تقارير

تقرير تحليلي : جهود الصين لربط أهداف مبادرة الحزام والطريق بأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠

إعداد : سارة حسام أحمد – باحثة ببرنامج دراسات الاستراتيجية بالمركز

مراجعة : دكتور / تامر سامي – مدير برنامج دراسات الاستراتيجية بالمركز

مقدمة:

  يزداد تداول مصطلح أهداف التنمية المستدامة 2030 يومًا بعد يوم، ويظهر بوضوح حرص توجهات الدول، سواء في إطار استراتيجياتها وخطط عملها أو مبادراتها ومشروعاتها، على جعل الأجندة الأممية جزءًا من محاورها من خلال مراعاة بعض معايير الاستدامة بأبعادها المختلفة.

  ولكن كان لسعي الصين الدؤوب لإظهار مدى ترابط أهداف مبادرتها “الحزام والطريق” بالأجندة الأممية، بل حتى البدء في الترويج لها بعبارات مثل “تخضير مبادرة الحزام والطريق”، وقع مثير للجدل، حيث بدأت التساؤلات حول الغرض الحقيقي وراء كل تلك الجهود المبذولة لإثبات العلاقة بين أهداف التنمية المستدامة والمبادرة.

  ومن هنا، أصبح من المهم الكشف عن الغايات الصينية المحققة في إطار جهودها لدمج الأجندة الأممية بمبادرة الحزام والطريق. ولذلك، جاءت هذه الدراسة لتبحث في ماهية مبادرة الحزام والطريق، وتقدم نظرة عامة عن الأجندة الأممية 2030، وتكشف عن دلالة الجهود الصينية لدمج أهداف التنمية المستدامة في مشروعات مبادرتها، بالإضافة إلى التعرف على ردود فعل أهم الفاعلين الدوليين تجاه تلك المبادرة.

أولًا: ماهية مبادرة الحزام والطريق:

  مبادرة الحزام والطريق ليست وليدة اللحظة أو كما يظن البعض بأن أول ظهور لها كان عام 2013، بل هي فكرة متجذرة في عقلية القيادة الصينية، ويتمثل جوهرها في إعادة إحياء طريق الحرير القديم. وتعود بداية هذا التوجه إلى عام 1978 في عهد الرئيس “دينج شياو بينج”، حيث بدأت الصين في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات، كان من أهمها الانفتاح على العالم الخارجي، مع التركيز على هدفها الأساسي وهو التنمية الاقتصادية. ثم، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، مما أتاح لها الاستفادة والانخراط بشكل أكبر في البيئة الدولية.[i]

  ومن هنا، تم إطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، عندما أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن تلك المبادرة في تصريحين. الأول كان خلال زيارته لكازاخستان، حيث اقترح إنشاء حزام اقتصادي لطريق الحرير لتعزيز التعاون الاقتصادي في منطقة أوراسيا. أما التصريح الثاني، فكان خلال زيارته لإندونيسيا، حيث أوضح مفهوم طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.[ii] ومن ثم، تضمنت مبادرة طريق الحرير الجديد عنصرين أساسيين، وهما:[iii]

  1.   العنصر البري: المتمثل في الخطوط الثلاثة للحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري “The Silk Road”، والممرات الثلاثة لطريق الحرير القطبي “Polar Silk Road”.
  2.  العنصر البحري: الذي يشمل الخطين الرئيسيين لطرق الحرير البحرية “Maritime Silk”.

  وبناءً على هذه التطورات، يمكن تلخيص أهم أهداف المبادرة في خمسة أهداف أساسية، والتي تتمثل في:[iv]

  1. تنسيق السياسات: من خلال خلق آلية اتصال للتعاون والمشاركة وتبادل السياسات والخبرات بين الحكومات وجميع الفاعلين في الساحة الدولية، مما يعزز من فاعلية تنفيذ المشروعات المشتركة، ويسرع من تحقيق الأهداف المختلفة في إطار شراكة عالمية. وظهر مثال ذلك بشكل واضح في وصول عدد الدول والمنظمات التي وقعت اتفاقيات تنسيق وتعاون في إطار المبادرة إلى ما يزيد عن 150 دولة و30 منظمة دولية. والجدير بالذكر، أن تلك المنظمات شملت العديد من أجهزة الأمم المتحدة المختلفة لتعزيز اتساق المشروعات والمبادرات نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.[v]
  2. اتصال المرافق: يُقصد به العمل على تحسين البنية التحتية للنقل والاتصال بجميع أشكاله من خلال مشروعات تطوير الموانئ والسكك الحديدية، أو حتى عن طريق تقديم الدعم الفني والمالي المطلوب في إطار المشروعات الصناعية المختلفة؛ مما يسهل حركة الأفراد والبضائع ويحقق التكامل الاقتصادي، ويعزز من تواجد الدول المختلفة في السوق العالمي. وكان ذلك جليًا في مشروعات البنية التحتية التي شملت العديد من دول المبادرة. وفي إطار التعاون الصناعي، قد وصل حجم صناديق التعاون الصناعي التي شيدتها الصين إلى ما يفوق 100 مليار دولار بعد مرور ثلاث سنوات فقط على نشأة المبادرة.[vi]
  • التجارة دون عوائق: يتم ذلك من خلال إزالة أو تقليل الحواجز التجارية بين الدول، في سبيل زيادة الكفاءة الاقتصادية لدول المبادرة عن طريق دعم مقدرتها على توفير السلع والخدمات بأسعار معقولة. ويمكن ملاحظة أثر ذلك الهدف من خلال وصول حجم التبادل التجاري الثنائي بين الصين ودول مبادرة الحزام والطريق في أول عامين فقط إلى ما تجاوز حدود 1 تريليون دولار.[vii]
  • التكامل المالي: ويعني تحفيز التنسيق بين المؤسسات المالية والمصرفية، مما يدعم التنمية الاقتصادية وقيمة الاستثمارات بين دول المبادرة؛ والذي بدوره يحقق التنمية الاقتصادية. ومن أمثلة ذلك، تعهد الصين بأن تصل قيمة استثماراتها في دول العالم إلى 1,25 تريليون دولار بحلول عام 2025، وهو أعلى سجل استثماري شهده التاريخ.[viii]
  • الروابط بين الأفراد أو الشعوب: من خلال تكثيف التفاعلات الثقافية والاجتماعية بين شعوب دول المبادرة، نظرًا لأن الروابط القوية بين الشعوب تؤدي إلى بناء علاقات أكثر صلابة واستدامة؛ مما يدعم إنجاز أهداف مشروعات المبادرة بشكل سلسل. ويمكن تحقيق ذلك في إطار برامج التبادل الثقافي والتعاون الطلابي وغيرها من البرامج التي تركز على تعزيز الروابط بين الأفراد. ومن أمثلة تلك المشروعات، وجود شبكة عالمية لمعاهد “كونفوشيوس” التي تقدم عددًا من التدريبات والبرامج، بجانب توفير منح دراسية وفرص لتعلم الثقافة الصينية.[ix]  

ثانيًا: نظرة عامة عن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠:

  جاءت أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 لتضع التزامات عالمية لحماية البيئة والمجتمع والأجيال الحالية والمستقبلية من التحديات والمخاطر التي تفشت في جميع أنحاء العالم، نتيجة لعدم مراعاة معايير الاستدامة البيئية في الأنشطة المختلفة على مدار سنوات عديدة. ومن هنا، اعتمدت الأجندة الأممية 2030 في عام 2015 أهدافًا تتمثل في (17) هدفًا تحمل ذات المبادئ، وهي التحرك الجماعي نحو السلام والازدهار للناس والكوكب في الحاضر والمستقبل،[x]بهدف القضاء على الفقر وجميع أشكال الحرمان، وتحسين مستويات الصحة والتعليم، والحد من جميع أشكال التمييز وعدم المساواة، والعمل على تحفيز النمو الاقتصادي الذي يراعي المعايير البيئية في إطار معالجة التغيرات المناخية.[xi]

وعلى هذا النحو، تتمثل دعائم أهداف التنمية المستدامة في أربعة أبعاد أساسية، وهم:[xii]

  1. البعد الاجتماعي: يتمحور حول البطالة، التنمية المحلية والإقليمية، الرعاية الصحية والخدمات، والترابط الاجتماعي.
  2. البعد الاقتصادي: يتمثل في التنمية والتنافس الاقتصادي، النمو والإبداع، والتنمية الصناعية.
  3. البعد البيئي: الذي يولي أهمية للحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، وجودة المياه والهواء والتربة، بالإضافة إلى التصدي لقضايا التغير المناخي.
  4. البعد الثقافي: يضع ثقافة الأفراد والمجتمعات في قلب اهتمامات أهداف التنمية، بحيث تكون مراعاة العوامل الثقافية وتعزيزها محركًا للوصول إلى باقي الأهداف.[xiii]

  وفي إطار سعي الأمم المتحدة لدفع عجلة تنفيذ هذه الأهداف، تم وضع مسؤولية مشتركة بين جميع الدول والمساهمين للالتزام بإجراء متابعة دورية لخطة تنفيذ الأجندة ومشاركة نتائج عملية التقييم، مما يجعل تنفيذ هذه الأهداف قائمًا على التعاون الدولي والتعلم المتبادل بهدف تعزيز الثقة والتفاهم بين جميع الأمم. بجانب ذلك، تعمل الأمم المتحدة على إصدار تقارير دورية ترصد بها موقف تنفيذ جميع الأهداف.[xiv] ورغم الجهود المبذولة، لا تزال وعود التنمية المستدامة في خطر، حيث أظهر التقييم الأخير لعام 2024 انحرافًا كبيرًا عن المسار المبتغى. لذا، هناك حاجة ملحة لتكثيف العمل على أهداف التنمية المستدامة لتصحيح مسار الأجندة الأممية نحو تحقيق أهدافها.[xv]

  ولأنه في حالة استمرار التوجهات على ذات النمط، قد يعيش حوالي 575 مليون شخص في حالة فقر مدقع في عام 2030. وسيشهد العالم حالة من الحرمان وعدم المساواة قد تستغرق مئات السنوات لمعالجتها. أما في مجال التعليم، فقد يصل عدد الأطفال خارج المنظومة التعليمية إلى 84 مليون طفل. كذلك، بعد أن كان الهدف هو تحديد درجة حرارة الأرض عند 1,5 درجة مئوية للحد من مخاطر التغيرات المناخية، قد يصبح من الصعب مواجهة تغير المناخ وما يرافقه من انعدام في العدالة المناخية بين الأفراد والمجتمعات.[xvi] ونتيجة لذلك، بدأت العديد من الدول في تعزيز توجهاتها الخضراء، سواء من خلال إجراء بعض الإصلاحات أو عن طريق إطلاق مشروعات خضراء مشتركة.

ثالثًا: جهود الصين لدمج أهداف التنمية المستدامة 2030 في مبادرة الحزام والطريق:

  ويمكن أن تظهر العلاقة بين أهداف التنمية المستدامة وأهداف مبادرة الحزام والطريق من خلال النظر إلى الطابع العام للمبادرة القائم على فكرة الشراكة العالمية لتحقيق التنمية. ولكن تعددت جهود الصين في محاولاتها لإبراز أن أهداف المبادرة هي انعكاس صريح للأجندة الأممية من خلال العمل على عدة مراحل للتحول الأخضر كما هو مُبين في (الشكل رقم 1).

حيث بدأت منذ عام 2016، في إضفاء طابع جديد لمبادرة الحزام والطريق تمثل في إنشاء مبادرة “الحزام والطريق الخضراء والمستدامة”، بهدف تعزيز بناء طريق الحرير الأخضر، من خلال الاعتماد على مفهوم “الحضارة البيئية” الذي يرتكز على تحقيق التعاون في مجال التغير المناخي.[xvii]

  وفي ذات الصدد، أعلنت وزارة البيئة الصينية في عام 2017 عن خطة التعاون لحماية البيئة الإيكولوجية على طول الحزام والطريق، بهدف الوصول إلى الحضارة البيئية ومفاهيم التنمية الخضراء من خلال تعزيز التمويل والمشروعات الخضراء والمعايير البيئية.[xviii] كما تم إطلاق مبادئ الاستثمار الأخضر في عام 2018، التي تضع المخاطر البيئية ضمن العناصر الأساسية لتقييم مشروعات المبادرة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أطلقت الصين وبعض دول المبادرة في عام 2021 “مبادرة شراكة التنمية الخضراء للحزام والطريق”، التي تركز على التعاون الدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بواسطة تعزيز عجلة الاقتصاد دون إغفال مراعاة خفض مستويات الكربون.[xix]

بالإضافة إلى ذلك، نجد سعي الصين الدائم في إيضاح أن جميع مشروعات المبادرة في مجملها تتقاطع مع العديد من أهداف الأجندة الأممية، إذ تم استخلاص أسلوب عمل وأهداف المبادرة وربطه مباشرةً بكل هدف من أهداف التنمية، حسبما ورد في المحاور الخمسة الآتية:[xx]

  1. العمل على تقليل الفقر في إطار تحقيق التنمية الاقتصادية: يتم تحقيق ذلك من خلال جعل التنمية الاقتصادية في مشروعات المبادرة علاجًا للفقر بجميع أنواعه، مثل الفقر التعليمي والبيئي، ما إلى ذلك من أنواع تعيق تمتع الأفراد بفرصٍ تحقق لهم العدالة والمساواة في الحقوق. ومن هنا، يتضح ارتباط هذا النهج (بالهدفين الأول والعاشر) من أهداف التنمية المستدامة.
  2. اتصال البنية التحتية: ربما لا زالت مشروعات البنية التحتية محورًا أساسيًا لمشروعات المبادرة حتى بعد مراحل التطور، ولكن أصبح للتقييم البيئي وزن أكبر بعد الجهود الصينية التي سبق ذكرها، حيث تقوم المؤسسات الممولة لتلك المشروعات بقياس التكلفة البيئية كمرحلة سابقة لعملية تنفيذ الفعلي. لذا، الآن يمكن ربط مشروعات البنية بعد إضافة ذلك البعد المستدام المُستهدف (بالهدف التاسع) لأهداف التنمية المستدامة.
  • العمل على تعزيز توليد الطاقة: تركز مشروعات الطاقة على عنصرين، يتمثل أولهما في سد الحاجة المحلية من الطاقة بأسعار معقولة. أما العنصر الثاني، فيتمحور حول كون الطاقة المُولدة في إطار مشروعات المبادرة نظيفة، مثال ذلك: (مشروعات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح). وبشكل واضح يتقاطع هذا المحور مع (الهدف السابع) لأهداف التنمية المستدامة. 
  • التركيز على التنمية الخضراء أو ذات الانبعاثات المنخفضة: يُقصد بهذا المحور أن تكون جميع المشروعات صديقة للبيئة وتراعي جهود التصدي لأزمة التغيرات المناخية من حيث حجم الانبعاثات الناجمة عنها، وألا يتم إغفال الحفاظ على التنوع البيولوجي أثناء عملية التنفيذ. ونتيجة لذلك، يراعي هذا المحور عددًا من الأهداف المتمثلة في (الهدف 6، 12، 13، 14، 15).
  • التركيز على سبل معيشة الأفراد من خلال النمو الاقتصادي (وما يشملها من توظيف، صحة، تعليم، غيرها): وهنا، يتم تبادل الخبرات على عدة مستويات، سواء بين العمال في المهن المختلفة أو بين الطلاب في مجال التعليم، بجانب العمل على نقل التكنولوجيا خاصة في القطاعات الأساسية مثل القطاع الصحي، بحيث يتم توفير العلاج والرعاية الصحية. ويمكن ربط هذا المحور (بالهدف 2، 3، 4، 5، 8، 11، 16) من أهداف التنمية المستدامة.

  وعليه، يبدو من الضروري النظر في الأسباب الكامنة التي جعلت الصين تسعى لجعل أهداف المبادرة مرآة للأجندة الأممية وأداة لتحقيقها، حيث لا يتوقف الأمر عند تحقيق الأهداف العالمية، بل هناك العديد من العوامل التي دفعت بالصين للارتكاز على هذه الأهداف، والتي يمكن استخلاصها فيما يلي:

  • الحصول على النفوذ الجيوسياسي: حيث تتشابه المبادرة بشكل كبير مع “الدبلوماسية المحيطية”، التي تقوم على الانفتاح والشمول وكسب جميع الأطراف من خلال الشراكة الاقتصادية المتوازنة، وهو نهج متناغم مع أهداف المبادرة الخمسة.[xxi]  وأوضح دليل على ذلك، هو حرص الصين على أن تغطي المشروعات التنموية للمبادرة العديد من المناطق جغرافيًا، حيث تشمل دولًا من (أفريقيا جنوب الصحراء، أوروبا وآسيا الوسطى، شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).[xxii] لذا، لا تقتصر الرواية على تقديم المبادرة كمشروع اقتصادي لتحقيق التنمية المشتركة فحسب، بل يمكن توسيع هذه النظرة لإضافة البعد السياسي والأمني الذي تسعى الصين لتحقيقه في إطار تقليل الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية. ومن هنا، يُعد الربط بين المبادرة والأجندة الأممية أداة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الخاصة بالصين.[xxiii]
  • الحصول على الدعم العالمي: تسعى الصين بشكل حثيث لجذب أكبر عدد من الدول والمنظمات من خلال إبراز الأهداف الأممية التي يمكن تحقيقها في إطار مشروعات المبادرة، كي تنال الدعم الدولي، مما يمكنها من بلوغ جميع أهدافها بشكل أسهل وأسرع. ما يؤكد هذا هو الجهود الصينية المبذولة لتحفيز أجهزة الأمم المتحدة على التعاون معها في إطار أنشطة المبادرة، حيث نتج عن المساعي التي أجرتها الصين نحو مراعاة تحقيق أكبر قدر من أهداف التنمية المستدامة وربطها بمشروعات المبادرة -كما سبق ذكره أعلاه- زيادة في الدعم المُقدم من قبل الوكالات المتخصصة المختلفة للأمم المتحدة. وخير دليل على ذلك، هو نمو تفاعل تلك الوكالات مع مشروعات المبادرة منذ عام 2017، الذي لم يقتصر على تقديم الدراسات والموارد فحسب، بل وصل لتنفيذ بعض المبادرات بشكل مشترك.[xxiv] بجانب تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، حينما أوضح دعمه للمبادرة من خلال ذكره أنها ستقوم “بتسريع الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.[xxv]

رابعًا: رد فعل الفاعلين الدوليين على توجهات مبادرة الحزام والطريق:

  بعد التعرف على جميع أهداف المبادرة والغايات الصينية التي تسعى لتحقيقها في إطارها، وجب توضيح رد فعل الفاعلين الدوليين الآخرين في النسق الدولي. فقد تعددت توجهاتهم بين مؤيدين، وهم الدول المستفيدة والجهات الداعمة لتلك المبادرة، ومعارضين، وهم اللاعبين الدوليين الذين يعارضون فكرة زيادة النفوذ الصيني في الساحة الدولية، ويتمثل أبرزهم فيما يلي:

  • الولايات المتحدة الأمريكية:

  قد أظهرت الولايات المتحدة معارضتها الشديدة لتلك المبادرة منذ الظهور الأول لها، وكانت مبررات ذلك تتمحور حول كون المبادرة أداة لخلق تبعية اقتصادية، بجانب انتهاكها للعديد من حقوق الإنسان والمعايير الدولية حيث قد يتم الضغط على الدول في إطار تنفيذ مشروعاتها.[xxvi] وقد بدأت التوجهات المضادة منذ عهد الرئيس أوباما حتى يومنا هذا، وشملت عدة أطر، منها إظهار المعايير الدولية المنتهكة في ظل تلك المشروعات، والتركيز على اتباع نهج مقاوم للمبادرة من خلال تكوين بعض التحالفات لمواجهة الهيمنة الصينية، مثل: (تحالف I2U2، تحالف Quad، تحالف AUKUS). بالإضافة إلى، توجيه الاهتمام لزيادة دعم الدول اقتصاديًا بشكل يتمتع بشفافية أكبر.[xxvii]

  • مجموعة الدول الصناعية السبع (G7):

  ربما لم تكن جهود مجموعة الدول الصناعية موحدة منذ البداية، ولكن تم توحيدها عندما أطلق الرئيس الأمريكي “جو بادين” في عام 2021 المبادرة البديلة لمبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” – (Build Back Better World – B3W). وتسعى هذه المبادرة إلى تحفيز النمو والتصدي للعديد من مشكلات الاستدامة من خلال التركيز على تعزيز العمل في أربعة مجالات رئيسية، وهي: (المناخ، الصحة والأمن الصحي، التكنولوجيا الرقمية، والمساواة).[xxviii]

  • الاتحاد الأوروبي:

  قد تعددت توجهات الاتحاد الأوروبي بين الاتجاه الداعم للمبادرة، حيث انضمت العديد من دول الاتحاد إليها في البداية، حتى أنه في عام 2019 تم الاتفاق بين كلا الطرفين على إجراء دراسات مشتركة حول ممرات النقل المستدامة القائمة على السكك الحديدية بين أوروبا ودولة الصين. والاتجاه المعارض، بل والمنافس لنمو المبادرة، حيث تخطى الأمر حد الانتقاد إلى إعلان الاتحاد الأوروبي عن مبادرة “البوابة العالمية” – (Global Gateway) في عام 2021. وتقوم هذه المبادرة على أهداف مشابه لمبادرة الحزام والطريق، حيث تعمل على خلق روابط وتسهيل الاتصال بين الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم، من خلال مجموعة من المشروعات التنموية في قطاعات مثل: (البنية التحتية، الطاقة، التنمية المستدامة).[xxix]

الخاتمة:

  ونستخلص من جميع ما سبق ذكره أن مبادرة الحزام والطريق قد تكون بالفعل أداة فعالة لتحقيق العديد من أهداف الأجندة الأممية 2030، ولكن تركيز جهود الصين على تكثيف وإظهار تلك العلاقة قد يكون غرضه لا يقتصر على تحقيق التنمية العالمية، بل يمتد للحصول على الدعم والمكانة التي تمكنها من الوصول إلى الغايات الصينية الاستراتيجية المرجوة.

  ونتيجة لذلك، تتعدد ردود فعل الفاعلين الدوليين؛ حيث تلعب الدول المستفيدة والجهات الراغبة في تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة دور المؤيدين للمبادرة، بينما نجد على الجانب الآخر الدول المعارضة للمبادرة بشكل كلي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، نتيجة لتصادم مصالحها مع زيادة النفوذ الصيني. كما تعمل على خلق بدائل لمبادرة الحزام والطريق، وكان أبرز مثال على ذلك إطلاق مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل”.

  وأخيرًا، نجد الفريق الثالث الذي لعب الدورين معًا، كما ظهر موقف الاتحاد الأوروبي؛ ففي حين دعم الاتحاد الأوروبي عملية تحقيق النجاح في تعزيز العمل نحو أهداف التنمية المستدامة عبر مشروعات المبادرة، ناهض التوسع الصيني وأطلق مبادرة “البوابة العالمية”، التي تكاد تتطابق أهدافها مع مبادرة الحزام والطريق.خلاصة القول، لم تكن تحركات الصين أو حتى اللاعبين الدوليين استثناءً من طبيعة عالم السياسة الدولية، حيث توجد العديد من أنواع المصالح والأهداف، ربما بعضها يكون واضحًا وضوح الشمس والآخر كامنًا. وبوجه عام، ستظل الصين ساعية وراء تحقيق أهدافها الاستراتيجية في إطار تلك المبادرة، وربما ردود فعل الفاعلين الدوليين تتوقف ع


[i]  المحمدي، صدام فيصل كوكز والمشهداني، سعود أحمد ريحان. (2023). مبادرة الحزام والطريق مشروع للتنمية الشاملة تقدمة الصين للعالم: دراسة قانونية بمنظار جيو-سياسي. (الطبعة الأولى). مركز الرافدين للحوار.  

[ii] Shahriar, S. (2022). China’s Belt and Road Initiative. In Springer eBooks (pp. 1–9). https://doi.org/10.1007/978-3-319-31816-5_4374-1   

[iii]  محمد، سمر إبراهيم. (2022). السياسة الصينية نحو الطاقة المتجددة: طريق الحرير الأخضر نموذجًا. آفاق آسيوية، (9)، 15-34.

https://sis.journals.ekb.eg/article_261689_ea9b52a45ad61129a42569c2221de105.pdf

[iv] المرجع السابق.

[v] China’s Belt and Road Initiative turns 10. Here’s what to know. (2023, November 20). World Economic Forum. https://www.weforum.org/agenda/2023/11/china-belt-road-initiative-trade-bri-silk-road/

[vi] Cao, H., & Gong, T. (2017). 2016 HIGH-LEVEL POLICY FORUM ON GLOBAL GOVERNANCE “BELT AND ROAD”: A NEW PATH TO REGIONAL DEVELOPMENT SCOPING PAPER 2 Building a shared vision for the Belt and Road Initiative and the Sustainable Development Goals. https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/migration/cn/5961ed4b7f10a6592aae1fe6676a23afaca476c448cfab5e8e29ad4d8a5bed1c.pdf

[vii] المرجع السابق.

[viii] مرجع سبق ذكره.

[ix] المرجع السابق.

[x] Transforming our world: the 2030 Agenda for Sustainable Development. (2015). In United Nations. https://www.un.org/en/development/desa/population/migration/generalassembly/docs/globalcompact/A_RES_70_1_E.pdf

[xi] THE 17 GOALS | Sustainable Development. (n.d.). https://sdgs.un.org/goals  

[xii] التنمية المستدامة. (غ.م.). وزارة البيئة المصرية.

https://www.eeaa.gov.eg/Topics/86/35/Details#:~:text=%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%3A%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A9%D8%8C%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A9,%D8%A7%D9%84%D8%AE.https://courier.unesco.org/en/articles/culture-heart-sustainable-development-goals

[xiii] Culture: at the heart of Sustainable Development Goals. (2023, December 20). The UNESCO Courier. https://courier.unesco.org/en/articles/culture-heart-sustainable-development-goals

[xiv] مرجع سبق ذكره.

[xv] The Sustainable Development Goals Report 2024. (2024). In United Nations. https://unstats.un.org/sdgs/report/2024/

[xvi] The Sustainable Development Goals Report 2023: Special Edition. (2023). In United Nations. https://unstats.un.org/sdgs/report/2023/

[xvii] مرجع سبق ذكره.

[xviii] Wang, C. N. (n.d.). About the Belt and Road Initiative (BRI) – Green Finance & Development Center. https://greenfdc.org/belt-and-road-initiative-about/

[xix] مرجع سبق ذكره.

[xx] مرجع سبق ذكره.

[xxi] محمدین، ص. ص. خ. (2022b). الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرين: مبادرة الحزام والطريق أنموذجًا (2013- 2021). مجلة السياسة والاقتصاد، 14(13)، 1–26. https://doi.org/10.21608/jocu.2021.88367.1131

[xxii] Wang, C. N. (n.d.-b). Countries of the Belt and Road Initiative (BRI) – Green Finance & Development Center. https://greenfdc.org/countries-of-the-belt-and-road-initiative-bri/

[xxiii]  مرجع سبق ذكره.

[xxiv] Partnering for a Brighter Shared Future: Progress Report on the Belt and Road Initiative (BRI) in Support of the United Nations 2030 Agenda. (2022). In United Nations. https://www.un.org/en/unpdf/sdg-2019-02-test

[xxv]  الأمين العام: مبادرة طريق الحرير الجديد بوسعها فتح فرص هائلة للعالم | الأمم المتحدة. (n.d.). United Nations. https://www.un.org/ar/desa/china-belt-and-road-forum

[xxvi] Grieger, G. (2021). Towards a joint Western alternative to the Belt and Road Initiative? In EPRS | European Parliamentary Research Service.

[xxvii] التحالفات الأمريكية (I2U2 – Quad – AUKUS) هل تعتبر آداة أمريكية لمواجهة النفوذ الصيني “مبادرة الحزام والطريق”؟! (16 يوليو 2023)، المركز العربي الديمقراطي. https://democraticac.de/?p=91230 

[xxviii] مرجع سبق ذكره.

[xxix] Mschmitz. (2023, October 19). Global Gateway: The EU Maps a Different Path Than Belt and Road. Global & European Dynamics. https://globaleurope.eu/europes-future/global-gateway-the-eu-maps-a-different-path-than-belt-and-road/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى