القوة الصاعدة

الأهداف والمصالح التركية و الروسية في سوريا: التباينات والتقاطعات.

إعداد: دينا أحمد أبو العينين- مارتينا صابر مبخت- يوسف جمال صبحي – باحثين متدربين ببرنامج دراسات القوى الصاعدة بالمركز.

مراجعة : د.آيات عبدالعزيز – مدير إدارة البحوث والدراسات بالمركز.

المقدمة

    إن العلاقات الروسية التركية ليست علاقات حديثة العهد، إذ تعود العلاقات بين الدولتين إلى فترة الدولة العثمانية، ثم بعد ذلك تركيا “كونها الوريث الشرعي للدولة العثمانية”. ومن خلال التطرق إلى تاريخ العلاقات بين الطرفين يتضح أنها كانت مليئة بالتوترات والتناقضات، حيث تراوحت ما بين التعاون والتنافس والصراع.

    في سياق متصل، تتنوع العلاقات بين البلدين في العديد من المجالات مثل السياسة والعسكرية. وقد برزت العديد من التناقضات والمصالح المتضاربة خلال الأزمة السورية، التي بدأت عام 2011 وشهدت تدخلاً قويًا من كلتا البلدين. في هذا الصدد، تُعد الأزمة السورية نقطة تحول قوية في السياسة الإقليمية والدولية، حيث ظهرت قوى متنافسة مثل روسيا وتركيا، لاسيما مع امتلاك كل دولة أسباب ومصالح للتدخل في النزاع السوري، سواء كانت سياسية أو استراتيجية أو اقتصادية أو أمنية.

     تأسيسًا على ما سبق، تم تقسيم الورقة إلى ثلاثة محاور رئيسية، يعرض المحور الأول الأبعاد التاريخية والجيوسياسية للعلاقات بين روسيا وتركيا التي تلعب دورًا واضحًا ومؤثرًا على التباين الروسي التركي في سوريا. بينما يركز المحور الثاني على الدوافع والأسباب المختلفة وراء تدخل الدولتين في سوريا والتي تنوعت بين أسباب أمنية واقتصادية وسياسية وعسكرية وإنسانية وغيرها من الأسباب، بالإضافة إلى تناول أشكال هذا التدخل لكلا الطرفين الروسي والتركي في سوريا. في حين يتطرق المحور الثالث إلى نقاط التقارب والتباعد في المصالح بين روسيا وتركيا في سوريا وتأثير هذا على المشهد السوري، بالإضافة إلى توضيح تلك المصالح في ظل الظروف الحالية التي تشهد سوريا من سقوط نظام بشار الأسد، وكيف سيؤثر هذا على مسار العلاقات الروسية التركية. بالإضافة إلى المحور الرابع الذي يعرض السيناريوهات المستقبلية المتوقعة للتنافس الروسي التركي في سوريا.

المحور الأول: الأبعاد التاريخية والجيوسياسية للعلاقات فيما بينهما:

١-تاريخ العلاقات الروسية التركية:

      يمكن إطلاق مصطلح البرجماتية السياسية[1] على العلاقات الروسية التركية، فعلاقتهما على مدار السنين والقرون مثلت نموذجًا متباينًا في العديد من المجالات سواء سياسية أو اقتصادية، والعامل الأكبر المؤثر في ذلك التباين هو أن كلا منهما كان يمثل إمبراطورية في وقتٍ من الأوقات، وذلك التباين بين كلا البلدين أدى إلى نشوب العديد من الحروب بينهما، وتلك الحروب شكلت عداءً تاريخيًا بينهما أدى لوجود توترات عدة بينهما في مختلف الفترات، ولكن شهدت العلاقات فيما بين تركيا وروسيا في فترة الثمانينيات تقاربًا بسبب اتفاقيات الغاز التي وقعت فيما بينهما، إلا أن هذا التقارب لم يستمر كثيرًا فبعد انهيار الإتحاد السوفيتي عاد التوتر مرة أخرى بسبب الاتهامات المتبادلة بين كلا الطرفين في قضايا مختلفة،[2]وذلك يعود إلى السياسات المتبعة من قبل الجانب التركي، فقد ساهمت تركيا في مساعدة الولايات المتحدة في السياسات المعادية للإتحاد السوفيتي في فترة ما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي (فترة التسعينات) في القضايا الخاصة بالبوسنة وكوسوفو والشيشان، كما ساهمت تركيا في دعمهم بسبب تعرضهم للاضطهاد من قبل الاتحاد السوفيتي على أساس أنهم مسلمون. هذا فضًلا عن موافقة تركيا على توسيع نفوذ حلف الناتو في وجه الجمهوريات السوفيتي. جدير بالذكر إن تركيا كانت تسعى من خلال ذلك إلى التقارب مع الولايات المتحدة، وذلك بهدف مشاكلها الاستراتيجية مع اليونان وقبرص، وأيضًا من أجل الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي.

      في هذا السياق، بدأت العلاقات بين الدولتين تتسم التقارب والهدوء مع نشأة جورجيا والتي فصلت الحدود المشتركة بين تركيا والإتحاد السوفيتي، وبالتالي ساهمت في الحد من التوترات فيما بينهما.[3] يُضاف إلى ذلك إن سياسات الولايات المتحدة العنصرية في الشرق الأوسط التي مارستها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العراق، أدت إلى زيادة التقارب بين الطرفين، لاسيما في ظل اعتراض كلًا من روسيا وتركيا على تقسيم العراق على أساس طائفي، وذلك يعود إلى قلق الطرفان من تأثير هذا التقسيم إذا حدث على كلا منهما، حيث تملك روسيا إقليم شيشان الذي يسعى للانفصال وتملك تركيا أيضًا جزءًا من إقليم كردستان، وإذا حدث تقسيم للعراق، سيؤدي ذلك لاستغلال تلك الأقاليم لما حدث ويطالبوا بالانفصال عنهم، وما سبق أدى لتقارب وجهات النظر الجيوسياسية فيما بينهما بشكل أكبر.

٢-الاستراتيجية الروسية والتركية تجاه الشرق الأوسط:

    كان الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا قبل حرب أوكرانيا بمثابة سوق مزدهر للأسلحة الروسية، حتى أنه قبل الحرب وصلت مبيعات روسيا للأسلحة في الشرق الأوسط إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، زاد اهتمام روسيا بالمنطقة، إذ تسعي إلى زيادة نفوذها في الشرق الأوسط حتى تكسر شوكة الإتحاد الأوروبي وأمريكا بسبب العقوبات المفروضة عليها.[4]

     في هذا الصدد، تسعى روسيا من خلال استراتيجيتها[5] إلى تعزيز دورها في الشرق الأوسط، بهدف تقوية العلاقات مع دول المنطقة، خاصة في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي. فقد ركزت روسيا على إعادة تشكيل سياستها الخارجية. بالإضافة إلى تقديم الدعم الاستراتيجي لدول المنطقة مثل إيران وسوريا، وتسعى روسيا أيضًا إلى زيادة نفوذها، من خلال شراكات استراتيجية وتوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة رغم ما يحدث بينهما من تنافس عالمي، كما تركز روسيا على تسوية النزاعات في المنطقة خصوصًا فيما يحدث في فلسطين حاليًا، عبر وساطات دبلوماسية، وأكدت روسيا أيضًا على علاقتها الاستراتيجية بإيران كحليف أساسي في المنطقة، والهدف النهائي والأساسي لروسيا في منطقة الشرق الأوسط هو تعزيز نفوذها الدولي، وأن تشكل ورقة ضغط على الدول الغربية خصوصًا في مسألة حرب أوكرانيا.

     أما عن الاستراتيجية التركية في منطقة الشرق الأوسط فعند مجيء أردوغان إلى سدة الحكم عام 2002 سعى لزيادة نفوذه في الدول العربية، مُستغلًا عدم استقرار الأوضاع في المنطقة، لذلك بدأ في دعم أحزاب الإسلام السياسي، حتى أنه فتح مقرات لتلك الأحزاب في تركيا حتى تمارس نشاطها من الخارج، ومثال ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي تمارس أنشطتها من الخارج في تركيا حتى الآن، ما يدل على استمرار رغبة أردوغان في زيادة نفوذه الشرق أوسطي، واستعادة هيبة الإمبراطورية العثمانية القديمة. حتى أنه عندما حدثت الثورة السورية عام 2011 استغل ذلك لدعم جبهة النصرة وداعش وفتح لهم المعابر من تركيا.[6]

     حتى إن إيران قد أعربت عن قلقها إزاء تزايد النفوذ التركي في الشرق الأوسط وخصوصًا سوريا، وذلك ما وضحته وثيقة مسربة أرسلتها إيران إلى النظام السوري السابق تبين مدى قلقها بشأن إمكانية تطبيع النظام السوري مع تركيا، وخشيت إيران ذلك بسبب عدم رغبتها في زيادة نفوذ تركيا على حساب النفوذ الإيراني سواء الاقتصادي أو السياسي.[7]

     ولكن نلاحظ أن التباين قد زاد أيضًا فيما بين تركيا وروسيا حول الأوضاع السورية، وذلك يعود إلى تضارب المصالح بين الطرفين، نظرًا لرفض الجانب التركي التطبيع مع النظام السوري، الأمر الذي أدى إلى اتهام تركيا من الجانب الروسي والإيراني بإشعال التباين في سوريا والرغبة في عدم حله، بسبب نشرها لقوات تركية داخل سوريا حتى تؤمن حدودها ضد الأكراد، حتى إن رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف، في تصريح سابق، قال إن تركيا “تتحول إلى دولة غير صديقة بعد اتخاذها سلسلة من القرارات الاستفزازية”.[8]

    هذا وقد مَثل اتفاق سوتشي حجر عثرة في العلاقة بين كلًا من روسيا وتركيا؛ وذلك بسبب اتهام كل طرف منهما الطرف الآخر بعدم الرغبة في التنفيذ. جدير بالذكر إن اتفاق سوتشي يقضي بالتزام روسيا بإبعاد التنظيمات التي تصنفها أنقرة إرهابية من ضمنها حزب العمال الكردستاني من الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، على أن تعمل تركيا على تأمين الطريق الدولي “M4” وإبعاد الفصائل من على جانبيه بعمق 6 كيلومترات.[9] أما حاليًا فتوافقت كل من روسيا وتركيا على ضرورة المشاركة في تفاهمات سياسية، حيث أكدت كلًا من وزارة الخارجية الروسية والتركية على دعمهما الشامل للحلول الديمقراطية التي تؤدي لوحدة سوريا ونهضتها، وضرورة تطبيق القرار رقم 2254 لمجلس الأمن الذي يدعو لتفاهمات حول الانتقال الديمقراطي للحكم في سوريا.[10]

المحور الثاني: التدخل الروسي والتركي في سوريا:

    يمثل التدخل الروسي في سوريا نموذجًا بارزًا للسياسة الخارجية الروسية التي تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية تتخطى الحدود الوطنية. ويعكس هذا التدخل مجموعة من الدوافع المتداخلة، التي يمكن تصنيفها إلى سياسية واستراتيجية واقتصادية، في إطار رؤية أوسع لتعزيز النفوذ الروسي على المستويين الإقليمي والدولي.

  • التدخل الروسي في سوريا:

أولًا: دوافع روسيا من التدخل في سوريا:

١-الدوافع السياسية

أ- إعادة تشكيل النظام السوري السابق الدولي:

    تسعى روسيا إلى فرض نظام عالمي متعدد الأقطاب[11]يتحدى الهيمنة الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك من خلال تدخلها في الأزمة السورية، إذ تسعى موسكو إلى التأكيد على مكانتها كقوة دولية قادرة على التأثير في القضايا العالمية، بما يمنحها دورًا محوريًا في إعادة تشكيل النظام السوري السابق الدولي.

ب- احتواء انتشار الحركات الإسلامية المسلحة:

     يرتبط هذا الهدف بالاعتبارات الأمنية لروسيا، إذ ترى موسكو أن مواجهة الجماعات المسلحة في سوريا يعزز من استقرارها الداخلي[12]، حيث يُعد هذا التدخل جزءًا من استراتيجية أوسع لمكافحة الإرهاب، خصوصًا مع انضمام مقاتلين روس إلى التنظيمات المتشددة في سوريا، مما يجعل التدخل عاملًا استباقيًا لمنع ارتداد التهديدات إلى الداخل الروسي.

٢- الدوافع الاستراتيجية

   تمثل قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية مرتكزًا أساسيًا[13] للوجود العسكري الروسي في البحر المتوسط. جدير بالذكر إن هذا الوجود يتيح لروسيا تعزيز قدراتها على الانتشار السريع، والمشاركة في العمليات العسكرية، وممارسة الضغط على القوى الغربية في المنطقة.

٣- الدوافع الاقتصادية

    تعد سوريا شريكًا اقتصاديًا مهمًا لروسيا، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، حيث يسعى الكرملين إلى ضمان استمرار هذه العلاقات، بما يعزز من نفوذ روسيا الاقتصادي في المنطقة، إذ ترى روسيا في سوريا بوابة لتحقيق مكاسب في قطاع الطاقة؛ وذلك من خلال المشاركة في إعادة الإعمار واستغلال موارد النفط والغاز. كما إن موقع سوريا الجغرافي يجعلها مسارًا محتملًا لخطوط الأنابيب المستقبلية، بما يخدم المصالح الروسية في التحكم بتدفقات الطاقة العالمية.

ثانيًا : أشكال التدخل الروسي في الأزمة السورية:

     يتناول هذا الجزء أبرز أشكال التدخل الروسي في الأزمة السورية، ويشمل ذلك التدخل السياسي والعسكري، بالإضافة إلى دور روسيا في محافل الأمم المتحدة:

    شهدت الأزمة السورية تدخلًا واسعًا من قبل روسيا على الأصعدة السياسية والعسكرية، حيث تبنت موسكو استراتيجيات متكاملة تهدف إلى الحفاظ على النظام السوري السابق السوري السابق وتعزيز نفوذها في المنطقة، فقد كان التدخل الروسي في سوريا بمثابة ركيزة أساسية في مواجهة الضغوط الغربية والإقليمية، مما مكن روسيا من فرض قوتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط.

١- التدخل السياسي الروسي في الأزمة السورية:

أ– استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي:

    منذ بداية الأزمة السورية في 2011، استخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي 12 مرة حتى أبريل ٢٠١٨، [14] وذلك بهدف تعطيل محاولات فرض عقوبات أو إدانة ضد النظام السوري السابق السوري السابق، ومن أبرز هذه المحاولات مشروع القرار الأوروبي في أكتوبر 2011، الذي كان يهدف إلى إدانة قمع النظام السوري السابق للمتظاهرين السلمين. هذا بالإضافة إلى الفيتو ضد مشروع القرار العربي-الأوروبي في 2012 الذي دعا إلى تغيير النظام السوري السابق السوري السابق. في كل مرة، بررت روسيا مواقفها بالتمسك بسيادة سوريا ورفض التدخل الخارجي، معتبرة إن أي تحرك ضد النظام السوري السابق يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي وينتهك مبدأ احترام الشؤون الداخلية للدول.

ب- المبادرة الروسية بشأن الأسلحة الكيميائية السورية:

   خلال عام 2013، طرحت روسيا مبادرة حاسمة بعد الهجوم الكيميائي على ريف دمشق، حيث تدخلت لتجنب الضربة العسكرية الأمريكية عبر إقناع النظام السوري السابق السوري السابق بالانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية[15]، بالفعل تم التوصل إلى اتفاق بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية تحت إشراف دولي. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة لم تخفف التصعيد فحسب، بل عززت من دور روسيا كلاعب رئيسي في المفاوضات حول الأزمة السورية وأظهرت قدرتها على التأثير في القرارات الدولية.

٢-التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية:

أ- التدخل العسكري المباشر في 2015:

    منذ بداية تدخل القوات العسكرية الروسية في سوريا في سبتمبر 2015، أصبح التدخل العسكري أحد المحاور الأساسية في السياسة الروسية تجاه الأزمة السورية.[16] يمثل الهدف الرئيسي لهذا التدخل في دعم النظام السوري السابق السوري السابق بشكل مباشر، وذلك من خلال شن ضربات جوية على مواقع المعارضة المسلحة، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للقوات السورية على الأرض، فقد أسهمت القوات الروسية في تغيير موازين القوى العسكرية لصالح النظام السوري السابق السوري السابق، لا سيما من خلال استهداف الجماعات المسلحة التي تدعمها قوى غربية أو التي تصنفها موسكو كتنظيمات إرهابية. كما إن هذه الضربات الجوية كانت تستهدف في الغالب المواقع الاستراتيجية للمعارضة، بما في ذلك مراكز القيادة والموارد التمويلية.

ب- إنشاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا:

    بجانب الدعم الجوي، عززت روسيا وجودها العسكري في سوريا عبر إنشاء قاعدة “حميميم” الجوية في اللاذقية و”طرطوس” البحرية في البحر المتوسط.[17] في هذا السياق تستخدم روسيا  “حميميم” كنقطة انطلاق للغارات الجوية ضد المعارضة وتنظيم “داعش”، بينما توفر “طرطوس” قاعدة بحرية استراتيجية لمراقبة الأنشطة العسكرية في المنطقة، هذا التواجد يعكس تعزيز روسيا لنفوذها الاستراتيجي في المنطقة.

  • التدخل التركي في سوريا :

أولًا : دوافع التدخل التركي في سوريا:

١-التهديدات الأمنية على الحدود:

     شكلت التهديدات الأمنية التي كانت تواجهها تركيا على حدودها الجنوبية مع سوريا من قبل جماعات مسلحة كردية، مثل حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG)[18]، أحد المحفزات الرئيسية لتدخل تركيا العسكري. كان الهدف من هذا التدخل هو منع إنشاء مناطق كردية مستقلة أو ذات حكم ذاتي على الحدود التركية، وهو ما كانت تعتبره أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. بالإضافة إلى ذلك، كانت تركيا تسعى لتأمين حدودها من التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم “داعش” التي كانت تشكل تهديدًا خطيرًا على الاستقرار الداخلي.

٢-التحديات الإنسانية والأمنية: اللاجئون السوريون والتطرف:

     التحديات الإنسانية التي فرضتها الأزمة السورية، لا سيما مع استضافة تركيا لأكثر من 3 ملايين لاجئ سوري[19]، حيث عززت هذه الظروف الحاجة التركية إلى تعزيز أمنها الداخلي ومواجهة التهديدات القادمة من داخل سوريا. كما شكلت الجماعات المتطرفة مثل داعش تهديدًا إضافيًا على الأمن التركي، مما دفعها إلى اتخاذ خطوات عسكرية تهدف إلى القضاء على هذا التهديد، وهو ما شكل مبررًا آخر للتدخل التركي المباشر في سوريا.

٣-التوازن في السياسة الإقليمية والدولية

    كان التدخل العسكري التركي في سوريا جزءًا من الترتيبات السياسية والإقليمية التي كانت تعدها القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، بشأن مستقبل سوريا[20]، إذ كانت تركيا تسعى إلى ضمان مكانتها كطرف رئيسي في أي تسوية سياسية مستقبلية، بالإضافة إلى دورها في محاربة تنظيم داعش. كما  كانت هذه التدخلات تهدف إلى تثبيت موقع تركيا في النظام السوري السابق الإقليمي بعد انخراطها في تحالفات مع روسيا وإيران، وهو ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في سياساتها الإقليمية والدولية.

ثانيًا : أشكال التدخل التركي في سوريا:

     شهدت السياسة التركية تجاه الأزمة السورية تطورًا ملحوظًا منذ بداية النزاع في عام 2011، حيث اتخذت تركيا عدة أشكال من التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي في محاولة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والأمنية.

١- التدخل العسكري المباشر:

    بدأت تركيا تدخلاتها العسكرية المباشرة في سوريا منذ عام٢٠١٦ [21]، بهدف تعزيز أمنها الوطني، خاصة في المناطق الحدودية، ومكافحة التنظيمات الإرهابية مثل داعش وحزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، من أبرز العمليات العسكرية التركية:

1- عملية درع الفرات (2016): نفذت هذه العملية في شمال سوريا بهدف القضاء على داعش ومنع تمدد قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم وحدات حماية الشعب الكردية.

2- عملية غصن الزيتون (2018): استهدفت عملية عفرين شمال غرب سوريا، والتي كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، تلك الوحدات المُصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية من قِبل تركيا.

3- عملية نبع السلام (2019): هدفت هذه العملية إلى إقامة “منطقة آمنة” شمال سوريا لمنع إقامة كيان كردي على الحدود التركية.

4- قامت تركيا ببناء مناطق عازلة على طول الحدود السورية التركية لحماية أمنها من الهجمات العابرة للحدود من الجماعات المسلحة الكردية وللحد من تدفق اللاجئين السوريين. هذا فضلًا عن إنشاء عدة قواعد عسكرية في شمال سوريا، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة منها، مما يعزز نفوذها العسكري في ظل التغيرات الجيوسياسية.

٢- التدخل السياسي والدبلوماسي:

    منذ بداية النزاع السوري، اتبعت تركيا سياسة دعم المعارضة السورية، سواء عبر الدعم العسكري أو السياس؛[22] وذلك من خلال تقديم مساعدات لفصائل المعارضة المعتدلة وتعزيز الائتلاف الوطني السوري كبديل للنظام، كان هذا الدعم أداة للضغط على النظام السوري السابق السوري السابق والتأثير في مجريات الأحداث السياسية.

    هذا فضلًا عن أنه في إطار جهودها الدبلوماسية، شاركت تركيا في محادثات أستانا بدءًا من 2017، بالتعاون مع روسيا وإيران، بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وقد ركزت تركيا في هذه المحادثات على تحقيق تسوية دائمة، تشمل تعزيز وقف إطلاق النار وإنشاء مناطق آمنة، والتي تضمن حماية المدنيين السوريين وتمنع إقامة كيان كردي على الحدود التركية، مما يشكل تهديدًا للأمن الوطني.

المحور الثالث: نقاط التلاقي والتباعد في المصالح الروسية التركية في سوريا:

    بعد عرض الأبعاد التاريخية للعلاقات بين روسيا وتركيا وأسباب وعوامل التدخل من قبل كلتا الدولتين في سوريا، سوف نستكمل في هذا المحور نقاط التلاقي أو التقارب والتباعد في المصالح الروسية التركية وتأثير سقوط نظام بشار الأسد على تلك المصالح.

أولًا: نقاط التقارب والتلاقي في مصالح الدولتين

    كما سبق إيضاحه؛ فيما يتعلق بتاريخ العلاقات بين الدولتين والإشارة إلى أنها ليست حديثة العهد. كما تتسم بالتعقيد والتضارب في الكثير من الأحيان، وذلك لأنها قد تبدو تارةً تعاونية وتارةً تنافسية. ورغم الاختلافات الكثيرة بينهما، فإن المصالح الاقتصادية تُعد أحد مظاهر التلاقي الرئيسية بين البلدين.[23]

    في الجانب الاقتصادي، سعت روسيا إلى استقطاب تركيا لإعادة توازنها الاقتصادي بعد العقوبات المفروضة عليها. كما إن تركيا تهدف من التعاون مع روسيا إلى إعادة التوازن الإقليمي في المنطقة في مجال الطاقة النووية وتقنيات الفضاء، باعتبارها مصدرًا مهمًا لها في تنفيذ مشاريع متعلقة بالطاقة النووية والأقمار الصناعية.[24]

     بالإضافة إلى الاتفاقيات المختلفة بينهما، ومنها اتفاقية 2010 في مجال الطاقة النووية والتكنولوجيا المتقدمة، والتي مكنت تركيا من بناء محطة “آق قويو” للطاقة النووية، وأيضًا اتفاقية 2014 لاستمرار المشروع بين البلدين، كما أطلقت تركيا أول قمر صناعي تركي على متن صاروخ روسي في نفس العام. فهذا كان سببًا في تقارب المصالح والتعاون بينهما[25].

    يُضاف إلى ذلك الاتفاقيات المختلفة بينهما، ومنها اتفاقية 2010 في مجال الطاقة النووية والتكنولوجيا المتقدمة، والتي مكنت تركيا من بناء محطة “آق قويو” للطاقة النووية، وأيضًا اتفاقية 2014 لاستمرار المشروع بين البلدين، كما أطلقت تركيا أول قمر صناعي تركي على متن صاروخ روسي في نفس العام. فهذا كان سببًا في تقارب المصالح والتعاون بينهما.[26]

     وفي ذلك الأطار، اتفقت روسيا وتركيا حول مسألة مكافحة الإرهاب في سوريا بالاتفاق مع قوى إقليمية ودولية كالولايات المتحدة الأمريكية، مثل تنظيم داعش، باعتباره عدوًا وخطرًا واضحًا لكلتا الدولتين. فمثلت تلك المسألة محورًا للتعاون الروسي التركي من خلال اتفاقهما على عدم السماح بتواجد ذلك التنظيم في سوريا والعراق.[27]

     بناءًا على ما سبق، يتضح أن مسألة استقرار سوريا وإدارة التباين تمثل مسار التقاء المصالح، فكلا الدولتين تسعى إلى الحفاظ على استقرار الدولتين وإدارة النزاع بدلًا من المواجهة التي قد تسبب خسائر لكلا الطرفين، بهدف تقليل تدفق اللاجئين السوريين. كما اتفقتا حول مسألة وحدة الأراضي السورية، فتركيا ترى أن أي كيان كردي مستقل يُمثل تهديدًا واضحًا عليها من خلال مطالبة الأكراد في تركيا بالاستقلال، وتسعى روسيا للحفاظ على وحدة سوريا حفاظًا على استقرار النظام السوري السابق الذي تدعمه.[28]

ثانيًا: نقاط التباعد والخلاف في مصالح الدولتين:

     من أبرز نقاط التباعد هو اختلاف مصالح الدولتين حول استقرار النظام السوري السابق، حيث إن روسيا تدعم حكومة سوريا ونظام الرئيس بشار الأسد وتزوده بمساعدات مالية وعسكرية باعتباره حليفًا لها، بهدف الحفاظ على مصالحها ووجودها في سوريا والبحر المتوسط.  في حين تسعى تركيا لإدارة التباين من خلال دعم المعارضة ضد النظام السوري السابق لتشكيل حكومة جديدة لحل الأزمة وحماية مصالحها في شمال سوريا والمناطق الحدودية، بالتالي فإن بقاء واستمرار النظام السوري السابق يعني مصلحة لروسيا وخسارة كبيرة لتركيا. رغم اختلاف الدولتين حول استقرار النظام السوري السابق، إلا أنهما اتفقتا في السعي للحفاظ على استقرار البلاد وعدم انتشار الفوضى[29].

      في هذا السياق، كان الملف الكردي سببًا للتناقض في المصالح بين روسيا وتركيا، وذلك لأن تركيا لا تريد تقسيم الأراضي السورية بأي حال من الأحوال، باعتبار أن دعم الأكراد في سوريا يشكل تهديدًا للأمن القومي لها وإضرارًا بمصالحها فيما يتعلق بتعزيز موقف حزب العمال الكردستاني في تركيا، بينما روسيا تدعم بعض الفصائل الكردية مثل وحدات حماية الشعب وتستخدمها كأداة للضغط على تركيا.[30]

    من الناحية العسكرية، هناك تباعد في مصالحهما، حيث ترفض تركيا الانسحاب العسكري من شمال سوريا. بينما تسعى روسيا للوصول إلى حلول توافقية للحفاظ على استقرار النظام السوري السابق، والتي من بينها انسحاب القوات التركية من شمال سوريا.[31]

بعد سقوط نظام الأسد في سوريا:

     إن لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا تأثيرًا على مصالح تلك الدول، فأصبحت تركيا هي الرابحة أو المستفيدة في الفترة الحالية وذلك لانتصار المعارضة التي كانت تدعمها، ولاحتمال عودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وقد مَثل هذا الحدث هزيمة واضحة لروسيا وتهديدًا لمصالحها التي ارتبطت بنظام بشار الأسد، وبالتالي لن تتمكن من الاستمرار في فرض سيطرتها على سوريا والتأثير على وجودها من خلال قواعدها في سوريا وإضعاف نفوذها وسيطرتها في الشرق الأوسط.[32]

    تختلف رؤية كل من روسيا وتركيا حول مستقبل سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، حيث تسعى روسيا إلى تشكيل حكومة جديدة تحت سيطرتها والحفاظ على النظام السوري السابق، بينما تركيا تسعى إلى تشكيل حكومة تشمل المعارضة لتحقيق مصالحها.[33]

    فبعد سقوط نظام بشار الأسد، من المتوقع أن تتعاون الدولتان معًا بهدف منع الفوضى التي يمكن أن تقع فيها البلاد ولمواجهة أي جماعات إرهابية قد تستغل الوضع الحالي للبلاد. وتتمثل أسباب سقوط نظام بشار الأسد في التالي:

1-التراجع العسكري والمعنوي:

      حيث استنزف التباين الطويل والحرب الأهلية قدرات الجيش السوري،[34] الذي كان يُعد من أقوى جيوش المنطقة. فضلًا عن الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة خصوصًا بعد حرب غزة الأخيرة، ونقص الموارد والذخيرة، مما أسهم بشكل كبير في ضعف قدرة الجيش السوري على الحفاظ على فعاليته القتالية، الأمر الذي انعكس سلبًا على معنويات قواته.

2-تراجع الدعم الخارجي:

     انشغلت روسيا بالحرب في أوكرانيا، مما قلل من قدرتها على تقديم الدعم العسكري واللوجستي الذي كان يقدمه النظام السوري السابق. [35] كما ركزت إيران على دعم حزب الله في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، مما أدى إلى تراجع الدعم الذي كانت تقدمه لسوريا.

٣-الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية:

     شهدت سوريا تدهورًا اقتصاديًا حادًا نتيجة سنوات الحرب، حيث غابت الخدمات الأساسية وارتفعت معدلات الفقر. بالإضافة إلى ذلك، شهدت مناطق سيطرة النظام السوري احتجاجات شعبية متزايدة، مما ساهم في تقويض شرعية النظام وحكومته.

المحور الرابع: السيناريوهات المستقبلية المتوقعة للتنافس التركي الروسي في سوريا:

السيناريو الأول: توافق كل من روسيا وتركيا على فكرة الحل السياسي للأزمة السورية، من خلال اشتراكهما في دعم الحل الديمقراطي لتكوين حكومة سورية ديمقراطية من طوائف مختلفة. وأكد مندوبو كلا الدولتين على ذلك الحل في مؤتمر الدوحة.[36] هذا بالإضافة إلى أن التغيير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام السوري السابق فاجأ روسيا، مما جعلها في حالة صدمة، ما سيؤدي إلى حالة من الدبلوماسية والتوافق بين كل من تركيا وروسيا للحفاظ على مصالحها عن طريق الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا، وهما قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية.[37] أي ستتعامل روسيا مع الحكومة السورية الجديدة كحكومة أمر واقع.

السيناريو الثاني: أن تتسم العلاقات فيما بين روسيا وتركيا في الشأن الروسي بالاختلاف فيما بينهم، حيث قال المفكر الروسي ألكسندر دوغين، الذي يوصف بـ”عقل بوتين”، عن أن تركيا “وقعت في الفخ السوري، وضربت موسكو في الظهر”، ويوضح المحلل بيجاموف أن هذا الكلام يعكس رأي شريحة واسعة من المواطنين الروس وآراء كثير من النخب السياسية التي اعترضت على الطريقة والنتائج التي انتهت إليها الأوضاع في سوريا.[38] وخصوصًا أن الوضع في سوريا ليس هو فقط المحدد للعلاقات بين تركيا وروسيا، بل هناك مواضيع أخرى مثل جنوب القوقاز وملفا أوكرانيا والطاقة وسلاسل توريدها والوضع في البحر الأسود وغيرها.[39]

السيناريو الثالث: تتسم العلاقة بينهما بالتنافس البارد، حيث لم تبدي روسيا، التي ساعدت النظام السوري السابق في مواجهة المعارضة، أي مواقف دولية قوية تجاه ما قامت به قوات المعارضة السورية، واكتفت بفتح الباب أمام الرئيس المخلوع بشار الأسد والإدانة لما قامت به قوات المعارضة السورية. أما عن تركيا، فهي تبدي ارتياحًا شديدًا لما قامت به قوات المعارضة السورية. ولكن المشاهد أن هناك محاولات روسية لنقل التنافس مع تركيا إلى الجانب الليبي، حيث ذكر مسؤول عسكري في قاعدة الخادم الجوية في شرق ليبيا التابعة لسيطرة قوات خليفة حفتر أن نصف دزينة من الطائرات الروسية – بعضها قادم من روسيا وبعضها من سوريا – وصلت محملة بمعدات عسكرية منذ الثامن من ديسمبر.[40] ولم يتسنَّ التأكد من طبيعة حمولتها بشكل مستقل، لكن سجلات الرحلات الجوية المتاحة للجمهور تظهر حركة مرورية أثقل من المعتاد في الأسبوع الماضي بين روسيا أو بيلاروسيا وشرق ليبيا، الذي يسيطر عليه زعيم عسكري مدعوم من الكرملين، وهو خليفة حفتر.

ونرى أن السيناريو الذي يُحتمل حدوثه بنسبة كبيرة هو السيناريو الأول، ألا وهو التوافق بين روسيا وتركيا على الحل السياسي للأزمة السورية والسبب يكمن في التالي:

١– الضرورات الاستراتيجية: بعد سقوط نظام بشار الأسد، سيكون من مصلحة روسيا وتركيا التعاون لضمان استقرار سوريا تجنبًا للفوضى، خاصة وأن كلتيهما تسعى لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. حيث تسعى روسيا للحفاظ على وجودها العسكري في سوريا عبر قاعدتي حميميم وطرطوس، بينما تسعى تركيا لتوسيع نفوذها في المناطق الحدودية ومنع التهديدات الكردية.

٢– الواقع الجديد: قد تكون روسيا قد فُوجئت بتغيير الوضع في سوريا، لكنها ستحتاج إلى التكيف مع الواقع الجديد والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، خاصة إذا كانت تضم بعض القوى المعارضة المدعومة من تركيا. وتركيا أيضًا ستجد في التفاهم مع روسيا فرصة لتحقيق استقرار في المنطقة، وهو ما يصب في مصلحتها الأمنية والاقتصادية، وفي مصلحة استقرار المنطقة لكلا الطرفين.

 باختصار، بينما قد تظل هناك توترات في بعض القضايا، مثل الملف الكردي، من المتوقع أن يسعى الطرفان للحفاظ على استقرار المنطقة وضمان مصالحهما عبر التفاهم والدبلوماسية في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة.

النتائج:

1- توصلت الورقة إلى أن التدخل الروسي في سوريا يهدف إلى تعزيز مكانتها كقوة عالمية، وتحقيق أهداف أمنية عبر مكافحة الجماعات المسلحة في سوريا، بالإضافة إلى الحفاظ على نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة من خلال القواعد العسكرية وفرص التجارة في قطاع الطاقة.

وقد تضمن التدخل العسكري الروسي في سوريا دعم النظام السوري عبر الضربات الجوية والمساعدات العسكرية، وتوسيع الوجود العسكري من خلال إنشاء قواعد جوية وبحرية، مما ساهم في تعزيز النفوذ الاستراتيجي الروسي في المنطقة.

2- إن التدخل التركي في سوريا ينطلق من دوافع أمنية لمواجهة التهديدات الكردية والإرهابية على الحدود التركية، بالإضافة إلى تحقيق أهداف استراتيجية من خلال دعم المعارضة السورية عسكريًا ودبلوماسيًا، والمشاركة في محادثات أستانا لتحقيق تسوية سياسية تضمن حماية الأمن الوطني التركي.

3- إن التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين روسيا وتركيا في مجالات الطاقة النووية والتكنولوجيا المتقدمة يمثل نقطة تلاقي رئيسية بين الدولتين، وتجسد هذه العلاقة في الاتفاقيات الموقعة بينهما، مثل اتفاقية الطاقة النووية في 2010، وإطلاق تركيا لأول قمر صناعي على صاروخ روسي في 2014.

4- إن الاختلافات في دعم النظام السوري السابق بين روسيا وتركيا تعد من أبرز النقاط الخلافية بين الطرفين، حيث دعمت روسيا نظام بشار الأسد بشكل كامل، في حين دعمت تركيا المعارضة السورية لتشكيل حكومة جديدة، مما انعكس على استقرار النظام السوري.

5- إن التهديدات المحتملة بعد سقوط النظام السوري تشير إلى أن تركيا ستكون المستفيدة من انتصار المعارضة، بينما ستكون روسيا في وضع ضعيف نتيجة لفقدانها حليفًا رئيسيًا في سوريا. ومع ذلك، من المتوقع أن يتعاون البلدان لمنع الفوضى في سوريا ومكافحة الجماعات الإرهابية التي قد تستغل الوضع.

التوصيات:

1- يجب أن تكون إعادة إعمار سوريا جزءًا أساسيًا من استراتيجية استعادة الاستقرار، مع التنسيق بين الجهات الدولية والإقليمية لتوفير الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك القطاعات الأساسية كالتعليم والصحة. ينبغي أن تركز العملية على خلق بيئة اقتصادية مستقرة تساعد السوريين على العودة إلى حياتهم الطبيعية في ظل حكومة مؤسساتية فاعلة.

2- دعم الحلول السياسية المحلية: يجب إعطاء الأولوية للحلول السياسية التي تشمل جميع الفصائل السياسية في سوريا، ويتطلب ذلك حوارًا داخليًا بين القوى المختلفة لضمان استقرار طويل الأمد وبناء دولة ديمقراطية، مع تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق التوازن في توزيع السلطة.

الخاتمة

    تشكل العلاقة بين روسيا وتركيا في سوريا نموذجًا معقدًا للتفاعل بين المصالح المتناقضة والتعاون الضروري، حيث تسعى كلتا الدولتين لتحقيق أهداف استراتيجية وأمنية متباينة في ظل بيئة إقليمية مضطربة. كما أن سقوط نظام بشار الأسد أضاف بُعدًا جديدًا لهذه التفاعلات، حيث أعاد ترتيب موازين القوى في المنطقة وأفرز تحديات وفرصًا مختلفة أمام الطرفين. وبالنسبة لتركيا، يُعتبر هذا التحول فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي، خاصة في المناطق الحدودية، وتحقيق مكاسب أمنية من خلال مواجهة التهديدات الكردية وتعزيز جهود إعادة اللاجئين السوريين، مما يسهم في استقرارها الداخلي.

    على الجانب الآخر، مثّل فقدان روسيا لحليفها الرئيسي تحديًا كبيرًا لوجودها ونفوذها في سوريا، حيث أصبح من الضروري إعادة صياغة استراتيجيتها للحفاظ على مصالحها الإقليمية. ومع ذلك، فإن المرحلة المقبلة قد تتطلب مستوى جديدًا من التنسيق بين البلدين لضمان استقرار سوريا وتجنب الفوضى، خاصة في مواجهة التهديدات المستمرة من الجماعات المسلحة.

     بهذا، تظل العلاقات الروسية التركية في سوريا متأرجحة بين التعاون والتباين، حيث سيعتمد مستقبل هذه العلاقة على قدرة الطرفين على إدارة مصالحهما المتناقضة والتعامل مع التحديات المشتركة التي أفرزها الواقع الجديد.


[1]  محمد عليوة محمود، “مستقبل العلاقات الروسية – التركية في ضوء الأزمة الأوكرانية (1991-2022)”، كلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية: المجلة العلمية لكلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية،  يوليو 2023، للإطلاع اضغط هنا، تاريخ الإطلاع 4/12/2024.

[2] صلاح نيوف، ” تطور العلاقات الروسية ـ التركية”، المركز الكردي للدراسات، 4 ديسمبر 2014، للإطلاع اضغط هنا، تاريخ الإطلاع 4/12/2024.

[3] Aktürk Şener, “Russian–Turkish Relations in the 21st Century, 2000–2012”, RUSSIAN ANALYTICAL DIGEST, 25 March 2013, Click here, accessed at 4/12/2024.

[4] Borshchevskaya Anna, “How the Middle East Became an Arena for Putin’s Power Struggle with the US”, THE WASHINGTON INSTITUTE FOR NEAR EAST POLICY, Mar 9 2024, Click here, accessed 6/12/2024

[5] ديميتري بريجع، “قراءة في الإستراتيجية الروسية للشرق الأوسط لعام 2024” مركز الدراسات العربية الأوراسية، 24 يناير 2024، للإطلاع اضغط هنا، تاريخ الإطلاع 4/12/2024.

[6] هيفيدار خالد، “أطماع تركيا في الدول العربية.. ماضٍ مأساوي يحاول العودة من جديد – هيفيدار خالد”،وكالة أنباء هاوار ، 16/10/2022، للإطلاع اضغط هنا، تاريخ الإطلاع (6/12/2024).

[7]  ضياء قدور، ” إيران خلف الستار.. وثائق مسربة تكشف قلق طهران من التطبيع التركي مع النظام السوري “، 13/7/2024، للإطلاع اضغط هنا، 6/12/2024.

[8] تلفزيون سوريا، “تضارب المصالح بين تركيا وروسيا يطفو على السطح.. ما نقاط الخلاف في الملف السوري؟”،تلفزيون سوريا، 12/7/2023، للإطلاع اضغط هنا، تاريخ الإطلاع، 6/12/2024.

[9] مرجع سابق.

[10] الجزيرة، “ اجتماع “أستانا” بالدوحة يؤكد دعم وحدة سوريا واستئناف الحوار.”، 7/12/2024، للإطلاع اضغط هنا، 8/12/2024.

[11]م.د. الناصر دريد سعيد، م.م.لقمان حكيم،” دوافع التدخل الروسي في الأزمة السورية”،  العراق: مجلة جامعة التنمية البشرية،مج٢،ع٤، ديسمبر ٢٠١٦،ص ٧٧،ص ٨١.، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[12] Prof. Dr.  Kozhanov  Nikolay,”Main Drivers of Russian Military deployment in Syria”,  Beirut: international  studies journal , No. 4, vol 13, spring 2017 ,p19,p20.

[13] معالي محمد لطفي،” التدخل الروسي في سوريا : الدوافع والمآلات”، جامعة القاهرة: كلية السياسة والاقتصاد، رسالة دكتوراه ،2022،ص 495، ص 496، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[14]KOÇAK Muhammet ,”Deciphering Russia’s Geopolitical Playbook: Status-Seeking Motivations Through Intervention to Syria”, Iraq: perceptions ,No2,vol28,2023,p144,p145.

[15]  د. محمد السعيد ادريس،” تعقيدات التسوية الروسية للأزمة السورية”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار،ع٢، مارس ٢٠٢١ ، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[16]  امير بشللوشة، شمسة بوشناقة،” التدخل العسكري الروسي – الأمريكي في سوريا : دراسة في الابعاد والمظاهر”، الجزائر:  مجلة مدارات سياسية،مج ٧، ع١، ٢٠٢٣، ص ١٤٤: ص١٤٨، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[17] حمزة المصطفى،” التدخل العسكري الروسي في سورية: الدوافع والأهداف والتداعيات”،الدوحة : سياسات عربية ،ع ١٧، نوفمبر ٢٠١٥،ص٢، ص ٣، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[18] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،” دوافع التدخل التركي في سورية واحتمالات توسعه”، ( الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اغسطس ٢٠١٦،اضغط هنا، ٦ ديسمبر ٢٠٢٤.

[19]  عماد قدورة،” تركيا ومسألة التدخل العسكري بين الضغوط والقيود”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ( الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اكتوبر ٢٠١٤، اضغط هنا، ٦ديسمبر ٢٠٢٤.

[20] المرجع السابق.

[21] أ. رباب حسين ابراهيم مرسي،” السياسة الخارجية التركية وتطورات الأزمة السورية”،  جامعة أسيوط : المجلة العلمية لكلية التجارة،ع٧٨، يونيو ٢٠٢٣ص ١٧٤: ص ١٧٨، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[22] أ. رباب حسين ابراهيم مرسي،” السياسة الخارجية التركية وتطورات الأزمة السورية”،  جامعة أسيوط : المجلة العلمية لكلية التجارة،ع٧٨، يونيو ٢٠٢٣ص ١٧٤: ص ١٧٨، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[23] عبد الله تركماني، جدل التعاون والتنافس في العالقات الروسية – التركية وتجلياتها في سورية )2011 – 2023(، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أكتوبر 2023.

[24] عماد قدور، روسيا وتركيا: عالقات متطورة وطموحات متنافسة في المنطقة العربية، سياسات عربية، ع 15، يوليو 2015.

[25] المرجع السابق.

[26] مرجع سبق ذكره.

[27] رائد حسن العبادلة، آثار الأزمة السورية على العلاقات الروسيةالتركية خلال الفترة 2015 – 2021، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية ، مج 8، ع 15، يناير 2023، ص 241، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[28] مثنيى العبيدي، الملف السوري بين روسيا وتركيا .. مسيرة من الافتراق والالتقاء، منتدى فكرة، أغسطس 2017.

[29] المرجع السابق.

[30] عبد القادر باهار جيجك*عثمان أغير**، علي كمخ (مترجم)، تقويم العلاقات التركية- الروسية في سياق الأزمة السورية، ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، يوليو 2013، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[31] الحرة  الليلة،ا”لمعارك في سوريا .. دعم تركي للفصائل حتى دمشق”، ديسمبر 2024، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[32] Brookings experts, The Assad regime falls. What happens now?, Brookings, December 9, 2024, Click here, 10/12/2024.

[33]  لنا مهدي، صراع النفوذ الروسي – التركي وأثره على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، مقالات وآراء سياسية، صحيفة الراكوبة، 9 ديسمبر 2024، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[34]  محمد مخلوف،” لماذا انسحب الجيش السوري من المدن مما سرع بسقوط الأسد.. خبير عسكري يشرح”،العربية، ٨ ديسمبر ٢٠٢٤، للإطلاع اضغط هنا،ت.د ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤.

[35]  cnn ،كيف سقط نظام الأسد في 10 أيام بعد صموده 13 عامًا؟”، ٨ديسمبر ٢٠٢٤، للإطلاع اضغط هنا، 10/12/2024.

[36] Chaon Anny, Turkey, “Russia and Iran Meet in Doha Seeking Exit From Syria Chaos.”, The Moscow times, 7/12/2024, Click here, 8/12/2024.

[37] فهيم الصوراني، ” خبراء يرسمون ملامح الوجود الروسي بسوريا بعد سقوط الأسد.”، الجزيرة، للإطلاع اضغط هنا، 22/12/2024.

[38] فهيم الصوراني، ” ما مستقبل العلاقات الروسية التركية بعد سقوط الحكومة السورية؟”، الجزيرة، 11/12/2024، للإطلاع اضغط هنا، 22/12/2024.

[39]  مرجع سابق.

[40] Vasilyeva Nataliya, “ Its Syrian Bases in Doubt, Russia Sends Cargo Flights to Libya.”, The New York Times , Dec. 19,2024, Click here, 22/12/2024.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى