثل الملف الليبي أو الفلسطيني تظل تشكل نقطة تباين في المواقف، مما يؤثر على عمق الشراكة الاستراتيجية دون أن يسبب تصاعدًا للتوتر.

* مصادر ومراجع

1.مصر و تركيا تتفقان على مضاعفة حجم التجارة إلي 15مليار دولار.. ومسؤول: منطقتان للصناعات التركية في مصر، العربية CNN  5/9/2024. متاح على الرابط التالي.:  https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/09/05/turkiye-egypt-agree-increasing-trade

2.تركيا تستعرض أحدث طائراتها في مصر. روسيا اليوم، 2/9/2024.متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/4e3eqcH

3.السيسي يزور تركيا تفاهمات مرتقبة بشأن ليبيا والصومال وتعاون تجاري و عسكري، الشرق. 4/9/2024.متاح على الرابط التالي:  https://bit.ly/3ZfJrW4

4.كيف تغيرت العلاقات التركية المصرية على مدار 11 عاما. عربي BBC NEWS،  3/9/2024. متاح علي الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/articles/cdxl79kj9w9o

5.مصر وتركيا، العلاقات الثنائية، الهيئة العامة للاستعلامات، 13\2\2024، متاح على الرابط التالي:

https://www.sis.gov.eg/Story/270980/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7?lang=ar

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى