الدراسات الافريقية

بين التنمية والصراعات: كيف يواجه بريكس تحديات سد النهضة والقرن الإفريقي؟

إعداد: دكتور محمد فؤاد رشوان – خبير بمجموعة عمل الدراسات الافريقية بالمركز.

يُعد تجمع  بريكس واحدًا من أبرز التكتلات الاقتصادية والسياسية العالمية، حيث يسعى لتعزيز التعاون بين أعضائه والتأثير على الساحة الدولية بما يتجاوز الهيمنة التقليدية للقوى الغربية، وفي سياق استراتيجيته لتعزيز دوره العالمي وتوجه العالم نحو نظام متعدد الاقطاب، تتزايد أهمية منطقة القرن الأفريقي، التي تُعد نقطة محورية للتجارة الدولية والموارد الطبيعية، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات أمنية وسياسية معقدة تتمثل في النزاعات الحدودية، الإرهاب، والجفاف.

الصراعات في القرن الأفريقي، لا سيما حول سد النهضة بين اثيوبيا وكل من مصر والسودان، تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي، مما يجعلها بؤرة اهتمام للقوى العالمية والإقليمية. دور البريكس في هذه المنطقة يمكن أن يكون حاسمًا من خلال تقديم مقاربات جديدة لتسوية النزاع تعتمد على التنمية المستدامة، الوساطة الدبلوماسية، ودعم الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية.

تاريخيًا، ركز بريكس على قضايا الاقتصاد والتنمية، لكن التوسع في التعامل مع الملفات الأمنية يعكس نضج التكتل ورغبته في تعزيز نفوذه الجيوسياسي. ومن خلال أدواته مثل بنك التنمية الجديد، والشراكات الثنائية بين أعضائه ودول القرن الأفريقي، يمكن أن يسهم البريكس في تخفيف حدة النزاعات ودعم مساعي بناء السلام.

وتسعى هذه الدراسة لابراز الدور الذى من الممكن ان يقوم به  بريكس من أجل تقديم نفسة كبديل للنهج الغربى فى تسوية النزاعات فى العالم وفى منطقة القرن الافريقي على وجه الخصوص من خلال تسوية أحد اعقد النزاعات الممتدة لأكثر من عقد من الزمان فى القرن الأفريقى وتعصف باستقرارة وتهدد السلم والأمن .

أولًا : النزاع حول سد النهضة                                                              

مع تزايد حدة التغيرات المناخية، دخل نزاع  حول نهر النيل مرحلة جديدة من التعقيد، ما عزز تنافس دول المنطقة على المياه والغذاء وأمن الطاقة. يأتي مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، ليُضيف مزيدًا من التعقيد إلى العلاقات بين إثيوبيا ومصر، فبينما تعتبر إثيوبيا السد ضرورة وجودية، تراه مصر تهديدًا وجوديًا لها ولا يقتصر النزاع على الموارد المادية فحسب، بل يتجاوزها إلى مسألة هوية الدولتين.

فمنذ انطلاق المشروع عام 2011، أكدت مصر أن السد يُشكل تهديدًا لأمنها المائي واستقرار المنطقة، بينما تصر إثيوبيا على أنه مشروع إنمائي بعيد عن التسييس، ورغم اختلاف المواقف، يتضح أن النزاع يُحركه سعي الطرفين إلى الحفاظ على أمنهما الوجودي وهويتهما الوطنية.

يمثل سد النهضة تحديًا لهوية مصر التي ترى في النيل أساسًا لحضارتها وثقافتها، في المقابل، تعتبر إثيوبيا السد رمزًا للوحدة الوطنية في مواجهة الفقر والتخلف، وشبيهًا بانتصارها في معركة “عدوة” عام 1896 ضد الاستعمار الإيطالي[1]

ونتيجة لتعنت أديس أبابا في المفاوضات ورفضها التجاوب مع رغبة مصر والسودان في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد. هذا التعنت أدى إلى تجمد المفاوضات واستمرار الخلافات دون تحقيق تقدم يذكر ، وقد شهدت جولات المفاوضات السابقة، بما فيها الاجتماع الرابع والأخير الذي انعقد العام الماضي بهدف تسريع الوصول إلى اتفاق خلال أربعة أشهر، فشلًا ذريعًا، وانتهت تلك الاجتماعات دون تحقيق أي نتائج ملموسة، مما عزز من حدة التوترات بين الأطراف الثلاثة.

وأكدت مصر والسودان أن السبب وراء هذا الفشل يكمن في استمرار إثيوبيا على مواقفها الرافضة منذ سنوات طويلة، وعدم قبولها بأي حلول فنية أو قانونية وسطية تحقق مصالح الدول الثلاث، كما اتهمت القاهرة أديس أبابا بالتراجع عن التفاهمات التي تم التوصل إليها سابقًا، والتي كانت تلبي مصالح إثيوبيا المُعلنة ، بينما تتهم اثيوبيا مصر والسودان بأنهما يتبنيان عقلية الحقبة الاستعمارية ووضع العراقيل أمام جهود التقارب، وإذاء المراوغة  المستمرة والمعروفة عن نظام آبى أحمد وسياسته الخارجية أعلنت مصر بشكل واضح أنها تحتفظ بحقها، بموجب المواثيق الدولية، في اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه لأي تهديد. وتظل الأزمة عالقة، مما يثير القلق بشأن التصعيد المستقبلي إذا لم تُستأنف المفاوضات بروح من التعاون والمرونة بين الأطراف المعنية.[2]

تصاعد التوتر الاقليمى

سرعان ما بدأت مصر في تبني سياسة خارجية أكثر نشاطًا وتفاعلًا مع القضايا الحيوية في مناطق نفوذها الاستراتيجي، لاسيما في منطقة باب المندب ومنابع النيل، وذلك ردًا على الاستفزازات الإثيوبية المتكررة. وتشمل هذه الاستفزازات القرارات الأحادية المتعلقة بتشغيل وملء سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دول المصب، والضغط الدبلوماسي لتفعيل اتفاقية عنتيبي، ومحاولات تقويض الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، بدعم من قوى إقليمية ودولية تهدف إلى الضغط على القاهرة في ملف المياه.

ضمن هذا الإطار، جاءت التحركات المصرية النشطة مؤخرًا في القارة الأفريقية، ومن أبرزها توقيع اتفاق عسكري مع الصومال. أعقب ذلك إعلان الصومال عن استقبال معدات ووفود عسكرية مصرية، إضافة إلى إعلان مصر مشاركتها في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، التي ستتولى مهام بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS) بحلول يناير المقبل. ومن المتوقع أن تشارك مصر بنحو 5000 جندي في البعثة، بجانب 5000 جندي إضافي في إطار الاتفاق العسكري بين مصر والصومال.

هذه التحركات اعتبرتها إثيوبيا تصعيدًا ومحاولة لتطويقها، ما يضيف مزيدًا من التوتر إلى المشهد الإقليمي.[3]

لذا فقد اتخذت إثيوبيا سلسلة من الخطوات للتعبيرعن قلقها إزاء ما وصفته بتدخل مصر في الصومال، شملت إجراءات دبلوماسية وعسكرية، عكست تصاعد التوترات بين البلدين
حيث أبدت إثيوبيا مخاوفها عبر بيانات وتصريحات رسمية تحذر من تداعيات التحركات المصرية على الاستقرار الإقليمي. في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية، أعربت أديس أبابا عن قلقها إزاء تقارير تفيد بوصول قوات مصرية إلى الصومال ضمن بعثة حفظ السلام، وطالبت إثيوبيا بتشكيل بعثة جديدة تأخذ في الاعتبار “مخاوفها المشروعة”، محذرة من أن أي إجراءات غير محسوبة قد تؤدي إلى تأجيج التوترات في المنطقة.

وسرعان ما أعلنت إثيوبيا عن خطط لتعزيز وجودها العسكري على الحدود مع الصومال حيث أبدى رئيس الوزراء آبي أحمد نيته إرسال قوات إضافية إلى إقليم واجادين الحدودي في شرق البلاد يهدف هذا التحرك إلى السيطرة على الاقتتال الداخلي ومنع تسلل مقاتلي حركة الشباب إلى داخل الأراضي الإثيوبية.[4]

كما قامت إثيوبيا بتصعيد دبلوماسي لافت عبر تعيين سفير لها في إقليم أرض الصومال، الكيان الانفصالي غير المعترف به دوليًا. أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية تسلم رئيس الإقليم موسى بيهي عبدي أوراق اعتماد السفير الإثيوبي الجديد تيشومي شوندي هاميتو. أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة، إذ اعتبرت انتهاكًا للأعراف الدولية وتصعيدًا يزيد من حدة التوترات.[5]

ثانيًا:  تجمع بريكس ودوره في النظام الدولي

تأسست مجموعة بريكس رسميًا في 16 يونيو/حزيران 2009 بمدينة يكاترينبورغ الروسية، عقب قمة جمعت زعماء روسيا والصين والبرازيل والهند. في البداية، حملت المجموعة اسم “بريك” (BRIC)، وهو اختصار صاغه جيم أونيل من بنك غولدمان ساكس عام 2001 لتوصيف الاقتصادات الناشئة. انضمت جنوب أفريقيا عام 2010 لتصبح “بريكس” (BRICS)، وتم اختيار شنغهاي الصينية مقرًا لها.

رغم معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، اتسمت دول المجموعة بالتباين في أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما أثار انتقادات اعتبرتها مجرد “حيلة تسويقية”. ومع ذلك، ساعدت التحولات الدولية والأزمات العالمية المجموعة على تعزيز دورها الجيوسياسي.

في عام 2017، طرحت فكرة “بريكس بلس” لضم دول جديدة كمشاركين دائمين أو شركاء في الحوار. توسعت المجموعة في يناير/كانون الثاني 2024 بانضمام مصر، السعودية، الإمارات، إيران، وإثيوبيا، ليصل عدد أعضائها إلى عشرة.

تسعى بريكس لتكون نموذجًا متكاملًا للتحالفات الدولية، حيث تعمل على تشكيل نظام عالمي أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب، كما تظهر جهودها في تطوير بنوك ومؤسسات بديلة واستيعاب أعضاء جدد تصميمًا على تعزيز موقعها الجيوسياسي والاقتصادي عالميًا.[6]

  1. الأهداف والتوجهات العامة
  2. الأهداف الاقتصادية

تركز بريكس على تعميق التعاون الاقتصادي بين أعضائها من خلال تعزيز التجارة والاستثمار عبر إنشاء ترتيبات تجارية تفضيلية، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية كالبنية التحتية والطاقة، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الجمركية وتحسين بيئة الأعمال، كما تسعى دول بريكس إلى تقليل اعتمادها على الاقتصادات المتقدمة وكسر هيمنة الغرب، لذا أنشأت المجموعة بنك التنمية الجديد عام 2014 برأسمال قدرة 50 مليار دولار، ليكون منافسًا للبنك الدولي، وتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، كذلك أطلقت آلية احتياطي الطوارئ كبديل لصندوق النقد الدولي لتوفير السيولة لأعضائها وأخيرًا تهدف بريكس إلى إنشاء نظام اقتصادي أكثر عدالة يعكس مصالح الدول النامية عبر تقديم بدائل للمؤسسات المالية الدولية المهيمنة.

  • الدوافع الجيوسياسية:

تنظر بريكس إلى نفسها كقوة ناشئة تسعى إلى زيادة نفوذها الدولي من خلال تعزيز مواقفها المشتركة في القضايا الدولية مثل تغير المناخ ومنع انتشار الأسلحة النووية، وكذا تسعى  إصلاح النظام الدولي، حيث  ترى دول بريكس أن النظام العالمي يخضع لهيمنة الغرب، وتسعى إلى تمثيل مصالحها بشكل أفضل في المؤسسات الدولية عبر الدعوة لإصلاح مجلس الأمن والبنك الدولي كما تعمل دول بريكس على تقوية التنسيق بينها لدعم التعددية وتعزيز دورها كصوت مشترك للدول النامية.[7]

  • السياسة الخارجية للبريكس

تتسم السياسة الخارجية لتجمع بريكس ((BRICS بتوجهاتها نحو تعزيز التعددية القطبية في النظام الدولي، وتحقيق التوازن في مواجهة الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. تأسس التجمع ليضم اقتصادات ناشئة من البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا، ويعمل على الدفاع عن مصالح الدول النامية وتعزيز التعاون بين دول الجنوب ومن أبرز ملامح السياسة الخارجية لبريكس:

1. دعم التعددية الدولية: تسعى بريكس إلى إصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لضمان تمثيل أفضل للدول النامية وتعزيز دورها في صنع القرار العالمي.

2. تعزيز التعاون الاقتصادي: تركز بريكس على إنشاء بنية تحتية مالية مستقلة عن الغرب، مثل تأسيس بنك التنمية الجديد ( ( NDB وصندوق احتياطي مشترك، لدعم مشاريع التنمية وتخفيف الاعتماد على النظام المالي الغربي.

3. إقامة شراكات استراتيجية: تتبنى المجموعة سياسة شاملة لتعزيز التعاون مع الدول النامية في آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، عبر مبادرات مثل “بريكس بلس” التي تهدف لضم دول جديدة كأعضاء أو شركاء حوار دائمين.[8]

4. التركيز على القضايا المشتركة: تتعامل بريكس مع تحديات عالمية مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، والإرهاب، بما يعكس التزامها بتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الدولي.

5. تعزيز السيادة والاستقلال: تدعو بريكس إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مع رفض العقوبات الأحادية التي تفرضها بعض الدول الغربية.

وبناء على ما سبق تمثل سياسة بريكس الخارجية رؤية بديلة للنظام العالمي، تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول النامية وتحقيق العدالة الاقتصادية والسياسية في العلاقات الدولية.[9]

ثالثًأ: دور تجمع بريكس في تسوية النزاع

يتمتع تجمع بريكس بمزايا تجعله قادرًا على لعب دور وسيط في نزاع سد النهضة، فهو يضم دولًا كبرى لها نفوذ اقتصادي وسياسي عالمي، مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى جنوب إفريقيا، التي تمتلك خبرة في قضايا القارة الإفريقية، كما أن البريكس يقدم منصة غير منحازة نسبيًا مقارنة بالمنظمات الغربية، مما يجعله شريكًا مقبولاً للأطراف المتنازعة.

1. دوافع تدخل البريكس في قضية سد النهضة

أ. دور الصين في البريكس وأفريقيا:

تعد الصين مستثمرًا رئيسيًا في سد النهضة وفي مشاريع البنية التحتية بإفريقيا. لذلك، يمكنها استغلال نفوذها لتشجيع الحوار بين الأطراف، و الوجود الصينى فى منطقة القرن الافريقي إلى دوافع استراتيجية واقتصادية، حيث طورت الصين حضورًا مؤثرًا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وبالتالى فان علاقات الصين القوية مع دول القرن الأفريقي، مثل إثيوبيا، جيبوتي، الصومال، وإريتريا، تجعل التوترات الحالية، خاصة بين إثيوبيا والصومال وبين مصر واثيوبيا والسودان، تهدد مصالحها في المنطقة.

لذا تسعى الصين إلى الحد من التوترات في القرن الأفريقي لحماية استثماراتها الاقتصادية وتأمين مشروع “طريق الحرير”، الذي يُعد مسار البحر الأحمر والمحيط الهندي جزءًا حيويًا منه. وتعمل الصين أيضًا على تعزيز وجودها البحري في المنطقة لدعم أنشطتها التجارية.

منذ إطلاق الرئيس الصيني، شي جينبينغ، مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، أصبحت منطقة القرن الأفريقي مركزًا رئيسيًا لتنفيذ هذه المبادرة، التي تضم 41 دولة أفريقية، معظمها على الساحل الشرقي. كما أصبحت المنطقة ساحة للتنافس الدولي مع وجود قواعد عسكرية لدول كبرى مثل الولايات المتحدة.

افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي عام 2017، بهدف حماية مصالحها في المنطقة ودعم عمليات حفظ السلام والمهمات الإنسانية. وتُعد الصين الشريك التجاري الأول لأغلب دول أفريقيا، حيث تنفذ مشروعات كبيرة في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل، مما يعزز نفوذها الاقتصادي في القرن الأفريقي.[10]

  • تصاعد النفوذ الروسى فى أفريقيا

كثّفت روسيا توجهها نحو إفريقيا منذ عام 2015، حيث وقّعت 21 اتفاقية عسكرية مع دول القارة وتخطط لإقامة قواعد عسكرية في السودان، إريتريا، موزمبيق، مدغشقر، وأفريقيا الوسطى. جاء هذا التوجه ضمن استراتيجية أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين لتعزيز التعاون مع آسيا وإفريقيا بعد فرض الغرب عقوبات على روسيا إثر ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.

استغلت روسيا الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من إفريقيا والتركيز الصيني على مشاريع استراتيجية ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، لتعزيز نفوذها في القارة. وبحسب الباحثة منى عبد الفتاح، فإن روسيا تسعى لتحقيق مصالحها ودعم الصين ضد الولايات المتحدة، من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية، واستخدام حق النقض بمجلس الأمن لدعم الحكومات الأفريقية.

ورغم تصاعد المنافسة الدولية، فإن التنافس في القرن الأفريقي يشبه الحرب الباردة، دون فائز أو خاسر واضح. كما تنشط روسيا تجاريًا، حيث بلغت قيمة تجارتها مع إفريقيا أكثر من 20 مليار دولار في 2018.[11]

  • اهتمام جنوب إفريقيا بالقضايا الإفريقية:

 تمتع جنوب إفريقيا بدور محوري في تسوية النزاعات الأفريقية من خلال عضويتها كواحدة من الدول المؤسسة لتجمع البريكس، الذي يضم قوى اقتصادية عالمية (البرازيل، روسيا، الهند، الصين). باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة  المؤسسة في التجمع، لذا فتمثل جنوب إفريقيا صوت القارة في هذا المنتدى الدولي، مما يمنحها فرصة للدفاع عن القضايا الأفريقية وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

وتستخدم جنوب إفريقيا موقعها لتعزيز الحوار بين الأطراف المتنازعة في القارة، مستفيدةً من شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية، فضلاً عن خبرتها في الوساطة وإدارة النزاعات، كما تسعى إلى الاستفادة من إمكانات البريكس الاقتصادية لتقديم حلول تنموية مستدامة للنزاعات الأفريقية، عبر دعم مشروعات البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.[12]

  • الاستقرار الإقليمي وتأثيره على مصالح البريكس:

يعد استقرار منطقة حوض النيل ضروريًا لتسهيل التعاون الاقتصادي والاستثمارات، مما يعزز مصالح دول البريكس لذا تعد منطقة القرن الأفريقي ذات أهمية استراتيجية عالمية، حيث تشمل ممرات مائية حيوية مثل البحر الأحمر، مضيق باب المندب، خليج عدن، والبحر الصومالي، التي تتحكم في حركة التجارة العالمية. كما يبرز النيل الأزرق كمصدر رئيسي للمياه العذبة لدول شمال شرق أفريقيا. يمتد ساحل المنطقة بطول 4770 كيلومترًا، مما يساهم في اقتصاد أزرق كبير ويزيد من قيمتها الجيوسياسية.

يضم توسع البريكس دولًا من المنطقة مثل إثيوبيا، مصر، السعودية، الإمارات، وإيران، نظرًا لثرواتها المتنوعة من النفط والغاز، والطاقة المتجددة، والمعادن، بما في ذلك اليورانيوم والنحاس والليثيوم. ورغم هذه الموارد، تعاني المنطقة من صراعات عرقية وسياسية، مما يعيق التنمية المستدامة.

يتطلب تحقيق التنمية التعاون الإقليمي بين قادة الدول لتوجيه الموارد نحو التنمية الشاملة، وتقليل التنافس العرقي، وتعزيز الاستقرار بما يفتح المجال للاستثمارات المستقبلية.

  • أدوات البريكس لتسوية النزاع
  •  الوساطة الدبلوماسية: يمكن لدول البريكس تقديم مبادرات تهدف إلى تعزيز الحوار المباشر بين مصر، السودان، وإثيوبيا، مع التركيز على التوصل إلى حل يحقق التوازن بين التنمية الإثيوبية وحماية حقوق الدول الأخرى في مياه النيل.
  • الدعم الفني والمالي: يمكن للبريكس تقديم مساعدات تقنية ومالية لدعم مشاريع تعزز من كفاءة استخدام المياه في الدول الثلاث، مما يخفف من التوترات.
  • التنسيق مع الاتحاد الإفريقي: يمكن للبريكس أن يدعم جهود الاتحاد الإفريقي في الوساطة، خاصة وأن جنوب إفريقيا عضو بارز في التجمع وفي الاتحاد.
  • ممارسة ضغوط على الدول المتعنته: حيث يمكن لجول تجمع بريكس ممارسة العديد من الضغوط وحجب استثمارات فى الدول المتعنته فى المفاوضات من أجل تسهيل عملية الوصول لاتفاق مرضى لجميع الاطراف.
  • التحديات أمام تدخل البريكس

رغم الإمكانات التي يمتلكها تجمع البريكس، يواجه عدة تحديات في هذا السياق، منها:

  • تعقيد النزاع:

تتعدد الأبعاد التى تثير نزاعاً حول أزمة سد النهضة فهو من ناحية يحمل وجهات نظر مختلفة للدول المتشاطئة حول التنمية الاقتصادية دون مراعاة حقوق باقى الدول المتشاطئة على النهر، ومن ناحية أخرى يثير نزاعاً قانونيًا حول الاتفاقيات المنظمة للحقوق التاريخية المكتسبة بين دول المصب ودول المنابع والتى لا تريد الاعتراف بتلك الاتفاقيات وتريد اعادة تقسيم المياه برؤية مختلفة ، كذلك نزاع حول الدراسات الفنية والأخطار التى يمكن ان يسببها السد فى مواسم الجفاف وحال انهيارة والتى ترفض اثيوبيا القيام بتلك الاتفاقيات واخيرًا نزاعًا سياسيًا لقوى تريد فرض هيمنتها على النهر دون مراعاة لأى معايير دولية تنظم حقوق الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية .

  • تباين المصالح داخل البريكس:

تتباين مصالح دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) بشأن النزاع حول سد النهضة نظرًا لاختلاف أولوياتها الجيوسياسية والاقتصادية. الصين، باعتبارها أكبر مستثمر في إفريقيا، تفضل الحفاظ على علاقات قوية مع جميع الأطراف لضمان استمرار مشاريعها ضمن مبادرة الحزام والطريق. روسيا تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر دعم علاقات دفاعية وأمنية، مما يجعلها حريصة على عدم الانحياز لأي طرف قد يؤثر على مصالحها. الهند تسعى لتعزيز دورها في إفريقيا لمواجهة النفوذ الصيني، لكنها تبقى أكثر تحفظًا تجاه النزاعات المحلية. جنوب إفريقيا تميل لدعم حلول إفريقية للنزاعات، وقد تدعم الوساطات القارية. أما البرازيل، فمشاركتها محدودة وتعتمد أكثر على المصالح التجارية البحتة. هذه التباينات تجعل من الصعب على البريكس تبني موقف موحد بشأن سد النهضة، مما يعكس الطبيعة غير المتجانسة للتكتل وتعدد أولوياته الوطنية.

  • التوترات الجيوسياسية العالمية:

التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، تلقي بظلالها على دور البريكس في نزاع سد النهضة. الصين، باعتبارها عضوًا رئيسيًا في البريكس، تحرص على تعزيز وجودها في إفريقيا من خلال استثمارات استراتيجية، مثل مشاريع البنية التحتية في إثيوبيا، ما يدفعها إلى تبني موقف متوازن يدعم الاستقرار الإقليمي دون خسارة الشراكات الاقتصادية. على الجانب الآخر، الولايات المتحدة تدعم بقوة مصر والسودان في النزاع، في إطار استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا.

هذا التنافس يعقد موقف البريكس ككتلة موحدة، حيث تجد الصين نفسها مضطرة للتوفيق بين مصالحها الخاصة والتزامها بالتعاون داخل البريكس. بالإضافة إلى ذلك، قد تستغل القوى الأخرى داخل المجموعة، مثل روسيا، النزاع لتعزيز مصالحها الجيوسياسية ضد الهيمنة الغربية. في النهاية، يظل دور البريكس محدودًا في تقديم حلول جماعية، بسبب التداخل بين التنافس الدولي وأولويات أعضائه المختلفة.

  • غياب آليات رسمية لحل النزاعات

غياب آليات رسمية لحل النزاعات داخل البريكس يمثل تحديًا كبيرًا يقلل من تأثيره الفعلي في معالجة قضايا مثل نزاع سد النهضة. التجمع، الذي يقوم أساسًا على التعاون الاقتصادي والسياسي، يفتقر إلى إطار قانوني أو سياسي محدد للتعامل مع النزاعات المائية أو الإقليمية، مما يجعله غير مجهز للتوسط بشكل فعّال.

في حالة سد النهضة، يعتمد دور البريكس على المبادرات الفردية لأعضائه بدلًا من استجابة جماعية منظمة. على سبيل المثال، قد تتحرك الصين أو روسيا بناءً على مصالحهما الخاصة، لكن ذلك لا يعكس موقفًا مشتركًا للمجموعة.

هذا الغياب للآليات الرسمية يعكس طبيعة البريكس كتحالف فضفاض، يركز أساسًا على القضايا الاقتصادية والتنموية، وليس كمنظمة ذات صلاحيات قانونية ملزمة. ونتيجة لذلك، تبقى قدرة البريكس على المساهمة في حل نزاع سد النهضة محدودة، وتعتمد بشكل كبير على توافقات سياسية غير رسمية بين الأطراف المعنية.

وختامًا يشكل النزاع حول سد النهضة اختبارًا حقيقيًا لتجمع بريكس في سعيه لتعزيز دوره كقوة عالمية متعددة الأطراف وقادرة على تقديم بدائل للنهج الغربي في تسوية النزاعات. يمتلك بريكس مقومات اقتصادية وسياسية تجعله قادرًا على تقديم مقاربة شاملة تُوازن بين التنمية المستدامة ومتطلبات الأمن المائي لدول النيل. ومع ذلك، يعتمد نجاحه في هذا الدور على مدى قدرته على تحقيق توازن بين المصالح المتضاربة لأطراف النزاع وتعزيز الثقة المتبادلة بينها.

السيناريوهات المستقبلية:

  1. سيناريو الحل الدبلوماسي عبر بريكس: ينجح بريكس في جمع الأطراف الثلاثة (إثيوبيا، مصر، والسودان) على طاولة مفاوضات شاملة تعتمد على مبادئ التنمية المتوازنة وحل النزاعات بالطرق السلمية. يتضمن ذلك وضع اتفاق ملزم بشأن قواعد تشغيل السد وآليات تعويضية للمخاطر المحتملة، بوساطة فعالة من الصين وجنوب إفريقيا.
  2. سيناريو التصعيد الإقليمي: يؤدي استمرار تعنت الأطراف إلى تصعيد التوترات، ما قد يتسبب في مواجهات دبلوماسية أو خطوات تصعيدية أخري في المنطقة. يضع هذا بريكس أمام تحدٍ لإدارة الأزمة وتجنب انجرار المنطقة إلى صراع إقليمي واسع النطاق، مما قد يُهدد مصالح أعضائه.
  3. سيناريو الحلول الجزئية: يتم التوصل إلى اتفاقيات محدودة عبر تدخل بريكس، دون حل جذري للأزمة. يضمن ذلك تهدئة مؤقتة للتوترات، لكنه لا يعالج القضايا الهيكلية، مما يترك الباب مفتوحًا أمام تصعيد مستقبلي.

في النهاية، يمثل الدور المحتمل لتجمع بريكس في تسوية هذا النزاع فرصة لترسيخ حضوره كفاعل عالمي في النظام الدولي متعدد الأقطاب، مع تقديم نموذج مبتكر لإدارة النزاعات الإقليمية.


[1]  غاشاوا أيفرام، نزاع النيل : ماوراء الأمن المائى ، مركز كارنيجى 19 يناير 2023 على الرابط :

https://carnegieendowment.org/sada/2023/01/the-nile-dispute-beyond-water-security?lang=ar

[2] قنبلة مائية ، خبير مصرى يكشف تطورا ت جديدة تهدد بانفجار سد النهضة فى اثيوبيا ، موقع العربية على الرابط :

https://2u.pw/a3RY4B3K

[3] د, محمد فؤاد رشوان ، لماذا يتزايد القلق الاثيوبى من التعاون العسكرى المصرى الصومالي ، 30 اغسطس 2024 على الرابط: https://rcssegypt.com/18619

[4] اثيوبيا تنقل قواعد عسكرية لحدود الصومال ، 28 اغسطس 2024 على الرابط

https://2u.pw/cyKjQqYb

[5] اثيوبيا تعين سفيرا لها فى ارض الصومال ردا على نشر مصر قوات فى الصومال ، الميادين على الرابط :

https://2u.pw/SVEGUr5S

[6] تكتل بريكس .. الطريق الطويل لبناء نظام عالمى جديد، موقع الجزيرة على الرابط:

https://2u.pw/7NEItPXb

[7] عائشة الكعبى، بريكس والسعى لتظام متعدد الأطراف .. التطلعات  والتحديات على الرابط:

https://2u.pw/kh19uh84

[8] بهاء الدين عياد، هل يستطيع هل يستطيع بريكس إعادة تشكيل نظام دولى أكثر تعددية وعدالة ؟ ، موقع  الاندبندنت عربية على الرابط :

https://2u.pw/J1OLXlVi

[9] نسرين رياض شنشول ، مستقبل تجمع بريكس فى النظام الدولى الجديد ، فى مجلة حمورابى للدراسات ( بابل ، مركز حمورابى للبحوث والدراسات الاستراتيجية، العدد 51، السنة 13 ، 2024 ) ص ص 69 – 70

[10] اسامة السعيد ، لماذا يتزايد اهتمام الصين بالموقف فى القرن الأفريقي ، جريدة الشرق الأوسط على الرابط :

https://2u.pw/8d6xsdNf

[11] صراع بين الصين وروسيا وأمريكا .. . القرن الافريقي بؤرة ساخنه ، موقع سكاى نيوز عربية على الرابط :

https://2u.pw/iSKTRc8g

[12] أحمد حسين أدم، الوسيط الأفريقي .. القفز عل حواف الأزمات السودانية، على الرابط :

https://2u.pw/msxuOKB4

زر الذهاب إلى الأعلى