أثر التحويلات المالية على الاقتصاد المصري خلال الفترة (2005-2023)

إعداد : منة الله سمير محمد – باحثة متدربة بمجموعة عمل الدراسات الاقتصادية بالمركز.
مراجعة: أ. أمنية جابر – المسئولة التنفيذية بمجموعة عمل الدراسات الاقتصادية.
المقدمة
تعتبر التحويلات المالية من أهم مصادر النقد الأجنبي خاصةً للدول النامية بمختلف أنواعها ودرجات استقرارها؛ حيث إنها تكون سببًا في حالة نموها في سد عجز ميزان المدفوعات والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، وفي حالة تراجعها تثقل ميزان المدفوعات، وصل عدد المستفيدين من التحويلات المالية إلى 1.36 مليار فرد حول العالم (أي بما يعادل فرد من كل ستة أفراد) من الممكن أن تدفق التحويلات المالية في شكل إعانة من مؤسسات حكومة أو خاصة لمواجهة الأزمات، أو تحويلات العاملين بالخارج، لكن منها ما يكون تحفيز للاقتصاد إذ تمكننا من استغلاله، ومنها ما يثقل كاهل الدولة إذ أساءت استخدامه.
الفترة الزمنية (2005-2023) وأسباب اختيارها:
تم اختيار فترة البحث من (2005 : 2023)؛ لأن هذه الفترة ضمت عدد كبير من الأزمات التي أثرت على التحويلات المالية، ففي بداية الفترة كانت آثار الغزو الأمريكي للعراق مستمرة على استقرار العمالة المصرية في العراق والخليج؛ مما أدى لانخفاض التحويلات، ثم الأزمة المالية العالمية في 2008 وآثارها على الخليج وتخفيض أسعار النفط؛ مما تسبب في فقد عدد كبير من العمالة المصرية وظائفهم أو تخفيض أجورهم، ثم ثورات الربيع العرب[1]ي والأوضاع السياسية والاقتصادية المتوترة، ثم الحرب على اليمن في 2005 ، ثم أزمات النفط من 2014 إلى 2016، ثم أزمة كورونا، أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الغذاء وإمدادات الطاقة؛ مما أدى لارتفاع بالأسعار ومعدلات التضخم، والسياسات الداخلية مثل تعويم الجنيه المصري في 2016.
أولًا: تطور التحويلات المالية في مصر (2005-2023):
لا يوجد[2] اتفاق حول تعريف تحويلات العاملين بالخارج من جهة المؤسسات الدولية، لكنهم اتفقوا على أنها تتكون من ثلاث بنود: تحويلات العاملين، تعويضات المستخدمين، وتحويلات المهاجرين. وقد وصلت تحويلات العاملين بالخارج فقط حول العالم إلى 653,4 مليار دولار في عام 2020، بينما كانت 254.09 مليار دولار في عام 2005 (قاعدة بيانات البنك المركزي)، ويرجع نمو التحويلات خلال تلك الفترة بحوالي نسبة 157.15% إلى عدة أسباب أهمها:
- زيادة عدد العمالة المهاجرة حول العالم وخاصةً تلك التي تنتقل بين الدول النامية.
- انخفاض تكاليف خدمات التحويلات خصوصًا في ظل تحسين البنية التحتية للقطاع الخاص.
قد بدأت تحويلات العاملين بالخارج في الظهور من منتصف السبعينيات في مصر؛ وذلك لعدة أسباب أهمها الطفرة النفطية السريعة في دول الخليج العربي، في حين كان المجتمع المصري يعاني من معدلات الفقر، والبطالة مرتفعة، ومعدلات نمو سكاني تزيد عن معدلات النمو، تمثل تحويلات المصريين بالخارج رأس مال خاص، يمكن أن يحسن من مستوى المعيشة آسرهم وزيادة معدلات الاستهلاك؛ لذلك تؤثر على معدلات الادخار والاستثمار المحلي، في نفس الوقت لها آثار سلبية على ميزان المدفوعات؛ لأن زيادة مستوى المعيشة يؤدي لزيادة معدل الاستهلاك مما يؤدي لزيادة الواردات مما ينعكس في عجز في ميزان المدفوعات وارتفاع معدلات التضخم، وتتميز أنها مستقرة إلى حد ما، وعلى الرغم من ذلك تأثرت بشكل واضح بالتغيرات السياسية والاقتصادية، انخفضت بنسبة 8.8% [3]عام 2009 نتيجة الازمة المالية العالمية في 2008، ترتبط القرارات الاستثمارية للعاملين بالخارج بعدة متغيرات مثل بيئة الاستثمار والسياسات الحكومية.
تحويلات المصريين العاملين بالخارج بالمليار دولار ومعدل نموها (2005-2023)
تعبر هذه البيانات عن تحويلات المصريين بالخارج من خلال القنوات الرسمية فقط مثل البنوك، ومكاتب الصرافة. والمسجلة في ميزان المدفوعات، تظهر البيانات أن نمو التحويلات كانت في الغالب في اتجاه تصاعدي، فكانت في 2005 تمثل 4.33$ مليار دولار في حين وصلت إلى 31.92$ في 2022، ماعدا في فترات محددة تأثيرات بالسالب مثل في 2009 نتيجة الأزمة المالية العالمية، وفي 2016 انخفضت بنسبة 11.65%؛ بسبب سياسة تخفيض الجنيه المصري، وفي 2023 انخفضت بنسبة 30.85%؛ وأحد أسبابه هو ارتفاع التضخم العالمي، وظهر تأثير السوق السوداء التي فضل العاملين بالخارج تحويل أموالهم من خلال قنوات غير رسمية؛ للاستفادة من فارق السعر بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
حجم تحويلات المصريين بالخارج بالمليار دولار

تأثرت نسبة تحويلات المصريين بالخارج بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بالتقلبات الاقتصادية المحلية والعالمية، ويتضح أنها تميزت بالاستقرار النسبي من 2005 إلى 2008 ثم انخفضت في 2009؛ نتيجة الازمة المالية العالمية إلى 4.13% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم أخذت في الارتفاع حتى 2015؛ لزيادة عدد المصريين العاملين بالخارج وخاصةً بالخليج ، ثم حققت أعلى نسبة في 2018 بمقدار 10.05% ؛ بسبب سياسة تحرير الصرف التي شجعت على زيادة التحويلات لارتفاع قيمتها الاسمية مما جعلها أكثر جاذبية، ثم انخفضت لعدة أسباب مثل تغييرات سياسات الدول المستقبلية للعمالة التي تهدف لتقليل العمالة الاجنبية، والتحسين التدريجي للاقتصاد المصري؛ لأن مصر من أكبر الدول المتلقية للتحويلات في الشرق الأوسط[4] تراجعت التحويلات في الشرق الاوسط بنسبة 5.3% نتيجة الانخفاض في التحويلات إلى مصر في 2023.
تحويلات المصريين بالخارج كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي% (2005-2023)
تُظهر البيانات التباين في مساهمة التحويلات للناتج المحلي الإجمالي، في بداية الفترة كانت 4.83% ووصلت في 2018 إلى 10.05% وذلك يعود لعدة أسباب الاضطرابات السياسية وسياسة تعويم الجنيه المصري، نلاحظ الاستقرار النسبي خلال الفترة من (2005-2016)، وذلك يوضح قدرة تحويلات المصريين بالخارج في دعم الاقتصاد المصري خلال الأزمات، نلاحظ أيضًا ارتفاع المساهمة نتيجة سياسة التعويم من 2017، ولكن يمكن تفسير الانخفاض خلال السنوات الأخيرة إلى تحسن الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع التضخم العالمي.
ثانيًا: أثر التحويلات المالية على الاقتصاد المصري:
- على مستوى الاقتصاد الجزئي:
أوضحت[5] الدراسات ان للأسر المتلقية للتحويلات أكثر صمودًا خلال الازمات، تعتبر التحويلات المالية شريًا لحياة معظم الأسر في مصر؛ لأنها تضمن توفير مستوى معيشة جيد وتخفف من حدة الفقر وتحسن من صحة أفراد الأسرة؛ حيث إنها ترتبط بزيادة وزن المواليد وارتفاع مستوى التعليم للأسر المحرومة منه، وتزيد من قدراتهم على الادخار.
وصلت نسبة تحويلات المصريين بالخارج بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي 6.7% في 2022، وأيضًا تساهم الإعانات الرسمية في أوقات الأزمات الحكومات المحافظة أو زيادة انفاقها؛ مما يخفف من آثار الأزمة.
- أثر تحويلات المصريين بالخارج على مستوى استهلاك عائلاتهم والصحة والتعليم:
على الرغم من أن خروج العمال للعمل بالخارج تعد هجرة للعقول والمهارات إلا أن التحويلات المالية لها أثر اجتماعي إيجابي، فهي تضمن لعائلاتهم توفير مستوى معيشة جيد، تعليم جيد، مستوى صحي آمن، وبالإضافة إلى زيادة الاستهلاك الذي يدفع الطلب الكلي إلى اليمين مما يحفز النمو الاقتصادي.
وأثبت[6] الدراسات السابقة لدول النبال لدولة مثل باكستان أن مستويات التعليم ارتفعت للأطفال الأسر المتلقية للتحويلات وأيضًا ارتفع تعليم الأطفال خاصةً الفتيات في سيريلانكا؛ لأن انخفاض مستويات المعيشة تجبر الأطفال للدخول في سوق العمل في سن مبكر، مما يقلل من ساعات الدراسة المتاحة لهم، أما بالنسبة للمستوى الصحي زاد متوسط أوزان الأطفال للأسر المتلقية للتحويلات في سيريلانكا بالمقارنة بالأسر الأخرى، كما انخفض معدل الوفيات للأسر المتلقية للتحويلات في المكسيك عن الأسر الأخرى.
- أثر التحويلات على المدخرات:
تمنح تحويلات العاملين بالخارج أسرهم القدرة على الادخار تحسبًا لفقدان وظائفهم، مما يمكن يزيد من حجم المدخرات المحلية التي تستغلها الدولة في تمويل الاستثمارات المحلية، ولكن في حالة عدم كفاية هذه المدخرات تلجأ الحكومة والشركات للاستدانة من الداخل أو الخارج لسد الفجوة الادخارية[7].
- على المستوى الكلي:
تؤكد معظم الدراسات على دور التحويلات المالية كأداة لتخفيض معدلات الفقر[8] ولقد أشار (وسنتناول ذلك 2005 ) في دراسة على أن الدول المتلقية للتحويلات بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن ينخفض معدلات الفقر بها بنسبة تتراوح بين 2% و 3.5%، بالإضافة إلى أثر التحويلات المالية على ميزان المدفوعات المصري، معدلات النمو، وحجم الاستثمار المحلي، وسنتناول ذلك فيما يلي:
١.الأثر على ميزان المدفوعات:
في عام 2011 حقق ميزان المدفوعات المصري عجزًا بقيمة 11.27 مليار دولار، في حين وصلت صافي التحويلات الحكومية إلى 752 مليون دولار (أي بما يعادل 6.6% من ميزان المدفوعات)، وصلت تحويلات العاملين بالخارج إلى 12.59 مليار دولار وتظهر أهمية التحويلات المالية؛ لأن عام 2011 شهد تقلبات سياسية التي أدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر مما أثر على عجز الميزان، وفي عام 2020 حقق ميزان المدفوعات المصري فائضًا بقيمة 1.862 مليار دولار، في حين وصلت صافي التحويلات الحكومية إلى 218 مليون دولار (أي بما يعادل 11.7% من ميزان المدفوعات)، وصلت تحويلات العاملين بالخارج إلى 27.76 مليار دولار( بما تعادل حوالي 15 ضعف فائض ميزان المدفوعات)؛ كانت زيادة التحويلات راجعة لدعم المغتربين عائلاتهم في ظل وباء كورونا.
ميزان المدفوعات بالمليار دولار خلال (2005-2023)

تُظهر البيانات تأثر ميزان المدفوعات المصري وحجم التحويلات المالية، سواء الخاصة أو الحكومية، بشكل واضح بالأحداث الاقتصادية والسياسية التي مرت بها مصر والعالم خلال الفترة من 2005 إلى 2023، نجد أن ميزان المدفوعات شهد عجزًا كبيرًا في فترات مثل 2008 و2010 نتيجة الأزمة المالية العالمية وعدم الاستقرار الداخلي، بينما حقق فائضًا في سنوات مثل 2016 و2023 بفضل زيادة تدفقات النقد الأجنبي بعد تحرير سعر الصرف، وكما تم الاشارة إلى تحويلات المصريين بالخارج ظهر أن التحويلات الخاصة أكثر استقرارًا مقارنة بالتحويلات الحكومية، حيث لعبت دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد المصري خلال الأزمات، كما شهدت التحويلات الرسمية تقلبات أكبر، حيث وصلت إلى أعلى مستوى لها في 2014 عند $11.92 مليار نتيجة الدعم الدولي المكثف، بينما أصبحت سلبية في السنوات الأخيرة مثل 2021 و2022، ما يعكس تراجع المساعدات الدولية وزيادة الالتزامات الخارجية.
صافي التحويلات الرسمية بالمليار دولار خلال الفترة ( 2005-2023)
٢.الأثر على سد الفجوة الادخارية والاستثمار المحلي:
تُمكن التحويلات أسر العاملين بالخارج من الادخار؛ لضمان وجود مصدر الدخل في حالة فقدان وظائفهم، وهذه المدخرات توفر لمصر القدرة على سد الفجوة الادخارية بها وتمويل الاستثمارات المحلية دون الاعتماد على الاقتراض الخارجي، والاستفادة من تجربة الفلبين التي أطلقت برنامج تعبئة المدخرات من خلال برامج التضامن والإسكان بالبرنامج الخيري للتنمية الاجتماعية.
حجم المدخرات المحلية في مصر خلال بالمليار دولار (2005-2023)
Source: https://data.worldbank.org/indicator/NY.GNS.ICTR.CD?locations=EG
تُظهر البيانات نمو المدخرات المحلية خلال فترة الدراسة، حيث ارتفعت من 19.57 مليار دولار في عام 2005 إلى 44.26 مليار دولار في عام 2023، مع تقلبات واضحة نتيجة تأثرها بالأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة المالية العالمية في 2008، وأيضًا انخفاض التحويلات المالية في عام 2023.
ثالثًا: أهم الجهود والإجراءات لجذب تحويلات العاملين:[9]
قامت الدولة ممثلة في الجهات المعنية بإصدار العديد من الجهــود والإجراءات لجــذب تحويلات العامليــن بالخــارج، وهي كالتالي:
- على مستوى القطاع المصرفي:
- طرح شهادات ادخار بالعملات الأجنبية قصيرة الأجل «شهادة بلادي الدولارية»
- قرار البنك المركزي المصري عام ٢٠١٣ بالسماح للمصريين الذين يقومون بتحويل مدخراتهم من حساباتهم بالخارج إلى البنوك المصرية بتحويلها بنفس القيمة وبأسمائهم عند تصفية استثماراتهم في مصر لتشجيعهم على استثمار أموالهم بأي صورة من صور الاستثمار دون القلق من عدم قدرتهم على إخراج الأموال.
- توفير العديد من الخدمات البنكية من خلال إجراء المعاملات عبر ماكينات الصرف الآلي والخدمات الإلكترونية بدلا من الفروع.
- التعاقد بين بنك الإسكندرية وشركة ويسترن يونيون لتحويل الأموال وتقديم خدمات الدفع.
- قيام البنك المركزي في نوفمبر ٢٠١٦ بتحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه والذي أدى إلى زيادة حجم التحويلات من ١٦٧ مليار دولار عام ٢٠١٦ إلى ٨. ٢١ مليار دولار عام ٢٠١٧.
- مبادرة شركة إكسبريس (Money Xpress) المتخصصة في مجال التحويلات السريعة مع البنك المركزي والمصرف المتحد لتشجيع إرسال التحويلات عبر قنوات التحويلات، وإيصال تحويلات العاملين إلى أسرهم برسوم بسيطة.
- على مستوى وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج:
- تنظيم منتدى المصريين بالخارج (في إجازتك بوطنك بنشوفك ونسمعك) في يوليو ٢٠١٨، والذي التقى فيه ممشي البنك المركزي المصري والبنوك المصرية مع عدد من المصريين العاملين بالخارج بهدف الرد على استفساراتهم بشكل مباشر.
- وحل المشكلات التي تواجههم وشرح مزايا البنوك الإلكترونية والتي يمكن من خلالها تحويل أموالهم عبر البنوك الوطنية دون وسيط.
- تفعيل مظلة تأمينية للمصريين بالخارج يستفيد منها ٢ مليون مصري بالخارج في ١٥ دولة وذلك ضمن أهداف برنامج (٢٠٢٠/ ٢٠٢١)، وتشمل حالات الوفاة والحوادث، وتوفير المساعدة القانونية والصحية لهم بالخارج.
- على مستوى وزارة الاستثمار والتجارة الداخلية:
- قانون الاستثمار الجديد الذي وافق عليه مجلس النواب في مايو ٢٠١٧، والذي ساهم في تحسين المناخ الاستثماري في مصر من خلال إنشاء مراكز خدمات المستثمرين بالهيئة العامة للاستثمار، مساعدة المستثمرين في إنشاء شركاتهم إلكترونيا، تسريع اجراءات التأسيس والاعتراف بالشركة بمجرد صدور شهادة التأسيس.
- تحسين الإجراءات الحاكمة لأنشطة الأعمال في مصر والتي ساهمت في جزب مزيد من الاستثمارات وفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال ٢٠١٩ وتتمثل هذه الإجراءات في تيسير عملية بدء النشاط التجاري من خلال إلغاء شرط الحصول على شهادة بنكية وإنشاء نظام الشباك الواحد لإنهاء الإجراءات وخفض الوقت اللازم لبدء النشاط التجاري.
- اجراء تحسينات في مجال دفع الضرائب.
- تسهيل الحصول على الائتمان وتراخيص البناء.
رابعًا: التحديات التي تواجه العاملين بالخارج:
إتصالًا بالجهود التي تم الإشارة لها سابق، نشير الى أن عدد المقيمين[10] وصل خارج مصر إلى 14 مليون فرد في عام 2024، تقدم لهم وزارة الدولة للهجرة وشئون العاملين بالخارج عدة خدمات[11] لربط المقيمين بالخارج بالدولة الأم منها: بوابة إلكترونية لتقديم الشكاوى، توفير خدمات مالية مثل شهادة بلادي الدولارية، توفير فرص استثمارية للمصريين بالخارج بالقطاعات الصناعية في مختلف محافظات مصر، مبادرة أسأل واقترح، واستمارة نورت بلدك.
وعلى الرغم من توافر هذه الخدمات والإجراءات التي تمت إلا أن التحويلات المالية تواجه بعض التحديات منها والتي يمكن ذكرها كالتالي:
- التحديات الاقتصادية:
1. تقلبات سعر الصرف: تأثير تحرير سعر الصرف على قيمة التحويلات، وصعوبة استقرار العوائد المالية الناتجة عن التحويلات؛ مما تسبب في فقد ثقة العاملين بالخارج بالقرارات الحكومية؛ حيث إن سعر الدولار الرسمي في البنوك عند نحو 30.75 جنيهًا وفي السوق الموازية بين 48 إلى 50 جنيهًا في عام2023.
2. ارتفاع معدلات التضخم: تأثير التضخم على القوة الشرائية للتحويلات؛ حيث إن تكاليف المعيشة ارتفعت مما انعكس على تخفيض حجم التحويلات المالية.
3. الأزمات الاقتصادية العالمية: تأثير الأزمات مثل جائحة كورونا والحرب الأوكرانية على تدفق التحويلات؛ لأنها هذه الأزمات تسبب في ارتفاع التضخم العالمي.
- التحديات القانونية والإدارية:
1. البيروقراطية والإجراءات المعقدة: القيود المفروضة على التحويلات المالية وصعوبة تنفيذها.
2. التشريعات المالية: مدى تأثير اللوائح الحكومية على جذب التحويلات عبر القنوات الرسمية.
- التحديات الاجتماعية والسياسية:
1. الهجرة العشوائية: قلة التنظيم للهجرة وعلاقتها بعدم استقرار التحويلات.
2. التوترات السياسية في بعض الدول المستقبلة للعمالة المصرية: تأثيرها على استقرار العمالة المصرية وبالتالي على التحويلات، كما توجهت بعض دول الخليج لتوطين الوظائف بها بدلَا من الاعتماد على العمالة الوافدة.
- التحديات التكنولوجية:
1. ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق: تأثيرها على سرعة وكفاءة إرسال واستلام التحويلات.
2. الأمن السيبراني: مخاطر الاختراق الإلكتروني على أنظمة تحويل الأموال.
الخاتمة:
تُعد التحويلات المالية سواء الخاصة أو الرسمية، من أهم المصادر الداعمة للاقتصاد المصري نظرًا لاستقرارها النسبي حتى خلال الأزمات العالمية، تتمتع التحويلات الخاصة من المصريين بالخارج بمرونة أقل بالمقارنة بالمصادر الأخرى، مما يجعلها مصدرًا موثوقًا للنقد الأجنبي، أما التحويلات الرسمية فتُعد أداة فعّالة لتلبية الاحتياجات الاستراتيجية، لكنها قد تواجه تحديات تتعلق بالإدارة والاستدامة، رغم أن كلا النوعين يتأثران بالتقلبات الاقتصادية والسياسية، إلا أنهما يساهمان بشكل كبير في تحسين ميزان المدفوعات، ودعم الاقتصاد المحلي، وتقليل الفجوة بين الادخار والاستثمار، ومن خلال إدارتها بشكل فعّال، يمكن لهذه التحويلات أن تستمر في تحقيق قيمة مضافة حقيقية تدعم النمو الاقتصادي المستدام.
التوصيات:
في ظل فترة البحث التي شملت العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية، تبرز أهمية وضع آليات فعّالة لتحفيز التحويلات المالية وتحقيق أقصى استفادة منها. لذلك، تتضمن التوصيات التالية مقترحات عملية تهدف إلى زيادة تدفق التحويلات المالية من الخارج، تحسين إدارتها، وتعزيز دورها في دعم الاقتصاد الكلي وتحقيق التنمية المستدامة في مصر:
- توفير برامج تأمين للعاملين بالخارج في حالة فقدان وظائفهم، كما فعلت الفلبين من خلال أطلاق برنامج إعادة الدمج الوطني في أوائل 1980من خلال ثلاثة مراحل: مرحلة ما قبل المغادرة، أثناء العمل، ومرحلة العودة من خلال تشجيع العائدون على إقامة مشروعات اقتصادية مستدامة[12].
- تخفيف الرسوم على التحويلات المعاد استثمارها في مصر، يوجد الآن هدف عالمي بتخفيض تكلفة التحويلات المالية إلى 3% فقط بحلول 2030.
- توفير أدوات مالية تناسب احتياجاتهم وخاصةً الأدوات الرقمية، من خلال تحكم العاملين بمحافظهم الإلكترونية وحسابهم البنكي.
- دعم الوعي العاملين بالخارج بأهمية تحويل أموالهم من خلال القنوات الرسمية؛ لتقليل تعرضهم للاحتيال من قبل الوسطاء الغير رسمين.
- دعم المغتربين الذين فقدوا وظائفهم من خلال إقامة برامج تدريبية لمشروعات صغيرة، مثل تجربة الفلبين لدعم العائدين وتوفير بيئة استثمار تناسبهم.
- تحسين البيئة التشريعية والإدارية لتسهيل التحويلات عبر القنوات الرسمية.
- تعزيز الشفافية في سياسات سعر الصرف لتجنب التقلبات الكبيرة، لتجنب توجههم للسوق السوداء للاستفادة للفرق بين سعري الصرف.
- الاستثمار في التكنولوجيا المالية لتبسيط وتسريع عملية التحويلات.
- عقد اتفاقيات مع الدول المستقبلة للعمالة لتوفير بيئة آمنة ومستقرة.
المراجع
- منال جابر مرسي محمد، دور التحويلات المالية في دعم النمو الاقتصادي في مصر دراسة قياسية للفترة ( 2019-1990)، مجلة البحوث المالية والتجارية، المجلد (22)، العدد الأول، يناير2021.
- السيد أحمد صادق إسماعيل، محمد جمعه العوضي، محمود أحمد فواز، تحويلات العاملين المصريين بالخارج وأثرها على دفع الاستثمار المحلي في مصر للفترة 1990 – 2020، مجلة البحوث المالية والتجارية، المجلد (23)، العدد الرابع، أكتوبر 2022.
- السيدة كمال قرطام، دور الاستثمار الأجنبي المباشر في الحد من الفقر: “دراسة تطبيقية على الاقتصاد المصري خلال الفترة )(1990-2018)، جامعة دمنهور، كلية التجارة، المجلد (22)، العدد الثالث، يوليو 2021.
- أحمد ابو بكر عبد العزيز حسن، تحليل واقع المديونية الخارجية في مصر لفترة (2017-2021)، المجلة العلمية للبحوث التجارية، العدد(2)، أبريل 2024.
- إياد عبد الفتاح النسور، إبـراهيم رضوان النسور، أثـر تحويلات العمالة المهاجرة على النمو الاقتصادي في الأردن: دراسة قياسية للفتـرة 2000 – 2018 باستخدام منهجية التكامل المشترك، المجلة العربية للإدارة، مجلد 41، العدد 3 ، سبتمبر2020.
- شيماء شحاته عبدالستار مرزوق، دراسة التجارب الدولية في تعزيز تحويلات العاملين بالخارج وأهم الدروس المستفادة في حالة مصر، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فبراير 2024.
- بوعزارة أحلام، أثر ثورات الربيع العربي على أداء اقتصاديات الدول العربية، مجلة الحقوق والعلوم الانسانية_ دراسات اقتصادية.
- مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، دراسة التجارب الدولية في تعزيز تحويلات العاملين بالخارج.https://idsc.gov.eg/upload/DocumentLibrary/AttachmentA/9041/3.pdf
References
- Ugo Gentilini, CASH TRANSFERS IN PANDEMIC TIMES Evidence, Practices, and Implications from the Largest Scale Up in History, World Bank Group, July 2022.
[1] بوعزارة أحلام، أثر ثورات الربيع العربي على أداء اقتصاديات الدول العربية، مجلة الحقوق والعلوم الانسانية_ دراسات اقتصادية.
[2] السيد أحمد صادق إسماعيل، محمد جمعه العوضي، محمود أحمد فواز، تحويلات العاملين المصريين بالخارج وأثرها على دفع الاستثمار المحلي في مصر للفترة 1990 – 2020، مجلة البحوث المالية والتجارية، المجلد (23)، العدد الرابع، أكتوبر 2022.
[3] مرجع سبق ذكره.
[4] استمرار نمو تحويلات المغتربين في عام 2023 ولكن بوتيرة أبطأ، البنك الدولي، ديسمبر 2023، https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/12/18/remittance-flows-grow-2023-slower-pace-migration-development-brief
[5] ديفيد مالباس، التحويلات المالية عامل حاسم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مدونات البنك الدولي، 12/6/2022، https://blogs.worldbank.org/ar/voices/althwylat-almalyt-aml-hasm-alahmyt-lthqyq-alastqrar-alaqtsady .
[6] مرجع سبق ذكره.
[7] الفجوة الادخارية: هي الفرق بين الاستثمارات المحلية والمدخرات المحلية.
[8] منال جابر مرسي محمد، دور التحويلات المالية في دعم النمو الاقتصادي في مصر دراسة قياسية للفترة ( 2019-1990)، مجلة البحوث المالية والتجارية، المجلد (22)، العدد الأول، يناير 2021.
[9] مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، دراسة التجارب الدولية في تعزيز تحويلات العاملين بالخارج.https://idsc.gov.eg/upload/DocumentLibrary/AttachmentA/9041/3.pdf
[10] هايدي أيمن، بالأرقام .. الهجرة تكشف عدد المهاجرين المصريين في مختلف دول العالم، 18-6-2024، https://gate.ahram.org.eg/News/4846534.aspx .
[11] وزارة الدولة للهجرة وشئون العاملين بالخارج، https://www.emigration.gov.eg/DefaultAr/Pages/services.aspx .
[12] شيماء شحاته عبدالستار مرزوق، دراسة التجارب الدولية في تعزيز تحويلات العاملين بالخارج وأهم الدروس المستفادة في حالة مصر، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فبراير 2024.