الأزمة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين: بين الصراعات والسيناريوهات المستقبلية
اعداد : ياسمين محمود حامد البوني – من خريجي برنامج الصيفي 2023 لدراسات التطرف بالمركز
- المقدمة:
نشأت جماعة الإخوان المسلمين في الأساس كحركة دينية واجتماعية، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة معارضة في المشهد السياسي المصري. وتعتبر هذه الجماعة من أبرز الحركات الإسلامية المعاصرة التي ظهرت في ميادين الجهاد والعمل الإسلامي خلال العقود الأخيرة. ومنذ تأسيسها قبل ما يزيد عن ثمانين عامًا، تميزت الدعوة الإخوانية بدعوتها إلى العودة للأصول الإسلامية، مستندة إلى الكتاب والسنة، ومع تجنب الخلافات الجزئية والمذهبية. وبرزت الجماعة كلاعب سياسي مؤثر في العديد من البلدان العربية، حتى وصلت إلى قمة السلطة في مصر عام 2012، بعد أن كانت محظورة هناك وفي عدة دول عربية[1].
برزت مؤخراً حالة انشقاق داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين بدأت تتكشف بوضوح خلال العامين الماضيين، نتيجة أزمة القيادة المستفحلة داخل التنظيم والتي أفضت إلى انقسام متزايد بين أجنحته المختلفة. وكان إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام، أحد أبرز الشخصيات القيادية حتى وفاته في 4 نوفمبر 2022، التي زادت من تعقيد الأزمة التنظيمية وألقت بظلالها على مستقبل الجماعة. تهدف هذه الورقة إلى استعراض أبرز الخلافات والصراعات القيادية داخل التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية، سعياً لفهم ملامحها ودلالاتها، واستشراف السيناريوهات المحتملة لمستقبل الجماعة.
الكلمات المفتاحیة:
الإخوان المسلمون- الصراعات القيادية- أجنحة الجماعة – جبهات الجماعة- الصراع الجيلي.
- أبعاد الصراعات القيادية والجبهات المتصارعة داخل الجماعة:
تواجه جماعة الإخوان المسلمين أزمة هيكلية عميقة ذات جذور تمتد إلى التنافس على قيادة التنظيم، وتتزايد حدتها بشكل مستمر. هذه الأزمة ليست خاصة بالإخوان وحدهم، بل هي امتداد لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، المتأثرة بالتحولات الإقليمية التي تحد من أنشطة هذه التنظيمات وتعمق من أزماتها البنيوية. خلال العامين الماضيين، قبل وفاة إبراهيم منير زعيم “جبهة لندن”، برزت خلافات كبيرة بشأن أحقية قيادة التنظيم، حيث اشتدت المنافسة بين جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين وجبهة لندن بقيادة منير. وأدت هذه النزاعات إلى استنزاف كبير في موارد الجبهتين اللتين حاولتا فرض السيطرة على الهياكل الإدارية للتنظيم في الخارج، مما يكشف عن انقسام فعلي في التنظيم يُهدد وحدته[2].
وقد أسفرت هذه الأزمة عن نشوء ثلاث جبهات رئيسية تتصارع حول الشرعية وأحقية القيادة، وهي:
- جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير (نائب المرشد العام السابق) والتي اتخذت من “إخوان سايت” منبراً إعلامياً لها، مع تأسيس مجلس شورى خاص بالخارج، ويمثلها أسامة سليمان كمتحدث رسمي. ومن أبرز الشخصيات الداعمة لهذه الجبهة: محمد البحيري، يوسف ندا، عصام سليمة، ومحمود الإبياري، إلى جانب قيادات أخرى مثل عبدالله عليوة وجمال حشمت.
- جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين (الأمين العام السابق) التي تُعبر عن رؤاها عبر موقع “إخوان أون لاين” ويمثلها المتحدث الرسمي طلعت فهمي. تشمل الداعمين لها شخصيات بارزة مثل محمد عبد الوهاب، مسؤول رابطة الإخوان المصريين في الخارج، وهمام يوسف، وشيماء محمد ابنة الرئيس الراحل محمد مرسي.
- جبهة المكتب العام التي برزت مؤخراً بقيادة أشرف عبد الغفار وأحمد عبد العزيز، وتعتبر ولاءها للمرشد المسجون محمد بديع. وقد زادت هذه الجبهة من نشاطها بعد تصاعد الخلافات بين الأجنحة التنظيمية، وتعمل على تعزيز نفوذها وإقصاء الجبهتين الأخريين.
تفاقم الصراع على قيادة الجماعة بين إبراهيم منير ومحمود حسين، لا سيما بعد إلقاء القبض على محمود عزت في مصر، حيث سعى منير إلى بسط سيطرته الكاملة على التنظيم. وقد أدى هذا المسعى إلى مواجهات مباشرة مع جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين التي كانت هي الأخرى تسعى إلى قيادة الجماعة. بدأت جهود منير بمراجعة ملف الفساد المالي والإداري، بهدف إقصاء جبهة إسطنبول عبر اتهامها بالتورط في مخالفات مالية وإدارية، وتوجيه الانتقاد لها بشأن ملفات داخلية كملف توحيد صفوف الجماعة. وفي هذا السياق، قرر منير تجميد عضوية محمود حسين وعدد من قيادات جبهة إسطنبول، كما حلّ المكتب الإخواني في أنقرة بشكل كامل[3].
وفي المقابل، ردت جبهة إسطنبول بإصدار مجموعة من القرارات المضادة، أبرزها تجميد عضوية منير وجميع قياداته، وتشكيل لجنة مؤقتة بقيادة مصطفى طلبة لتولي مهام المرشد العام، مع تمديد عمل اللجنة لمدة ستة أشهر. كما اتهمت الجبهة إبراهيم منير بالسعي إلى فرض واقع جديد داخل الجماعة وإنشاء كيانات موازية، معتبرة أنه جزء من التنظيم الدولي للإخوان وليس من إخوان مصر تحديداً، ما يعزز رفضها لقيادته ويستند إلى لوائح الجماعة الداخلية[4]
- السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الجماعة:
تواصل جماعة الإخوان المسلمين تدهورها في العالم العربي، حيث يتضح هذا التراجع في انسحاب حركة النهضة من المشهد السياسي التونسي، وتراجع نفوذ الجماعة في السودان، وخسارتها الانتخابات في المغرب وليبيا، وتراجع حضورها السياسي في الأردن نتيجة قرارات حكومية تُحجم دورها. وقد فشلت قيادات الجماعة في احتواء الخلافات الداخلية التي شهدت توتراً متزايداً بين الأجيال الشبابية والقيادات التقليدية، مما يُعرف بـ “الصراع الجيلي”، والذي يشكل تحدياً عميقاً للنسيج التنظيمي للجماعة[5].
رغم أن جماعة الإخوان قد مرت بأزمات سابقة منذ تأسيسها، إلا أن هذه الأزمة تُعد الأكثر تهديداً لوحدة التنظيم بسبب التشظي الداخلي وظهور عدة جبهات تتنازع على القيادة. كما أن الانقطاع شبه التام بين الجبهات القيادية وأعضائها في مصر ساهم في تعقيد الوضع، وزاد من حدة الأزمة، خاصة في ظل المناخ السياسي غير المستقر الذي يُهدد بقاء التنظيم. جاءت وفاة إبراهيم منير كعامل إضافي للتساؤل حول مستقبل الجماعة، وهل ستقود إلى التئام الصفوف أم إلى زيادة الانقسام بين الجبهات الثلاث، التي يدعي كل منها الأحقية بقيادة الجماعة[6].
- استمرار الأزمة:
هذا السيناريو هو الأقرب للواقع الحالي، حيث تتصف الجماعة بارتباك داخلي واضح وغياب قيادة موحدة ومركزية وأيضًا تعدد الجبهات والصراعات على القيادة، إلى جانب الفشل في توحيد الرؤى، يُبقي الأزمة قائمة ويُعزز احتمالية استمرارها.
- انقسام رسمي للجماعة:
تبرز مؤشرات قوية على احتمال حدوث انقسام رسمي للجماعة، خصوصًا مع تصاعد الخلاف بين جبهات لندن، إسطنبول، والمكتب العام. التباين الواضح في مواقف كل جبهة، ومحاولاتها لتهميش الأخرى، قد يؤدي إلى انقسام علني وتشكيل كيانات منفصلة، مما سيعزز هذه الفرضية. هذا السيناريو يعكس مدى خطورة الأزمة الحالية وعمق الانقسامات التنظيمية.
- محاولة التوصل لتسوية:
رغم أن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال في ظل الوضع الحالي، إلا أنه لا يزال خياراً يمكن تحقيقه إذا ما تم تبني تنازلات من قِبل الأطراف المتنازعة أو تم التوصل إلى آلية جديدة لإعادة الهيكلة التنظيمية. لكن مع استمرار الخلافات ورفض كل جبهة التنازل، تظل فرص هذا السيناريو ضعيفة في الوقت الراهن.
ختامًا، ما تستطيع أن تطمح إليه الجماعة مستقبلًا هو الحفاظ على ما تبقى من التنظيم في الداخل، ولملمة شمله في الخارج، ولكنها ستصبح محاولات يائسة بسبب تعنت الشباب والعواجيز المنغلقين فكريًا على ثوابتهم القديمة. وتستمر الخلافات والانشطارات في جسد الجماعة، وأعظم ما يمكن لقيادة الإخوان أن تفعله الآن أن تحل الأزمة الداخلية بجمع شمل أبنائها، ولملمة القيادات مرة أخرى، وهي محاولات ستكون فاشلة بسبب الجدل حول الأحقية بالمناصب، واستراتيجيات العمل الإخواني المقيتة.
فمستقبل العلاقات الدولية سيجعل مصير الإخوان غير متوقع، ولاسيما أن التحديات القادمة ستكون من النوع الوجودي، ولكن ماذا يمكن أن تضيفه محاولات الانقلاب الفكري والتنظيمي والمنافسة الغير مبررة داخل صفوف الجماعة على قيادة التنظيم دون التفكير في بنيويتها وهيكلها التنظيمي إلا مزيدًا من احتمالات الدفع على مسار الانتحار الأخير لتكتب سطور نهايتها واحدًا تلو الآخر.
[1] نهى السدمي ، الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، (القاهرة مكتبة مدبولي، ٢٠١٤م) ص7.
[2] حسام تمام، تحولات الإخوان، تفكك الأيديولوجيه ونهاية التنظيم، (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) ص56.
[3] محمد مسعد العربي، الإخوان بين الوطنية والأممية: مسألة التنظيم الدولي للجماعة، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث،2012م، ص5، متاح على: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث – الإخوان بين الوطنيّة والأمميّة: مسألة التنظيم الدولي للجماعة ، تاريخ الدخول: 29-9-2023م .
[4] Tarek Masoud, THE MUSLIM BROTHERHOOD ,2006, Testimony Ph.D., John F. Kennedy, School of Government, Harvard University.
[5] أحمد سلطان، لماذا انشققت عن الإخوان المسلمين؟، المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والإستخبارات، يناير 2021م، متاح على: https://www.europarabct.com/?p=73759 ، تاريخ الدخول: 1/10/2023م،
[6] إبراهيم يوسف، الإخوان المسلمون: تاريخ حافل بالانشقاقات، إضاءات، 2015م، متاح على: https://bit.ly/3swbAWf، تاريخ الدخول: 1/10/2023م،