الغسل الأخضر: ما بين تضليل المستهلك وعرقلة جهود مكافحة التغير المناخي.
إعداد: فوزية صبري – باحث مشارك.
يعقد الآن مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ(cop29) في باكو ويمثل ذلك فرصة للحديث عن الغسل الأخضر باعتباره أحد التحديات التي تعيق تحقيق الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة -اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ واثاره- تأسيسًا على ما سبق سوف يتم تقسيم الورقة إلى عدة محاور يتناول المحور الأول مصطلح الغسل الأخضر وآلياته وخصائصه، في حين يتطرق المحور الثاني إلى دوافع الشركات لادعاءات التزامها بالبيئة بينما يتطرق المحور الثالث إلى أهم التقارير حول الغسل الأخضر، ويتناول المحور الرابع تأثير الغسل الأخضر على الحوكمة المناخية، أما المحور الخامس يركز علي أبرز الأمثلة على الغسل الأخضر، والمحور السادس يشير إلي أبرز الجهود المبذولة لمكافحة الغسل الأخضر أما المحور الأخير يتناول كيفية تجنب الغسل الأخضر والتوصيات.
أولًا: الغسل الأخضر وآلياته وخصائصه
لقد تمت صياغة مصطلح الغسل الأخضر (Greenwashing) لأول مرة في ثمانيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1986 على يد عالم البيئة الأمريكي جاي ويسترفيلد (jay westerveld) عندما كتب مقال انتقد فيه الفنادق التي تطلب من الضيوف إعادة استخدام المناشف كإجراء صديق للبيئة وادعى أن أصحاب الفنادق كان هدفهم الأساسي تقليل تكاليف الغسيل وليس تخفيف الأثر البيئي لأنشطتهم،[1]ويشير مصطلح الغسل الأخضر إلى: ادعاء بعض الدول والمؤسسات والشركات التزامها بحماية البيئة والسعي نحو حوكمة المناخ عبر استثمارات ومنتجات صديقة للبيئة. يجب الإشارة إلى أن الغسل الأخضر يعرف أيضًا بالتضليل البيئي.[2]
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة فإن ممارسات الغسل الأخضر تتم من خلال ادعاء بعض الدول والمؤسسات والشركات أنهم يسعوا إلى تقليل الانبعاثات الملوثة للبيئة إلى الصفر برغم افتقارهم إلى خطط موثوقة في الواقع، بالإضافة إلى اعتمادهم على استراتيجيات غامضة فيما يتعلق بعمليات المؤسسات والمواد المستخدمة، والتركيز على سمة بيئة واحدة مع تجاهل باقي السمات، وادعائهم بتجنب الممارسات غير القانونية أو غير القياسية التي لا علاقة لها بالمنتج، و تعمد استخدام مسميات على نحو (أخضر) و(صديق للبيئة) يمكن تفسيرها بشكل خاطئ بسهولة، والادعاء بأن التحسين البسيط له تأثير كبير وعلاوة على ذلك استخدام سمات الاستدامة لإنتاج منتج يعمل على زيادة تلوث البيئة بشكل أكبر على نحو الملابس المصنوعة من مواد معاد تدويرها والتي يتم إنتاجها في مصنع عالي الانبعاثات الذي يلوث الهواء والمجاري المائية القريبة.[3]
واتصالًا بما سبق تتعدد صور و خصائص الغسل الأخضر وتتمثل في تقديم ادعاءات كاذبة، التضليل والإفصاح الانتقائي، المبالغة في الفوائد البيئية، الاعتماد على الغموض، المطالبات البيئية غير ذات الصلة، عدم وجود أدلة، المقارنة بالبدائل الأقل صداقة للبيئة، الصور والرسومات المضللة، تغير أهداف الشركة، شهادات مزورة.[4]
ثانيًا دوافع الشركات لادعاءات التزامها بحماية البيئة
مع تزايد الوعي بشأن الأثار السلبية للتغيرات المناخية يشعر عدد متزايد من الناس بالقلق من هذه الأثار ثم البدء بالبحث عن بدائل تساعدهم في حماية الكوكب وتستغل الشركات- القائمة بعمليات الغسل الأخضر- هذه الفرصة وتدعى أنها تسعى إلى حوكمة المناخ؛ وذلك من أجل استعاده سمعتها أو تعزيزها وجذب المستهلكين المهتمين بالبيئة وتعزيز أرباحها.[5]
ثالثًا: تقارير حول الغسل الأخضر:
أصدرت هيئة النقد في هونج كونج تقريرًا بحثيًا بعنوان ‘‘ التضليل البيئي في أسواق السندات الخضراء للشركات‘‘ في نوفمبر2022 ولقد أثبت أن حوالي ثلث الشركات المصدرة للسندات الخضراء على مستوى العالم تجنى فوائد إصدار السندات الخضراء دون خفض غازات الاحتباس الحراري، ووفقًا لتقرير معهد غرانثام للأبحاث بشأن تغير المناخ والبيئة بعنوان ‘‘الاتجاهات العالمية في التقاضي بشأن تغير المناخ: لمحة عامة لعام 2022‘‘ لقد تم رفع حوالي20 قضية غسل أخضر أمام محاكم الولايات المتحدة الامريكية وأستراليا وفرنسا وهولندا في الفترة من 2016 إلى 2022.[6]
رابعًا: تأثير الغسل الأخضر على الحوكمة المناخية:
وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة ازدادت الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة بنسبة 1,2% بين عامي 2021و2022 لتسجل مستوى قياسي جديد بلغ 57,4جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون وعليه فأن هدف وقوف الاحترار العالمي عند 1,5 درجة مئوية أو تجاوز هذا الحد بقليل أصبح من الصعب تحقيقه نظرًا للقيام بالعديد من الممارسات التي تمثل تحدي أمام حوكمة المناخ[7] ومن هذه التحديات الغسل الأخضر حيث تقوم بعض الدول والمؤسسات والشركات باستخدام بعض الشعارات الخضراء للترويج لمنتجاتها وتحقيق الأرباح ولكن هذه الشعارات تساهم في زيادة الاحترار العالمي لأن هذه الدول والشركات لا تلتزم بالشروط والقوانين والعوامل التي من شأنها خفض حجم الأثار السلبية للتغيرات المناخية.[8]
خامسًا: أبرز الأمثلة على الغسل الأخضر
شركة فلوكس فاجن- لصناعة السيارات- كانت تروج لمنتجاتها الصديقة للبيئة وبالرغم من ذلك في سبتمبر2015 اعترفت الشركة باستخدامها برامج غير قانونية للتلاعب في نتائج اختبارات انبعاثات عوادم السيارات،[9] وبالإضافة إلى ذلك إعلان الصين الالتزام بالحد الأقصى لانبعاثات الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 وبالرغم من ذلك مازالت بكين تسهم بنسبة 27% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية وثلث الغازات الدفيئة في العالم.[10] و علاوة على ذلك قيام شركة زارا (Zara) في عام 2022 بإطلاق خط لإصدار الملابس المستدامة المصنوعة من البوليستر الملتقط للكربون.[11]
سادسًا: أبرز الجهود المبذولة لمكافحة الغسل الأخضر
أنشأ الأمين العام للأمم المتحدة في 31مارس 2022 فريق خبراء رفيع المستوى معنى بالتزام المؤسسات والشركات غير الحكومية بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري وقد أنهي الفريق عمله بإصدار تقرير ‘‘النزاهة مهمة: التزامات الشركات والمؤسسات المالية والمدن والمناطق بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري‘‘ في مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالمناخ (Cop 27)وقد قدم التقرير توضيح لأربعة مجالات رئيسية: السلامة البيئية والمصداقية والمساءلة ودور الحكومات.[12] وبالإضافة إلى ذلك قيام الهيئات التنظيمية في المملكة المتحدة على نحو نشر وكالة معايير الإعلان ( Advertising Standards Agency) إرشادات إعلانية حول الادعاءات البيئية المضللة والمسئولية الاجتماعية في يونيو2022 بينما نشرت هيئة الأسواق المنافسة (Competition Markets Authority) قانون المطالبات الخضراء في يونيو2021 وفي مارس من نفس العام أطلقت هيئة الأوراق المالية في الولايات المتحدة الامريكية فريق عمل يركز على قضايا المناخ والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.[13] وعلاوة على ذلك في مارس2022 اعتمدت المفوضية الأوروبية مقترحًا بشأن التوجيه الخاص بتمكين المستهلكين من أجل التحول إلى الأخضر واعتمدت أيضًا في مارس 2023 اقتراحًا بشأن التوجيه الخاص بالمطالبات الخضراء ويتطلب هذا الاقتراح من الشركات إثبات ادعاءاتها بشأن الجوانب البيئية أو أداء منتجاتها ومنظماتها باستخدام أساليب قوية مبنية على العلم وقابلة للتحقق.[14]
سابعًا: كيفية تجنب الغسل الأخضر
ذكرت منظمة الأمم المتحدة بعض الخطوات التي يمكن اتباعها حتى يتم تجنب الغسل الأخضر وتتمثل هذه الخطوات في[15]:
- البحث الجيد: يجب على المستهلكين اتخاذ الوقت الكافي في البحث عن منتجات الشركات التي تعمل على خفض الانبعاثات الضارة وتعد من أفضل الخطوات للبدء في البحث هو التحقق إذا كانت الشركات متوافقة مع أي من مبادرات المناخ والاستدامة التابعة لأمم المتحدة على نحو السباق نحو الصفر (Race to zero) أو ميثاق صناعة الأزياء للعمل المناخي.
- المتابعة المستمرة: يجب على المستهلكين أن يتابعوا باستمرار كل ما يتعلق بالغسل الأخضر ومستجداته.
- دورة حياة المنتج: يجب على المستهلكين عند اختيار المنتج أخذ دوره حياته في الاعتبار بدءًا من استخراج المواد الخام حتى مرحلة التخلص منه مع الأخذ في الاعتبار العواقب البيئة المرتبة بالمنتج.
- الشفافية والمساءلة: يجب على المستهلك أن يتعامل مع الشركات التي تقدم بيانات موحدة وقابلة للمقارنة يمكن من خلالها تقييم المنتج.
التوصيات:
- قيام الحكومات بتقديم الدعم والحوافز للمؤسسات والشركات التي تلتزم بتطبيق الشفافية في اعلاناتها وممارساتها الفعلية حول إنتاج منتجات صديقة للبيئة، ويكون ذلك الدعم عن طريق تسهيل التصريحات وتقليل تكاليف الضرائب إلى أقصى حد ممكن أو الغائها وعلاوة على ذلك تحاول الحكومات أن توفر لهم كافة المعلومات حول المواد التي تؤدي إلى زيادة الأثار السلبية للتغيرات المناخية حتى يتجنبوا استخدامها، وعلى الجانب الأخر تقوم الحكومات بتشديد الرقابة على الشركات التي تعلن عن إنتاجها منتجات صديقة للبيئة، والتأكد من صدق هذه الشركات وذلك من خلال تأسيس شركات متخصصة للرقابة البيئية، وعلاوة على ذلك تقوم الحكومات بفرض غرامات مالية باهظة على الشركات التي تتدعى أنها إنتاجها منتجات صديقة للبيئة.
- قيام الحكومات بإطلاق المزيد من حملات توعية للمستهلكين –وذلك بالتعاون مع طلاب الجامعات والمدارس والمؤسسات الذين يرغبون المشاركة في الأعمال التطوعية وأيضًا المهتمين بقضايا المناخ- بخطورة الغسل الأخضر وكيفية تجنبه وأيضًا التشجيع على شراء المنتجات الصديقة للبيئة، وذلك من خلال إطلاق حملات توعية غير مباشرة (عن طريق انشاء فيديوهات قصيرة وجذابة ونشرها على اليوتيوب والتيك توك الفيسبوك وإنستغرام ومنصة إكس…) ومباشرة عن طريق عقد ندوات تثقيفية في المدارس والجامعات والمراكز البحثية.
[1]بي بي سي نيوز، مؤتمر المناخ 2022: لماذا تتدعى شركات وحكومات انها مهتمة بحماية البيئة، نشر في 2/11/2022، شوهد في14/11/2024، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/x2XTDT
المقدمة
[2]سكاي نيوز، الغسل الأخضر. عقبة خطيرة أمام حوكمة المناخ، نشر في 6/9/2044، شوهد في14/11/2024، متاح على الرابط التالي:
the United nations Greenwashing – the deceptive tactics behind environmental claims, accessed on 14 nov2024 available at:
[4]Eric koons ,10 types of greenwashing, energy Tracker Asia, June2024, accessed on20 nov2024, available at:
[5] Ethical consumer, what is greenwashing?, 13sept2024,accessed on19nov2024, available at:
[6] Peter Pears, Tim Baines, and Oliver Williams, Greenwashing: Navigating the Risk, Harvard law school forum on corporate governance, july2023, accessed on 14/112024 / , available at, https://is.gd/OsL1c1
[7] برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2023، شوهد في 17/11/2024، متاح على الرابط التالي:
[8] فرانس24، التمويه الأخضر، إزالة الكربون، الحياد المناخي ..مفاتيح لفهم تحديات قمة المناخ ‘‘ كوب28‘‘، نشر في8/11/2024، شوهد في 17/11/2024، متاح على الرابط التالي:
[9] بي بي سي نيوز، فولكس فاغن: التفاصيل الكاملة للفضيحة، نشر في 27/9/2015، شوهد في19/11/2024، متاح على الرابط التالي:
[10]البنك الدولي، تحول الصين إلى اقتصاد منخفض الكربون وبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ يتطلب تحولات في الموارد والتقنيات، نشر في 10/12/2024، شوهد في 16/11/2024، متاح على الرابط التالي:
[11] Twelve Examples of Greenwashing, zero smart, Nov 2022, accessed on 15l11l2024, available at, https://is.gd/2KhAGE
[12] الأمم المتحدة، مصداقية التزامات الكيانات غير الحكومية بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري وإخضاعها للمساءلة، شوهد في 15/11/2024، متاح على الرابط التالي:
[13] Peter Pears, Tim Baines, and Oliver Williams, op.Cit.
[14] The European Union, Green claims, accessed on 19 nov2024, available at:
[15]. The United Nations, Op Cit.