تقدير موقف

تأثير خروج إيران من سوريا على محور المقاومة : بين التداعيات والمآلات المستقبلية

إعداد : عبدالرحمن مجدي – المنسق العام للمركز.

المقدمة :

ساهمت التحولات السياسية الأخيرة في سوريا في تغيير خريطة التحالفات الجيوسياسية، وذلك من خلال تراجع نفوذ بعض الدول لصالح دول أخرى في المنطقة. فمع سقوط نظام البعث في سوريا، سقط أحد أكبر الحلفاء الاستراتيجيين لإيران في المنطقة العربية. لذا أثارت هذه التحولات العديد من التساؤلات حول مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة وتبعات ذلك على إمكانيات محور المقاومة، هذا المحور الذي تعتمد عليه إيران كأداة لتعزيز وجودها في محيطها الإقليمي.

حيث تُعتبر سوريا الرابط الجغرافي الأهم في الهلال الشيعي الذي تسعى إيران لتعزيز تواجده في المنطقة. ويُعد خروج إيران من سوريا أمرًا لا يعني فقط فقدان حليف استراتيجي، بل إضعافًا لإمكانيات محور المقاومة، الذي يعتمد في ركائزه على التكامل والوحدة بين أعضائه لمواجهة التحديات المشتركة. في هذا التقدير، سنحاول الإجابة على عدة تساؤلات رئيسية: ما هي التداعيات الاستراتيجية لخروج إيران من سوريا على محور المقاومة؟ وما هي الخيارات المتاحة لإيران لتعويض هذه الخسارة والحفاظ على نفوذها في المنطقة؟

سقوط الأسد: نهاية النفوذ الإيراني في سوريا

نجحت قوات المعارضة السورية بقيادة أحمد الجولاني في إسقاط نظام بشار الأسد في غضون أسبوعين فقط، مما أنهى النفوذ الإيراني في سوريا الذي استمر قرابة 14 عامًا. وبذلك، خسرت إيران حليفًا استراتيجيًا، وهو نظام بشار الأسد، الذي كان يُعد الحليف الوحيد على هيئة دولة في محور المقاومة، والحلقة الجغرافية الأهم في المحور الذي تقوده إيران ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وبالإطاحة بالأسد، تم كسر ضلع من أضلاع الهلال الشيعي الممتد عبر بلاد الشام.

على الرغم من أن العلاقات الإيرانية-السورية قديمة وتعود بدايتها إلى الثورة الإيرانية عام 1979، حيث تكشف لنا سجلات التاريخ أن نظام حافظ الأسد كان الحليف العربي الوحيد لإيران إبان الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، ومن خلال هذا التقارب استطاعت طهران استغلال حالة الفوضى الداخلية التي بدأت في سوريا منذ عام 2011 لتثبيت نفوذها واستكمال أضلاع الهلال الشيعي.

وتحت شعار حماية المقدسات الشيعية، قدمت إيران مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لنظام الأسد، ونشرت قوات شيعية في سوريا على رأسها قوات حزب الله ولواء فاطميون من الشيعة الأفغان ولواء زينبيون من الشيعة الباكستانيين، الذين لعبوا دورًا بارزًا في استعادة بعض المناطق من تحت سيطرة داعش والدفاع عن قوات النظام والمليشيات العسكرية التابعة له[1]. هذا التعاون العسكري أعقبه تعاون في مختلف القطاعات، وتبعه توقيع ما يقارب 126 اتفاقية بين نظام الأسد وطهران. وبالتالي، تشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا كان يتراوح بين 30 إلى 50 مليار دولار أمريكي، مما يعكس حجم الاهتمام الإيراني بسوريا[2].

سوريا ومعضلة محور المقاومة: بين الجغرافيا والأيديولوجيا

مثل خروج سوريا من محور المقاومة ضعفًا لفكرة العمق الاستراتيجي، التي اعتُبرت أحد أهم منجزات السياسة الخارجية الإيرانية في الفترة الأخيرة[3]، والتي تقوم في الأساس على بعض المرتكزات، ومنها:

– تصدير الثورة.

– مفهوم المقاومة، الذي يرجع جذوره إلى الثقافة الدينية لدى الشيعة.

– الدفاع الإمامي، وذلك من خلال إبقاء الصراعات بعيدة عن الأراضي الإيرانية.[4]

وتظهر أهمية وجود سوريا في محور المقاومة بتصريح حجة الإسلام مهدي طائب، الذي يعمل كمحلل إيراني ورئيس مركز عمار للأبحاث المؤيد للحكومة، بقوله: “سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثين لإيران، وهي محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. إذا تعرضنا للهجوم وأُجبرنا على الاختيار بين سوريا وخوزستان، فإن أولويتنا ستكون الاحتفاظ بسوريا. إذا احتفظنا بسوريا، فيمكننا استعادة خوزستان، ولكن إذا خسرنا سوريا، فلن نتمكن من الاحتفاظ بطهران.[5]

وفقًا لما سبق، لكي نستطيع استكشاف تأثير خروج سوريا من محور المقاومة، يجب أن نفهم الركائز الحاكمة للمحور، والتي تقوم على:[6]

– الارتباط الجغرافي بين أعضاء المحور.

– وحدة مصدر التهديد والتنسيق الوثيق بين الأعضاء.

– الخيط الأيديولوجي الناظم.

بناءً على ذلك، كانت سوريا بما تمتلكه من موقع جغرافي يتوسط كل من العراق ولبنان وإسرائيل، تقوم بمهام “الجسر البري” لدعم حزب الله في لبنان والضغط على إسرائيل من جبهة الجولان. وهذا ما ساهم في وضع إسرائيل تحت ضغط من مختلف الجبهات في عملية طوفان الأقصى، سواء من جانب قطاع غزة بقيادة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، أو الشمال من جانب حزب الله وسوريا. ويمكن الاستدلال على الدور الجغرافي لسوريا في محور المقاومة من خلال تصريح مستشار المرشد علي أكبر ولايتي في عام 2012، الذي صرح قائلًا: “إن سوريا هي الرابط الذهبي في سلسلة المقاومة ضد إسرائيل.” وعلى نفس المنوال، صرح قاسم سليماني واصفًا سوريا بأنها “جسرًا على جبهة المقاومة. أي شخص ذكي يدرك أن خسارة الحرب في سوريا خسارة لنا جميعًا.”[7] بناءً على ما سبق، يتضح لنا الأهمية الجيوستراتيجية لسوريا بالنسبة لمحور المقاومة.

وبالتالي، يُعتبر خسارة سوريا بالنسبة إلى محور المقاومة قطعًا للاتصال الجغرافي بين أعضائه، مما سينتج عنه صعوبة في عملية استشفاء حزب الله بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في أعقاب عملية طوفان الأقصى[8]. مما يُعسّر الاستمرار في نهج “الردع النشط” الذي يتبناه أعضاء المحور[9]. نتيجة لذلك، سوف يستوجب إعادة هيكلة سياسات الدعم الموجه لأعضاء المحور من جانب إيران، وفتح المجال لإمكانية البحث عن حلفاء جدد يساهمون في ملء الفراغ الجيوسياسي الذي تركه نظام الأسد بسقوطه.

وليس هذا فحسب، بل و من المحتمل أن يسري تأثير خروج سوريا من المحور على إضعاف الرابط الأيديولوجي لأعضاء المحور، وذلك نظرًا لاغتيال القادة التاريخيين في المحور مثل حسن نصرالله  و أن نظام الأسد في سوريا ظل يشجع على خطاب المقاومة والمواجهة المسلحة ضد الجانب الإسرائيلي ، خاصة بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل. كما أن سوريا استضافت حماس وحركة الجهاد الإسلامي لفترات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سوريا، على المستوى النظري، الأغنى من حيث الإمكانيات والموارد، وتمتلك جيشًا نظاميًا هو الأقوى بين أعضاء المحور.

ومع التوجهات السياسية التي أعلنتها القيادة السورية الجديدة، بأنها لا ترغب في المزيد من الحرب، وأن جهود الدولة سوف تتجه نحو إصلاح البلاد على المستوى الداخلي، قد تؤدي هذه التحولات السياسية إلى اهتزاز فكرة استمرار “المقاومة” لدى أعضاء المحور، وفتح المجال نحو خيارات سياسية أكثر واقعية في التعامل مع الجانب الإسرائيلي.

السيناريوهات المحتملة:

1- توجيه القوات الشيعية نحو لبنان:

من السيناريوهات المتاحة هو توجيه إيران للمليشيات الشيعية مثل “فاطميون” و”زينبيون” إلى الجنوب اللبناني لتعويض الخسائر الجسيمة التي لحقت بحزب الله، سواء على مستوى الهيكل القيادي أو الإمكانيات البشرية والمادية. بالإضافة إلى ذلك، يساعد هذا السيناريو في حماية حزب الله من أي توغل بري للقوات الإسرائيلية في هذه الفترة الحرجة. ويعتبر هذا السيناريو من السيناريوهات المرشحة بقوة في الفترة الحالية، وذلك للحفاظ على حزب الله وإتمام عملية إعادة بنائه بشكل سليم.

المرجحات :

يعتبر إتمام استشفاء حزب الله أحد المرجحات القوية لهذا السيناريو، خاصة في ظل الأضرار التي يعاني منها الحزب والتي تم الحديث عنها سابقًا. وفي نفس الوقت، يساعد هذا السيناريو في إعادة تمركز القوات الشيعية حول سوريا تحسبًا لأي تغيرات محتملة في الأوضاع الداخلية السورية، ويتطلب الموقف من إيران التدخل العسكري مرة أخرى في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا السيناريو بتصريف هذه القوات وإيجاد بيئة حاضنة لها، حيث يمكن إرسالها لاحقًا في مهام عسكرية خاصة بالمحور في المستقبل.

المعوقات :

يعتبر الغضب الشعبي اللبناني جراء تهجير سكان بعض المناطق في الجنوب اللبناني والغارات الجوية الإسرائيلية على بيروت ولبنان بأكملها من ضمن المعوقات أمام هذا السيناريو. وذلك نظرًا لدخول قوات “أجنبية” إلى البلاد، مما قد يساهم في رفع إسرائيل حالة التأهب مرة أخرى وزيادة وتيرة الغارات والعمليات العسكرية لضمان إضعاف تام للقدرات العسكرية لحزب الله.

2- تفكك المحور بشكل تدريجي:

يعتبر هذا السيناريو من السيناريوهات المطروحة، وذلك نظرًا لحالة الضعف الشديدة التي تمر بها حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة وحزب الله في لبنان. علاوة على ذلك، نجاح إسرائيل في فصل الجبهات عن بعضها البعض، كما اتضح في التوصل إلى هدنة مع حزب الله في نوفمبر الماضي، مع استمرار العملية العسكرية في غزة. وبذلك يتم ضرب إحدى الركائز الكبرى للمحور، وهي “وحدة الجبهات”.

المرجحات :

نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى التهديدات التي أعلنها تجاه إيران، قد يلعبان دورًا كبيرًا في ترجيح هذا السيناريو. وذلك من خلال الضغط على الدول المستضيفة لأعضاء المحور، مثل لبنان، لتفكيك وطرد هذه الجماعات، وعلى رأسها حزب الله.

إلى جانب الولايات المتحدة وترامب، من المرجح أن يلعب المجتمع الدولي دورًا في تحجيم قوة أعضاء المحور، وذلك من خلال فرض عقوبات وحصار اقتصادي وسياسي. كما يمكن أن تسهم هذه الجهود في تعزيز نفوذ السلطات الوطنية في مواجهة هذه المليشيات، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكيك المحور تدريجيًا.

المعوقات :

يعتبر من الصعب في الوقت الحالي حدوث هذا السيناريو، وذلك نظرًا للارتباط الأيديولوجي والعقائدي القوي بين الميليشيات الشيعية وإيران. بالإضافة إلى ذلك، لم تستطع إسرائيل تفكيك حزب الله، الذي يُصنف كأحد الركائز الأساسية للمحور، في مناسبتين سابقتين (حرب 1982 و2006)، والتي شهدت عمليات غزو عسكري شامل للجنوب اللبناني. وهذا يعكس المرونة التكيفية الكبيرة للحزب وقدرته على الصمود في أصعب الأزمات الوجودية. من جهة أخرى، لا تزال الميليشيات العراقية وجماعة الحوثيين تحتفظان بقدر كبير من قوتهما. وخسارة إيران لمحور المقاومة تعني خسارة نفوذها في المنطقة العربية وضياع مشروعها، الأمر الذي بالتأكيد لا ترغب فيه إيران حاليًا.

3- زيادة الضغط من جانب الحوثيين:

يفترض هذا السيناريو زيادة الهجمات الصاروخية والجوية باستخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) من جانب جماعة أنصار الله الحوثية لزيادة الضغط على الجانب الإسرائيلي ومساندة جبهة غزة بعد خروج حزب الله من الحرب.

المرجحات:

يرسل هذا السيناريو رسائل تضامن ووحدة لباقي أعضاء المحور، مفادها استمرار “وحدة الجبهات”. ويساعد هذا السيناريو في تعزيز الالتزام الأيديولوجي لأعضاء المحور، بالإضافة إلى تعزيز صورة إيران في المنطقة باعتبارها قائدة المقاومة وأنها تناصر غزة بكل الوسائل الممكنة.

حيث يفترض هذا السيناريو في النهاية إما التوصل إلى اتفاق مع حماس لإيقاف القصف أو تخفيف حدة العمليات العسكرية في القطاع والقصف العشوائي لها. وفي كلا الحالتين، يخدم هذا الهدف الأساسي لجماعة الحوثيين والمحور.

المعوقات:

تكمن المعوقات في ضعف تأثير القدرات الصاروخية نظرًا لبعد المسافة بين اليمن وإسرائيل، بالإضافة إلى نشاط القوات الدفاعية الإسرائيلية في اعتراض هذه الصواريخ. ومع ذلك، يعتبر التأثير المعنوي لمشاركة اليمن هو الأكبر بالنسبة لأعضاء المحور. كما أن دورها الأكبر يمكن في إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن المتجهة إلى إسرائيل، والذي أحدث بالفعل أضرارًا اقتصادية بالغة للجانب الإسرائيلي.

 4-التحول إلى الاستراتيجية الدفاعية:

بحسب هذا السيناريو، يفترض أن تشهد جميع الجبهات هدوءًا نسبيًا، مع دفع حركة حماس لإتمام هدنة مع الجانب الإسرائيلي. في الوقت نفسه، سيتم توجيه الجهود نحو بناء وتدعيم حزب الله، وتحسين الأوضاع الداخلية والاقتصادية في إيران، استعدادًا لعودة ترامب إلى البيت الأبيض. حيث من المتوقع أن يعيد ترامب فرض نهج “العقوبات القصوى” على إيران للحد من نشاطها الإقليمي والنووي. وبالتالي، ستُعتبر هذه الخطوة بمثابة مرحلة انتقالية مؤقتة في الصراع مع إسرائيل وليس نهاية الصراع.

المرجحات :

هناك العديد من العوامل التي ترجح كفة هذا السيناريو، وعلى رأسها نجاح إسرائيل في التوصل إلى اتفاق هدنة مع حزب الله وتأمين الجبهة الشمالية، مما قد يحسن الموقف التفاوضي الإسرائيلي ويدفع القيادة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات جادة في التفاوض مع حركة حماس.

كما أن ضعف وإرهاق القدرات العسكرية لأعضاء المحور، خاصة أعضاء الصف الأول (حماس وحركة الجهاد وحزب الله)، وانخفاض فاعلية الهجمات العسكرية التي تقوم بها حماس وحركة الجهاد، أدى إلى وصول الحرب إلى حالة من الجمود. فبعد أكثر من عام من القتال، لم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحقيق الأهداف التي أعلنتها، مثل استعادة الأسرى والقضاء على حركة حماس، مما يجعل استمرار الحرب بلا جدوى فعلية من جانب الطرفين.

علاوة على ذلك، فشل إيران في الحفاظ على موقفها الهجومي ضد إسرائيل بعد المعطيات الأخيرة، وذلك في ظل وجود جماعة الحوثيين والميليشيات العراقية والتي تعمل تحت توجيهات حكومة بغداد إلى حد ما، لن تتمكن من القيام بعمليات نوعية كتلك التي كانت تقوم بها حماس وحزب الله.

ولذلك تظهر رغبة إيران في إعادة تشكيل سياستها في المنطقة للتعامل مع الوضع الجديد بعد التغيرات التي حدثت في سوريا، بالإضافة إلى استعدادها لمواجهة التحديات التي قد تفرضها عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة. وبلا شك، ترغب إيران في مساندة حليفها الأول، سواء على المستوى السياسي أو الأيديولوجي، وهو حزب الله، حتى إذا تطلب ذلك تقديم تنازلات على حساب حركتي حماس والجهاد.

المعوقات :

تقليص رقعة الصراع مع إسرائيل وانسحاب بعض الأطراف قد يؤثر على صورة المحور لدى الجمهور، وذلك نظرًا للشعارات التي يرفعها المحور والتي تحمل طابعًا دينيًا وأيديولوجيًا. وقد يتسبب ذلك في زعزعة الثقة لدى باقي الأعضاء في قدرة إيران على دعمهم والوقوف بجانبهم، خاصة أن الموقف التفاوضي لحركة حماس ليس أفضل شيء، وبالتالي ذلك سوف ينعكس على صيغة اتفاق الهدنة نفسها وشروطها.

5- التوصل إلى تفاهم مع القيادة السورية الجديدة :

يتصور حدوث هذا السيناريو في حالتين:

الأولي:

توصل طهران إلى تفاهمات مع القيادة السورية الجديدة لتأمين تقديم الدعم العسكري واللوجستي لحزب الله. ويرجح هذا السيناريو مجموعة من الشواهد التاريخية[10] التي أظهرت أن إيران استطاعت استغلال الظروف لصالحها، مثل الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 وسقوط نظام صدام حسين، حيث استغلت إيران حالة الفوضى في العراق وبناء مليشيات شيعية موالية لها. وكذلك العملية العسكرية في اليمن “عاصفة الحزم”، التي أدت في النهاية إلى سيطرة الحوثيين على معظم أنحاء شمال اليمن.

الثانية:

استغلال حالة التنافس بين الميليشيات والجماعات المسلحة داخل الأراضي السورية واستقطاب حليف داخلي في سوريا يكون قادرًا على خدمة المصالح الإيرانية، حتى لو كان بشكل جزئي.

المرجحات :

بالرغم من صعوبة تحقيق هذا السيناريو، إلا أنه يتوقف بالأساس على توجهات القيادة السورية الحالية ونظرتها للعلاقات مع الجانب الإيراني، بالإضافة إلى إدارة العملية السياسية في سوريا وقدرة القيادة الجديدة على ضبطها واستعادة النظام. كما تلعب مسألة القضية الفلسطينية وقضايا مشتركة أخرى، مثل احتلال إسرائيل لأجزاء من سوريا، دورًا محوريًا، حيث قد تكون هذه القضايا نقطة تقاطع بين النظام السوري الجديد وإيران مما يفتح بابًا للتعاون في المستقبل.

المعوقات :

يعتبر هذا السيناريو من السيناريوهات المطروحة على المدى البعيد وليس في الوقت الحالي، وذلك نظرًا لحالة الاحتقان الداخلي في الشارع السوري تجاه إيران بسبب دعمها لنظام الأسد طوال السنوات الماضية. من جهة أخرى، فإن ضبابية المشهد في الساحة السورية في الوقت الراهن تجعل عملية استقطاب حليف داخلي أمرًا صعبًا.

ومن المهم الإشارة إلى رغبة الإدارة السورية الجديدة في الحصول على اعتراف دولي، ورفع العقوبات عنها، وإعادة إعمار سوريا، وإتمام العملية السياسية الداخلية بنجاح. وبالتالي، سيتم تأجيل النظر في ملف تطبيع العلاقات مع الجانب الإيراني حتى يتم تجنب غضب الدول الإقليمية، مثل دول الخليج  و مصر وتركيا (الحليف الأول للقيادة السورية الحالية)، أو الدول العالمية، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

التقدير :

بالرغم من كثرة السيناريوهات المتعلقة بالمشهد الحالي لمحور المقاومة، إلا أنه يُرجح اتجاه إيران نحو السيناريو الرابع الخاص بالتحول إلى الاستراتيجية الدفاعية. وذلك لتجنب سياسات الضغط التي قد يفرضها ترامب على إيران للحد من تطوير برنامجها النووي ونشاطها الإقليمي. وذلك لأن الهدف الأساسي للنظام الإيراني منذ الثورة الإسلامية عام 1979 هو الحفاظ على بقائه، خاصة في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية الإيرانية وزيادة الأعباء المالية على عاتق الحكومة في طهران، وتوجيه الدعم لحزب الله أكبر حليف استراتيجي لها في المنطقة حاليًا لإتمام عملية إعادة بناء قدراته بشكل سليم.


[1]  Farivar, Masood. “What Happened to Iranian Proxies in Syria?” Voice of America, December 14, 2024. https://www.voanews.com/a/what-happened-to-iranian-proxies-in-syria-/7901149.html. Accessed date11/1/2025.

[2]خالد التركاوي , عبدالعظيم المغربل  ،حالة الاتفاقيات الاقتصادية بين النظام السوري وإيران بعد عام 2011 ، تاريخ النشر 29 يونيو2024 ، https://jusoor.co/ar/short-link/2483 ، تاريخ الاطلاع 11 يناير 2025

[3] Noori, Alireza. “Has Iran Lost Everything in Syria? Probably Not, for Ten Reasons.” Valdai Club, December 30, 2024. https://valdaiclub.com/a/highlights/has-iran-lost-everything-in-syria-probably-not/. Accessed date 11/1/2025.

[4] Garrett Nada;  Mary Glantz, Ph.D. “Iran and Russia Are the Biggest Regional Losers …” Institute of Peace, December 12, 2024. https://www.usip.org/publications/2024/12/iran-and-russia-are-biggest-regional-losers-assads-fall. Accessed date 11/1/2025.

[5] [5] Czulda, Robert. “The Fall of Syria: A Painful Blow to Iran.” Defence24.com, December 13, 2024. https://defence24.com/geopolitics/the-fall-of-syria-a-painful-blow-to-iran. Accessed date 11/1/2025.

[6] Motamedi, Maziar. “The Iran-Led Axis of Resistance in the Aftermath of Syria’s Upheaval.” Al Jazeera, December 21, 2024. https://www.aljazeera.com/news/2024/12/21/the-iran-led-axis-of-resistance-in-the-aftermath-of-syrias-upheaval. Accessed date 11/1/2025.

[7] Czulda, “The Fall of Syria.”

[8] Budiman, Michael Alexander. “How Syria Fell and What’s next for Iran’s Axis of Resistance.” Modern Diplomacy, December 30, 2024. https://moderndiplomacy.eu/2024/12/31/how-syria-fell-and-whats-next-for-irans-axis-of-resistance/. Accessed date 11/1/2025.

[9] Noori, “Has Iran Lost Everything in Syria?”

[10] Noori, “Has Iran Lost Everything in Syria?”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى