الدراسات الافريقية

الضربات الجوية الأميركية في بونتلاند.. بين مكافحة الإرهاب وإعادة ترتيب النفوذ

إعداد: نِهاد محمود -باحثة متخصصة في الشئون الإفريقية -عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز.

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن القوات الأميركية نفّذت غارات جوية بإقليم بونتلاند بالصومال، في الأول من فبراير 2025، استهدفت أحد كبار مُخططي هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأعضاء آخرين في الجماعة المتشددة مما أسفر عن مقتل العديد منهم.

ولا يمكن النظر إلى هذه العملية بمعزل عن استراتيجية مكافحة الإرهاب التي تتبعها وزارة الدفاع الأميركية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، التي تواجه تحديات كبيرة، بعد أن أطاحت دولتان حليفتان رئيسيتان، تشاد والنيجر، بالقوات الأميركية العام الماضي (2024). وهو ما يرتبط برؤية مفادها أن واشنطن تسعى إلى تعويض هذا التراجع من خلال تحقيق تقدم ملموس في القرن الإفريقي، مع تركيز جهودها هذه المرة على محاربة تنظيم داعش في الصومال. ورغم أن التنظيم اشتهر عالميًا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خاصة في سوريا والعراق، فإن نفوذه الحالي بات محدودًا إلى حد كبير داخل مناطق معينة من إفريقيا.

التمدد الداعشي في الصومال.. نظرة عامة:

ظهرت جماعة داعش في الصومال في عام 2015 كفصيل منشق عن حركة الشباب، وهي تنشط بشكل أساسي في إقليم بونتلاند، وخاصة في جبال “جال جالا”، حيث أنشأت مخابئ ومعسكرات تدريب يقودها عبد القادر مؤمن. وفي حين أن نفوذها محدود نسبيًا مقارنة بحركة الشباب، فقد شاركت داعش في الصومال في هجمات في جنوب ووسط البلاد. أما فيما يتعلق بعدد مقاتلي داعش وانتشاره، فتقدره مجموعة الأزمات الدولية بالمئات، معظمهم منتشرين في جبال كال ميسكاد بمنطقة باري في بونتلاند.

وبخصوص التمويل؛ تموّل المجموعة أنشطتها من خلال الابتزاز والتهريب والضرائب غير المشروعة، وخاصة في بعض المناطق الساحلية حيث حاولت السيطرة على الشركات المحلية. وعلى الرغم من مواجهة ضغوط مكافحة الإرهاب من قِبَل قوات الأمن الصومالية والغارات الجوية الأميركية والمنافسة مع حركة الشباب، فإنها تواصل العمل في المناطق النائية والحضرية، سعيًا إلى توسيع نفوذها من خلال التجنيد والدعاية.  

أسباب الهجوم الأميركي:

نُفّذت الضربات الأميركية بالصومال عقب تحذيرات من مسئولين عسكريين أميركيين بشأن تصاعد التوجيهات التي تتلقاها خلايا داعش من قيادة التنظيم، التي انتقلت إلى شمال الصومال. وتشمل هذه التوجيهات استراتيجيات لاختطاف الغربيين بغرض الفدية، وتحسين التكتيكات العسكرية، وأساليب التخفّي من الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى تطوير طائرات مسيّرة صغيرة خاصة بهم.

على جانب آخر يحرص ترامب على تحقيق نتائج ملموسة في ملفات ومهام يرى أن “جو بايدن” قد أخفق في إنجازها، وهو ما قاله في منشور على منصة تروث سوشيال: “دمرت الضربات الأميركية الكهوف التي يعيشون فيها، وقتلت العديد من الإرهابيين دون إلحاق أي ضرر بالمدنيين بأي شكل من الأشكال. لقد استهدف جيشنا مخطط هجوم داعش هذا لسنوات، لكن بايدن ورفاقه لم يتصرفوا بسرعة كافية لإنجاز المهمة. لقد فعلت ذلك!”

وفي السياق يشير بيان وزير الدفاع بيت هيجسيث بشأن الضربات التي شنتها القيادة الأمريكية في إفريقيا في الصومال قائلًا: “بتوجيه من الرئيس ترامب وبالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، نسمح للقيادة الأميركية في إفريقيا بإجراء غارات جوية منسقة تستهدف عملاء داعش في الصومال في جبال غوليس.” كما أكد أن تقييم وزارة الدفاع الأول هو أن العديد من العملاء قُتلوا في الغارات الجوية ولم يصب أي مدني بأذى. خلال ذلك أطلع مسؤولون أمريكيون وسائل الإعلام قائلين إنهم استهدفوا “عبد القادر مؤمن”، الذي قالوا إنه أصبح بهدوء زعيم داعش العالمي، لكن الخبراء أعربوا عن شكوكهم في أنه شغل مثل هذا الدور الكبير.

علاوة على ذلك يوضح البيان أن هذا الإجراء يزيد من تدهور قدرة داعش على التخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية تهدد المواطنين الأميركيين وشركائهم والمدنيين الأبرياء ويرسل إشارة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة دائمًا للعثور على الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة وحلفائها والقضاء عليهم.

الموقف الصومالي من التدخل الأميركي:

في منشور على موقع X (تويتر سابقًا) قال مكتب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إنه يعترف بالدعم الثابت للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي ويرحب بالالتزام المستمر تحت القيادة الحاسمة للرئيس دونالد ترامب. كما قال المنشور إن العملية الأخيرة تعزز الشراكة الأمنية القوية بين الصومال والولايات المتحدة في مكافحة التهديدات المتطرفة. كذلك أشارت فرانس 24 إلى تأكيد مسؤول في مكتب الرئيس الصومالي، عن ترحيب حكومة الصومال بهذه الخطوة، قائلًا: “لا يمكن للصومال أن يكون ملاذًا آمنًا للإرهابيين”، مضيفا أن تأثير الضربات لا يزال قيد التقييم.

كما قال المسؤولون في بونتلاند أن هذه الهجمات التي هدفت لتحييد قادة داعش بشمال البلاد لا تقدر بثمن، وهو ما يمثل تقدمًا كبيرًا في مثل هذه المرحلة، معبرين عن امتنانهم للولايات المتحدة.

وجدير بالإشارة أن هذه الضربات قد حدثت بعد يوم من نداء الرئيس الصومالي لترامب في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست “بعدم سحب المستشارين والخبراء الأمريكيين الذين يدعمون تدريب قوات الصومال الخاصة”.

مآلات محتملة.. بين احتواء الإرهاب وتصعيد التوتر:

إذا كان الرئيس ترامب يخطط مرة أخرى لسحب القوات من الصومال، كما حدث عام 2020 خلال ولايته الأولى، فمن الأهمية بمكان أن يصحح مساره لمنع التأثيرات التي خلَّفها الانسحاب المفاجئ على السلم والأمن في الصومال قبل سنوات. ففي العام الذي أعقب انسحابه (2020)، أفاد مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن عدد هجمات الشباب ارتفع من 1771 إلى 2072، بزيادة قدرها 17٪. بما يعني استغلال التنظيم حالة عدم الاستقرار السياسي والغياب المفاجئ للجيش الأمريكي، على نحو جعلها أعادت تجميع صفوفها وتنظيمها وعادت للانتقام.

استنادًا لذلك يرى بعض الخبراء أنه بدون مساعدة الولايات المتحدة، ستفشل قوات الأمن الصومالية في الحفاظ على المكاسب التي حققتها في احتواء الجماعات الإرهابية. في ظل اعتماد القوات الخاصة الصومالية، مثل لواء الداناب، على التدريب الميداني من الولايات المتحدة في تنفيذ المهام العسكرية. خاصة أنه مع غياب القوات الأميركية على الأرض لمساعدة القوات الصومالية في احتواء هذه التحركات، تمكنت حركة الشباب بالفعل من تنظيم بعض من أعنف هجماتها وأكثرها تطورًا.

إن تكرار المسار السابق قد يؤدي إلى إعادة تنظيمي الشباب وداعش بشكل أكبر، على نحو يهدد الصومال والاستقرار الإقليمي للمنطقة ككل. إضافة إلى تعريض الشعب الصومالي لخطر قطع المساعدات الإنسانية خلال أوقات عصيبة ناجمة عن التغيرات المناخية وزعزعة الأمن.

لكن ذلك لا ينفي أن تدخُّل الولايات المتحدة الذي دام لعقود من الزمان في الصومال قد ساهم في عدم الاستقرار الحالي، ومع ذلك فإن الانسحاب المفاجئ مرة أخرى لن يقدم حلًا فعالًا لهذه المشكلة المعقدة. وسواء استمر دور الولايات المتحدة كما هو أم لا، على الصومال الاستمرار بالتوازي مع ذلك، في المقاربات والحلول الإفريقية الجماعية والثنائية: كبعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، والتفاهم المصري-الصومالي الذي تجسد مؤخرًا في بروتوكول تعاون عسكري (أغسطس 2024)، واتفاق البلدان حينها على مشاركة مصر بالبعثة الإفريقية لحفظ السلام في الصومال (2025-2029)، كما قدمت القاهرة إلى مقديشيو خلال ذلك بعض من المعدات العسكرية. وعليه ينبغي أن تسير مثل هذه التقاربات إلى جانب الشراكات الدولية، للوصول لأفضل التسويات والنتائج الممكنة.

خاتمة: ما بعد الاستهداف الجوي الأميركي

بعد أسابيع قليلة من بدء ولايته الثانية، يفي ترامب ببعض من وعود حملته الانتخابية. التي شملت عمليات الترحيل الجماعي، والانسحاب من بعض الشراكات المتعددة الأطراف، بما في ذلك العملية الأخيرة التي تم شنها في الصومال، التي تشير إلى التزام الولايات المتحدة بمواصلة جهودها في مكافحة الإرهاب في المنطقة، ولو بشكل جزئي. في تأكيد على أهمية التعاون الدولي في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية في الصومال. مع ذلك، تطرح المرحلة المقبلة بناء على هذه التحركات تساؤلات حول مدى إمكانية تحقق التزام الرئيس بوعد أساسي من وعوده الانتخابية وهو: إنهاء الحروب التي لا تنتهي.

ختامًا، وبنظرة أوسع على التحركات الأميركية المُحتملة تجاه القارة الإفريقية خلال الولاية الثانية للرئيس ترامب، وفي ظل التمدد المتزايد لكل من روسيا والصين، المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة، إلى جانب قوى صاعدة أخرى، من المرجح أن يتبنى ترامب نهجًا تنافسيًا وبراغماتيًا في تعامله مع إفريقيا. ومع رغبته في تجنّب الانخراط في صراعات مباشرة، سواء في إفريقيا أو الشرق الأوسط، فإنه كما ذكرنا سلفًا، سيركز على الاعتماد على الضربات الجوية كأداة رئيسية، مع تفادي أي تدخل عسكري واسع النطاق.

المصادر:

  1. الصومال.. ضربات جوية أميركية تقضي على “قادة رئيسيين” في داعش، سكاي نيوز عربية، 2 فبراير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/0JFe8ylw
  2. الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الإفريقية، جريدة الشرق الأوسط، 9 يناير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/AATNl7Rl

3.Devra Baxter, The US is Waging War in Somalia. What Will Trump Do About It?, Inkstick Media, Feb 6, 2025, Accessed at: https://inkstickmedia.com/the-us-is-waging-war-in-somalia-what-will-trump-do-about-it/

4.Nadeem Badshah and Faisal Ali, Trump airstrikes target ‘senior IS attack planner’ in Somalia, The Guardian, Feb 1, 2025, Accessed at: https://www.theguardian.com/world/2025/feb/01/donald-trump-us-airstrikes-islamic-state-somalia

5.U.S. military conducts airstrikes against Islamic State operatives in Somalia, Spectrum News 1, Feb 1, 2025, Accessed at: https://spectrumnews1.com/wi/madison/news/2025/02/01/u-s–military-conducts-airstrikes-in-somalia

6.Secretary of Defense Pete Hegseth Statement on U.S. Africa Command Strikes in Somalia, US. Department of Defense, Feb 1, 2025, Accessed at: https://www.defense.gov/News/Releases/Release/Article/4050461/secretary-of-defense-pete-hegseth-statement-on-us-africa-command-strikes-in-som/

    7.George Wright and Nomia Iqbal, says he ordered air strikes on Islamic State group in Somalia, BBC, Feb 1, 2025, Accessed at: https://www.bbc.com/news/articles/cdrye506z1go

    8.US conducts air strikes against Islamic State group in Somalia, France 24, Feb 1, 2025, Accessed at: https://www.france24.com/en/africa/20250201-us-conducts-airstrikes-against-islamic-state-group-in-somalia-trump-says

    مقالات ذات صلة

    زر الذهاب إلى الأعلى