Uncategorized

دور الطاقة الروسية في الاقتصاد الأوروبي: قراءة في ظل الأزمة الأوكرانية

إعداد/مصطفى أيمن سعد من خريجي برنامج التدريب الصيفي – مسار دراسات التنمية المستدامة

مراجعة : د. مي أحمد – مسئول برنامج التنمية المستدامة والطاقة

مقدمة

تُعتبر الطاقة مورد مهم واستراتيجي للدول سواء النفط أو الغاز، لذا لعبت القدرة على الوصول إلى الطاقة بشكل وافر وبتكلفة مناسبة دوراً مهماً في نمو النشاط الإنساني، واتساع نطاقه ونهضة الدول عبر التاريخ، حيث يمكن ملاحظته أنه في مراحل الثورة الصناعية الأولى، كان التباين في القدرة على الوصول إلى الطاقة وتوظيفها بشكل فعال أحد العوامل الرئيسية التي حددت تباين نمو الأمم والدول في تلك المرحلة، وفي صراعها على المستعمرات إما كان لضمان وصول كل منها لمصادر طاقة رخيصة نسبياً، أو حتى الحيلولة دون إتاحتها بشكل يسيراً، أو بتكلفة منخفضة للأطراف المنافسة[1].

ومع دخول العالم الحرب الروسية الأوكرانية، وما تتابعها من أحداث وتداعيات عل العالم ككل، بدأت سلاسل إمدادات الطاقة في الانخفاض؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة المختلفة وبدأت الدول الاتجاه إلى مصادر للطاقة جديدة، ومع ذلك لا يمكن التخلي عن المصادر الأساسية للطاقة، كدولة بحجم روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ولكن بعد دخولهم في حرب فيما بينهم بدأت الأزمة، وأثرت على العالم ككل.

ويمكن تناول الورقة، بناءً على الإجابة على هذه الأسئلة، وهي:

– ما أهمية الطاقة في ملف التنمية المستدامة؟

– ما أهمية الطاقة بالنسبة لدول العالم؟

– كيف كانت بداية وتطور الأزمة الأوكرانية، وهل انعكست تلك الأزمة على الطاقة؟

– ما دور الطاقة الروسية في الاتحاد الأوروبي؟

– هل أثرت أزمة الطاقة الروسية على التشغيل والتوظيف الأوروبي؟

ملف الطاقة في اهداف التنمية المستدامة

  • يعتبر الهداف السابع من اهداف التنمية المستدامة ” طاقة نظيفة وبأسعار معقولة”، حيث تهدف الأمم المتحدة الى تحقيق توفير طاقة نظيفة الى اغلب سكان العالم بحلول عام 2030، من خلال التشجيع على الاستثمار في مجال الطاقة وخاصة المتجدد منها، حيث تستخدم خدمات الطاقة الغير متجددة ، ومنها مثلاً الإنارة وسُبل الراحة الحرارية والطهي والمواصلات والانتقال ، اعتمادا على استخدام المحروقات الأحفورية من أجل تلبية هذه الاحتياجات يمكن أيضاً أن يفضي إلى مزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مما يحتمَل أن يُشكل تهديدا بزيادة الانبعاثات الكربونية ومن ثم زيادة احترار الأرض، ولذلك فالحل فى استخدام مصادر نظيفة ومستدامة للطاقة اقل انبعاثات كربونية واكثر امانا بيئيا.

الاعلان العالمي 2015 وتبنى طاقة نظيفة

فقد حث الإعلان على مجموعة من الاليات لتحقيق محاور الهدف السابع الخاص بالطاقة، كما يلي:

  • زيادة الطاقة المستقاة من المصادر المتجددة
  • تعزيز تكنولوجيات كفاءة الطاقة
  • تعميم إتاحة الطاقة (7-1)
  • وزيادة مصادر الطاقة المتجددة (7-2)
  • تحسينات كفاءة استخدام الطاقة (7-3)
  • تعزيز التعاون الدولي لتنمية هياكل الطاقة المستدامة (7-أ) وتحسين مستوى التكنولوجيا وتوسيع منظومات الطاقة (7-ب).

انواع مصادر الطاقة المتجددة:

تتعدد مصادر الطاقة المتجددة (او المستدامة بيئيا) كما يلي:
1- الطاقة الحيوية
2- الطاقة الكهرومائية
3- طاقة الرياح
4- الطاقة الشمسية
5 – كهرباء الحرارة الارضية
                                         
أهمية الطاقة بالنسبة لدول العالم

      تدور نظريات العلاقات الدولية جميعها حول التركيز على الأمن الاقتصادي، خاصة الطاقة وذلك؛ لأن أغلبية الدول الكبرى في العالم أصبح اعتمادها على القوة الاقتصادية أكثر من القوة العسكرية، وتترأس الطاقة أهم عناصر القوة الاقتصادية لأي دولة، حيث تعد الطاقة أحد أهم مكونات الأمن الاقتصادي، فهي تعتبر مصدرا اقتصادياً حيوياً وكذلك هدفاً استراتيجياً يسعى الجميع إلى امتلاكها، وإن امتلاك الدولة لقطاع طاقة قوي يؤثر على مكانة الدولة عالمياً واتباعها لسياسة خارجية نشطة من عدمها، وكذلك موقعها في النظام العالمي.

تكمن أهمية قطاع الطاقة للدول من خلال :

  • يعتبر قطاع الطاقة زراع قوي للأمن القومي تكمن في كونه أهم مسائل الأمن الداخلي.
  •  تستخدمه الدول كسلاح استراتيجي.
  •  الطاقة مورد حيوي واستراتيجي تؤثر في مكانة الدولة عالمياً.
  •  تستغل الدول المنتجة للطاقة هذه الميزة في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية؛ بهدف تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.

الأمن الطاقوي وتأثيره على العلاقات الدولية:

 تعرف الأمم المتحدة أمن الطاقة بأنه: “الحالة التي تكون فيها إمدادات الطاقة متوافره في كل الأوقات، وبأشكال متنوعة ومتعددة وبكميات كافية وبأسعار مناسبة ومعقولة”، ويرتبط مفهوم الأمن الطاقوي للدول المنتجة والمصدرة بمفهوم بقاء الطلب عند حدوده القصوى مع السعي لإبقاء العرض أقل من الطلب؛ بهدف تحقيق زيادة في عمر احتياطاتها، بالإضافة إلي ضمان معدلات أسعار مرتفعة تزيد من إيراداتها المالية، بينما يتعلق مفهوم الأمن الطاقوي لدي الدول المستهلكة والمستوردة للطاقة باستقرار الأسعار عند مستويات دنيا عن طريق سياسات خفض الطلب علي الطاقة لجعل المعروض منها أكبر من الطلب، وأيضًا تعمل في سبيل الحفاظ على أمنها الطاقوي على تنويع مصادرها من الطاقة بإحلال الطاقات المتجددة والنظيفة.

وأصبح موضوع أمن الممرات المائية التي تمر عبرها تجارة النفط سواء مضيق هرمز أو قناة السويس أو باب المندب أو مضيق “مالالكا” في بحر الصين من الموضوعات التي اتخذت أبعادًا سياسية وعسكرية أثرت على التحالفات السياسية وعلى استقرار بعض الدول المطلة على تلك الممرات، والأهم أنها أثرت على العلاقات بين الدول المطلة على تلك الممرات وبين الدول المارة منها، لذلك امتد مفهوم أمن الطاقة ليشمل موضوع أمن إمدادات النفط[2].

 تأثيرات الامن الطاقوي على العلاقات الدولية :

علاقة الصين والدول العربية: ارتفع حجم الصادرات النفطية السعودية إلى الصين في عام 2016م؛ لتصبح نحو 1.15 مليون برميل يومياً بما يفوق صادرات السعودية للولايات المتحدة، كما أصبحت الصين في عام 2009م خامس أكبر مستورد للغاز في قطر، فهي تستورد6.4% من صادرات الغاز الطبيعي المسال القطري، ومن جهة أخرى توسعت الصين في استثماراتها الطاقوية في العراق بعد حرب 2003م، وقد شاركت الصين في كل من شركة سيبول وأرامكو السعودية، وتشارك أرامكو السعودية الشركة الصينية اكسوت موبايل في مصنع للتكرير والبتروكيمياويات في الصين.

علاقة دول الاتحاد الأوروبي مع روسيا: تحتاج دول الاتحاد الأوروبي إلى إمدادات الطاقة الروسية؛ وذلك لتلبية حاجاتها كما أن روسيا بحاجة إلى سوق الطاقة الأوروبية وذلك لتصرف إنتاجها، وهو ما يخلق تبعية طاقية متبادلة بين روسيا والاتحاد الأوروبي ويؤثر على علاقة الجانبين ببعضهم البعض رغم اختلاف الايدولوجية التي يتبناها كلا من الاتجاهين[3].

الأزمة الروسية – الأوكرانية

كانت البداية لأول مرة أزمة دبلوماسية كبيرة بين موسكو وكييف في عهد فلاديمير بوتين عام 2003، إذ بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق “كريتش” باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية، والتي اعتبرتها كييف محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وهو من زاد حدة الصراع، وخلال عام 2013، تفاقمت الأزمة حيث اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية في ساحة كييف المركزية.

وذلك بعد قرار الرئيس الأوكراني بعدم التوقيع على اتفاقية الارتباط مع الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج الشراكة الشرقية الخاص به، بالإضافة إلى قيام روسيا بضم جزيرة القرم، حيث كانت حكومة أوكرانيا في مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بيانوكوفيتش، ونتيجة لذلك لم ترد على العملية الروسية عند إطلاقها، ومن ثم تم تسهيل مهمة روسيا نسبيًا بفعل الارتباك والفوضى، اللذين عادةً ما يعقبان أي ثورة، على غرار ما حدث في كييف.

وفي شهر ديسمبر 2021، ظهر أتون الصراع البارد بين لاروسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، حيث بدأت روسيا بحشد عشرات الاَلاف من الجنود على حدود أوكرانيا، على الرغم من ذلك نفى بوتين أي محاولة من جانبه للقيام بشن حملة عسكرية على أوكرانيا[4].

السياق العام لدور الطاقة الروسية بالاتحاد الأوروبي

بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا فبراير 2022، اضطربت أوروبا إلى البحث عن بديل اَخر لتزويدها بالغاز الطبيعي والنفط، بعدما فرضت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات على قطاع الطاقة الروسية، وقد أثرت الأزمة الحاصلة بين روسيا والدول الأوروبية في تقلب أسعار النفط والغاز الطبيعي، وأسهمت في زيادة معاناة الدول الأوروبية، ومنها فرنسا وألمانيا، في تحقيق التدفئة والمجال الصناعي، فعلى سبيل المثال تقييد استخدام المكيفات في مختلف المرافق العامة، وإطفاء أضواء المحلات خلال الفترة الليلية، في محاولة منهم لتقليل التبعية الروسية.

لذا تلعب الطاقة الروسية دوراً مهمًا في الاتحاد الأوروبي، ولكن خلال الفترة الأخيرة هناك عاملان يمكنان أوروبا من استبدال شحنات الغاز الروسي بعد حصولها على البنيات التحتية المرتبطة باستقبال الغاز وإعادة تحويله للحالة الغازية لضخه عبر أنابيب داخلية ليصل إلى المستهلك، وفي هذا الشأن يصل عدد محطات الغاز المسال وتحويله للحالة الغازية في شمال غرب أوروبا إلى (28 محطة) بإمكانها تلبية 43% من احتياجها شمال غرب أوروبا من احتياجات شمال غرب شمال أوروبا (هذا ما يعادل ما يتم استيراده من موسكو)[5].

تأثير أزمة الطاقة الروسية على التشغيل والتوظيف بالاتحاد الأوروبي

بدأت شعور سكان دول الاتحاد الأوروبي بارتفاع معدلات التضخم الناتج عن صدمات العرض بالنسبة للمنتجات، والتي بدأت من أسعار الطاقة، ومن الواضح أن أكثر الدول الأوروبية تاثراً بالحرب الروسية هي ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا الأكثر ضعفاً من العديد من الدول الأوروبية الأخرى، حيث في عام 2021، شكلت صادرات لاتفيا إلى روسيا 7.3% من إجمالي الصادرات، بينما شكلت الواردات 9.1% وهذا أعلى بكثير من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 4.1% و 7.5% على التوالي، أما النمسا فتعتمد على 80% من إمدادات الطاقة من روسيا، وبالتالي فإن توقف هذه الإمدادات سيحدث ركودًا، وقد بدأت النمسا في إجراء مناقصات لتجديد مرافقها لتخزين الغاز.

وفي العطاء الأول تكلفت النمسا علاوة مخاطر 45% على الأسعار الرئيسية الأوروبية لإنشاء احتياطي غاز استراتيجي قبل بدء موسم التدفئة، وهذه العدوى تمتد إلى كل دول أوروبا، وارتفاع الأسعار كع حالة الركود المتوقعة مع طول فترة الأزمة قد يدخل الاتحاد الأوروبي في حالة ركود تضخمي، لذا قد تؤدي عواقب الأزمة الروسية إلى تعقيد وإبطاء تعافي سوق العمل في أوروبا بعد جائحة كورونا، وسيتأثر تعافي سوق العمل سلباً بالركود الاقتصادي، وبالنسبة لبعض البلدان بتدفقات الهجرة إلى الخارج، وبسبب العقوبات الاقتصادية وتعطيل سلاسل التوريد وتدفقات الموارد، ستواجه الشركات الأوروبية انخفاضًا في مستوى التوظيف، وتشير بعض الأبحاث التي أجراها ريمون ليدون، إلى أن عدد الوظائف في أوروبا تباطأ بعد اندلاع الحرب الروسية[6].

الخاتمة:

على الرغم من أهمية هذا الملف والذى يدخل في استراتيجيات كافة دول العالم نظرا لحيويته وتأثيره على كافة نواحي الحياه الا ان مصادر الطاقة المتجددة لاتزال تواجه العديد من التحديات اثناء استخدامها اهمهم تحدى التمويل وخاصة لدى الدول النامية،  ولا تزال ليست خالية من التلوث، اذا انها لاتزال تعتمد في توليدها  او تخزينها  على الوقود الأحفوري.

المراجع

  • ديوب محمد معن ، ثائر محمد نديم معروف ، ولي شفيق اسماعيل “ النفط وحروب التغير في العلاقات الدولية” ، مجلة جامعة تشرين ، ٢٠١٩ ، ع ٤.
  • محفوظ رسول، “ أمن الطاقة في العلاقات الروسية – الأوروبية “، مركز دراسات الوحدة العربية.
  • محمد لكريني، “الحرب الروسية الأوكرانية واأمن الطاقي: السياق والتداعيات” اَفاق استراتيجية (مركز اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء)، ع 8، ديسمبر 2023.
  • محمد محمد راضي، “تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على مستقبل الاتحاد الأوروبي الاقتصادي“، اَفاق اقتصادية معاصرة، مركز المعلومات لاتخاذ القرارات التابع لرئاسة مجلس الوزراء، يونيو 2023.
  • مصطفى علوى سيف، “خريطة جديدة: تحولات أمن الطاقة ومستقبل العلاقات الدولية“، مجلة السياسة الدولية، العدد 204، أبريل 2016م
  • نسيبة أشرف، ” تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي“، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، أبريل 2022.
  • https://www.un.org/ar/chronicle/article/20306
  • https://www.un.org/ar/chronicle/article/20345
  • https://blogs.worldbank.org/ar/voices/renewable-energy-export-import-win-win-eu-and-north-africa

[1]) مصطفى علوى سيف، خريطة جديدة: تحولات أمن الطاقة ومستقبل العلاقات الدولية، السياسة الدولية، العدد 204، أبريل 2016م، ص 7، 8.

[2]) ديوب محمد معن ، ثائر محمد نديم معروف ، ولي شفيق اسماعيل “ النفط وحروب التغير في العلاقات الدولية” ، مجلة جامعة تشرين ، ٢٠١٩ ، ع ٤.

[3]) محفوظ رسول، “ أمن الطاقة في العلاقات الروسية – الأوروبية “، مركز دراسات الوحدة العربية.

[4]) نسيبة أشرف، ” تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي“، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، أبريل 2022.

[5]) محمد لكريني، “الحرب الروسية الأوكرانية واأمن الطاقي: السياق والتداعيات” اَفاق استراتيجية (مركز اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء)، ع 8، ديسمبر 2023.

[6]) محمد محمد راضي، “تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على مستقبل الاتحاد الأوروبي الاقتصادي“، اَفاق اقتصادية معاصرة، مركز المعلومات لاتخاذ القرارات التابع لرئاسة مجلس الوزراء، يونيو 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى