الدراسات الافريقية

ميازا أشِنافي وريادة الحركة النسائيّة في إثيوبيا

إعداد: نِهاد محمود -باحثة متخصصة في الشئون الإفريقية – عضو مجموعة عمل الدراسات الإفريقية بالمركز.

تعدّ ميازا أشنافيMeaza Ashenafi  واحدة من أبرز نساء إثيوبيا الرائدات في مجال الدفاع عن قضايا المرأة اللواتي قدّمن الكثير من الإسهامات غير المسبوقة للنساء الإثيوبيات المُهمَّشات، لا نبالغ بالقول أنها الأبرز على مدار التاريخ الإثيوبي، وهو أمر ليس بمستغرب بالنظر إلى خلفيتها القانونية التي جعلتها واحدة من النساء البارزات في مجال القانون، المتطلعات إلى استعادة الثقة في القضاء وضمان استقلاله، وحمل قضايا النساء الأكثر ضعفًا على عاتقها، ما أهَّلها مع كفاءتها منقطعة النظير لتصبح في عام 2018 أول امرأة في تاريخ إثيوبيا تشغل منصب رئيسة المحكمة العليا الفيدرالية (رئيسة القضاة)، من قِبَل مجلس النواب في أديس أبابا؛ حيث عملت على تعزيز التنسيق بين مؤسسات القضاء في إثيوبيا، وخاصة في مجال إدارة العدالة الجنائية والنزاعات الدستورية.

وجدير بالذكر أن “أشنافي” قد اعتلت منصبها -كأول رئيسة قضاة في المحكمة العليا في إثيوبيا- بعد أن أدى نقص القضاة في البلاد إلى إنشاء برنامج للخريجين الجدد في بداية حياتهم المهنية لتلقي التدريب لإعدادهم للخدمة في المحكمة. ولحسن الحظ، كانت “أشنافي”، واحدة من هؤلاء. في هذه المرحلة بدأت في رؤية القانون، وكيف أن تطبيقه يحمل تمييزيًا ضد النساء. وهو ما دفعها لاحقًا لتسخير جهودها لتحسين وضعية المرأة الإثيوبية الأكثر ضعفًا وتهميشًا، كالمشاركة في تأسيس جمعية المحاميات الإثيوبيات (EWLA) لتقديم خدمات مجانية للنساء غير القادرات على تحمل تكاليف الدفاع القانوني، وكذلك المشاركة في تأسيس بنك المرأة (Enat Bank) وهو أول بنك نسائي في إثيوبيا يستهدف تمكين المرأة اقتصاديًا وتزويدها بأدوات الثقافة المالية. كما عملت الناشطة في حقوق الإنسان على إصلاح الطريقة التي يتعامل بها النظام القضائي الإثيوبي مع قضايا التحرش الجنسي. بما في ذلك من صياغة مفردات باللغة الأمهرية لوصف ظاهرة التحرش الجنسي، لخلو اللغة الأمهرية من كلمات ذات صلة بالعنف ضد المرأة، كما سنفصل لاحقًا.

ميازا أشِنافي.. الميلاد والنشأة:

ولدت “أشنافي” في 25 يوليو 1964 في بلدة صغيرة تسمى أسوسا، وهي الآن عاصمة ولاية بني شنقول-جوموز، كما أنها واحدة من أصغر المناطق وأقلها نموًا في إثيوبيا. تقول “ميازا” إن والدتها كانت مصدرًا لقوتها ولعبت دورًا كبيرًا في نجاحها من خلال غرس قيم مهمة مثل الصدق والإنصاف في سن مبكرة وتشجيعها على الدراسة الجادة على الرغم من أنها لم تتلق تعليمًا رسميًا. وتقول “ميازا” أن هذه القيم كقول الحقيقة وعدم الخوف من تحدي السلطة، وخاصة عند مشاهدة الظلم أو التمييز، دفعتها إلى متابعة القانون واختياره للدراسة.

من تتبع مسار “أشنافي” التعليمي تجد أنها قد أحبَّت كثيرًا العلم والمعرفة وكانت دائمًا واحدة من أفضل الطلاب في فصلها. وقد تمكنت من الانضمام إلى كلية الحقوق بجامعة أديس أبابا (AAU) في عام 1981 وكانت خلال ذلك المرأة الوحيدة من بين خمسين طالبًا، حتى العام التالي عندما انضمت ثلاث نساء أخريات. تقول إن هذا كان تحديًا كبيرًا ولكنه مثَّل أيضًا فرصة جيدة للنضج والتحدي والتعلُّم. بعد تخرجها من الجامعة عام 1986، عملت في وزارة التجارة لمدة ثلاث سنوات تقريبًا. ثم بدأت حياتها المهنية في القضاء من خلال برنامج توظيف الخريجين الجدد سالف البيان، الذي سعى إلى التخفيف من نقص القضاة من خلال تعيين شباب محترفين مؤهلين بعد اجتيازهم ستة أشهر من التدريب للعمل كمساعدين للقضاة. وبناءً على ذلك، أصبحت قاضية في المحكمة الجنائية الفيدرالية العليا في عام 1989 وخدمت هناك لمدة خمس سنوات. خلال هذا الوقت وكما ذكرنا أعلاه، لاحظت كيف أن القانون والطريقة التي يتم تنفيذه بها كانا تمييزيين ضد المرأة، وعليه قررت أن تأخذ على عاتقها مهمة العمل لإصلاح هذه الوضعيّة التهميشيّة المجحفة للمرأة الإثيوبية.

صياغة الدستور الإثيوبي:

في عام 1993، تم تعيين الحقوقية “أشنافي” كباحثة ومستشارة للجنة حقوق الإنسان التابعة للجنة صياغة الدستور الإثيوبي، وهي الهيئة المسؤولة عن صياغة الدستور الإثيوبي. هناك، لعبت دورًا رئيسيًا من خلال المساعدة في صياغة لوائح قوية لحماية حقوق المرأة والطفل، وبشكل عام ساعدت خبرة “ميازا” في مجال حقوق المرأة في ضمان تمثيل النساء والفتيات في دستور إثيوبيا، خاصة أنها أثناء عملها في اللجنة المعنية بصياغة الدستور الإثيوبي، تم إرسالها إلى لاهاي لتدريبها وتعريفها بقضايا حقوق الإنسان الدولية، وهناك التقت بالعديد من النساء الأفريقيات المدافعات عن حقوق المرأة، ما جعلها على دراية بقضايا ومعضلات المرأة ليس فقط داخل نطاق بلدها بل على المحيطين الإقليمي والدولي.

جمعية المحاميات الإثيوبيات (EWLA):

بعد انتهاء عملها في لجنة صياغة الدستور، أرادت “أشنافي” تحقيق رؤيتها لإنشاء كيان يضمن تنفيذ القوانين التي تم سنّها لحماية حقوق المرأة بشكل هادف. ولتحقيق هذه الغاية، شاركت في تأسيس جمعية المحاميات الإثيوبيات (EWLA) في عام 1995 مع أتسيدويوين تيكلي ومحاميات أخريات. وبدأت الجمعية عملها في العام 1996 وشغلت “ميازا” منصب المديرة التنفيذية للجمعية لمدة ثماني سنوات، وخلالها ساهمت جهودها كثيرًا في إعادة ترتيب قضايا المساواة بين الجنسين، ولاسيما مع تعزيز الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية للمرأة، من خلال تأمين الحماية الكاملة لهذه الحقوق بموجب دستور جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية وغيرها من اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ذات الصلة.

كما ساهمت الجمعية تحت قيادتها في تقديم العديد من التعديلات على القانون الجنائي الإثيوبي، بما في ذلك القوانين التي تجرم العنف المنزلي وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (FGM). فقبل ذلك، لم يكن العنف المنزلي أو التحرش الجنسي يعتبران من الجرائم في إثيوبيا. وليس بخافٍ أن هذه الخطوات ساعدت كثيرًا في ضمان العدالة للكثير من النساء الإثيوبيات. كما افتتحت جمعية المحاميات الإثيوبيات سلسلة من الفروع لتقديم الخدمات القانونية للنساء الأكثر فقرًا. أما فيما يتعلق باللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية للبلاد، فلم يكن لديها مفردات للتعبير عما تتعرض له المرأة من أعمال عنف كالتحرش والاغتصاب. وتقول “ميازا” إنهم اضطروا إلى ابتكار عبارة مثل “يسيتوتش تيقات” للإشارة إلى كل أشكال العنف ضد المرأة.

وبشكل عام وبالتعاون مع المؤسسين المشاركين في جمعية المحاميات الإثيوبيات، ساعدت ” أشنافي” في إدخال تعديلات رئيسية على قانون الأسرة الإثيوبي، والقانون الجنائي، وقانون العمل، وقانون الجنسية، وقانون التقاعد، والقوانين الوطنية الأخرى على نحو يعزز من حقوق المرأة الإثيوبية.

التمرُّد على التقاليد الإثيوبية المُجحِفَة:

في عام 1996، عملت “أشنافي” كمحامية في قضية بارزة لفتاة تبلغ من العمر 14 عامًا كانت في طريقها إلى المنزل من المدرسة عندما اختُطِفَت من قِبَل مجموعة من الرجال كانوا يسعون للحصول عليها كعروس لزوج مُحتمل لها (وهي عادة معروفة ضمن التقاليد الإثيوبية). لكن ترتب على ذلك قيام الفتاة بإطلاق النار على الزوج المُحتمل الذي ضربها واغتصبها. تولت “ميازا” قضية الدفاع عن الفتاة ودعمها مجانًا، على الرغم من أن الاختطاف للزواج يعد أحد أقدم التقاليد في إثيوبيا، إلا أن الفتاة تصرفت على هذا النحو دفاعًا عن النفس. نجحت “أشنافي” في الدفاع عن الفتاة، وأدت ملابسات القضية إلى قيام الحكومة بحظر العادة الإثيوبية المتمثلة في اختطاف الفتيات للزواج. وجدير بالملاحظة أنه في عام 2014، تم تجسيد هذه القصة في فيلم نال استحسانًا كبيرًا بعنوان “Difret” من إنتاج Zersenay Berhane Mehari.

خاتمة:

لاتزال “ميازا أشنافي” من خلال عملها كمحامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان ومستشارة في مجال النوع الاجتماعي وحقوق المرأة بالأمم المتحدة، وكعضو في العديد من المنظمات المدافعة عن قضايا المرأة، تسلط الضوء على قضايا الإقصاء والعنف التي تتعرض لها النساء هنا وهناك في بلدها، وتنشط في هذا المسار على نحو غير متوقف وبخاصة فيما يتعلق بإثارة الوعي بضرورة الحماية القانونية للمرأة وكذلك تمكينها اقتصاديًّا، وتعزيز حقوقها كافة، وهو ما أهَّلها للحصول على العديد من الجوائز والترشيحات في مجالات السلام والعمل الخيري والقيادي؛ كان أبرزها ترشيحها في عام 2015 لجائزة نوبل للسلام، كما أُعلِن عن دخولها قائمة Avance Media لأكثر 100 امرأة أفريقية تأثيرًا. وحصلت كذلك على جائزة القيادة الأفريقية، وجائزة المرأة الشجاعة من أجل إثيوبيا من قِبَل حكومة الولايات المتحدة، وغيرها من جوائز وترشيحات جعلت مسيرتها تجاه العدالة والمرأة وقضاياها، النموذج والإلهام الأبرز للجيل الجديد ليس فقط من المحاميات الإثيوبيات بل والنساء الأفريقيات الطامحات لاكتشاف وخوض مثل هذه الدروب وتقديم الدعم لغيرهن وكسر الحواجز المجتمعية المعرقلة لاكتساب النساء للكثير من حقوقهن، بما يؤدي لإحداث تغييرات حقيقية وملموسة على حياة غيرهن من النساء (المهشمَّات) للأفضل.

زر الذهاب إلى الأعلى