ترجمات وعروض : فرصة لإعادة تصور الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا: انفصال دول تحالف الساحل عن جماعة ايكواس
إعداد: سما خالد -مساعد باحث بمجموعة عمل الدراسات الافريقية بالمركز
مراجعة: سلوى مأمون -المسؤولة التفيذية لمجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
نشَر مجلس العلاقات الخارجية في البرنامج الإفريقي (CFR)مقالاً في الخامس عشر من شهر يوليو الجاري 2024 للبروفسور “Ebenezer Obadare” أستاذ علم الاجتماع سابقا بجامعة كنساس بالولايات المتحدة الامريكية تحت عنوان: “فرصة لإعادة تصور الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (ايكواس) ، يتضمن المقال النقاش الدائر حول الانقسام الكبير الذي حدث بين الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)وعلى الجانب الاخر الثلاثة دول الأعضاء المنفصلة – ( بوركينا فاسو، مالي، والنيجر) ، حيث قامت الأخيرة رسميا بإنشاء هيئة إقليمية جديدة تسمي دول تحالف الساحل (AES)، وهو ما يمثل انتهاكا لا يمكن إصلاحه مع المنظمة الرئيسية إيكواس.
وعلى هذا النحو، يناقش المقال الانسحاب الأخير لبعض الدول الأعضاء من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) بالإضافة إلى دوره في فتح الباب لفرصة إصلاح الجماعة وإعادة تأكيد التزامها بالحكم الديمقراطي، وذلك من خلال التطرق إلى مواقف ودوافع كُلاً مِن دول تحالف الساحل وجماعة ايكواس كأطراف رئيسية في الانقسام مع تسليط الضوء على وجود فرصة للإصلاح وتوقعات إيجابية.
- أولا: موقف دول تحالف الساحل (AES)
يوضح أوباداري الخلاف القائم والذي تم تصعيده مع انشاء دول تحالف الساحل الجديد في العاصمة النيجرية نيامي في وقت سابق من شهر يوليو 2024، وعلى ما يبدو أن الخلاف بين الهيئة الرئيسية للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والدول الثلاثة المنفصلة أصبح غير قابل للإصلاح.
وبالعودة إلى تاريخ سبتمبر من العام الماضي 2023 ، ومرة أخرى في يناير 2024 وذلك ما تم استنتاجه حينما أشارت الدول الثلاثة تحت قيادة الحكم العسكري إلى عزمهم على الانسحاب من الهيئة، مدعية أن إيكواس قد “انحرفت عن المثل العليا لآبائها المؤسسين وروح الوحدة الأفريقية” مما أثار ذعر صانعي السياسات والمحللين في جميع أنحاء المنطقة.
وكانت التهم الأخرى الموجهة إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا أنها قد “سقطت تحت تأثير القوى الأجنبية” و”أصبحت تشكل تهديدا للدول الأعضاء والشعوب”. علاوة على ذلك، اتُهمت جماعة ايكواس بالفشل في وعدها بمساعدة الدول الثلاثة المنفصلة على إيجاد حل لإخماد التمرد الإسلامي الذي أصبح مستعصيا ، مما وضعها تحت ضغوط سياسية هائلة.
- ثانيا: موقف جماعة إيكواس
يشير أوباداري هنا إذا كانت القمة في نيامي ترمز إلى إضفاء الطابع الرسمي على الانفصال من قِبل الدول الانفصالية (حيث أصر الرؤساء على أن اعلانهم كان “عاجل ولا رجعة فيه”)، فيبدو أن الجماعة التي عقدت قمتها الخاصة في نفس الوقت تقريبا في أبوجا، العاصمة النيجيرية، تبدو مصممة على جذبهم مرة أخرى للانضمام لها.
على الرغم من أنه قال سابقا إنه “لا وسيط لأحد”، إلا أن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، الذي التقى برئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري في واغادوغو في مايو الماضي وهو من نفس الجيل الذي ينتمي إليه اثنان من رؤساء الدول المنفصلة الثلاث، يقال إنه المُفضل للهيئة الإقليمية للعب دور صانع السلام.
ولكن مع تزايد بُعد فرص التهدئة (لم يكن الخطاب الصادر عن قمة نيامي لدول تحالف الساحل المنفصلة تصالحيا على الأقل)، تصاعدت الانتقادات لنهج الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تجاه الصراع، حيث ألقى الكثيرون باللوم على الهيئة الإقليمية إما لعدم القيام بما يكفي لتهدئة الترويكا الساحلية ( دول التحالف المنفصلة) ، أو عزلهم الصريح من خلال فرض عقوبات على النيجر في أعقاب انقلاب يوليو2023 والإصرار على العودة السريعة إلى الديمقراطية في الدول الثلاثة.
يعد “أداما جاي” المدير السابق للاتصالات في إيكواس لفترة واحدة هو أحد متَّبِعي هذا الرأي، فهو لا يحمل الجماعة جزئيا وكلياً مسؤولية قرار الانفصال بل يحمل المسؤولية كاملةً على عاتق الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن انسحاب دول تحالف الساحل من خلال إلحاح إيكواس المتواصل على عقد انتخابات حرة ونزيهة، بل إنه يتساءل عن منطق القيام بذلك “في حين أن أغلب الدول الأخرى تزعم أنها تؤيد هذا المطلب الديمقراطي نجد أنها دول في الواقع ليست ديمقراطيات حقيقية في حد ذاتها”.
على الرغم من أنه لا يؤيد تماما الشعور بأن الهيئة الإقليمية هي المسؤولة عن قرار انفصال دول تحالف الساحل، إلا أن رئيس مفوضية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الدبلوماسي الغامبي “عمر عليو توراي”، لا يقل تخوفاً من آفاق المنطقة، خوفاً من أنها تواجه “خطر التفكك وتفاقم انعدام الأمن”، وهو وضع يأمل أن يتم عكسه من خلال “نهج أكثر قوة” من جانب الجماعة.
في غضون ذلك، ، انتقد جزء من النقاد داخل نيجيريا الرئيس بولا تينوبو رئيس جماعة ايكواس منذ يوليو من العام الماضي2023 بسبب سوء ادارته للاستجابة على التهديد الانفصالي، وبحكم الواقع الموجة الأخيرة من الانقلابات في المنطقة.
يوضح أوباداري أن خروج بلدان دول تحالف الساحل (التي يبلغ مجموع سكانها اثنين وسبعين مليون نسمة) من جماعة إيكواس، التي تشكل بلا شك النموذج الأكثر نجاحاً للتعاون الإقليمي في أفريقيا، هو أمراً يدعو إلى الندم ، باعتبارهم من الأعضاء المؤسسين حيث كانت هذه الدول الثلاثة تُمثل جزءاً لا يتجزأ من التجارة الإقليمية والمبادرات السياسية والأمنية، والواقع أن جماعة دول غرب أفريقيا أفضل وأقوى بلا أدنى شك بوجودها، ويرى أوباداري أن الهيئة الإقليمية قد تصرفت التصرف الصائب من خلال الاستمرار في إرسال رسائل إلى المنفصلين لتوضيح أن الباب مفتوح أمام عودتهم إذا غير أي منهم رأيه.
يؤكد المقال على أنه لا يمكن السماح لدول تحالف الساحل المنفصلة بالاحتفاظ بالأغلبية للحصول على مقابل، وهذا يعد تهديدا بالانسحاب، فإذا لم يُسمح لهم بالمضي على خطى الأنظمة العسكرية التي أصبحت مجرد فوضى، وقد تم إلقاء اللوم على جماعة ايكواس لعدم قيامها بما يكفي من الجهد لجعل الدول الثلاثة بأنها مرغوبة داخل المنظمة، ويبدو على عكس ذلك أنها انحنت إلى الوراء لاستيعابهم على سبيل المثال قامت الجماعة برفع العقوبات المفروضة على السفر والتجارة والاقتصاد حتى عندما لم يكن هناك أي ضمانات بأن تقدم الترويكا المتمردة أي شيء في مقابل المعاملة بالمثل.
لم يقتصر الأمر فقط على قيام دول تحالف الساحل على رفض غصن الزيتون، على نحو مفيد ولكن قد ضاعفوا من حدة عدائهم، وأن القمة في نيامي بمثابة مشهد مبتذل من الشعوبية الزائفة، مصحوبة بسيل متواصل من الهجمات اللفظية التي شنها القادة العسكريون على القوى الغربية “الاستعمارية الجديدة” و”الإمبريالية” (بما في ذلك “وكلاؤها” في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) وتفترض أنها مكيدة لتجريد أو حرمان الدول الثلاثة من سيادتها التي اكتسبتها بشق الأنفس.
- ثالثا: فرصة للإصلاح: توقعات إيجابية
بالتالي يستخلص المقال أنه إذا لم يكن هناك مجال للعودة إلى الوراء بالنسبة لدول تحالف الساحل، والذي يبدو أيضًا عازمًا على تبادل الشراكة مع مختلف الدول الغربية بالتعاون العسكري والتقني مع روسيا كثيرا من أجل السيادة، يبدو أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ليس لديها خيار سوى التقاط القفاز الذي ألقاه التحالف. فيبدو أن جماعة ايكواس على الرغم من أنه لا ينبغي أن تتخلى عن سياستها الحالية المتمثلة في ترك الباب مفتوحًا لأي من الدول الثلاثة التي تراجعت عن خطواتها وتطلب الانضمام مرة أخرى، إلا أنها لا يجب أن تستسلم للمطلب الأساسي بأن تقدم مثل هذه الدولة مخططًا للانتخابات العامة في أقرب فرصة بهدف الانتقال الدائم إلى الديمقراطية، بعبارة أخرى، يجب على ايكواس اغتنام الفرصة لمضاعفة التزامها بإلزام الحكم الديمقراطي كشرط أساسي للعضوية، وهو الأمر الذي تحدث عنه الرئيس تينوبو عند انتخابه رئيسًا في يوليو 2023.
في حين أنه من غير المنطقي أن “معظم الدول الأخرى التي تدعي دعم هذا المطلب للديمقراطية ليست ديمقراطيات حقيقية في حد ذاتها”، فإن ما يهم هو أنها شرعت في الرحلة، ويمكن القول إنها تسير على الطريق الصحيح، بالنظر إلى كل شيء. وهذا يختلف عما يطالب به أعضاء دول تحالف الساحل، وهو تنازل بلا حدود لإدارة بلدانهم كطغاة عسكريين. ومن هذا المنظور، فإن فكرة أن دولة نظيرة يجب أن تلبي المعيار الغامض لـ “الديمقراطية الحقيقية” قبل أن يمكن اعتبارها مؤهلة لمحاسبتها غير واقعية تمامًا.
وأخيرا، يبدو أن أولئك الذين يلقون باللوم على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في انسحاب دول تحالف الساحل لا يدركون الظل الذي يلوح في الأفق وهي روسيا، التي كانت استراتيجيتها المزدوجة منذ فترة طويلة تتلخص في زرع التفرقة بين دول ايكواس كوسيلة لتوسيع وتعميق نفوذها في المنطقة وفي الوقت نفسه تقويض الغرب، قد يكون الصوت هو صوت دول تحالف الساحل، ولكن اليد التي ورائها هى يد موسكو.
وفي الختام، نستخلص من المقال أن الانقسام بين الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ودول تحالف الساحل يمثل تحديًا كبيرًا للمنظمة الإقليمية، ولكن من المثير للاهتمام أن مؤلف المقال يقترح ويميل الى أن هذا الانقسام قد يمثل “فرصة لإعادة تصور الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”. وقد تكون الأزمة فرصة للهيئة الإقليمية لإصلاح نفسها ومعالجة مخاوف الدول الأعضاء فيها بشكل أفضل، مما قد يؤدي إلى منظمة إقليمية أقوى وأكثر استجابة. وبالتالي، يميل الى تفضيل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وعلى فرصتها في تحسين آلياتها الداخلية لتعزيز الممارسات الديمقراطية ومراقبتها. ومن خلال التعامل مع الدول التي تم تعليق عضويتها ووضع معايير واضحة لعودتها إلى الحكم المدني، تستطيع الجماعة أن تثبت التزامها الثابت بالديمقراطية والعمل على وضع مساراً لمستقبل أقوى.
رابط المقال الأصلي: