مستقبل فصائل المقاومة الإسلامية في العراق بعد سقوط النظام السوري

إعداد: د. شيرين جابر – باحث أول -مركز الدراسات الاستراتيجية- مكتبة الإسكندرية
تُعد فصائل المقاومة الإسلامية في العراق خليط من الميليشيات المسلحة، تضم: كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وحركة النجباء، إضافةً لأنصار الله الأوفياء، وهذه الميليشيات مدعومة من قبل إيران وتتواجد في العراق، وتقوم بعمليات عسكرية حركية، وطنية وعابرة للحدود، ضد أهداف أمريكية في العراق وسوريا، وضد أهدف إسرائيلية؛ نجمت عن الدور الأمريكي في أزمة غزة حيث أنه خلال نزاع أكتوبر 2023 بين إسرائيل وحماس، هاجمت ميليشيات المقاومة العراقية القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وسوريا، وقد أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات التالية باسم «المقاومة الإسلامية في العراق»[1].
تم الإعلان رسميًا عن هذه الفصائل من خلال مجموعة على تلغرام تسمى «الإعلام الحربي» في 18أكتوبر 2023 لنشر البيانات وإعلان المسؤولية عن الهجمات من قبل مختلف الميليشيات العراقية باسم «المقاومة الإسلامية في العراق»[2]؛ ومن ثم جاءت أهمية هذه الدراسة لتسليط الضوء على طبيعة فصائل المقاومة الإسلامية في العراق وأهدافها، وتنافسية فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، وأهم العمليات العسكرية، ومستقبلها عقب سقوط النظام السوري.
أولاً: تكوين فصائل المقاومة الإسلامية في العراق
شكلت الفصائل المشار إليها النواة الصلبة لهذه الجبهة تحت إدارة «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإيراني»، ما يعني أن «المقاومة الإسلامية في العراق» تعمل مباشرةً تحت إشراف الـ «فيلق»، وهي في ذلك تتباين في تفاصيل معينة ودقيقة مع «عصائب أهل الحق» و«منظمة بدر» رغم كونهما جزءًا مما يعرفُ بـــــــ «محور المقاومة».
إن الميليشيات التي تشكل «المقاومة الإسلامية» هي «أذرع إيران المباشرة في العراق وسوريا»، ولذا لا يمكنها أن تقوم بأي عملية نوعية ضد القوات الأمريكية من تلقاء نفسها، وإنما وفق ما ترسمه «شورى» القرار في «فيلق القدس»[3].
إن الفصائل الرئيسة الأربعة كونت الإطار الناظم الأساسي، كما أن هنالك فصائل أخرى انضمت له في مرحلة لاحقة، ويمكن توضيح التفاصيل المتعلقة بالفصائل الرئيسية الأربعة على النحو التالي:
1- كتائب حزب الله
ارتبط اسم “حزب الله” غالبًا بالحزب اللبناني المعروف، إلا أن هناك تنظيمًا آخر يحمل نفس الاسم، ولكنه مستقل تمامًا عنه، وهو “كتائب حزب الله في العراق”، تأسست هذه الكتائب في عام 2007 بمدينة العمارة جنوب العراق، ونشأت من اتحاد عدة فصائل شيعية مسلحة، بعضها تأسس بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
تشمل هذه الفصائل “لواء أبو الفضل العباس”، وكتائب تحمل أسماء “كربلاء”، “زيد بن علي”، “علي الأكبر”، و”السجاد”. وتصف كتائب حزب الله نفسها بأنها “تشكيل جهادي إسلامي مقاوم”، وتتبنى ولاية الفقيه كمنهج لتحقيق “حاكمية الإسلام” في عصر غيبة الإمام المهدي، الإمام الثاني عشر بحسب المذهب الشيعي الإثني عشري، وفقًا لما تنشره الجماعة على موقعها الإلكتروني الرسمي.
وترتبط كتائب حزب الله في العراق بإيران بشكل مباشر، حيث ترى في تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران “إنجازًا عظيمًا” وتعتبرها مرحلة أساسية للتمهيد لإقامة «دولة العدل الإلهي وصورة من صور حاكمية الإسلام وولاية الفقيه»[4].
ولا يُعرف لكتائب حزب الله هيكل تنظيمي، كما هو حال باقي الفصائل الشيعية الكبرى في العراق، كما لم يُعلن عن أمين عام لكتائب حزب الله على الرغم من تعيين متحدثين باسمها في الجانبين العسكري والمدني.
ويُقدر عدد مسلحي الكتائب 7000 عنصر، وفقًا لأرقام غير رسمية، وهناك تشابه بين أسلوب عمل الكتائب وأسلوب حزب الله اللبناني، كما أشرفت على تدريبها قيادات إيرانية ولبنانية أبرزهم “عماد مغنية” الذي قُتل في سوريا عام 2008م [5].
2- عصائب أهل الحق
نشأت حركة “عصائب أهل الحق” من رحم التيار الصدري، حيث كان مؤسسوها وقادتها جزءًا من هذا التيار قبل انشقاقهم وتأسيس تنظيمهم الخاص، بهدف “مقاومة الاحتلال الأمريكي”، وقد أعلنت الحركة مسؤوليتها عن عدة هجمات استهدفت القوات الأمريكية والعراقية.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011، عززت «عصائب أهل الحق» علاقاتها مع محور المقاومة التابع لـ «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، وأرسلت وحدات للقتال في الحرب الأهلية السورية تحت قيادة «فيلق القدس». وحاليًا، تدير «عصائب أهل الحق» الألوية 41، 42، و43 من قوات الحشد الشعبي، التي تتلقى تمويلاً من الحكومة العراقية[6].
3- حركة حزب الله النجباء
لعبت “حركة حزب الله النجباء” دورًا بارزًا إلى جانب “كتائب حزب الله” في الحرب السورية، خاصةً خلال المعارك الكبرى في مدينة حلب عام 2015.
ويُعتقد على نطاق واسع أن الحركة تتبع فيلق القدس الإيراني، حيث تشير أدلة إلى أن إيران هي الممول الرئيسي للحركة، وتزودها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى دعمها في اختيار قياداتها والإشراف عليها.
وفي عام 2019، أُدرجت وزارة الخزانة الأمريكية الكعبي ضمن قائمة “الإرهابيين العالميين”، وتدير “حركة حزب الله النجباء” اللواء 12 ضمن «قوات الحشد الشعبي» التي تحصل على تمويل من الدولة.
4- كتائب سيّد الشهداء
هي جماعة منشقة عن “كتائب حزب الله” تقوم بعمليات عسكرية عابرة للحدود، وتنسق أعمالها مباشرة مع “الحرس الثوري الإيراني” حيث تركّز على الأجندة الإقليمية المشتركة لمحور المقاومة المدعوم من إيران. تمحورت منذ نشأتها حول شخصية “مصطفى العتابي”، المعروف أيضًا بــــــــــــــ “أبو مصطفى الشيباني” أو “حميد ثجيل وريج العتابي”، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لـ «كتائب حزب الله».
في عام 2014، انتقلت قيادة «كتائب سيّد الشهداء» إلى أبو آلاء الولائي، وأصبحت «كتائب سيّد الشهداء» جزءًا من قوات الأمن العراقية عندما شكلت اللواء 14 من “قوات الحشد الشعبي”[7].
5- فصيل «الثوريون» كواجهة أخري للمقاومة الإسلامية في العراق
يبدو أن تنظيم «الثوريون» هو جماعة واجهة حديثة النشأة، ظهرت بعد أن أوقفت «كتائب حزب الله»، التي تعمل تحت اسم «المقاومة الإسلامية في العراق»، هجماتها ضد أهداف أمريكية في سوريا والعراق. وكانت «كتائب حزب الله» قد قادت في وقت سابق هجومًا على قاعدة «البرج» في الأردن، أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد من القوات الأمريكية. وردًا على ذلك، تلقت «كتائب حزب الله» ضربات أمريكية قوية، ما دفعها إلى وقف عملياتها مؤقتًا لتجنب المزيد من التصعيد.
وقد تبنى تنظيم الثوريون في وقت سابق مسؤولية تنفيذ خمس هجمات (نُفذت جميعها في عام 2024) على مواقع أمريكية في العراق وسوريا: في 25 يوليو (هجومان)، وثلاثة هجمات في 26 يوليو، والخامس أغسطس والتاسع أغسطس. وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة الهجمات ضد مواقع خاصة بالولايات المتحدة في سوريا (وليس العراق) من حيث التكرار والطموح، عبر صواريخ أكبر وهجمات منسقة بالصواريخ والطائرات بدون طيار. وباستثناء هجوم «الثوريون» على قاعدة «التنف»، لم تتبنَّ أي منصة من منصات «المقاومة» الهجمات التي استهدفت الولايات المتحدة في سوريا[8].
من المرجح أن فصيل «ثوريون» تم إنشاؤه لتوفير إمكانية الإنكار المعقول للميليشيات المعروفة بارتباطها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثانيًا: أهداف فصائل المقاومة الإسلامية في العراق
- إن استخدام تسمية عامة بدون شعار يشكل الامتداد الأقصى لــــــ «استراتيجية الواجهة» التي تستخدمها إيران ووكلاؤها منذ عام 2019 لتجنب المساءلة عن الهجمات ضد الأمريكيين.
- السماح لمختلف ميليشيات المقاومة العراقية بشن هجمات ضد القوات الأمريكية والإسرائيلية تحت مظلة واحدة.
- إظهار الوحدة وراء الهجمات ضد المصالح الأمريكية خلال النزاع بين إسرائيل وحماس، و«تلبية النداء» كقوة واحدة بشكل أساسي. ويشير ذلك بوضوح إلى أن «فيلق القدس» التابع لــــــــــــ «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» يجمع بين وكلاء المقاومة العراقيين المتعددين، الذين يميلون عادة إلى الجدال حول القيادة المحلية[9].
ثالثًا: تنافسية فصائل المقاومة الإسلامية في العراق
لم يكن بين عشرات الفصائل العراقية المنتسبة إلى محور المقاومة، والتي بنت جزءًا أساسيًا من شرعيتها عبره، إلا ثلاثة هي التي شاركت فعليًا في «الجهاد» المسلح ضد إسرائيل والولايات المتحدة بعد عملية طوفان الأقصى. وتتضمن هذه الفصائل كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء؛ إذ تضطلع الأولى والثانية بالقتال، في حين توفّر الثالثة الدعم اللوجستي بحسب الحاجة إليه. وتُعد هذه الحركات، خصوصًا الأوليين، الأكثر انضباطًا وأيديولوجيةً من بقية الفصائل العراقية المسلحة، فضلًا عن اضطلاعهما بأدوار إقليمية عابرة للحدود، ومشاركتهما القوية في الحرب الأهلية السورية دفاعًا عن نظام بشار الأسد، وهو ما يدعم ضعفهم بعد سقوط نظام الأسد.
لا تتميز هذه الفصائل بالتنسيق العالي بينها، بل بالتنافس على الموارد بكل ما يعنيه هذا من خصومات تنشأ بينها. وأصبحت إدارة هذه الفصائل والسيطرة على الخلافات بينها تحديًا واضحًا بعد اغتيال الولايات المتحدة في بغداد مطلع عام 2020، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، وهما الشخصيتان اللتان عُرِفتا بقدرتهما على ضبط الفصائل المسلحة العراقية، سواء العاملة داخل مؤسسة “الحشد الشعبي” الرسمية أم خارجها، وجعلها تعمل بقدرٍ من تنسيق وفاعلية بينها. وبعد غيابهما، لجأت إيران إلى حزب الله اللبناني لمساعدتها في ضبط الفصائل العراقية من خلال توليها دورًا إشرافيًا وتنسيقيًا، وهو الدور الذي كان فاشلاً في آخر المطاف[10].
رابعًا: العمليات العسكرية لفصائل المقاومة الإسلامية في العراق
منذ 2 نوفمبر 2023، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن 312 هجومًا ضد إسرائيل. من بين هذه الهجمات، وصلت 89 منها إلى الأراضي الإسرائيلية (تم اعتراضها أو سقوطها في مناطق مفتوحة). وأشارت التقارير إلى أن 4 هجمات ضربت أهدافًا داخل إسرائيل. حدث أحدها في 3 أكتوبر 2024، عندما ضربت طائرة بدون طيار قاعدة عسكرية في مرتفعات الجولان، مما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة 23 آخرين.
منذ أكتوبر 2024، عندما بدأت المناورات البرية في لبنان، كان هناك زيادة كبيرة في عدد مجموعات المقاومة الإسلامية في العراق التي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات ضد إسرائيل. ونتيجة لذلك، كان هناك ارتفاع في عدد الهجمات التي وصلت إلى الأراضي الإسرائيلية. ويتم تنفيذ معظم الهجمات بواسطة طائرات بدون طيار[11].
في 18 نوفمبر 2024، أرسل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالة إلى الرئيس الدوري الحالي لـ «مجلس الأمن الدولي» أعرب فيها عن قلقه إزاء تصاعد هجمات الميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق ضد إسرائيل. كما حمّل ساعر في رسالته الحكومة العراقية مسؤولية هذه الهجمات، وأكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إذا لم تكن الحكومة العراقية قادرةً أو راغبةً في كبح زمام الجماعات المسلحة التي تنفذ هجمات باستخدام المسيرات وصواريخ كروز ضد إسرائيل[12].
حتى قبل صدور البيان الإسرائيلي، اتضح أن الميليشيات العراقية قد بدأت بالفعل بتقليص هجماتها ضد إسرائيل منذ عدة أسابيع. يُظهر الرسم البياني أدناه الانخفاضين الأسبوعيين من أعلى نقطة بلغت 41 هجومًا في الأسبوع من في 29 أكتوبر واستمر حتى 4 نوفمبر 2024م. ولكن بعد التحذير الذي أرسلته إسرائيل في 18 نوفمبر، كان هناك انخفاض شديد في عمليات المقاومة. وفى حين بدأت الميليشيات العراقية في تقليص هجماتها ضد إسرائيل قبل تحذير 18 نوفمبر 2024، إلا أنها تبدو وكأنها تنسحب تمامًا منذ ذلك التاريخ[13].

رسم بياني يوضح الهجمات التي تبنتها ميليشيات المقاومة الإسلامية في العراق ضد إسرائيل، في الفترة من يوليو: نوفمبر 2024[14]
ومن ثم يمكن القول؛ إن تأثير المليشيات الموالية لإيران ليس بالمستوى ذاته الذي كانت تقوم به قبل مقتل قائد فيلق القدس «قاسم سليماني» بضربة أمريكية في العام 2020، في ظل توجه إيراني بخفض التصعيد وعدم الانجرار إلى الحرب المباشرة وإبداء المرونة في بعض الأحيان.
وبغضّ النظر عن الأرقام العالية التي تنشرها الفصائل العراقية لعملياتها وخطابها المتوعد لإسرائيل ذي السقوف العالية، على نحو لا يختلف كثيرًا عن خطاب أطراف محور المقاومة الأخرى «حماس وحزب الله والحوثيون»، فإن عملياتها كانت «الأقل تأثيرًا» مقارنةً بأطراف المحور الأخرى، بل إنها شهدت تراجعًا سياسيًا عنها، خوفًا من عواقب جدّية كانت هذه الفصائل ستواجهها في حال الإصرار على القيام بالمزيد منها، كما حدث في ضربتَي الأردن والجولان.
خامسًا: موقف الرأي العام العراقي من فصائل المقاومة الإسلامية
تتعرض فصائل المقاومة الإسلامية في العراق المتحالفة مع إيران لضغوط محلية مكثفة للتصرف بمسؤولية وتجنب العمل المتهور الذي يدعو إلى المزيد من الصراع. ورغم تعاطف الرأي العام العراقي مع القضية الفلسطينية ومحنة اللبنانيين، فإن الرأي العام يزداد استياءً من التدخل الإيراني في الشأن العراقي الداخلي، والشعب العراقي ليس على استعداد لتحمل صراع مدمر آخر. ومع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في خريف عام 2025، سيسعى الساسة إلى تأمين الدعم الشعبي من خلال إبعاد أنفسهم عن إيران وخاصةً عقب سقوط نظام بشار الأسد. وقد تقوم الميليشيات شبه العسكرية العراقية، وخاصةً تلك التي لها انتماءات حزبية سياسية، بتقييم الغضب الشعبي اللبناني الموجه الآن نحو حزب الله لجر البلاد بأكملها إلى صراع مع إسرائيل. وقد تكون حذرة من الثمن العسكري الذي دفعه حزب الله، مع شعور بالخوف بشأن ما قد يحدث لها إذا استفزت إسرائيل[15].
ارتبطت الفصائل المسلحة على الصعيد العراقي بسلوكيات تتصل بالفساد والتغوّل والقمع والطائفية، ما تُعرف على نحو رئيسٍ لدى عموم العراقيين من خلال هذه السمات. وباستثناء بعض النقاشات النخبوية المتناثرة بخصوص الإمكانية الفعلية لدخول العراق في دعم حماس عسكريًا وجدواه، لم تشهد البلاد نقاشًا جدّيًا بخصوص السياسة العراقية نحو فلسطين، بل تركّز معظم النقاش، والغضب معه، حول الفصائل المسلحة، في إطار سلبي غالبًا. وفي هذا السياق، قامت الحكومة العراقية بالمطلوب منها شعبيًا والمتيسر لها في هذا الصدد، على نحوٍ لا يختلف عمّا قامت به الدول العربية الأخرى: تقديم المساعدات الإنسانية، والدعم المعنوي والسياسي، من دون التورط عسكريًا في مواجهة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة[16].
سادسًا: مستقبل فصائل المقاومة الإسلامية في العراق عقب سقوط النظام السوري
يبدو أن ملامح الجغرافيا السياسية والعسكرية الجديدة للشرق الأوسط التي اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على رسمها بدأت تنكشف ولعل أحد عناصرها الرئيسية تحجيم النفوذ الإيراني وقطع أذرع وكلائها الإقليميين؛ وقد بدأت الحلقة الأولى بتدمير حركة حماس وتفكيك بنيتها التنظيمية والعسكرية والسياسية، ثم إضعاف حزب الله، فتقويض الميليشيات الإيرانية وتحجيمها، وأخرها سقوط سوريا وهروب بشار الأسد ؛ لذا تشير المؤشرات الحالية إلى ضعف فصائل المقاومة الإسلامية في العراق في الفترة القادمة ويمكن إرجاع ذلك لعدد من الأسباب نذكر منها:-
1- ضعف الفاعلية القتالية والعملياتية للفصائل العراقية: التي لا تملك إلا تجربتين قتاليتين أساسيتين؛ الأولى قتال تنظيم داعش في العراق، والثانية القتال في سورية دفاعًا عن نظام بشار الأسد. وفيهما، تلقت الفصائل دعمًا حكوميًا، وكانت تقاتل إلى الجانب الرسمي والمؤسساتي، وليس الجانب «المعارض» أو «المقاوم» الذي عليه أن يواجه تحديات إضافية كثيرة من ضمنها امتلاك الخصم الرسمي، الدولة، للأرض والشرعية القانونية والإمكانات اللوجستية والمادية الناشئة عن هذه الحقيقة المؤسساتية المهمة. لذلك، لم تتطور لديها القدرات القتالية، لا لوجستيًا ولا عملياتيًا، كتلك التي تطورت مثالًا لدى حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية اللتين تعملان في ظروف مختلفة عن ظروف عمل الفصائل العراقية.
2- ضعف قدرة الفصائل على العمل سويًا: على نحو سريع لتفعيل وحدة الساحات في إطار محور المقاومة، وتخفيف الضغط الهائل الذي كان يواجه عضو المحور الآخر، حماس، المحاصر في غزة في سياق عملية عسكرية إسرائيلية شرسة هدفها القضاء عليه. وجاء فشل الفصائل في العمل معًا حتى بعد اصطفافها تحت المظلة الجامعة «المقاومة الإسلامية في العراق» لتقديم نفسها على أنها منظومة واحدة متناسقة، خصوصًا في وقت الخطر والشدة، كالذي مثّلته مرحلة ما بعد طوفان الأقصى.
3- الدور المتصاعد للحكومة العراقية في ردع الفصائل عن الدخول في مغامرات عسكرية: أو محاولة سلب الحكومة سلطة اتخاذ قرارات الحرب والسلم، وهي السلطة التي تخضع لتحدٍّ مستمر من جانب الفصائل. فعلى سبيل المثال، بعد قيام الفصائل بضربة البرج 22 في الأردن، مارست الحكومة مجموعة من الضغوط لمنعها من المضيّ في مسار المواجهة العسكرية، وصولاً إلى تهديد رئيس الحكومة، السوداني، بالاستقالة من منصبه في حال تواصل أعمال الفصائل العسكرية، وتضمنت بعض هذه الضغوط صناعة تحشيد سياسي ومؤسساتي عرا يق ضد هذه الأعمال، وممارسة الضغط على إيران للمساعدة في ردع الفصائل.
4- سقوط نظام بشار الأسد: تُعد سوريا حلقة الوصل الرئيسية بين المليشيات العراقية وإيران منذ أزمة 2014، والتي تسبق أزمة غزة، كان المرجع العراقي علي السيستاني قد طالب في فتوى بحصر السلاح بيد الدولة، دون استجابة حقيقية من تلك الفصائل الولائية.
5- تراجع حزب الله: يبدو أن حزب الله لم يدعم الفصائل في الفترة المقبلة لمجموعة من الاعتبارات الرئيسية، أولها أن الحزب عانى من حالة استنزاف كبيرة على وقع الحرب الأخيرة، وأن أولوية الحزب حالياً تتجه نحو الإطار المحلي وإعادة بناء صفوفه، بما يعني أنه غير مستعد للانخراط في أي أعمال قتالية جديدة على المدى القريب وخاصةً بعد تخليه عن بشار الأسد وسقوط النظام السوري، وثانيهما: أن أولوية حزب الله حاليًا تتجه إلى حماية منشآته الحيوية وبناه التحتية، وهو ما أكدته هيئة البث العبرية في تقرير لها في 2 ديسمبر 2024.
6- التراجع الإيراني: إن إيران تُدخل في حساباتها مجموعة من العوامل، إذ أنها تحاول الموازنة بين تقديم الدعم لحلفائها وتجنب التصعيد مع القوى الدولية مثل إسرائيل والولايات المتحدة، كذلك فإن أي تدخل إيراني فج في العراق قد يحمل تكلفة كبيرة على مستوى الضغوط والتصعيد الأمريكي المحتمل ضد ذلك،
إن رغبة إيران الواضحة في الحفاظ على مصالحها الواسعة والمتنوعة في العراق، الاقتصادية والسياسية، خصوصًا في مجالات تصدير البضائع إليه والالتفاف على العقوبات الأمريكية ضدها، تتجاوز أهمية دور الفصائل المحدود في دعم «محور المقاومة». كما أدت الحكومة دورًا في الوساطة بين الأمريكين والفصائل المسلحة للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد بينهما وإدامتها بعد ضربة الأردن. وفي المقابل، دّقّمت الحكومة للفصائل بعض التنازلات كما في وعدها لها بإنتاج جدول لانسحاب القوّات الأمريكية من العراق، وهو ما نجحت في إنجازه مؤخرًا عبر التوصل مع الجانب الأمريكي إلى ترتيبات الانسحاب على مرحلتين، تنتهيان في سبتمبر 2026؛ ومن ثم فمن المتوقع تقليص الدعم المالي واللوجيستي الإيراني الموجه إلى الفصائل.
7- التوعد الإسرائيلي: – أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في خطاباته السياسية، أن العراق يقع ضمن الساحات التي تخوض إسرائيل المواجهة معها، وتتلقى منها تهديدات. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الأمريكية، في نوفمبر الماضي، أنها سعت إلى الحيلولة دون قيام إسرائيل بعمليات عسكرية في العراق كرد فعل على الهجمات التي تشنها ما تُسمى “فصائل المقاومة الإسلامية”. وهذا قد يُعد إشارة ضمنية إلى أن واشنطن قد لا تتدخل في حال إقدام إسرائيل على خطوة من هذا النوع، ولكن إذا كانت تل أبيب ترى حاليًا أن هناك أطرافاً أخرى قد تخوض هذه المواجهة مع الفصائل العراقية، فستترك «الفخار يكسر بعضه بعضًا».
[1] Hamdi Malik, Michael Knights, Profile: The Islamic Resistance in Iraq, The Washington Institute, 21 October 2023, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/profile-islamic-resistance-iraq
[2] What is the Islamic Resistance in Iraq, the coalition of militias under the umbrella of Iran, Nova News, 29 January 2024, available at: https://www.agenzianova.com/en/news/cose-la-resistenza-islamica-in-iraq-la-coalizione-di-milizie-sotto-lombrello-delliran/
[3] Ahmad Sharawi, The Islamic Resistance in Iraq increases its drone attacks on Israel, FDD’s Long War Journal,
4 June 2024, available at: https://www.fdd.org/analysis/op_eds/2024/06/04/the-islamic-resistance-in-iraq-increases-its-drone-attacks-on-israel/
[4] Analyzing Iranian-Orchestrated Attacks on U.S. Bases in Syria and Iraq Post Gaza War, Omran Center for Strategic Studies, 7 March 2024, available at: https://omranstudies.org/index.php/our-news/tag/Islamic%20Resistance%20in%20Iraq%20(IRI).html
[5] Hamdi Malik and Michael Knights, Iraqi Muqawama Too Scared to Commemorate Soleimani and Muhandis Fully, The Washington Institute, 15 January 2025, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iraqi-muqawama-too-scared-commemorate-soleimani-and-muhandis-fully
[6] Arash Azizi, What is the “Islamic Resistance in Iraq,” Which Claimed Deadly Attack on US Troops?, IRANWIRE, 29 January 2024, available at: https://iranwire.com/en/middle-east/124787-what-is-the-islamic-resistance-in-iraq-which-claimed-deadly-attack-on-us-troops/
[7] Lizzie Porter, Islamic Resistance in Iraq appears to be responsible for attacks in the country and there’s no end in sight, Atlantic Council, 22 November 2023, available at: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/islamic-resistance-in-iraq-israel-hamas/
[8] Hamdi Malik, Michael Knights, Iraqi Militias Try to Obfuscate Their Role in Anti-U.S. Attacks, The Washington Institute, 29 October 2024, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iraqi-militias-try-obfuscate-their-role-anti-us-attacks
[9] Hamdi Malik, Michael Knights, Profile: The Islamic Resistance in Iraq, The Washington Institute, 21 October 2023, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/profile-islamic-resistance-iraq
[10] Michael Knights, Saraya Awliya al-Dam Finds New Mission in Israel Attacks, The Washington Institute, 27 June 2024, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/saraya-awliya-al-dam-finds-new-mission-israel-attacks
[11] Michael Knights, Amir al-Kaabi, Hamdi Malik, Tracking Anti-U.S. and Anti-Israel Strikes From Iraq and Syria During the Gaza Crisis, The Washington Institute, 14 October 2024, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/tracking-anti-us-and-anti-israel-strikes-iraq-and-syria-during-gaza-crisis
[12] Michael Knights, Ameer al-Kaabi, Crispin Smith, Tripling of Iraqi Militia Claimed Attacks on Israel in October, The Washington Institute, 15 October 2024, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/tripling-iraqi-militia-claimed-attacks-israel-october
[13] Ameer al-Kaabi, Michael Knights, Hamdi Malik, Iraqi Militias Downscaling Their Anti-Israel Actions, The Washington Institute, 26 November 2024, available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iraqi-militias-downscaling-their-anti-israel-actions
[14] Ibid.
[15] Hamzeh Hadad, Proxy battles: Iraq, Iran, and the turmoil in the Middle East, European Council on Foreign Relations , Policy Brief 16 April 2024, available at: https://ecfr.eu/publication/proxy-battles-iraq-iran-and-the-turmoil-in-the-middle-east/
[16] Ameer al-Kaabi, Overlap Between the Islamic Resistance in Iraq and the Popular Mobilization Forces, The Washington Institute, 27 June 2024, Available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/saraya-awliya-al-dam-finds-new-mission-israel-attacks