عام على حرب غزة ما حجم الخسائرالإسرائيلية في المعركة؟

إعداد: ياسمين محمود حامد البوني – باحثة مشاركة.
بمرور عام على الحرب في غزة، تلك الحرب التي بدأت بأكبر هجوم مباشر تعرضت له إسرائيل في عمق أراضيها منذ عقود، والذي اعتُبر نقطة تحول هامة في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ففي السابع من أكتوبر 2023، شنت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام عملية طوفان الأقصى، وهو هجوم منسق ومفاجئ استهدف فرقة غزة والألوية التابعة لها وبعض المستوطنات الإسرائيلية المحيطة، كانت تلك العملية، بلا شك، الحدث الأكثر زلزلة في الصراع، حيث تمكنت المقاومة من كسر الخطوط الدفاعية الإسرائيلية والوصول إلى العمق الإسرائيلي بطرق غير مسبوقة، مما أدى إلى اهتزاز صورة إسرائيل على الساحة الدولية بشكل لافت.
وبسبب هذه المفاجأة الاستراتيجية سارعت اسرائيل إلى حشد قوة عسكرية ضخمة للرد، فأرسلت ست فرق عسكرية كبرى للسيطرة على الوضع. هذه الحشود العسكرية لم تكن فقط ردًا على الهجوم المباشر، بل أيضًا جزءًا من استراتيجية إسرائيل الأوسع التي تبناها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث تبنى نتنياهو نهج الحرب الشاملة، مؤكدًا إن الأمن القومي الإسرائيلي كان على المحك، وأن هذا الهجوم لم يكن مجرد تصعيد عسكري عابر، بل اختبار لقدرة إسرائيل على حماية حدودها. وفي خطابه للأمة، أوضح نتنياهو أن إعادة بناء الردع هو الهدف الرئيسي في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن هذا الهجوم يمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. واستند في هذه الاستراتيجية إلى مفهوم “الدفاع المطلق”، الذي يستدعي استخدام كل الوسائل المتاحة لضمان أمن إسرائيل[1].
على الجانب الآخر، كانت المقاومة الفلسطينية بالتنسيق مع قيادات كتائب القسام تسعى لتوسيع رقعة المواجهة وتعميق أثرها على المستوى العسكري والسياسي. حيث أن مخططي عملية الطوفان أرادوا الدفع بتصعيد عسكري أكبر بعد تصريح القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف “اليوم، كل من عنده بندقية فليخرجها”[2]، ومن الواضح أن هذا التصعيد كان خطوة استباقية تهدف إلى خلق معادلة جديدة في الصراع. وفي هذه الورقة، سنستعرض الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل في الداخل، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي والاجتماعي، وكيف أثرت هذه الخسائر على الوضع الداخلي والإستراتيجيات، كما سنناقش سيناريوهات مستقبل الحرب في غزة، وكيف يمكن أن تتطور الأمور في ظل تغيرات في الديناميكيات العسكرية والسياسية.
- المحور الأول: الخسائر في الداخل الإسرائيلي:
- في السياق الاستخباراتي: منذ السابع من أكتوبر، تعرض جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” لانتقادات واسعة النطاق نتيجة الفشل الاستخباراتي الكبير الذي سمح بحدوث هجوم غير مسبوق على إسرائيل. هذا الهجوم كشف عن ثغرات كبيرة في قدرات الموساد على التنبؤ بتهديدات مماثلة والتصدي لها، مما أثر بشكل سلبي على صورة الجهاز أمام العالم. أحد أبرز جوانب هذا الفشل يتمثل في عدم قدرة إسرائيل على استعادة الأسرى الذين تم احتجازهم، ما زاد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية؛ بالإضافة إلى ذلك، فشلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الوصول إلى محمد الضيف ويحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، رغم الحملة العسكرية المكثفة والاستخباراتية المستمرة منذ بدء الصراع؛ إذ كان من المتوقع أن تنجح إسرائيل في تحقيق اختراقات عسكرية واستخباراتية أكثر تأثيرًا، لكنها لم تتمكن من ذلك[3].
- في السياق العسكري: فالخسائر البشرية، التي نتجت عن عملية طوفان الأقصى أسفرت عن مقتل 1200 شخص وفق الأرقام الإسرائيلية، معظمهم من المدنيين. وخلال الهجوم، أُسر 257 شخصًا، من بينهم قائد اللواء الجنوبي في فرقة غزة الإسرائيلية آساف حمامي، ويُعتقد أن عددًا منهم قُتل خلال الغارات. كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل 690 جنديًا وضابطًا منذ بداية الحرب، من بينهم 330 خلال المعارك البرية في قطاع غزة. ووفقًا للمعطيات الرسمية، استقبل قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية 10,056 جنديًا جريحًا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، بمعدل يزيد عن ألف جريح جديد كل شهر، حسبما أفادت صحيفة واشنطن بوست. وبالإضافة إلى ذلك، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، بأن 109 أسرى لا يزالون موجودين لدى حركة حماس في غزة، مع تقديرات بأن 73 منهم على قيد الحياة. الحكومة الإسرائيلية تقدر أن 251 أسيرًا تم احتجازهم منذ بدء الحرب[4]. بالإضافة إلى الخسائر البشرية، شهدت الوحدات العسكرية الإسرائيلية استنزافًا ملحوظًا. بحسب تقديرات حماس، فإن هناك أعدادًا كبيرة من المدرعات العسكرية التي تم تدميرها، ولكن الأرقام الرسمية بشأن حجم هذه الخسائر لا تزال متضاربة. يقدّر أن نحو 30% من الجيش الإسرائيلي قد تأثر بشكل مباشر بالنزاع، مما يضع ضغطًا إضافيًا على القدرات العسكرية. وتسعى الولايات المتحدة كحليف رئيسي لإسرائيل إلى تقديم الدعم لتعويض الخسائر، يتضمن ذلك توفير المساعدات العسكرية والتكنولوجية لضمان استعادة القوات الإسرائيلية لقدرتها على الردع[5].
- على الصعيد الاقتصادي، فبعد مرور 11 شهرًا على الحرب، تواجه إسرائيل أزمة اقتصادية تعد من بين الأكبر في تاريخها الحديث. حيث تعرضت إسرائيل لخسائر ثمينة على عدة أصعدة، منها قطاعات واسعة من الاقتصاد، مثل الزراعة والصناعة والسياحة والبناء والعقارات، فالتكاليف الباهظة للحرب التي استمرت طوال العام الماضي أثقلت كاهل الميزانية الإسرائيلية، حيث قد تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار حتى الآن. كما أدت عمليات استدعاء جنود الاحتياط إلى خسائر شهرية تقدر بنحو 5 مليارات شيكل -حوالي 1.35 مليار دولار-، حيث استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف فرد من قوات الاحتياط، مما أدى إلى نتيجة غياب هذه القوى عن سوق العمل. وعمليات إجلاء السكان من مستوطنات غلاف غزة، والنقب الغربي، والمناطق الحدودية مع لبنان، إلى شل العديد من الأنشطة الاقتصادية[6]. فالعمليات العسكرية المستمرة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تعرضت البنية التحتية الحيوية لأضرار جسيمة. هذا أدى إلى تعطيل قطاعات حيوية وأثّر سلبًا على الإنتاجية، وخلق حالة من الانكماش الاقتصادي، انعكست في تقلص الاستثمارات وارتفاع تكاليف التشغيل والتأمين. وأشارت التقارير الاقتصادية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل انخفض بنسبة 4.1% بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في أكتوبر، ومع استمرار الصراع في عام 2024، تواصل التدهور الاقتصادي، حيث سجل انكماشًا إضافيًا بنسبة 1.1% و1.4% في الربعين الأول والثاني على التوالي[7].
وتراجع تصنيف إسرائيل في موديز بمقدار درجتين من “إيه “2” إلى “بي إيه إيه 1″، وهو التخفيض الثاني هذا العام، بالإضافة لتخفيض وكالتي “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” تصنيف إسرائيل الائتماني في أوقات مختلفة هذا العام. ومن ناحية أخرى، كشف تقرير لمجلة (الإيكونوميست) البريطانية عن توقعات ببلوغ عجز موازنة إسرائيل هذا العام إلى أكثر من 8% وهو ما يقارب 3 أضعاف التقديرات السابقة، وأيضًا البنوك الإسرائيلية تعاني من هروب رؤوس الأموال، حيث تضاعفت التحويلات من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية فوصلت إلى 2 مليار دولار بين مايو ويوليو. شهدت البنوك الثلاثة الكبرى في إسرائيل (بنك هبوعليم، بنك لئومي، بنك ديسكونت) زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى، مما يعكس فقدان الثقة في الاقتصاد؛ وسجل النمو الاقتصادي في إسرائيل 0,7% فقط بين إبريل ويونيو، وهو أقل بشكل كبير من توقعات الاقتصاديين، مما ينعكس سلبًا على الاستقرار المالي؛ وأيضًا طالب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، زيادة العجز الطارئ مرتين هذا العام، وهو ما يزيد من مخاوف المستثمرين بشأن القدرة على تغطية التكاليف العسكرية[8].
هذه الأرقام تعكس تراجعًا حادًا في الأداء الاقتصادي لإسرائيل، وهو ما زاد من الضغوط الداخلية على الحكومة. أما في قطاع الزراعة، فقد بلغت الخسائر نحو ملياري شيكل -540 مليون دولار- شهريًا، وتجدر الإشارة إلى أن 75% من السلة الغذائية في إسرائيل تعتمد على الزراعة في مستوطنات غلاف غزة، والتي تحتوي على أكثر من 1200 مزرعة ويحتاج هذا القطاع إلى حوالي 10 آلاف عامل، بحسب المجلس الأعلى للزراعة. وفيما يتعلق بقطاع السياحة، تراجعت العائدات إلى نحو 4 مليارات شيكل (1.1 مليار دولار) بسبب الانخفاض المستمر في الطلب على العروض السياحية من قبل الأجانب. كما أن السياحة الداخلية تعاني من شبه توقف، حيث تم استخدام العديد من الفنادق في إيلات وتل أبيب والبحر الميت لإيواء النازحين، فسجل قطاع التكنولوجيا المتقدمة تراجعًا في حجم الاستثمارات بنسبة 60%. توقفت قيمة الاستثمارات في هذا القطاع عند 1.3 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 2017[9].
ومن ثم فإطالة أمد المعركة في غزة استنزفت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة المعالم للانتقال إلى المرحلة التالية من العمليات العسكرية. التحليلات تشير إلى أن العمليات البرية لم تحقق الأهداف المرجوة، حيث تكبدت القوات الإسرائيلية خسائر بشرية ومادية كبيرة دون وجود خطة ملموسة لإنهاء النزاع أو تحقيق الاستقرار. فالجيش الإسرائيلي، الذي حشد عدد مهوول من جنود الاحتياط، يعاني من استنزاف مستمر لوحداته العسكرية. وتفيد التقارير بأن الانتقال من العمليات الهجومية إلى الدفاعية لم يكن مصحوبًا باستراتيجية واضحة، وهذا يزيد الضغوط على القوات المنتشرة في الميدان.
يُعتقد أن هذا الوضع قد يعمق من مشاعر الإحباط والقلق داخل الأوساط العسكرية والسياسية، خصوصًا مع استمرار الضغوط من الجمهور والمطالب بإعادة تقييم الأهداف العسكرية. كل ذلك يشير إلى أن الاستمرار في العمليات العسكرية بدون وضوح في الخطط أو الأهداف يمكن أن يعرض القوات الإسرائيلية لمزيد من الخسائر ويزيد من الضغوط السياسية على الحكومة؛ يتزامن ذلك مع تزايد الانتقادات الداخلية والخارجية حول كيفية إدارة الحرب، مما قد يؤثر على صورة إسرائيل على الساحة الدولية ويقوض قدرتها على إعادة بناء الردع[10].
مرفق بعض الرسوم البيانية لتوضيح النسب السابقة:

شكل(1) الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية في الحرب

شكل(2) الخسائر البشرية الإسرائيلية في الحرب
- على الصعيد الدولي:
تكبدت إسرائيل خسائر سياسية ومعنوية نتيجة الحرب الأخيرة، وحمل تأثيرًا دوليًا كبيرًا على المظهر العام لدولة الاحتلال، حيث تعرضت إسرائيل لانتكاسة كبيرة في صورتها العالمية، فقد كانت تعتمد في السابق على دعم شعبي واسع النطاق بفضل حملات إعلامية متقنة حققت بها أعلى معدل نجاح في الدعاية، إلا أن الحرب على غزة كشفت حقيقة هذه الحملات والدعاية، مما أدى إلى موجة إدانات واسعة من قبل الشعوب المختلفة الذين طالبوا بفرض عقوبات عسكرية على إسرائيل. كما شهدت أوروبا والولايات المتحدة تعاطفًا متزايدًا مع الشعب الفلسطيني، هذا التعاطف الذي شهدناه متمثلًا في المظاهرات الشعبية التي تندد بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الفلسطينيين[11].
في سياق متصل، شهدت بعض الدول الأوروبية تحركات نحو الاعتراف بدولة فلسطين، في إطار التوجهات الدولية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من هذه الدول إسبانيا، إيرلندا، والنرويج، والبرازيل، بالإضافة إلى السويد التي اعترفت سابقًا بدولة فلسطين، في حين أعلنت سلوفينيا أيضًا عن نيتها اتخاذ هذه الخطوة في المستقبل القريب. هذا التوجه يعكس تزايد الضغط الأوروبي للاعتراف بفلسطين، والذي كان في السابق مرتبطًا بالتوصل إلى حل سلمي للنزاع. وفي بيان صدر في مارس، أكدت خمس دول أوروبية – إسبانيا، إيرلندا[12]، النرويج، سلوفينيا، ومالطا – استعدادها للاعتراف بفلسطين “عندما تكون الظروف ملائمة”. ومن جهتها، أشارت أستراليا في أبريل إلى إمكانية الاعتراف بفلسطين في المستقبل، مما يُظهر أن التوجه الدولي نحو هذا الاعتراف يتزايد على نطاق أوسع. ومن أبرز القرارات الدولية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735 في 26 سبتمبر 2024[13]، يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة ويدعو إلى تسريع عمليات تقديم المساعدات الإنسانية. هذا القرار لاقى دعم 14 دولة مع امتناع روسيا عن التصويت، وأكد على أهمية إجراء مفاوضات تشمل جميع الأطراف المعنية للوصول إلى حل دائم.
- على الصعيد الإقليمي:
أحدثت الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية تغييرات جذرية في مواقف العديد من الدول، خاصة تلك التي لها تأثير مباشر في قضايا المنطقة أو التي كانت تسعى إلى تحسين علاقاتها مع إسرائيل. هذه التغيرات تجلت في عدة محاور رئيسية، من أبرزها إعادة تصعيد التوترات مع بعض الدول، وتعزيز موقف قوى المقاومة، وتأثير الحرب على تحالفات سياسية واقتصادية في المنطقة. فمثلًا تعثر مشروع التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في ظل الحرب الأخيرة على غزة يشير إلى تعقيدات جديدة في المشهد الإقليمي. فكانت إسرائيل تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، بما في ذلك السعودية، بعد نجاح “اتفاقات أبراهام” التي جمعتها بالإمارات والبحرين والمغرب. ولكن تداعيات الحرب على غزة قلبت موازين السلام؛ فتصاعدت الضغوط الشعبية في المنطقة، خاصة في السعودية، حيث ارتفعت الأصوات الرافضة للتطبيع وسط استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
فالتوترات السياسية والعسكرية في المنطقة أعادت إسرائيل إقليميًا إلى الواجهة الذي بدت عليه في عام ١٩٦٧م. حيث تعزز التضامن الشعبي مع الفلسطينيين، فشهدت المنطقة العربية موجة من التعاطف الشعبي غير المسبوق مع القضية الفلسطينية، وهو ما أضعف محاولات إسرائيل لتهميش هذه القضية على الصعيد الإقليمي. في مصر مثلاً، التي تعد أول دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل في عام ١٩٧٩، شهدت شوارع القاهرة ومدن أخرى مظاهرات ضخمة تندد بالهجمات الإسرائيلية وتدعو لدعم الفلسطينيين، مما زاد من الضغوط على الحكومة المصرية في تعاملها مع إسرائيل. بالإضافة إلى أن الحرب في غزة أعادت توحيد الموقف العربي حول القضية الفلسطينية، بعد أن شهدت السنوات السابقة تراجعًا في الاهتمام بالقضية الفلسطينية بسبب الانقسامات الإقليمية، أعادت الحرب هذه القضية إلى صدارة المشهد العربي[14].
وعلى جانب تصعيد التوترات نجد إيران، حيث أطلقت طهران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، وفقًا لما أعلنته المصادر العسكرية الإسرائيلية. وقد أشار الجيش الإيراني إلى أن هذا الهجوم جاء ردًا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل 13 شخصًا، بينهم سبعة من الحرس الثوري الإيراني وستة مواطنين سوريين[15]. والإعلان الإيراني جاء حاسمًا، حيث أكدت طهران أن هجومها الصاروخي والطائرات المسيرة حقق جميع أهدافه، وأنه كان بمثابة رد قاسٍ على الهجوم الإسرائيلي الذي طال منشآتهم في سوريا. ورغم ذلك، لم يُسفر هذا الهجوم عن أي مكاسب حقيقية على الأرض، حيث لم يتم تدمير أي أهداف حساسة في إسرائيل، ما أثار انتقادات في الشارع الإيراني، ووصف بعض المحللين هذه الخطوة بأنها أظهرت ضعف النظام الإيراني وعدم قدرته على الرد؛ فحجم الردود الإيرانية المتوقعة بعد استقبال إيران للعديد من الضربات المعنوية سواء باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في العاصمة الإيرانية، أو بعد اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني قد يتوقعها الكثير أنها ستكون ردود قاسية ولكن يبدو أن إيران تم تحييدها بفعل الضغط الأمريكي[16].
- المحور الثاني: سيناريوهات مستقبل الحرب في غزة:
السيناريو الأول- سيناريو التصعيد والسيطرة الإسرائيلية الكاملة:
في حالة سيطرة إسرائيل على غزة، وهذا هو السيناريو الأقرب للواقع خاصةً بعد اغتيال حسن نصر الله، وفي ظل رفض إسرائيل لأي هدنة إنسانية فمن المحتمل أن تفرض إسرائيل سيطرتها بشكل كامل على القطاع، ويتبين أن ضعف ردود الأفعال الإقليمية والعالمية قد يشجع إسرائيل على مواصلة سياسة التصعيد على محاور متعددة سواء على المدى القصير أو المتوسط ومن ذلك زيادة الضغط من أجل تهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو حتى الضفة. ولكن يمكن للكيان استدعاء السلطة الفلسطينية، وفي حالة استدعاء السلطة الفلسطينية للسيطرة على غزة، قد يشهد القطاع تحولات سياسية كبيرة، حيث تتولى السلطة المسؤولية عن الحكم والإدارة.
السيناريو الثاني- سيناريو العمليات الأمنيّة المركزة:
بعد قيام إسرائيل تدعيم وجودها في ممرات غزة مثل ممر نتساريم وممر صلاح الدين (ممر فلادلفيا)، بهدف السيطرة على الحركة بين المناطق الفلسطينية وتقطيع أوصال القطاع وتقويض محاولات البناء وتسهيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خصوصًا الأسلحة. هذه الممرات صُممت كجزء من استراتيجيات أمنية تهدف إلى تقليص قدرة حماس على الحركة وتحصيل السلاح، مع السيطرة على مناطق استراتيجية في غزة. ومع ذلك، لم تترافق هذه العمليات الأمنية مع استراتيجية سياسية أو عسكرية واضحة طويلة الأمد، مما جعل العمليات الإسرائيلية تفتقر إلى رؤية شاملة لإدارة الصراع؛ وهذه الاستراتيجية المؤقتة لإسرائيل في غزة قد تتكامل مع محاولة القضاء على حماس عسكريًا، إلا أن الواقع يثبت أن القضاء الكامل على حماس عبر العمل العسكري وحده غير ممكن، حيث تمتلك الحركة بنية تحتية قوية وجذور شعبية. لذلك، ما قد تحاول إسرائيل تحقيقه عبر الضغوط العسكرية هو دفع حماس نحو تقديم تنازلات سياسية، مثل التخلي عن الكفاح المسلح أو الاعتراف بإسرائيل، على غرار تحول منظمة التحرير الفلسطينية بعد 1982.
هذا السيناريو يهدف إلى إبقاء حماس في وضع سياسي ضعيف مع الاستمرار في السماح لها بلعب دور محدود داخل غزة. بمعنى آخر، سيكون لإسرائيل حرية استخدام القوة العسكرية في أي وقت لضبط الأوضاع دون الحاجة إلى حل جذري. هذه الاستراتيجية لا تسعى إلى إنهاء الصراع بشكل كامل، بل إلى إدارته عبر تقييد حركة حماس وتحجيمها، مع إبقاء غزة معزولة عن الضفة الغربية سياسيًا، وهو ما يضمن استمرار الصراع في شكله الحالي دون تصعيد كبير.
السيناريو الثالث- توقف الحرب:
في هذا السيناريو، يلعب الضغط الدولي على إسرائيل دور رئيسي مهم، فقد تتدخل قوات حفظ السلام الدولي ويتم وضع قطاع غزة تحت إشراف دولي بتحالف دولي، مما يوفر إطارًا للتعاون الدولي في إعادة بناء البنية التحتية وتوفير المساعدات الإنسانية. يمكن أن يكون لهذا السيناريو تأثير إيجابي على الحياة اليومية للفلسطينيين في غزة ويسهم في تخفيف حدة الصراع وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل؛ وهذا الإشراف الدولي يمكن أن يتخذ شكلين مختلفين:
أ. تحالف دولي للإدارة: قد يتشكل تحالف دولي لإدارة غزة، مما يوفر إطارًا دوليًا لتحقيق الاستقرار وتوفير المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يتطلب تنسيقا دوليًا قويًا وتفاهما بين الأطراف المعنية.
ب. تحالف إقليمي: الذي يتضمن هذا السيناريو تشكيل تحالف إقليمي لإدارة غزة، مما يعزز التعاون بين الدول المجاورة ويسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، فإن التحالفات الإقليمية قد تواجه تحديات في ضمان التمثيل الشامل والموافقة على إجراءات مشتركة. يمكن أن يشمل هذا التحالف دولا مثل مصر والأردن وتركيا ودول الخليج، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع الدولي والأمم المتحدة في عملية الإشراف والتنسيق.
تعكس هذه السيناريوهات، التي يرفضها الكيان الإسرائيلي، درجة التعقيد الشديدة التي تحيط بالوضع في قطاع غزة والتحديات الكبيرة التي تواجهها الأطراف المعنية. فالصراع الحالي يشهد تصاعداً في العنف وتبادل لإطلاق النار بين الجانبين، وهو ما يعكس التوتر الشديد والصعوبات التي تواجه عمليات التسوية والتهدئة.
إذًا، بعد عام كامل من الحرب، يبدو واضحًا أن إسرائيل لم تخرج منتصرة كما كانت تأمل. بدلاً من تحقيق أهدافها العسكرية بالقضاء على حماس، تكبدت خسائر هائلة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الخسائر البشرية. فالحرب لم تؤد إلى هدفها الأساسي الذي أعلنت عنه الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وهو القضاء على حماس واسترجاع الأسرى الإسرائيليين لديهم أو تحقيق الأمن الدائم بضمان السيطرة على قطاع غزة، بل على العكس، أضافت مزيداً من التعقيد إلى المشهد الداخلي الإسرائيلي. والتأثير الاقتصادي كان كبيرًا، فتضررت قطاعات حيوية، وارتفعت تكلفة الحرب بشكل غير مسبوق، مما زاد من الضغوط على الميزانية وأدى إلى اضطرابات داخلية؛ بل وعمّقت الحرب الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث بدأ المواطنون يتساءلون عن جدوى استمرار الصراع وما إذا كان النهج العسكري يمكن أن يحقق الأمن الذي تسعى إليه الدولة. فبدلاً من تعزيز الأمن، زادت الهجمات وشعر المواطنون بعدم الاستقرار.
[1] Mallory Moench, Netanyahu Discusses Hamas Assault, Gaza’s Future, and Potential Hostage Deal on Meet the Press, Time magazine, November 12, 2023, available on: https://time.com/6334179/netanyahu-israel-hamas-war-tv-interview/, date of enter: 26-9-2024.
[2] “رسالة صوتية لقائد القسام لإطلاق عملية طوفان الأقصى”، الجزيرة، ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على: https://tinyurl.com/mva99e23، تاريخ الدخول: ٢٦-٩-٢٠٢٤.
[3]Yaniv Kubovich, Disdain, Denial, Neglect: The Deep Roots of Israel’s Devastating Intelligence Failure on Hamas and October 7, Haaretz Investigation, 9 May 2024, available on: Disdain, Denial, Neglect: The Deep Roots of Israel’s Devastating Intelligence Failure on Hamas and October 7 – Israel News – Haaretz.com, date of enter: 26-9-2024.
[4] “أرقام تفصيلية جديدة عن خسائر الجيش الإسرائيلية في غزة”، الجزيرة، ١٤ أغسطس، ٢٠٢٤م، متاح على: https://www.ajnet.me/news/2024/8/14/عاجل-قسم-إعادة-تأهيل-الجنود-في-وزارة، تاريخ الدخول: ٢٦-٩-٢٠٢٤م.
[5] المصدر السابق.
[6] “Israel’s economy shrinks more than expected on Gaza war”, BBC news,19 February 2024, available on: https://www.bbc.com/news/business-68337731 , date of enter: 26-9-2024.
[7]“Can Israel afford to wage war?”, The Economist, Mar 5th 2024, available on: Can Israel afford to wage war? , date of enter: 26-9-2024
[8] “Can Israel’s economy survive an all-out war with Hizbullah?”, The Economist, Sep 24th 2024, available on: Can Israel’s economy survive an all-out war with Hizbullah? ,date of enter: 26-9-2024.
[9] Rishon LeZion, Israeli economy struggles under weight of Gaza war, 24 September 2024, available on: Israeli economy struggles under weight of Gaza war, date of enter: 26-9-2024.
[10] أحمد سلطان، العملية البرية الإسرائيلية في غزة: حرب استنزاف طويلة القاهرة، إضاءات دوت كوم 2023م)، متاح على: https://www.ida2at.com/isrالعملية البرية الإسرائيلية في غزة: حرب استنزاف طويلة، تم الدخول بتاريخ: ٢٧-٩-٢٠٢٤م.
[11] أحمد يوسف << الوضع الراهن في دراسة الصراع العربي الإسرائيلي >>، (محاضرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ٢٦-١٢-٢٠٢٣م)
[12] Rob Picheta, Spain, Ireland and Norway have recognized Palestinian statehood. Where does Europe stand on the issue?, CNN, May 28, 2024, available on: Spain, Ireland and Norway have recognized Palestinian statehood. Where does Europe stand on the issue? | CNN, enter of date: 27-9-2024.
[13] Adopting Resolution 2735 (2024), available on: Adopting Resolution 2735 (2024) with 14 Votes in Favour, Russian Federation Abstaining, Security Council Welcomes New Gaza Ceasefire Proposal, Urges Full Implementation | Meetings Coverage and Press Releases, date of enter: 27-9-2024.
[14] Beirut, Arab support for Palestinian cause swells after Hamas assault, France 24,10/10/2023, available on: https://www.france24.com/en/live-news/20231010-spirit-of-resistance-arab-support-for-palestinians-swells, date of enter: 27-9-2024.
[15] محمود النجار، هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟، بي بي سي عربي، ١٦ أبريل ٢٠٢٤، متاح على: https://www.bbc.com/arabic/articles/ cd13x375092o ، تاريخ الدخول: ٢٧-٩-٢٠٢٤م.
[16] Ishaan Tharoor, Israel takes the hammer to Iran’s ‘axis of resistance’, The Washington Post, 30 September, 2024, available on: Israel smashed Hezbollah in Lebanon. How will Iran react? – The Washington Post, date of enter: 30-9-2024.