البيئة في زمن الحروب والصراعات: ضحايا خفية وآثار مستدامة

إعداد : فوزية صبري – باحثة مشاركة.
مراجعة : د. مي أحمد – مسئول برنامج التنمية المستدامة والطاقة.
تشهد العقود الأخيرة في القرن الحادي والعشرين تزايد الوعي بقضايا البيئة والسعي نحو الاستدامة البيئية، وتواجه تلك الطموحات البيئية العديد من التحديات ويعد من أبرزها الحروب والصراعات التي تمثل تحدي معقد ومتعدد الأبعاد على كافة المستويات خاصة على المستوى البيئي، حيث يمكن أن تؤدي الحروب والصراعات إلى تدهور النظام البيئي والنظم الايكولوجية الحيوية. وعليه تصبح البيئة ضحية من ضحايا الحروب، وذلك من خلال تسميم التربة وقطع الغابات وقتل الحيوانات، بالإضافة إلى تلويث المياه. كما تتجاوز الأثار البيئية للحروب والصراعات حدود الأطراف لتؤثر على كافة دول العالم المتقدم والنامي.
ويقدم هذا التقرير نظرة عامة عن أبرز الحروب والصراعات المسلحة التي تعاني منها البيئة بالإضافة إلى تأثيراتها المباشرة والثانوية وتأثيراتها على الحوكمة البيئية والتداعيات البيئية للحروب قبل وبعد اندلاعها، وأخيرًا أبرز الجهود الدولية والأممية للحد من التداعيات البيئية للحروب والنزاعات المسلحة.
أولًا: مستويات قياسية من الحروب والصراعات
يشهد العالم العديد من الحروب والصراعات المسلحة على نحو الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والحرب في السودان. علاوة على ذلك بلغ عدد الصراعات المسلحة أكثر من ١٧٠صراعًا في عام ٢٠٢٣[1] وينتج عن تلك الحروب والصراعات تدهور للبيئة، ويمكن تقسيم تأثيرات الصراعات والحروب على البيئة إلى ثلاثة أجزاء:[2]
١-تأثير مباشر: ويشير إلى الاستهداف المتعمد للبيئة حيث يتم استخدام الموارد الطبيعية من قبل الجماعات المسلحة لتمويل الصراع، وأيضًا ينطوي على التلوث البيئي الناتج عن قصف المواقع الاستراتيجية كالمصانع ومحطات المياه والكهرباء… الخ.
٢-تأثير ثانوي: تنشأ نتيجة استخدام السكان لبعض استراتيجيات التكيف مع الصراع مع أجل البقاء على قيد الحياة على نحو نمو السوق السوداء للموارد الطبيعية أثناء الصراعات والحروب وعلاوة على ذلك الاضرار البيئية الناتجة عن نزوح السكان.
٣-تأثير الحوكمة البيئية: فقد تؤدي الحروب والصراعات إلى إعاقة حوكمة البيئة حيث سينشغل صناع القرار بتحقيق النصر السياسي والعسكري مع تراجع الاهتمام بقضايا البيئة.
ثانيًا: الأثار البيئية للحروب والصراعات قبل اندلاعها
إن الأثار البيئية للحروب والصراعات المسلحة تبدأ قبل وقت كبير من اندلاعها، حيث إن إعداد قوات مسلحة قوية قادرة على تحقيق نصر عسكري وسياسي يستهلك كميات هائلة من الموارد من بينها معادن شائعة وعناصر أرضية نادرة وماء كما يتطلب استخدام المعدات العسكرية كالطائرات والسفن والدبابات استخدام الطاقة وغالبًا ما تكون هذه الطاقة هي النفط الغير صديق للبيئة. كما قد يتطلب توفير بعض الأماكن للجيوش من أجل التدريب تدمير بعض الغابات وعلاوة على ذلك ينتج عن بعض المحاولات التجريبية لتأكد من قوة الأسلحة تلوث التربة والمياه والنباتات والتي تمتد أثارها لتوثر على صحة الإنسان.[3]
ثالثًا: تداعيات الحروب والصراعات على البيئة
أولًا: ركام تدمير البنيه التحتية الحيوية حيث عادة ما تكون الأهداف العسكرية موجهة ضد المنشآت الاستراتيجية للدول على نحو محطات الطاقة ومحطات المياه و المصانع الاستراتيجية في المناطق الحضرية[4] و ينتج عن ذلك التدمير كميات كبيرة من الركام-يجب الإشارة إلى أن ركام الحروب يختلف عن نفايات البناء وحالات الهدم العادية بسبب احتوائه على ذخائر متفجرة وبقايا بشرية- التي تؤدي إلى تدهور البيئة ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في أوكرانيا حيث أدت الهجمات الروسية على كييف إلى تدمير العديد من محطات الطاقة[5] وعلاوة على ذلك ما يحدث في قطاع غزة حيث يشير تقرير الأضرار المؤقت إلى تدمير 60% من البنية التحتية في جميع قطاعات غزة باستثناء قطاع المياه والصرف الصحي وذلك خلال الفترة 7 أكتوبر2023 حتى يناير 2024.[6]
ثانيًا: تلوث الهواء والتربة والمياه، حيث يؤدي استخدام الأسلحة التقليدية والحرائق الناتجة عن العمليات العسكرية إلى زيادة نسبة انبعاثات الغازات الملوثة للهواء، كما تتأثر المياه بتدمير بنيتها التحتية وتمتد أثار الغازات السامة إلى المياه الجوفية ومياه الأنهار والبحيرات والبحار وعلاوة على ذلك تؤدي عمليات القصف وحفر الأنفاق وبعض المواد الكيمائية إلى تدهور التربة وتغير مكونتها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نتج عنها تلوث المياه بسبب تسرب مياه الصرف الصحي والمواد الكيمائية وعلاوة على ذلك تم إغلاق محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة بحلول منتص نوفمبر2023[7] وقد تلوث الهواء بالمواد الكيمائية الموجودة في الأسلحة على نحو الفسفور الأبيض[8]
ثالثًا: فقدان التنوع البيولوجي، حيث أنه خلال الحروب والصراعات المسلحة يتم تدمير الغابات والأراضي الزراعية وعليه تفقد الكائنات مواطنها الطبيعية وعلاوة على ذلك يتم قتل وإصابة العديد من الحيوانات والطيور على نحو ما حدث خلال الحرب الروسية الأوكرانية حيث تم تعريض حوالي 600 نوع من الحيوانات و750 نوع من النباتات والفطريات للخطر و تم تدمير محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية في أوكرانيا والذي ترتب عليها موت العديد من الحيوانات والأسماك، فوفقًا لوزارة السياسة الزراعية الأوكرانية نتج عن تدمير كاخوفكا خسارة حوالي 95000 طن من الأسماك البالغة والتي تقدر فيمتها بأكثر من 108 مليون دولار.[9]
رابعًا: النزوح البيئي، حيث تؤدي الحروب والصراعات المسلحة إلى نزوح الأشخاص من مناطق الحروب إلى مناطق أمنه حيث يوجد أكثر من 68 مليون شخص نازحين داخليًا بسبب النزاعات والحروب ولقد بلغ عدد النازحين السودانيين داخليًا 9.1 مليون شخص وفي الكونغو الديمقراطية 6.7 مليون شخص.[10] وقد يترتب على عمليات النزوح العديد من الأثار البيئية ويعد أبرزها استنزاف الموارد الطبيعية.[11]
خامسًا: إعاقة جهود الحفاظ على البيئة، تؤدي الحروب والصراعات المسلحة إلى تراجع حوكمة البيئة من على رأس أجندات صناع القرار حيث تم توجيه الأموال المخصصة لحوكمة البيئة إلى تمويل الجيوش وعلاوة على ذلك يتم تدمير بعض منشات الطاقة النظيفة خلال الحروب كما أشرنا إلى ذلك سابقًا.[12]
رابعًا: أبرز الجهود المبذولة للحد من التداعيات البيئية للحروب والصراعات
تبذل منظمة الأمم المتحدة جهود حثيثة من أجل إدماج الأعمال الخاصة بالبيئة في الخطط الشاملة لمنع نشوب الصراعات وبناء السلام وتتمثل أبرز تلك الجهود في:
اعتراف جمعية الأمم المتحدة للبيئة في مايو 2016 بدور النظم البيئية النظيفة في الحد من مخاطر النزاعات المسلحة وأكدت بالتنفيذ الكامل لأهداف التنمية المستدامة2030. وقد تشاركت ست إدارات ووكالات تابعة للأمم المتحدة مع الاتحاد الأوربي من أجل مساعدة الدول على تحديد التوترات بشأن الموارد الطبيعية ومنعها من أجل منع الصراعات وبناء السلام وعلاوة على ذلك تم إطلاق برنامج بحثي عالمي بين معهد القانون البيئي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وجامعة طوكيو وميكغل من أجل جمع الدروس المستفادة والممارسات الجيدة في إدارة الموارد الطبيعية أثناء عملية بناء السلام بعد انتهاء الصراع وقد أسفر البرنامج البحثي عن أكثر من 150 دراسة حالة راجعها أكثر من 230 من العلماء والممارسين وصناع القرار في 55 دولة.[13]وبالرغم من تلك المساعي الأممية والدولية مازالت البيئة تعاني من التدهور نتيجة استمرار تلك الحروب والصراعات المسلحة.
وختامًا لما سبق نجد أن التداعيات البيئية للحروب والصراعات المسلحة قضية مصيرية لا تقصر أثارها على الدول والجماعات أطراف الصراع بل تمتد أثارها لجميع الكائنات الحية _ضحايا الحروب الغير معلنة_ لذلك نوصي المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة بتكثيف جهودها للتوعية بالتداعيات السلبية للحروب والصراعات على البيئة وتبني سياسات أكثر فاعلية تحمي البيئة من خطر الحروب والصراعات المسلحة.
[1] The United Nations, How conflict impacts our environment, accessed on 4/1/2025, available at,
[2] UNDRR, Environmental degradation from conflict, accessed on 4/1/2025, available at,
[3] Conflict and Environment Observatory, how does war damage the environment?, 4/6/2020, accessed on 5/1/2025, available at,
[4] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التلوث بالأسلحة: الحد من المخاطر على المجتمعات المحلية، شوهد في 5/1/2025، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/T1kGfT
[5] الشرق الأوسط، روسيا تشن أكبر هجوم على البنية التحتية الأوكرانية، نشر في 26/8/2024,متاح علي الرابط التالي : https://n9.cl/bqcsl
[6] UN environment programme, environmental impact of the conflict in Gaza (preliminary assessment of environmental impacts), 18/6/2024, p23.
[7] Natasha Hall, Anita Kirschenbaum, David Michel, the siege of Gaza’s water, 12 Jan 2024, accessed on 5/1/2025, available at: https://is.gd/Ud2Yn1
[8] Farah AL Hattab, scorched-earth: making Gaza uninhabitable for generations to come, 11 July 2024, accessed on 4/1/2025,available at: https://is.gd/dq6rlk
[9] EU NEIGHBOURS EAST, Biodiversity under siege: the environmental cost of Russian war in Ukraine, 4 Feb 2024, accessed on 6/1/2025, available at, https://is.gd/yghXlr
[10] UN News, Record levels of displacement amid global conflict and environmental disasters, 21 June2024, accessed on 7/1/2025, available at, https://is.gd/P8OtkY
[11] Justice paix, environment climate justice and eco solidarity actions, 26 oct 2023, accessed on 7/1/2025, available at, https://is.gd/pudwJF
[12] محمود قاسم، فقدان التكيف: التأثيرات المتبادلة بين الصراعات المسلحة وأزمة المناخ، مركز المستقبل، نشر في 14 /12/2023، شوهد في 7/1/2025، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/14Zi7j
[13]الأمم المتحدة، اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، نشر في 6/11/2024، شوهد في 1/7/2025، متاح على الرابط التالي: https://is.gd/j09Rb4