ترجمة

مشروع حالة العلم : “عواقب النزاع: فهم الآثار المترتبة على الصراع السياسي والعنف”

إعداد: نورهان محمود عبد الوهاب السمان – باحثة مشاركة بالمشروع.
إشراف ومراجعة : د. لبنى غريب عبد العليم مكروم – مدرس العلوم السياسية بجامعة السويس ومدير المشروع.

الملخص

ما هي العواقب السياسية والاقتصادية للنزاع (مثل: الإبادة الجماعية، والحرب الأهلية، والقمع الحكومي، وانتهاك حقوق الإنسان، والإرهاب، والاحتجاجات) ؟، بالرغم من أن هناك اهتمام كبير وبحوث كمية تتناول هذا المجال إلا أن الأدبيات المعنية بهذا الموضوع مازالت غير متطورة وغير موزونة عبر مجالات الموضوع، وحتى الآن ما زالت التحقيقات تركز على أنماط معينة من النزاع وعواقب محددة، في حين أدى هذا البحث سلط الضوء على أفكار مهمة، إلا أن هناك قيود جوهرية بالإضافة إلى فرص التطوير المستقبلي ما زالت قائمة، فمن الضروري التحقيق بشكل متزامن في مجموعة واسعة النطاق من العواقب بخلاف (الديمقراطية والتنمية الاقتصادية)، ومجموعة واسعة من النشاط النزاعي بخلاف (الحرب الأهلية والاحتجاجات والإرهاب،) ومجموعة أوسع من أدوات التحليل بخلاف (الدولة والسنة)، ومجموعة أوسع من المناهج التجريبية قادرة على التعامل مع الصعوبات خاصة من هذا النزع بخلاف (الانحدار العادي)، حينها فقط سيكون لدينا فهم أعمق وأكثر شمولًا لما يتسبب وما لا يتسبب فيه النزاع من الناحية السياسية والاقتصادية، لذا تقوم المراجعة الحالية بتقييم الأدبيات وتعرض نهجًا يستخدم منظور أكثر شمولًا للنظر في المشكلات.

الكلمات المفتاحية             

العنف السياسي، إرث العنف، النتائج، الآثار المترتبة، العواقب، النزاع، الصراع المدني.

مقدمة

كيف يؤثر السلوك الجماعي والعنيف داخل الدول القومية على السياسة والاقتصاد؟، وبالاستعانة بأبرز المفكرين في العلوم الاجتماعية، تم طرح ثلاث حجج مختلفة من أجل الإجابة على هذا السؤال، مما أثر على الدراسات اللاحقة المتخصصة في العلوم السياسية والتخصصات ذات الصلة، وتؤكد إحدى هذه الحجج -التي ترتبط بشكل كبير بأفكار “توماس هوبز”- أن بعض أشكال النزاع واسع النطاق (مثل: الحرب الأهلية) ينجم عنها آثارًا سلبية مدمرة على حياة الناس الذين يعيشون في أعقابها، وكما قال (هوبز):  “في حالة الحرب، لا يوجد مكان للصناعة،، لأن ثمارها غير مؤكدة، وبالتالي لا يوجد زراعة للأرض، ولا ملاحة، ولا استخدام للسلع التي يمكن استيرادها عن طريق البحر، ولا مباني مناسبة، ولا أدوات لتحريك وإزالة الأشياء التي تتطلب الكثير من القوة، ولا معرفة بوجه الأرض، ولا حساب للوقت، ولا فنون، ولا آداب، ولا مجتمع، والأسوأ من ذلك كله هو الخوف المستمر، وخطر الموت العنيف، وحياة الإنسان وحيدة، وفقيرة، وبغيضة، ووحشية، وقصيرة”، ومؤخرًا وجد هذا المفهوم طريقه إلى المناقشات التي لا تقتصر على الآثار المباشرة، بل أيضًا “فخاخ الصراع” المستمرة.

وتؤكد الحجة الثانية -التي ترتبط إلى حد كبير ب “كارل ماركس” و “فريدريك إنجلز”، على أن بعض أنماط الصراع واسع النطاق (مثل: الصراع الطبقي، الثورة) لها آثار إيجابية على البعض، وآثار سلبية على الآخرين، وبالرغم من أن الصراعات تؤدي إلى خسائر كبيرة للطبقة الحاكمة من الناحيتين السياسية والاقتصادية (مثل: خسائر الممتلكات، والمكانة، والأمن بل والحياة ذاتها)، ومن ناحية أخرى، يفيد الطبقة العاملة في نفس المجالات، مما يؤدي إلى تحقيق المساواة الاقتصادية والتمكين السياسي.

إن ازدواجية الثروات في هذا العمل والأعمال الأخرى ذات الصلة، هي التي تميز الآثار الناجمة عن الصراع، وكان لهذه الحجة صدى كبير، وإن كان التركيز يتم بشكل كبير على “الفائزين” أو “الخاسرين” الذين يتم النظر إليهم بشكل منعزل عن غيرهم، على سبيل المثال، طرح كلٍ من (كلاوارد) و (بيفن) عام 1979 نسخة من هذه الحجة لتقييم حركات الفقراء، وتبع هذا العمل اجتهادات وأدبيات موسعة حول فعالية الحركات الاجتماعية، ووجد هذا المفهوم طريقه إلى المناقشات التي تدور حول كيفية نهضة الأمم بعد الحروب الأهلية، والاهتمام الصريح لماركس وإنجلز، والادعاء بأن الثورات هي السبيل الوحيد لحل مشاكل سياسية واقتصادية معينة مثل عدم المساواة.

أما الحجة الثالثة – ترتبط إلى حد كبير ب “جورج سيميل”- تؤكد على أن عواقب النزاع أقل ارتباطًا بأشكال محددة مما كانت عليه الحجتين السابقتين، وتختلف اعتمادًا على خصائص متنوعة (مثل: المواجهة المباشرة، ودرجة التنظيم، والعنف الوارد في السلوك ذي الصلة)وبناءً على هذا العمل، يعد معرفة ما يحدث في الشوارع أمرًا ضروريًا لفهم ما يؤثر عليه النزاع، وكيف يُمارس هذا التأثير، على النقيض من المجالات الأخرى، فلم يشر الباحثون صراحةً في هذا العمل إلى “سيميل”، بالرغم من أن البحث يعتمد بشكل كبير على عمله.

أي من الحجج المذكورة أعلاه دُعمت تجريبيًا من خلال البحوث الكمية على مدار الأربعين سنة الماضية؟، وعلى الرغم من تزايد الأبحاث حول عواقب النزاعات، إلا أننا نؤكد أن الأبحاث الحالية بدأت للتو في تقديم رؤى حول هذا الموضوع، فمعظم الأبحاث تدعم وجهة نظر هوبز بشأن النزاع، في حين هناك أبحاث تدعم آراء كارل ماركس وإنجلز وكذلك سيميل، وهناك جزء من الصعوبة في الإجابة على هذا السؤال، وهذه الصعوبة تعود إلى الفجوات المعرفية الكبيرة في الأدبيات، فبالتالي هناك العديد من الفرص اليت يمكن تحديدها بسهولة للتقدم – وذلك مع وجود عدد قليل من الأعمال البارزة التي تمهد وتقود الطريق- تناقش هذه المراجعة أربعة مجالات للفرص/ قيود.

أولًا: ركزت معظم الأبحاث على أنماط وأشكال محددة التي يتبانها المتحدون (مثل الاحتجاجات، الحروب الأهلية، الإرهاب)، وتم تناول كل واحدة تلو الأخرى، ويعتبر هذا العمل مفيد، حيث أنه يتغاضى عن التنوع الكامل للأشكال التي يمكن أن يتخذها السلوك النزاعي، على سبيل المثال، يغفل هذا النهج أنشطة السلطات، السياسية، وهذا الموضوع لم تبرز أهميته بشكل خاص إلا خلال العشر سنوات أو العشرين سنة الماضية، إن النهج الشامل من شأنه أن يسمح بإجراء تقييمات أكثر مقارنة، فهو لا يقيس فقط كيف تؤثر أشكال النزاع على العواقب المتنوعة (التي يتم تقييمها بمفردها) عندما تكون هناك أنواع أخرى من النزاع موجودة، لذلك يشمل النهج الأكثر شمولًا الأنشطة واسعة النطاق والعنيفة مثل الحروب الأهلية، الثورات، القمع الحكومي، الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، والأنشطة واسعة النطاق وغير العنيفة مثل المقاومة المدنية والمراقبة السياسية.

يعتبر الصراع السياسي أحد أشكال الصراع التي تؤثر على السياسة والاقتصاد، فهناك ثلاثة أنواع من الصراع: الأنشطة المتوسطة / الصغيرة الحجم والعنيفة مثل الاحتجاجات العدوانية وأعمال الشغب والإضرابات السياسية، والأنشطة الأصغر حجمًا وغير العنيفة مثل المقاومة واللصوصية، هناك بعض الأبحاث الحديثة تقوم باستكشاف عدة أشكال من الصراع في آن واحد، ولكن مع الأسف هذا العمل لا يأخذ في الاعتبار سوى عدد قليل من الأنشطة ولا يأخذ في الاعتبار العواقب.

ثانيًا: ركزت معظم الأبحاث على أنواع محددة من النتائج مثل (مستوى الديمقراطية للمهتمين بالعوامل السياسية، أو النمو الاقتصادي لأولئك المهتمين بالعوامل الاقتصادية)، وبالرغم من أن هذا التركيز مهم في معالجة بعض الأسئلة البارزة في العلوم السياسية، ناهيك القضايا السياسية الخاصة بالحكومة والمجتمع المدني، إلا أن هذا التركيز لا يعكس بشكل كافٍ تنوع الطرق التي يؤثر بها الصراع على السياسة والاقتصاد، فبالتالي هو لا يسمح لأولئك المهتمين بالموضوع بفهم علاقات المصلحة بشكل عام، وفي الواقع تتطلب المحاسبة الأكثر دقة وفائدة للعواقب تقييمًا أوسع للكيفية التي يؤثر بها الصراع على الخصائص السياسية والاقتصادية المتميزة، فمن الناحية السياسية، فإن هذا لا يشمل فقط مستوى الديمقراطية بل أيضًا يشمل مواضيع مثل الرأي العام والثقة السياسية وتطوير القانون، أما على المستوى الاقتصادي، فإن هذا لا يشمل فقط دراسات التنمية الاقتصادية والتمويل بل يشمل مجالات أخرى مثل التعليم والوظيف وعدم المساواة، ومرة أخرى، هناك بعض الأبحاث تتجه نحو هذا الاتجاه، ولكن هذا العمل الذي يركز فقط على أشكال محددة من النزاع  لم يظهر إلا مؤخرًا.

ثالثًا: لم تول معظم الأبحاث اهتمامًا كبيرًا للجهات الفاعلة المختلفة التي يمكن أن تتأثر بالنزاع، وقد جُمعت على مستوى الدولة القومية، وبالرغم من أن هذا كان يتغير بشكل مطرد على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، فإن هذا لم للمهتمين بالموضوع بفهم من يستفيد ومن يخسر عند حدوث نزاع، وبالمثل تم تجميع معم الأعمال إلى الوحدة الزمنية هي السنة، كما تم إعطاء اهتمام غير متسق للفترات الزمنية البديلة، وقد حال هذا دون إجراء تقييمات للعواقب والآثار طويلة الأمد للنزاع، ولمناقشة كيف يختلف تركيزنا، راجع الشريط الجانبي المعنون ب “تقييم السلوك وليس المؤسسات”.

تقييم السلوك وليس المؤسسات     
   نميز بين الصراع السياسي والعنف وبين المؤسسات التي تُعرف جزئيًا باستخدامها للصراع السياسي والعنف، على سبيل المثال يهتم أسيموغلو، بالاستعمار، واستراتيجية/سياسة الاستعمار، والمؤسسات الاستغلالية -ففي المؤسسات الاستغلالية تُركز السلطة في أيدي نخبة صغيرة وتخلق خطرًا كبيرًا للمصادرة لغالبية السكان، كما لا تكون حقوق الملكية للمواطنين محمية ويمكن للحاكم في السلطة مصادرة حصة كبيرة من ثروة المواطنين- ولكن يتم صياغتها على أنها علاقات ثابتة نسبيًا بين الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية وبين المواطنين العاديين تنعكس في القانون وأيضًا العلاقات الاقتصادية، ويتم تجاهل المسار المؤدي إلى هذه العلاقات والسلوك المستخدمة للحفاظ عليها، وتم استخراج الملك ليوبولد من الكونغو، ولكن لم يُذكر الإبادة الجماعية، والعمل القسري، والتعذيب والفظائع، الخطف، والاغتصاب الجماعي، ويمكن تقديم حجة مماثلة لأبحاث مثل التي أجراها نون واونتشيكون وأتشابا وآخرون فيما يتعلق بتأثير العبودية على الرأي العام.

رابعًا: عادةً ما يعتمد الباحثون علىعدد معين من الأدوات التجريبية، وعلى الرغم من أن هذه الأدوات مناسبة بشكل عام للأسئلة التي يسعون للإجابة عليها، إلا أنها لا توفر القدرة على معالجة مشكلات عديدة تؤثر على نوع البحث الذي يتم إجراءه (مثل التأثيرات المتأخرة والانحياز الداخلي)، ولكن هناك أعمال أحدث وأكثر تطورًا بدأت تستخدم أدوات أفضل وأكثر تنوعًا للتحقيق، ولكن هذه التطبيقات حديثة نسبيًا حتى أنها لم تنتشر بعد في مجتمع البحث الذي نناقشه هنا.

ولتحسين فهمنا لعواقب النزاع، فإن المراجعة الحالية  تقوم بتخليص الأدبيات المتباينة الموجودة في العلوم السياسية بشكل أساسي، ولكن مع بعض الاعتبارات السياسة العامة والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع، نؤكد بأنه حتى يتم فهم عواقب الصراع، يجب علينا تقييم كافة الأشكال المختلفة التي يتخذها الصراع وجميع العواقب التي يمكن اختبارها، فضلًا عن ذلك، يجب أن يتم مدّ نطاق هذا التقييم عبر فترة زمنية معقولة ويشمل عددًا كبيرًا من الحالات وأيضًا عددًا من الفاعلين داخل نفس مناطق الصراع، بالمقارنة مع عينات أو مجموعات أو دول معقولة، وإذا لم تتبنى الأدبيات هذا النهج، فمن المرجح أن يكون لدينا معرفة قليلة جدًا عما يفعله العنف والصراع المدني على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وفي الختام، نقترح العديد من المسارات التي لا بد على هذا البحث أن يتبعها في المستقبل.

دراسة الصراع السياسي والعنف داخل الدولة

ظهرت الأبحاث ذات صلة بالسلوك الجماعي والعنيف لأول مرة في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، وشهدت نموًا كبيرًا في الستينيات والسبعينيات، ثم تذبذبت في أواخر التسعينيات، ثم نمت بعد ذلك بشكل مطرد، ويعتبر هذا العمل الآن جزءًا من التيار الرئيسي للعلوم السياسية، فهو عملًا مدعومًا من قبل مؤسسات تمويل متنوعة بشكل روتيني، ومنشور في أبرز المجلات الأكاديمية المعنية بالتخصص، ويقوم به آلاف العلماء والباحثين في كافة أنحاء العالم.

في بداية هذا المجال، اهتم الباحثون بموضوعات محددة مثل الثورة، قبل أن تتوسع اهتماماتهم لتشمل موضوعات مثل عدم الاستقرار السياسي، وأعمال الشغب والاحتجاج، التمردات/ مكافحة التمردات، الحروب الأهلية، القمع، انتهاك حقوق الإنسان، الإبادة الجماعية، الفظائع، والإرهاب/ مكافحة الإرهاب، وسُميت هذه المواضيع تقريبًا حسب ترتيب ظهورها الزمني في الأدبيات، واتبعت هذه التحقيقات دورة الصراع، حيث سألت عن أسباب بدء النزاعات، وما نوع التكتيكات المستخدمة إبان فترات النزاع العلني، وتيرة ونطاق حدوث النزاع، والأهداف المختارة وكيفية اختيارها (بشكل عشوائي، انتقائي، أو جماعي)، وإلى أي مدى يستمر اندلاع الصراعات، وكيف تنتهي (مثل النصر، التسوية، أو الجمود)، وهل يُعاد اندلاع الصراع مرة أخرى، وما هي العواقب والتأثيرات التي تخلفها على الظواهر المتنوعة، وقد تم فحص هذه الموضوعات عبر جميع أنواع الصراعات، وهو ما تم توضيحه في (الشكل 1).

الشكل 1: يشير الشكل إلى عدد المقالات المنشورة حول دراسات الصراع منذ عام 1953 وحتى عام 2009م، هذه البيانات مأخوذة من مقالات العلوم السياسية من جميع المجلات باللغة الإنجليزية المدرجة في أرشيفات (JSTOR) من عام 1953 حتى عام 2009، حيث يتضمن هذا السجل حوالي 204,684 مقالًا، ولكن الرقم يمثل مجموعة فرعية من المجلات ذات الصلة بدراسات الصراع على نطاق واسع، والتي يبلغ عددها 28078 مقالًا، وذلك بناءً على بعض الافتراضات حول عدد المرات التي تظهر فيها الكلمات المتعلقة بأي جانب من جوانب دراسات الصراع في المقالات حتى يتم تصنيفها على أنها تركز على جانب معين، فبالتالي تم تقسيم السجل على مقالات تركز على الفترة أثناء الصراع، وطول مدة الصراع، وبدايته، والنهاية، والنتائج، وتكرار الصراع.

ويمثل الخط الرأسي من الشكل البياني عدد المقالات المنشورة حول دراسات الصراعات، أما الخط الأفقي فهو يمثل سنة النشر، وبالنسبة لإجمالي عدد المقالات في فترة الصراع، فقد تم نشر دراسات عن فترة الصراع نفسها وإبانها حوالي (13033)، وعن نهاية الصراع نُشرت حوالي (213)، وعن طول فترة الصراع (1,579)، وعن بداية الصراع (464)، وعن العواقب حوالي (7525)، وعن تكرار الصراع (23).

قد نتوقع أن يتجه الباحثون إلى التحقيق في البداية، وبعد أن تتضح الظاهرة فإنهم سينتقلون إلى التكتيكات، التكرار/ الكثافة، الشدة، وما إلى ذلك، ولكن هذا لم يحدث، فلقد نشأت دراسة النزاع بطريقة غير منسقة إلى حدٍ كبير في المجالات ذات الصلة بالموضوع، حيث تم بذل مجهود قليل جدًا من أجل تقييم مدى التقدم الذي أحرزه هذا المجال، توجد مراجعات لكنها بشكل عام تركز على نوع واحد من النزاع مثل القمع أو أعمال الشغب أو الحرب الأهلية، فنتيجة لذلك كان من الصعب معالجة جوانب محددة من النزاع مثل عواقبه، لأن القيام بهذا التقييم يتطلب دراسة أنواع مختلفة من النزاع جنبًا إلى جنب، من الممكن أن يجد المرء مراجعة لأشكال مختارة من النزاع والنتيجة واحدة، لكننا في المراجعة الحالية ندعو إلى شيء أوسع.

أنواع النزاع وأنواع العواقب

من المعترف به أن هناك تنوع في أنواع الصراع داخل الدولة، ناهيك عن ضرورة النظر في عدة أشكال في نفس الوقت، فمفهوم النزاع الذي تتبناه هذه المقالة شامل تمامًا، فنحن نتفق مع ماك آدم على أن “دراسة النزاع السياسي أصبحت ضيقة للغاية، وهذا ما أدى إلى ظهور مجموعة من الأدبيات الموضوعية المتميزة -الثورات، الحركات الاجتماعية، الصراع الصناعي، سياسات جماعات المصالح، الحروب، القومية، والديمقراطية- التي تتعامل مع ظواهر متماثلة ولكن من خلال مفردات ونماذج وتقنيات متباينة”.

كيف ينبغي التفكير في هذا المفهوم الأوسع؟ لرسم خريطة لأشكال وأنواع مختلفة من السلوك النزاعي، من المهم التمييز بين من هو البادئ ومن هو المستهدَف، ففي الحالات التي تكون فيها الحكومة هي البادئ والمستهدَف في نفس الوقت (مثل: الانقلابات)، أما عندما تكون الحكومة هي البادئة والهدف هو بعض المعارضين السياسيين، فبالتالي نحن أمام عدد أكبر من الأنشطة، بما في ذلك (مكافحة التمرد، ضبط الاحتجاجات، الثورة المضادة، مكافحة الإرهاب، القمع الحكومي، التميز السياسي، انتهاكات حقوق الإنسان، الصراع العرقي، النقل القسري، الإعدام القاني، الإعدام خارج نطاق القضاء، الشنق، المذابح، والإقصاء السياسي) ويمكن وضع الحرب الأهلية هنا، ولكن ستكون مرتبطة بفئة أخرى لأنه يجب على كلٍ من الحكومات والمعارضين أن يكونوا حاضرين لكي يتم تحديد السلوك.

و يمكن للحكومات أن تستهدف الذين لا يعارضونها سياسيًا بشكل صريح (أي المدنيين والجماعات الاجتماعية)، وهذا يتم الإشارة إليه على أنه (استهداف المدنيين، الإبادة الجماعية، الفظائع، التمييز السياسي، المراقبة المحلية، انتهاك حقوق الإنسان، المجاعة، الصراع العرقي، القمع الحكومي، العنف أحادي الجانب، العنف غير المتكافئ، الإعدام القانوني، الإعدام خارج نطاق القضاء، النقل القسري، والإقصاء السياسي.

أما عندما يكون المعارضون السياسيون هم المبادرين ويستهدفون الحكومة، فهذا يسمى (احتجاج، ثورة، تمرد، إرهاب، حرب أهلية)، وعندما يستهدف المعارضون السياسيون بعضهم البعض، فإن هذا يُصنف على أنه صراع غير حكومي أو سلوك مضاد، كما يحث استهداف المدنيين ولإرهاب عندما يستهدف المعارضون السياسيون المدنيين.

أخيرًا ندرج ما يعرف بالمقاومة والاحتجاج اليومي، وكلاهما يتعلق بحالات يكون فيها المدنيون والجماعات الاجتماعية هم المبادرين وتكون السلطة السياسية هي المستهدَفة، وتتضمن المقاومة اليومية التخريب والشائعات وما شابه ذلك، في حين تشمل الاحتجاجات الأشكال التقليدية من الاحتجاج مثل الاعتصامات، المسيرات والعرائض، وقد ينشق المدنيون عن جانب المعارضين، ويقوموا بتقديم معلومات عما يفعله المعارضون للسلطات السياسية، وأين يفعلوا ذلك ومتى يفعلوه، أو العكس فقد ينشقون عن السلطات السياسية ويقدمون معلومات للمعارضين، أي يعملون كمخبرين، ولكننا لا نأخذ في الاعتبار الحالات والمواقف التي يتحدى فيها المدنيون والمعارضون بعضهم البعض، وهذه الديناميكيات تُصنف على إنها إجرامية أو خاصة فهي تقع خارج نطاقنا.

وبالرغم من أننا ندرج مفهومًا واسعًا للاحتجاج إلا أننا نركز على نوعين فقط من العواقب في هذه المراجعة وهما: السياسية والاقتصادية، وفيما يتعلق بالعواقب السياسية، فإننا نأخذ في الاعتبار التقييمات الموضوعية للبنية (على سبيل المثال: مستوى الديمقراطية)، ناهيك عن التقييمات الذاتية لأداء الحكومة (على سبيل المثال: تصورات الفعالية والثقة في الحكومة)، كما يؤخذ في الاعتبار المستويات المختلفة من التحليل: الدول، والمناطق داخل الدول، والبلديات المحلية، والمجموعات، والأفراد.

أما بالنسبة للعواقب الاقتصادية، فإننا نأخذ في الاعتبار أنشطة متنوعة مثل: التجارة، الإنفاق، الادخار، التوظيف، مدة العمل، وتؤخذ في الاعتبار بنية العلاقات بما فيها عدم المساواة (أي الرأسي والأفقي) ونوع الاقتصاد (مثل الاقتصاد المعتمد على الأرض والسلع الأساسية)، والخصائص التي بمكن اعتبارها أفضل عمليات أو نتائج مثل: مستوى التنمية، والوصول إلى مياه الشرب، ووفاة الرضع.

وبالنسبة لكلتا العاقبتين، نأخذ في الاعتبار الزمنية فعلى سبيل المثال ركز الباحثون على التأثيرات المعاصرة قصيرة المدى (من سنة إلى أربع سنوات)، ومتوسطة المدى (من خمس إلى عشر سنوات)، وطويلة المدى (من 25 سنة وأكثر)، وهذه التفاوتات تكون مفيدة عند فهمنا لمدى قصر أمد العواقب أو استمراراها، إن العواقب المتعلقة بالصحة البدنية والعقلية غائبة عن تقييمنا، لأن العل على هذه النتائج واسع النطاق، ولا يتم تناوله عمومًا في العلوم السياسية فهو بالتالي خارج نطاق المراجعة الحالية.

نظرة عامة على الأدبيات

ما الذي نعرفه عن العواقب السياسية والاقتصادية للنزاع؟، يبدو أن حجج هوبز حول العواقب السلبية للنزاع تحظى بأكبر قدر من الدعم، على عكس أعمال ماركس وإنجلز وسيميل التي تجد بعض الدعم، هذان الأخيران غالبًا ما يُشار إليهما في الأدبيات المتعلقة بالعواقب السياسية؛ لأنها تهتم بأشكال متنوعة من النزاع أكثر من الأدبيات المتعلقة بالاقتصاد، من الواضح أن الأبحاث السابقة بها بعض القيود التي تعيق تقييمنا لمن قدم توصيفًا أكثر دقة لما يحدث، وخلال النظر في البحث، تظهر العديد من الأنماط بوضوح وهي تعكس خطًا مهمًا ومثمرًا، والذي بدأ توًا في التطرق للسطح، وتقدم المناقشة الحالية ملخصًا عامًا

وعبر الأقسام التالية سوف نتناول الأدبيات الأكثر تحديدًا والتي تناقش العواقب السياسية والاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظة بعض الموضوعات والبيانات والمنهجية والنتائج والقيود، وتتمثل إحدى القيود في أن معظم الدراسات حول هذا الموضوع ركزت على ثلاثة أشكال للنزاع: الحرب الأهلية (الأغلبية الواضحة، والإرهاب، والاحتجاج، إن الاهتمام بالحرب الأهلية مهم وهذا مفهوم، فالتحديات المسلحة للدولة تدور وتتركز حول المطالبات بالموارد والتمثيل، والتي تعمل من خلال الوسائل القسرية والعنيفة على تحويل أنماط التعبئة وتوزيع السلطة التي تشكل النظام السياسي، وعلى النقيض من ذلك، فهناك القليل جدًا من الأبحاث مخصصة وموجه إلى أشكال أخرى من النزاع، مثل أعمال الشغب، أو الثورات، أو الانقلابات، وبالرغم من أن هذه الأشكال من النزاع نوقشت من قبل المنظرين الأوائل مثل ماركس وإنجلز وسيميل، إلا أنها تلقت القليل من الاهتمام.

ومن الجدير بالملاحظة، أنه لا يوجد بحث حول عواقب انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الحكومي، ولكن هذا لا يعني أنه لم يتم كتابة أي شيء على الإطلاق حول هذا الموضوع، بل هناك بعض الأبحاث التي بحث في كيفية تأثير انتهاكات حقوق الإنسان على تخصيصات المساعدات الخارجية، وعلى الرغم من أن الفحوصات الأولية أظهرت دعمًا لتأثير سلبي ومباشر (حيث أدى القمع إلى انخفاض المساعدات)، ولكن الأبحاث الأكثر تطورًا أشارت إلى أن هذه العلاقة أكثر تعقيدًا، على سبيل المثال، فقد وجد “ليبوفيتش” و”فوتن” أن القمع ليس له تأثير مباشر على المساعدات، بل إن السلوك القمعي يزيد من الانتقادات، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض المساعدات، في حين أن هذا البحث يرتبط بشكل مباشر بعواقب النظر، لكنه يقتصر على عدد قليل ومحدود من الباحثين.

ولاتزال هناك موضوعات مهمة غير مدروسة، على سبيل المثال، يمكن أن تستفيد جميع التحقيقات من استكشاف عمليات التشغيل والمواصفات البديلة، أما من الناحية المفاهيمية، فيجب تفكيك كلٍ من الاستثمار الأجنب المباشر والمساعدات، حيث أنهما يجمعان بين فاعلين وإجراءات مختلفة للغاية، كما يجب تفكيك القمع، فقد تكون بعض تكتيكات الحكومة أكثر عرضة للتأثير على العوامل الاقتصادية وغيرها من العوامل.

وفيما يتعلق بالعواقب المحددة التي درسها الباحثون، فإننا نلاحظ تركيزًا غير متوازن بين العواقب والمنهجيات المستخدمة، وبالنسبة للعواقب السياسية، ركزت معظم الأبحاث على خصائص مؤسسية معينة مثل الديمقراطية، واستخدمت مجموعة تقنيات معيارية وتقليدية، لكن ثمَ دراسات أخرى (مثل تلك التي تناولت الثقة السياسية والقليل منها حول التمثيل الجندري) بحثت في مجموعة أكثر تنوعًا من الخصائص كما استخدمت مجموعة أوسع من تقنيات التقدير، وعلى العكس من ذلك، فقد تمت دراسة العوامل الاقتصادية بطريقة أكثر تنوعًا وتطورًا وشمولًا من العواقب السياسية، ولكن كانت العواقب الاقتصادية التي تم البحث فيها أضيق بكثير من حيث الموضوعات التي تم تغطيتها، مع إعطاء معم الاهتمام للدخل.

القضايا والتحديات المنهجية

بالإضافة إلى مناقشة ما تم دراسته، فمن المهم النظر في كيفية دراسة الموضوع، ومن خلال وجهة النظر هذه، فمن الواضح أن هناك قضايا منهجية أساسية تظهر في الأدبيات الحالية، لأن عادةً ما كانت الاستراتيجية تتلخص في دراسة نوع معين من النزاع ونتيجة محددة داخل وحدة إقليمية معينة، وعبر وحدة زمنية معينة، لذلك ومع هذه التكوينات، يتطلب تصميم البحث عناية كبيرة.

وبشكل عام، تظهر ثلاث قضايا منهجية: ما إذا كان لا بد من تضمين التأثيرات الزمنية وكيفية تضمينها، وما إذا كان يجب تضمين التأثيرات الزمنية وكيفية تضمينها (مثل: الديناميكيات، وإزالة الاتجاهات)، وما إذا كان من المفترض دمج المعلومات الجغرافية / المكانية وكيفية دمجها، وطبعًا هذه القضايا لا تنطبق بالتساوي أو على الإطلاق على كافة أجزاء الأدبيات التي تم النظر فيها.

أولًا، في إطار نموذج المربعات الصغرى العادية (OLS) الكلاسيكية، فإن قرار تضمين تأثيرات الوحدة (مثل: تأثيرات الدولة أو الثنائيات) قد انتهى إلى سؤال حول ما إذا كان الباحث يريد تقييم العلاقة “الداخلية” (أي متوسط تأثير الوحدة داخل المتغيرات) أو العلاقة “البينية” – التأثير الذي تحدثه متوسطات المتغير (X) على متوسطات المتغير (y) عبر الوحدات، فبالتالي تنتج التأثيرات الثابتة للوحدة تقديرات داخلية، بينما لا ينتج (OLS) تأثيرات وحدة إلا بعض متوسطات للتأثيرات داخل الوحدة وبينها، فيمكن لنماذج التأثيرات العشوائية مع المتغيرات السياقية أن تقدرا التأثيرات بين الوحدة وكذلك التأثيرات داخل الوحدة إذا حُددت بشكل صحيح.

بعد استخدام التأثيرات الثابتة والعشوائية أكثر تعقيدًا في النماذج غير الخطية، لأن مشكلة المعلومات العرضية تكمن في كونها تسبب تحيزًا وتناقضًا في النماذج الخطية المعممة التي تُطبق بشكل شائع مثل نموذج الانحدار اللوجستي (Logits) ونموذج الانحدار الرتبي (Probits).

في الوقت الحالي، هناك فجوة بين الدراسات التي تستخدم النماذج الخطية، والتي يستخدم معظمها تأثيرات ثابتة لنمذجة العلاقات داخل الوحدات، والدراسات التي تعتمد على النماذج غير الخطية، والتي في الغالب لا تفعل ذلك، وتستخدم العديد من الدراسات التي تتناول الدولة والسنة أو السنوات الثنائية نهج التأثيرات الثابتة، وعادةً ما تنطوي النماذج الخطية على متغير تابع مستمر (مثل الاستثمار الأجنبي، الناتج المحلي الإجمالي، والنمو)، وهناك عدد قليل من الدراسات الميدانية التي تستخدم أساليب التأثيرات العشوائية لتقييم الفرضيات، أما بالنسبة للدراسات التي تستخدم النماذج غير الخطية أقل احتمالية لاستخدام التأثيرات الثابتة.

ثانيًا، معالجة التأثيرات الزمنية، على سبيل المثال، إذا كانت هناك صدمة مثل اندلاع الإرهاب أن و القمع أو الصراع المسلح التي تمتد لفترة من الزمن، فبالتالي يلزم نمذجة العمليات الديناميكية، فإذا كانت العمليات الديناميكية ذات أهمية للباحث، يتم استخدام متغير تابع متأخر في حالة الانحدار الخطي، أما إذا لم تكن العمليات الديناميكية ذات أهمية في حد ذاتها، فيمكن استخدام نموذج AR(p)، لتفسير العمليات الديناميكية في الأخطاء، ويميل الباحثون إلى استخدام متغير تابع متأخر لتفسير الديناميكيات الزمنية وأخذها في الحسبان، وبالرغم من أن هناك العديد من الأمثلة إلا أن القليل جدًا منها يأخذ بنصيحة “ويليام” و”ويتن” ويحدد التأثير الديناميكي للمتغيرات، وفي معظم الأبحاث المعنية بعواقب النزاع، يُنر إلى العملية الديناميكية على أنها مصدر إزعاج، ويجب أن يتغير، حيث توجد معلومات هامة تنطوي في هذه العمليات.

ثالثًا: ما زال يشكل الاعتماد المكاني قضية أكثر عمومية، وبالرغم من أن هناك اتجاه يهتم بالتأثيرات الجغرافية أو المكانية مثل بداية الصراع ومدته ونهايته، إلا أن هذا العمل لا يزال في مراحله الأولى، فعلى سبيل المثال يستخدم “بارا” متغيرًا تابعًا يقيس مدى استمرار الصراع في جوار دولة معينة، وذلك من أجل دراسة انتشار الصراع، ويستخدم “نيوماير” و”بلامبر” التأثيرات غير المباشرة للإرهاب على السياحة، ومن المثير للاهتمام أن هذين المثالين لم يستخدما نموذج تأخير مكاني تقليدي حيث يتم تضمين تأثير الجوار للصراع كمتغير مفسر أو شيء مشابه لذلك.

رابعًا: من المؤسف أن مسألة “الارتباط الداخلي” ما زالت مهملة بشكل خاص في دراسة الصراع؛ لأنه من الممكن أن كلًا من الصراع وآثاره اللاحقة يعزز كل منهما الآخر، وعادة ما يتم معالجة “الارتباط الداخلي” من خلال نهج المربعات الصغرى المكون من مرحلتين، حيث يُستخدم متغير واحد كأداة لقياس متغير آخر يرتبط بالمتغير المستقل موضع الاهتمام، لكنه لا يرتبط بالأخطاء أو بالمتغير التابع المشروط بالمتغير المستقل، ولكن هذه القيود في بعض الأحيان قد تكون صعبة التحقيق في بعض الحالات، على سبيل المثال استخدم كلٌ من “دينتشكو” و”برادو” إحصاءات الضحايا في الحروب قبل الحديثة كأداة  لقياس المؤسسات المالية الحالية لتقدير مدى تأثيرها على الناتج المحلي الإجمالي.

وبشكل عام، تُستخدم أساليب المتغيرات الآلية مع المتغيرات التابعة المستمرة في إطار نموذج انحدار المربعات الصغرى العادية (OLS)، ثمَ خيارات تُستخد من أجل تقدير هذه النماذج في سياقات أخرى، لكنها لم تُستخدم في هذه الأدبيات، فضلًا عن ذلك فقد استندت بعض الأبحاث الحديثة على مصادر أخرى للتباين لتقدير التأثير السببي؛ وذلك حتى يتم دراسة العواقب السياسية للإرهاب، واستفاد “بالسيلز”، “توراتس”، “إسبينوزا” من تجربة واعية حدثت، وهي عندما ارتكبت المنظمة الانفصالية الباسكية (ETA) هجمات إرهابية في إسبانيا في ذات الوقت الذي كانت فيه استطلاعات الرأي حول المواقف السياسية للناس، كما يستخدم “بيسلي” و “مولر” أنماط متباينة من العنف في مختلف أنحاء أيرلندا الشمالية لمن أجل دراسة العواقب الاقتصادية للصراع المسلح، ويبدو من ذلك أن هذه الأساليب مفيدة بشكل خاص.

العواقب السياسية

عادةً ما يتم الاعتماد في هذا العمل على نموذج المربعات الصغرى العادية (OLS) ونموذج الانحدار اللوجيستي (Logist)، والتي غالبًا ما تكون هذه النماذج ذات تأثيرات ثابتة، وتشير النتائج الإجمالية إلى أن الصراع يضر المجتمع بشكل عام، وهناك بعض الدراسات المعزولة التي تجد أن الصراع والعنف يعززان سمات معينة للدولة أو حتى أفراد أو مجموعات معينة داخل الدولة التي يحدث فيها النزاع، وقد ينتهي الأمر ببعض النتائج الإيجابية، ومع ذلك، ليس هناك دراسات تدعي أن التغييرات التي تسبب فيها النزاع تستحق التجربة- على الأقل وليس بشكل صريح.

ووفقًا لما تم الإشارة إليه أعلاه، فإن هذا العمل يركز على الحرب الأهلية، ناهيك عن تركيزه السائد على الكيفية التي يؤثر به هذا الشكل من الصراع على موضوعات معينة مثل (الديمقراطية والحكم الديمقراطي)، وربما ذلك ليس مفاجئًا، فتتمثل إحدى السمات الرئيسية للديمقراطية هي الاهتمام  بإرساء النظام والحفاظ على استمراريته من خلال وسائل سلمية وغير عنيفة، فعلى سبيل المثال، يصف العديد من الباحثين أن إرساء الديمقراطية يعتبر تنازلًا مؤسسيًا من قبل الحكام الدكتاتورين الذين دائمًا ما يسعون إلى استقطاب التهديدات الثورية لحكمهم من الجماهير المحتشدة، وبالتالي تعتبر الديمقراطية استجابة سياسية هامة لتهديد قد يكون أحد أبرز التهديدات أهمية لوجودها، وهناك أمثلة عملية على هذا التركيز، حيث شهدت حوال نصف نص الدول التي خرجت من دائرة الصراعات المسلحة منذ عام 1946 انتقالًا وتحولًا إلى الديمقراطية الانتخابية خلال العقد الأول عقب انتهاء الأعمال العدائية والعنف.

تجاوزت الادبيات مجرد النظر ما إذا كانت الدولة ديمقراطية أم لا، وتطرقت إلى قضايا محددة وأكثر دقة، وذلك من أجل فهم أفضل للعلاقة بين الصراع والديمقراطية، وعلى سبيل المثال، فقد اكتشفت الدراسات أن الجماعات المتمردة التي تلجأ إلى استخدام الدبلوماسية خلال الصراعات، وبناء المؤسسات والتنظيمات، هي التي تقدم حكمًا متمردًا وأكثر شمولًا وترسيخًا ويُحدث اندماجًا اجتماعيًا، مما يساعد في إقامة ديمقراطية قابلة للحياة بعد المرور بالصراعات.

وهذا لا يمثل مسارًا سهلًا بأي شكل من الأشكال، فعلى الرغم من أن هناك جهات متحاربة تتمتع بشرعية شعبية بين فئات من أفراد المجتمع إلا أن هناك تحديات ما زالت قائمة عند دمج المقاتلين المسجلين في الأنظمة السياسية حيث أن من المفترض أن التصويت في الانتخابات الحرة النزيهة يحل محل العنف، فمثلًا يؤدي تقليص القوة البنيوية والإدارية للدولة إبان الصراعات والنزاعات إلى ضعف القدرة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في فترة ما بعد الصراع مباشرةً، فضلًا عن ذلك فقد تم الاعتراف بالتأثيرات الناجمة عن الأعمال العدائية على التشابك الاجتماعي للعلاقات بين المجموعات في الأدبيات المعنية بالهندسة المؤسسية مثل تقاسم السلطة.

تشير الاعتبارات التفاعلية والشرطية الناشئة من هذه الأعمال إلى اتجاه مهم يمكن التعرف عليه واستكشافه من خلال المزيد من البحث، وعلى الرغم مما قدمته الأدبيات الدولية من رؤي مهمة بشأن العواقب السياسية للحروب الأهلية إلا أنها كانت محدود في جوانب أخرى مهمة، أولًا: غالبًا ما يتم الافتراض بعواقب الصراع دون قياسها ( إلا بشكل غير مباشر عن طريق دراسة تأثير التفاوت في مستوى ونطاق العنف ذاته، وفقًا لما اقترحه سيميل في وقت سابق)، وثانيًا، عندما يتم تضمين الدول المعرضة للصراع فقط في العينات ذات الصلة، فإن عواقب الصراع تكون خفية في حالة غياب الوقائع المضادة، وتتفاقم هذه المشكلة بسبب أن الديمقراطية والسلام ينشأن ويستمران في نفس العوامل، فبالتالي تكون الأزمات والمعضلات السياسية في المجتمعات ما بعد الصراع من المحددات المهمة للاختيار في الصراع، وليست مجرد عواقب لذلك.

يعتبر التعمق بشكل كبير في العمليات السببية على المستوى الجزئي إحدى الطرق لمعالجة هذه القضية، حيث تتضمنه الأدبيات الأكثر حداثة، بالاستناد على بيانات على المستوى الفردي من التجارب الميدانية والمسوحات والألعاب الجماعية، وعليه، فإن البحث الحالي يحلل كيف يشكل الخوف من أنماط معينة من العنف واسع النطاق -وأيضًا التهديدات والإكراه على مستوى أقل- نتائج مثل التصويت، المشاركة السياسية، والثقة السياسية والاجتماعية، الرغبة في الاحتجاج، ومواقف التوصل إلى التسوية، من الملاحظ أن النتائج مختلطة، مما يعكس ثنائية النتائج التي لوحظت من قبل ماركس وإنجلز.

فمن جهة، تشير العديد من الدراسات إلى وجود أدلة على الإرث الخطير والمدمر الذي يخلفه الصراع على دعم الناس فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والاجتماعية، ويكشف هذا العمل عن عدة أمور ذات صلة بالموضوع، فالتعرض للعنف يقوض الديمقراطية والمشاركة السياسية، ويضطر الأفراد المصابين بصدمات نفسية إلى الاختباء والانسحاب، ويقلل الدعم للتسوية السياسية، ويؤدي إلى مواقف إقصائية واستقطابية على مستوى الأفراد، ويقلل من نسبة المشاركة في الانتخابات.

من جهة أخرى، أشارت العديد من الدراسات أن التعرض للصراع يرتبط بزيادة المشاركة السياسية، على سبيل المثال، الميل للتصويت، والمشاركة المدنية، الاهتمام بالسياسة والقيادة المجتمعية، كما يجد بعض الباحثين أن العنف يؤثر على المواقف المؤيدة للمجتمع، ويعزز الإيثار، وزيادة النفور من اللامساواة، وتعزيز الالتزام بالمعايير الاجتماعية والتماسك المجتمعي، فضلًا عن زيادة دعم الناس للتسوية السلمية وزيادة استعدادهم لتقديم تنازلات سياسية.

ومن ضمن الآليات المركزية التي اُستخدمت في الدراسات الأخيرة هي “النمو ما بعد الصدمة”، حيث يتحد الأفراد المتضررون معًا، ويقومون بتشكيل آليات مواجهة جماعية للدفاع عن أنفسهم من عواقب الأعمال العدائية والعنف، وسلط هذا العمل الضوء على التمييز بين أعضاء المجموعة الداخلية والخارجية، فالمعايير والمواقف المؤيدة للمجتمع محدودة وتمتد أساسًا إلى المجموعة الداخلية، إن هذا العمل ليس معزولًا، حيث تتناغم هذه النتائج بشكل جيد مع وجهات النظر في علم النفس التطوري التي تؤكد على أن المنافسة بين المجموعات قد سهلت الاستجابات النفسية التكيفية التي تعزز نجاح الجماعة الداخلية على الجماعة الخارجية، بينما تؤكد الحجج التي قدمها “سيميل” على أن هذه المراجعات والتقاطعات المثيرة تدعو إلى مزيد من الاستكشاف.

العواقب الاقتصادية

جذبت التكلفة الاقتصادية للحرب انتباه العلماء والباحثين منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على، وبدأت هذه الأدبيات في التطور لدراسة عواقب الصراع بين الدول، ولكن لم يتم متابعة نظيرتها داخل الدولة بشكل جدي إلا منذ 30 عامًا تقريبًا (انظر المربع الجانبي بعنوان “الدراسة المنهجية للصراع بين الدول والصراع الداخلي”)، ومثلها كمثل الأدبيات المعنية بالعواقب السياسية، فقد ركزت الأدبيات المتعلقة بالعواقب الاقتصادية في المقام الأول على شكل واحد من أشكال الصراع: الحروب الأهلية، ومع ذلك، وعلى النقيض من مجموعة العواقب المذكورة أعلاه، يركز هذا العمل على نوع واحد من العواقب: التنمية الاقتصادية، وعلى عكس الأدبيات المعنية بالعواقب السياسية، هناك عدد كبير من المقالات حول هذا الموضوع والعديد من الباحثين الذين يشاركون في الأبحاث ذات الصلة، باستخدام مجموعة واسعة من الأدوات التجريبية، ونتيجة لذلك تكون الأدبيات الاقتصادية أكثر تعقيدًا من الناحية المنهجية، حيث لا تستخدم نموذج المربعات الصغرى العادية ومربعات التأثيرات الثابتة فقط، بل تستخدم كذلك اللوغاريتم، وتاريخ الأحداث، ونموذج (2SLS)، ومربعات الصغرى المرجحة، وتحليل التباين متعدد المتغيرات، والانحدار متعدد الحدود المحلي المرجح بالنواة، ونموذج شبه بواسون، وغيرها من النماذج.

الدراسة المنظمة للصراعات بين الدول مقابل الصراعات الداخلية
حدث تطور في البحث في الصراعات الداخلية بشكل مختلف تمامًا عن البحث في الصراعات بين الدول، ويعود هذا الاختلاف إلى العدد القليل من الباحثين ومن البرامج الذين بدأ في دراسة الحروب بين الدول، بالإضافة إلى القيادة التنظيمية التي تتواجد في مجتمعات بحثية محددة ، وأبرزها مشروع “مؤشرات الحرب”، والذي ترك تأثيرًا مهمًا حتى بعد انتشار دراسة الحرب بين الدول إلى عدد أكبر من الأفراد والمؤسسات، ومن ناحية أخرى، لم يكن لأي منظمة واحدة تأثير دائم على دراسة سلوك الصراعات داخل الدول، ومن ثم يحتوي مجتمع الصراعات داخل الدول على مجموعة أكبير من البيانات والنظريات والأساليب، ومع ذلك فمن المستحيل التفكير في الدراسة المنهجية للسلوك داخل الدول دون الاعتراف بمدى أهمية الدراسات العلمية حول الصراعات لمثل هذه الدراسة. تفوقت دراسة الصراعات الداخلية على دراسة الصراع بين الدول بعد نهاية الحرب الباردة، ويبدو أن الانتقال من الصراعات بين الدول إلى الصراعات داخل الدول أمرًا منطقيًا، نظرًا لأن الصراعات داخل الدول، عقب هذه الفترة من الصراع العالمي، تفوقت على الصراعات بين الدول من حيث التواتر وعدد الضحايا.

وأدى هذا التركيز المكثف إلى بعض الرؤى الهامة، على سبيل المثال، ثمّ أدلة واسعة النطاق على التأثيرات السلبية والملموسة للنزاع بشكل عام، ويقدر “كولير” و “جيتس” أن الحروب الأهلية تقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 2% لكل عام من مدة الحرب، وقد تم تكرار هذه النسبة (2%) في العديد من الدراسات وهي راسخة بشكل جيد، ويمثل هذا الاكتشاف تناقضًا صارخًا مع الأدبيات حول العواقب السياسية، حيث كان هناك القليل من التكرار والتحقق المتبادل والاتفاق بشأن تأثير النزاع، لا يكشف البحث عن تأثير متزامن فحسب بل يكشف أيضًا أن الحروب الأهلية يمكن أن تحبس الدول في فخ الصراع مع مرور الوقت، حيث يؤدي الصراع إلى تدهور التنمية، مما يزيد من خطر تتجدد الصراع وتكراره، وتجاوزًا للاهتمامات الأولية للأدبيات المتعلقة بالعواقب السياسية، تجد الأدبيات الاقتصادية أن تأثيرات الحروب الأهلية لا تقتصر على الدول التي نشبت فيها الصراعات ، فالحروب الأهلية تحمل تأثيرات سلبية  على النمو في الدول المجاورة، مما يجعل فخاخ الصراعات إقليمية أيضًا.

لماذا نرى هذه التأثيرات؟ على عكس الادبيات المتعلقة بالعواقب السياسية، التي تتحرك نحو تقييم العمليات الأكثر تفصيلًا على المستوى دون الوطني، تحركت الأدبيات المتعلقة بالعواقب الاقتصادية نحو نهج نظري كلي، على سبيل المثال، استفاد “كولير” من “هوبز” ووضع نظريات حول طرق بديلة يؤدي الصراع من خلالها إلى تدهور التنمية وإلى الدمار والاضطرابات وتقليل الادخار، فبالتالي يؤدي ذلك إلى تدمير الإنتاج والمنشآت الإنتاجية والمرافق الصحية، والتقليل من قوة العمل، وإعاقة التبادل الاقتصادي، وزيادة تكاليف النقل، فالاضطرابات تحدث بسبب انعدام الأمن الناجم عن العنف والانهيار العام للنظام الاجتماعي، بالإضافة إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان من ديارهم ووظائفهم، فالحروب الأهلية تؤدي إلى تحويلات ضخمة للأموال العامة من خلال الإنفاق العسكري، وبناءً على ذلك تعاني اقتصادات الحرب من نقص الادخار وهروب رؤوس الأموال.

كما يؤثر الصراع المسلح سلبًا على بنية الاقتصاد، وبما أن رأس المال المرتبط بالأرض مثل الزراعة والسلع الأساسية الأخرى الأقل قدرة على الحركة، فهروب رأس المال يجعل الاقتصاد أكثر اعتمادًا على السلع الأساسية، وهذا ما يزيد من خطر الصراع في المستقبل، كما تعاني دولة الصراع من تآكل الحوافز للاستثمار الموجودة على كافة مستويات الاقتصاد، هجرة العمالة الماهرة، ونقل مواطنو الطبقة المتوسطة الذين يمتلكون مدخرات إلى الخارج، ناهيك عن غلق جميع الشركات الأجنبية لأنشطتها؛ حيث أضبحت عواقب حماية الاستثمارات في زيادة مطردة، كما تصبح الحكومات قصيرة النظر وذات طابع انتهازي، وغالبًا ما تؤدي خسائر الدخل الناجمة عن الحرب إلى زيادة خطر الصراعات الجديدة في المستقبل، فضلًا عن انكماش إمدادات رأس المال المالي والبشري مقارنةً بالأرض واستخراج الموارد الطبيعية والعمالة غير الماهرة،، كما أن تراجع السيطرة الحكومية يفتح المجال لإنتاج المخدرات غير المشروعة.

ولقد أثبت البحث للمرة الثانية أن النزاع له تأثير جوهري، وحيث تشير الأدلة إلى أن العواقب الاقتصادية للحرب الأهلية من حيث تأثيرها على النمو تفوق تلك التي تخلفها الحرب ين الدول، وقد فحص “سيرا” و “ساكسينا” مجموعة متنوعة من الأزمات (مثل:الحروب الأهلية، الأزمات المالية والمصرفية، الأزمات السياسية والتغييرات في السلطة التنفيذية)، ففي حالة الحرب الأهلية فإن “الناتج ينخفض في المتوسط بنسبة 6% في البداية”، مما يجعلها من أكثر الأزمات تدميرًا، ووجد “مولر” أ، الانخفاض أقرب إلى نسبة 18%، وعلاوة على ذلك، قد وجد “سيرا” و “ساكسينا” أن نصف الخسارة تُعوض بعد أربع سنوات، ولكن ثلاث نقاط مئوية من الخسارة التراكمية تظل قائمة حتى بعد عقد من الزمان.

ووفقًا لما يشير إليه سيميل، فإن تأثير الصراع على النمو الاقتصادي يتوقف على شدة الصراع ومدته، وهما الشرطان اللذان لم يتم التحقق منهما بشكل كافٍ في الأدبيات المتعلقة بالعواقب السياسية، فعلى سبيل المثال (إذا كانت الحروب القصيرة تسبب استمرار انحدار الناتج المحلي الإجمالي بعد الحرب، فإن الحروب الطويلة تؤدي إلى مرحلة من النمو السريع)، يُحتفى بهذا التأثير المسمى ب “Phoenix” كثيرًا في أبحاث الصراعات بين الدول، لكنه لا يبدو اكتشافًا قويًا فيما يتعلق بالصراع داخل الدول، وفي إحدى الدراسات القليلة حول هذا الموضوع، وجد “هيغري” أدلة قليلة على مثل هذا التأثير بعد الصراع الداخلي، وخلص إلى أن فخ الصراع أكثر حدة مما أشارت إليه الدراسات السابقة.

وتبعًا للاتجاهات السائدة في الأدبيات، تم تركيز مناقشتنا على الدراسات التي تأخذ في الاعتبار تأثير الصراع على الناتج المحلي الإجمالي أو نموه، ومع ذلك تم فحص تأثيرات أخرى، فوجدنا أن الصراع يؤثر على جوانب أخرى من التنمية الاقتصادية، خاصة الفق ومعدلات وفيات الرضع، وهذا يمثل أفضل مؤشر للمستوى العام للتنمية الاقتصادية في دولة ما، وبعيدًا عن مؤشر الفقر ومعلات وفيات الرضع، فإن عمل “جيتس” مفيد ومهم بشكل خاص؛ لأنه يدرس عواقب الصراع على مجموعة من الجوانب المختلفة للتنمية الاقتصادية ذات الصلة بأهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، ، وليس غريبًا أن يجد هذا العمل أن الصراع له آثارًا ضارة على معظم هذه الجوانب، مما يشير إلى أن هذا الشكل من أشكال النزاع السياسي له تأثير كبير على حياة الإنسان، على سبيل المثال، تم تقدير أن الصراع متوسط الحجم يسفر عن 2500 قتيل في المعركة أي يزيد عن سوء التغذية بنسبة 3.3%، ويقلل من متوسط العمر المتوقع بحوالي عام واحد، حيث يزيد من وفيات الرضع بنسبة 10%، وحرمان حوالي 1.8% من السكان من الوصول إلى مياه شرب نظيفة.

وعلى الرغم من هذه التطورات المهمة، إلا أنه لا بد من القيام بمزيد من العمل، حيث يعتقد البعض أنه في حالات الصراع “تنخفض القدرة على تنفيذ العقود وإضعاف فعالية مؤسسات المجتمع المدني، وتراجع الثقة، وقصر الآفاق الزمنية بسبب عدم اليقين، وزيادة الطابع الانتهازي”، ولكن لم تظهر بعد موجة أساسية قابلة مقارنةً بما يحدث في العواقب السياسية لفحص ودراسة هذا الموضوع بدقة.

أجندة بحثية جديدة وخطوات تالية

إن الأدبيات المتعلقة بعواقب النزاع واسعة ومتعددة الأوجه من حيث الموضوعات التي تم التطرق إليها والتحقيق فيها والأساليب المستخدمة والنتائج التي تم التوصل إليها، ولقد غطت هذه الأعمال جوانب متعددة، ولكن مثلها مثل معظم المجالات المتعلقة بالسوك الجماعي والعنيف، حيث تم ذلك بطريقة غير منسقة وغير متكاملة إلى حدٍ كبير، بالإضافة إلى قلة الوعي بالمجال البحثي الذي ينتمي إليه، وهو ما يتضح من خلال الاستشهادات عبر أنواع متباينة من النزاع والعواقب، فالمهمة الرئيسية في المستقبل تتمثل في جمع الخيوط المختلفة للأدبيات، مما يسهل التقييم الشامل والفهم الأعمق للموضوع، ولتحقيق التقدم، فإننا نحتاج إلى تجاوز الحالة المنعزلة للأدبيات الحالية، فبالتالي نقترح اتجاهين للباحثين يمكن اتباعهما للتعامل مع هذه القضية.

أولًا، إعادة تشكيل كيفية فحص الموضوع، حيث يحتاج المحققون إلى النظر في أنواع مختلفة من العواقب الناجمة عن الصراع، خاصةً تلك التي تم تجاهلها ولم يتم تطويرها، فنحن بحاجة إلى تفكيك عواقب الصراع وجعلها أكثر تفصيلًا عبر التوجهات الإيديولوجية والطبقات والمجموعات العرقية، فمن النادر أن نجد مثل هذا التنوع في الدراسات الحالية، كما نحتاج إلى تعميق النظر في العواقب في الأمد القريب والمتوسط والبعيد، وهذا مهم لأن هدة دراسات حددت تأثير الحرب الأهلية الدائم على اختيار التصويت، ورفض هويات المجموعة الخارجية، وكن إذا تم تجاوز هذا الشكل من الصراع، فسوف نجد أيضًا أن القمع يؤثر على الإقبال السياسي والمواقف السياسية والاجتماعية، هذه الجهود مهمة لأن الدراسات التي تقيد نفسها بإطار زمني قصير قد تكون مناسبة لتقدير التأثيرات الخطيرة للصراعات على البنية الأساسية، ولكنها قد تتغاضى عن أجزاء مهمة تتعلق بالتأثيرات الأطول أجلًا للصراع على تراكم رأس المال، الإدراك البشري والابتكار.

ثانيًا: نقترح أن تأخذ الأدبيات التسلسل على محمل الجد، بالرغم أن لا يُناقش بشكل متكرر في البحوث الإحصائية القائمة، فيتضح من خلال الاطلاع على البحوث التاريخية أن الأنواع المختلفة للصراع تتبع بعضها البعض زمنيًا، ووفقًا لذلك، فمن الممكن أن تمر مختلف الجهات الفاعلة داخل نفس الوحدة الإقليمية بعقود من أشكال مختلفة من الصراع، بحيث أن بحلول نهاية الفترة ذات الصلة تكون كافة الأنواع المختلفة المذكورة في هذا المقال قد خضعت للتجربة تقريبًا، وهنالك بالفعل بعض الأدلة على هذا، فقد وجد “هيغري” و “نيجارد” أن القمع لا يزداد فقط أثناء الحرب الأهلية ولكن معدلات السلوك القمعي تظل متزايدة لفترة طويلة من بعد انتهاء الصراع، فإن هذا يقودنا إلى إدراك غاية في الأهمية: إذا كنت تدرس الحرب الأهلية فقط، فقد تصل إلى استنتاج واحد بشأن العواقب، أما إذا درست القمع بدلًا من ذلك، فقد تصل إلى استنتاج آخر، وإذا كنت تدرس كلا الشكلين من أشكال النزاع، فسوف تصل إلى استنتاج آخر، ولفهم العواقب السياسية والاقتصادية للنزاع، فلا بد من تضمين العديد من أشكال النزاع، إن لم يكن جميعها.

هناك عدة طرق التي تُمكّنْ المجتمع البحثي متابعة حساب أكثر ديناميكية وشمولًا للنزاع، فمثلًا، يعمل مؤلفو هذه المراجعة الحالية على مقياس للمفهوم ذي الصلة، والذي سيأخذ في الاعتبار سلوك كلٍ من المعارضين والحكومة، بما في ذلك الحرب الأهلية، والاحتجاجات والمقاومة المدنية عبر الدول القومية وداخلها، والإبادة الجماعية، القمع الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان، والإرهاب، حيث يعتبر هذا المقياس إحدى الطرق لدراسة الدورة الكاملة للنزاع دون اقتطاع أو تقليص أي جزء منها، والتركيز فقط على مجموعات فرعية محددة من السلوك ذي الصلة.

وفي نفس الوقت الذي نلاحظ يه الاتجاهات التي من الممكن أن يتجه إليها البحث، نسلط الضوء أيضًا على التحدي الأكبر الذي يواجه الأدبيات المتعلقة بعواقب النزاع: المشكلة الداخلية (الارتباط السببي العكسي)، وقد أوضحنا أعلاه كيف بدأ بعض الباحثين في معالجة هذه المشكلة، ولكن يتضح أن كافة الدراسات تحتاج إلى طريقةٍ ما لمعالجتها، واستنادًا لهذه المناقشة واشعة النطاق، فإننا نعرض الآن وعلى التوالي مزيدًا من الألغاز والآفاق المحددة للأدبيات حول العواقب السياسية والاقتصادية للنزاع.

الألغاز والآفاق المحددة لدراسة العواقب السياسية

رغم ما أحرزته دراسة العواقب السياسية من تقدم كبير، إلا أن الأدبيات تفتقر إلى تحليل شامل ووافي للمؤسسات السياسية والسلوك على المدى البعيد، خاصةً خارج التركيز الحالي على الحرب الأهلية في الدول النامية أو تأثير الإرهاب في الغرب، وإحدى المجالات البحثية المثمرة خلال السنوات العشر الماضية هي الأدبيات على المستوى الجزئي الموجهة نحو فهم كيفية تأثير النزاع على المواقف وسلوكيات الأفراد في العديد من الحالات، سواء كانت حقيقة أو تجريبية، ولكن هناك بعض القيود على هذا العمل، وبعض الفرص لمزيد من التطوير.

أولًا، الكثير من الأدلة التجريبية محدودة السياق، حيث أنها مستمدة من البحوث الميدانية في دول محددة مثل أوغندا وبورندي وسيراليون ونيبال وإسرائيل، وهذا ما يثير تساؤلات عن مدى الصلاحية الخارجية وإمكانية تعميم النتائج عبر السياقات المختلفة، فإن استخدام المزيد من الأدوات والتدخلات المشابهة عبر السياقات مصحوبة برغبة متزايدة من قبل المجتمع العلمي في نشر هذه الجهود التكرارية، وقد يساعدنا ذلك في فهم أفضل فيما إذا كانت النتائج السابقة قابلة للانتقال عبر السياقات، ويمكن أن تساعد الموارد مثل مشروع (xSub) الجديد في تلك الجهود.

ثانيًا، الآليات الأساسية للنتائج على المستوى الجزئي لا تكن واضحة دائمًا، وقد يساعد التركيز المتزايد بالآليات في الحكم بشكل أفضل فيما بين النتائج المختلفة والمتناقضة، فعلى سبيل المثال قد يؤدي التعرض للعنف والصراع السياسي من الناحية إلى تقليص المواقف الاجتماعية بسبب الخوف والقلق الناتج عن التهديدات، ومن ناحية أخرى قد يجعل الأفراد أكثر عرضة للتسوية إذا كانت التنازلات تقلل من المخاطر والتعرض للتهديد في المستقبل.

ثالثًا، وبناءً على المناقشة أعلاه، فقد تؤدي النمذجة الصريحة للمتغيرات المشروطة إلى صورة أكثر تماسكًا، بينما تم العثور على تأثيرات اجتماعية إيجابية في البيئات المختلفة وأنواع العنف، بما في ذلك التعرض للجريمة، فمن المحتمل أن تكون هناك العديد من التأثيرات مشروطة بشكل النزاع نفسه، بالإضافة إلى ارتباط الفرد بسياق سياسي محدد، فنادرًا ما يتم نمذجة هذه التغيرات المشروطة بشكل واضح وصريح.

أخيرًا، الحاجة إلى فهم أفضل لكيفية جمع الأنماط على المستوى الجزئي حتى تؤدي إلى نتائج على المستوى الكلي، إلى مزيد من الروابط بين مختلف المجالات الفرعية التي تركز على العواقب السياسية للنزاع، على سبيل المثال، كيف تعكس الخصائص المؤسساتية وسلوك النظام سلوك الأفراد ومواقفهم وعواطفهم في المجتمعات المتأثرة بالعنف؟ قد يساعد التركيز بشكل أكبر على دور الوكلاء الجماعيين -مثل المجتمع المدني والأحزاب السياسية- في سد الفجوة بين المنظورات على المستوى الكلي والجزئي.

ألغاز وآفاق محددة لدراسة العواقب الاقتصادية

لقد تطورت الأدبيات المتعلقة بالموضوع لدرجة أن إعادة النظر لن تكون لها قيمة خاصة للذين يقومون بذلك، ما لم يكن المرء يريد أن يستكشف الأسس الدقيقة، أو يحاول إجراء تحقيق أكثر شمولًا في شكل آخر من النزاع (مثل القمع)، فإننا نقترح كلا الخيارين لكننا نركز على الخيار الثاني لأن هذه الدراسة مهمة لأسباب عديدة.

أولًا، من غير المتوقع أن يكون للسلوك القمعي نفس النوع من العواقب المادية الدراماتيكية من حيث التدمير (مثل الصراع المسلح المنظم) ما لم يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، فقد يتجاوز تأثيره تأثير الحروب الأهلية،  وبشكل عام، ووفقًا للآليات التي حددها “كولير” إلى جانب التدمير (أي التعطيل، التحويل، والإنقاذ)، قد يكون للقمع عواقب اقتصادية مشابهة (مدمرة للغاية) للصراع المسلح، فالسؤال المثير للاهتمام هو ما إذا كان هناك “فخ قمعي” على فرار “فخ الصراع” الذي اشرنا إليه أعلاه، وتشير بعض الأدلة إلى السلوك القمعي يؤدي إلى سلوك قمعي آخر، مما يشكل جزءًا آخر مهمًا من خلق “الفخ”، فبالتالي هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاكتشاف ما إذا كان القمع يضر بالاقتصادات، وكيف يرتبط هذا الضرر بحدوث نشاط قمعي مستقبلًا، ووفقًا لما تم الإشارة إليه، هناك بعض الأعمال المتعلقة بالمساعدات والتجارة، ولكن لا يوجد شيء أساسي حول العواقب الأخرى.

ثانيًا، هناك نوعًا معينًا من العواقب الاقتصادية يستدعي الاهتمام وهو (عدم المساواة)، وبشكل خاص شكله الأفقي (أي بين الجماعات العرقية أو اللغوية أو الدينية)، وتعد الأسباب التي تكمن وراء التركيز مقنعة، على سبيل المثال، تعد مشكلة عدم المساواة واحدة من أكبر المشاكل التي تواجهها البشرية وكذلك أبحاث العلوم الاجتماعية، ويبدو أن الخسائر الناتجة عن عدم المساواة تكون مدمرة، لكن الاهتمام بهذا الموضوع محدود نسبيًا، كما أن تأثير النزاع له علاقة بذلك، ويزعم “شيديل” أ، العنف الجماعي هو أحد القوى الوحيدة القوية لتغيير أنماط عدم المساواة في المجتمع، وإذا كان هذا هو الحال بالفعل، فإن التأثير الاقتصادي للنزاع من حيث عدم المساواة يبدو كبيرًا، ومع ذلك، فإن فهمنا الحالي محدود حول كيفية عمل هذا خاصةً عبر أشكال متنوعة من النزاع مع مرور الزمن.

ومن الواضح، أننا بحاجة إلى أن نركز في المستقبل على دمج الرؤى والنتائج عبر الأدبيات المختلفة، وعلاوة على ذلك، فهناك أيضًا حاجة ملحة لتوسيع المنظور ونطاق الدراسة التي يدرس به الباحثون هذا الموضوع، فيجب علينا التوقف عن التعامل مع أنواع معينة من النزاع كأحداث معزولة ومستقلة، وأنواع معينة من العواقب كونها الخصائص الوحيدة ذات الأهمية، فسيسمح المفهوم الواسع والاهتمام الأكثر اتساقًا بالارتباطات بين العواقب برؤية الأبحاث التي أُجريت، والوصول إلى استنتاجات معقولة، وأين تكون التحقيقات الإضافية مفيدة، وبهذه الطريقة فقط يمكن تحسين الدراسات والأبحاث التي ناقشناها أعلاه.

النسخة الأصلية على الرابط التالي :

https://www.annualreviews.org/content/journals/10.1146/annurev-polisci-050317-064057

الاستشهادات المرجعية

Acemoglu D. 2006. Economic Origins of Dictatorship and Democracy. New York: Cambridge Univ. Press

Acemoglu D, Johnson S, Robinson JA. 2001. The colonial origins of comparative development: an empirical investigation. Am. Econ. Rev. 91:1369–401

Acharya A, Blackwell M, Sen M. 2016. The political legacy of American slavery. J. Politics 78:621–41

Balcells L. 2012. The consequences of victimization on political identities: evidence from Spain. Politics Soc. 40:311–47

Balcells L, Torrats-Espinosa G. 2018. Using a natural experiment to estimate the electoral consequences of terrorist attacks. PNAS 115:10624–29

Bara C. 2017. Legacies of violence: conflict-specific capital and the postconflict diffusion of civil war. J. Confl. Resolut.

Bateson R. 2012. Crime victimization and political participation. Am. Political Sci. Rev. 106:570–87

Bauer M, Blattman C, Chytilová J, Henrich J, Miguel E, Mitts T. 2016. Can war foster cooperation? J. Econ. Perspect. 30:249–74

Bauer M, Cassar A, Chytilová J, Henrich J. 2014. War’s enduring effects on the development of egalitarian motivations and in-group biases. Psychol. Sci. 25:47–57

Beber B, Roessler PG, Scacco A. 2014. Intergroup violence and political attitudes: evidence from a dividing Sudan. J. Politics 76:649–65

Bell A, Jones K. 2015. Explaining fixed effects: random effects modeling of time-series cross-sectional and panel data. Political Sci. Res. Methods 3:133–53

Bellows J, Miguel E. 2006. War and institutions: new evidence from Sierra Leone. Am. Econ. Rev. 96:394–99.

Bellows J, Miguel E. 2009. War and local collective action in Sierra Leone. J. Public Econ. 93:1144–57

Besley TJ,Mueller H. 2012. Estimating the peace dividend: the impact of violence on house prices in Northern Ireland. Am. Econ. Rev. 102:810–33

Blattman C. 2009. From violence to voting: war and political participation in Uganda. Am. Political Sci. Rev. 103:231–47

Blattman C, Miguel E. 2010. Civil war. J. Econ. Lit. 48:3–57

Boyd R, Gintis H, Bowles S, Richerson PJ. 2003. The evolution of altruistic punishment. PNAS 100:3531–35

Burchard SM. 2015. Electoral Violence in Sub-Saharan Africa: Causes and Consequences. London: Lynne Rienner

Buvinic M, Das Gupta M, Casabonne U, Verwimp P. 2013. Violent conflict and gender inequality. Policy Res.

Work. Pap. WPS 6371, World Bank. Washington, DC: World Bank Group

Canetti D, Elad-Strenger J, Lavi I, Guy D, Bar-Tal D. 2017. Exposure to violence, ethos of conflict, and support for compromise surveys in Israel, East Jerusalem, West Bank, and Gaza. J. Confl. Resolut. 61:84–113

Cerra V, Saxena SC. 2008. Growth dynamics: the myth of economic recovery. Am. Econ. Rev. 98:439–57

Chenoweth E, Stephan MJ. 2011. Why Civil Resistance Works: The Strategic Logic of Nonviolent Conflict. New York: Columbia Univ. Press

Choi JK, Bowles S. 2007. The coevolution of parochial altruism and war. Science 318:636–40

Collier P. 1999. On the economic consequences of civil war. Oxf. Econ. Pap. New Ser. 51:168–83

Collier P, Elliot L, Hegre H, Hoeffler A, Reynal-Querol M, Sambanis N. 2003. Breaking the Conflict Trap: Civil War and Development Policy. Oxford, UK: Oxford Univ. Press

Conrad CR, Moore WH. 2010. What stops the torture? Am. J. Political Sci. 54:459–76

Costalli S, Ruggeri A. 2014. Forging political entrepreneurs: civil war effects of post-conflict politics in Italy.

Political Geogr. 44:40–49

Davenport C. 1995. Multi-dimensional threat perception and state repression: an inquiry into why states apply

negative sanctions. Am. J. Political Sci. 38:683–713

Davenport C. 2007. State repression and political order. Annu. Rev. Political Sci. 10:1–23

Dincecco M, Prado M. 2012. Warfare, fiscal capacity, and performance. J. Econ. Growth 17:171–203

Dunning T. 2011. Fighting and voting: violent conflict and electoral politics. J. Confl. Resolut. 55:327–39

Flores TE, Nooruddin I. 2012. The effect of elections on postconflict peace and reconstruction. J. Politics74:558–70

Gates S, Hegre H, Nygård HM, Strand H. 2012. Development consequences of armed conflict. World Dev. 40:1713–22

Ghobarah HA, Huth PK, Russett BM. 2003. Civil wars kill and maim people—long after the shooting stops. Am. Political Sci. Rev. 97:189–202

Gilligan MJ, Pasquale BJ, Samii C. 2014. Civil war and social cohesion: lab-in-the-field evidence from Nepal. Am. J. Political Sci. 58:604–19

Gould E, Klor E. 2010. Does terrorism work? Q. J. Econ. 4:1459–510

Grosjean P. 2014. Conflict and social and political preferences: evidence from World War II and civil conflict in 35 European countries. Comp. Econ. Stud. 56:424–51

Hartzell C. 2015. The art of the possible: power sharing and post-civil war democracy. World Politics 67:37–71

Hegre H, Nygård HM. 2015. Governance and conflict relapse. J. Confl. Resolut. 59:984–1016

Hegre H, Nygård HM, Ræder RF. 2017. Evaluating the scope and intensity of the conflict trap: a dynamic simulation approach. J. Peace Res. 54:243–61

Hill DWJ, Jones ZM. 2014. An empirical evaluation of explanations for state repression. Am. Political Sci. Rev. 108:661–87

Hobbes T. 1968 (1651). Leviathan. London: Penguin

Huang R. 2016. The Wartime Origins of Democratization: Civil War, Rebel Governance, and Political Regimes. New York: Cambridge Univ. Press

Hutchison ML, Johnson K. 2011. Capacity to trust? Institutional capacity, conflict, and political trust in Africa, 2000–2005. J. Peace Res. 48:737–52

Iqbal Z. 2010. War and the Health of Nations. Stanford, CA: Stanford Univ. Press

Keynes JM. 1919. The Economic Consequences of the Peace. London: Macmillan

Lebovic JH, Voeten E. 2009. The cost of shame: international organizations and foreign aid in the punishing of human rights violators. J. Peace Res. 46:79–97

Lupu N, Peisakhin L. 2017. The legacy of political violence across generations. Am. J. Political Sci. 61:836–51

Marx K. 1867. Das Kapital: Kritik der Politischen Ökonomie. Berlin: Otto Meisner

Marx K, Engels F. 2010 (1848). Manifesto of the Communist Party. Marxists Internet Archive. https://www.marxists.org/archive/marx/works/download/pdf/Manifesto.pdf

Matanock A. 2017. Electing Peace: From Civil Conflict to Political Participation. Cambridge, UK: Cambridge Univ.Press

McAdam D, Tarrow S, Tilly C. 2001. Dynamics of Contention. Cambridge, UK: Cambridge Univ. Press

Mueller H. 2012. Growth dynamics: the myth of economic recovery: comment. Am. Econ. Rev. 102:3774–77

Murdoch JC, Sandler T. 2002. Economic growth, civil wars and spatial spillovers. J. Confl. Resolut. 46:91–110

Murdoch JC, Sandler T. 2004. Civil wars and economic growth: spatial dispersion. Am. J. Political Sci. 48:138–51

Neumayer E, Plumper T. 2016. Spatial spill-overs from terrorism on tourism: Western victims in Islamic destination countries. Public Choice 169:195–206

Nordås R, Davenport C. 2013. Fight the youth: youth bulges and state repression.Am. J. Political Sci. 57:926–40

Nunn N, Wantchekon L. 2011. The slave trade and the origins of mistrust in Africa. Am. Econ. Rev. 101:3221–52

Organski A, Kugler J. 1980. The War Ledger. Chicago: Univ. Chicago Press

Pigou AC. 1916. The Economy and Finance of the War: Being a Discussion of the Real Costs of the War and the Way in Which They Should Be Met. London: J.M. Dent

Piven FF, Cloward RA. 1979. Poor People’s Movements: Why They Succeed, How They Fail. New York: Vintage

Poe SC, Tate NC. 1994. Repression of human rights to personal integrity in the 1980s: a global analysis. Am. Political Sci. Rev. 88:853–72

Ritter EH, Conrad CR. 2016. Preventing and responding to dissent: the observational challenges of explaining strategic repression. Am. Political Sci. Rev. 110:85–99

Rozenas A, Schutte S, Zhukov YM. 2017. The political legacy of violence: the long-term impact of Stalin’s repression in Ukraine. J. Politics 79:1147–61

Scheidel W. 2017. The Great Leveler: Violence and the History of Inequality from the Stone Age to the Twenty-First Century. Princeton, NJ: Princeton Univ. Press

Simmel G. 1964a. Conflict. New York: Free Press

Simmel G. 1964b. The Sociology of Georg Simmel, transl. KH Wolff. New York: Collier-Macmillan. From German

Soule SA, Olzak S. 2004. When do movements matter? The politics of contingency and the Equal Rights Amendment. Am. Sociol. Rev. 69:473–97

Sullivan CM. 2014. The (in)effectiveness of torture for combating insurgency. J. Peace Res. 51:388–404

Sullivan CM, Loyle CE, Davenport C. 2012. The coercive weight of the past: temporal dependence and the conflict-repression nexus in the Northern Ireland “Troubles.” Int. Interact. 38(4):426–42

Taylor AJP. 1974. The First World War: An Illustrated History. London: Penguin UK

Tellez JF. 2018. Worlds apart: conflict exposure and preferences for peace. J. Confl. Resolut. Online suppl. http://doi.org/10.1177/0022002718775825

Tilly C. 1985. War making and state making as organized crime. In Bringing the State Back In, ed. PB Evans, D Rueschemeyer, T Skocpol, pp. 169–91. New York: Cambridge Univ. Press

Voors MJ, Nillesen EE, Verwimp P, Bulte EH, Lensink R, Van Soest DP. 2012. Violent conflict and behavior: a field experiment in Burundi. Am. Econ. Rev. 102:941–64

Wilkinson SI. 2004. Votes and Violence: Electoral Competition and Ethnic Riots in India. New York: Cambridge Univ. Press

Williams LK, Whitten GD. 2012. But wait, there’s more! Maximizing substantive inferences from TSCS models. J. Politics 74:685–93

Wooldridge JM. 2002. Econometric Analysis of Cross Section and Panel Data. Cambridge, MA: MIT Press

Zhukov YM, Davenport C, Kostyuk N. 2019. xSub: a new portal for cross-national data on sub-national violence.

Work. Pap., xSub. http://cross-sub.org/downloads/xSub_DataArticle_20190227.pdf

Zhukov YM, Talibova R. 2018. Stalin’s terror and the long-term political effects of mass repression. J. Peace Res. 55(2):267–83

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى