مستقبل صناعة السيارات في مصر: بين التوطين والتحديات

إعداد: رحاب مجدي – باحثة مشاركة.
مراجعة: د. فتحي السيد يوسف – المسؤول الأكاديمي لمجموعة عمل الدراسات الإقتصادية بالمركز.
في السنوات الأخيرة، أصبحت صناعة السيارات في مصر أحد أهم القطاعات الاقتصادية التي تسعى الدولة المصرية لتوطينها. تعتبر صناعة السيارات ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي، حيث تلعب دورًا رئيسيًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول. توطين هذه الصناعة لا يعني فقط زيادة الإنتاج المحلي، بل يشمل أيضًا تعزيز القدرة التنافسية، وخلق فرص العمل، بالإضافة إلى تطوير التكنولوجيا المحلية.
ونظرًا للأهمية الاقتصادية لصناعة السيارات، تسعى مصر إلى توطين هذا القطاع محليًا، حيث أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للسيارات في عام 2022. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز التصنيع المحلي والتجميع عبر تقديم حوافز للمستثمرين. حاليًا، تعتمد مصر على نحو 45% من المكونات المحلية في تصنيع السيارات، كما هو الحال في شركة النصر للسيارات، وتسعى إلى رفع هذه النسبة إلى 70-80%، لا سيما في ظل تحديات توفير العملة الصعبة.
وتستهدف مصر أيضًا تصدير السيارات إلى الخارج، مما يساهم في خطة مصر لزيادة الصادرات للخارج، حيث وضعت مصر خطة طموحة لزيادة صادراتها لتصل إلى حوالي 145 مليار دولار في عام 2030. وتتمتع مصر بمقومات تساعدها على تطوير صناعة السيارات، أبرزها قيام العديد من الشركات العالمية الرائدة في تصنيع المعدات الأصلية بإنتاج منتجاتها محليًا في مصر، وذلك بفضل انخفاض الأجور مقارنة بالمستوى العالمي، مما يشكل ميزة كبيرة للمستثمرين الأجانب، خاصة أولئك الذين يعتزمون استخدام مصر كقاعدة للتصنيع الموجه للتصدير.
كما أن الموقع الجغرافي لمصر يجعلها نقطة مثالية للتصدير، حيث تربط بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. لكن هل تستطيع مصر تحقيق هذا الطموح وتصبح الدولة الرائدة في صناعة السيارات في منطقتها؟ فعلى الرغم من الدعم السياسي الكبير الذي تحظى به صناعة السيارات في مصر، وتوافر العديد من العوامل المساعدة على تطوير هذه الصناعة، فإن القطاع يواجه عددًا من التحديات التي قد تعيق نموه وتطوره.
أولاً: تاريخ صناعة السيارات في مصر:
بدأت مصر بتجميع السيارات في أواخر الخمسينات من القرن الماضي بالتعاون مع شركة فيات أورينت الإيطالية، حيث كانت الشركة تقوم بتجميع بعض الأتوبيسات في محافظة الإسكندرية باستخدام مكونات محلية تمثلت في المقاطع والهياكل الخاصة بالأتوبيسات.[1]
وبعد ثورة يوليو، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أمرًا بتأسيس شركة النصر للسيارات، والتي تم إنشاؤها بالفعل في الخمسينات، لتكون واحدة من الشركات الرائدة في صناعة السيارات في مصر. ومع مرور الوقت، واجهت الشركة العديد من التحديات والمشاكل، مما أدى إلى توقف الإنتاج بها في عام 2009، لتظل متوقفة عن العمل لمدة تقارب 15 عامًا.[2]
ومع ذلك، في نوفمبر 2024، عاد الإنتاج في شركة النصر للسيارات بفضل خطة مصر لتوطين صناعة السيارات، بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في الطلب على السيارات، حيث يتم بيع نصف مليون سيارة سنويًا في السوق المصري. وبسبب النمو السكاني والتطور الاقتصادي الذي تشهده مصر، من المتوقع أن يرتفع هذا الطلب بشكل كبير بحلول عام 2030، مما يعزز من أهمية تطوير هذه الصناعة محليًا. وتمتلك الشركة حاليًا القدرة على إنتاج ما يصل إلى حافلة واحدة يوميًا و 300 حافلة سنويًا.[3]
ثانيًا: سوق السيارات في مصر:
سجل حجم سوق السيارات في مصر نموًا ملحوظًا خلال الإحدى عشر الأولى من عام 2024، فقد ارتفعت مبيعات السيارات الإجمالية بحوالي 11.66% لتصل إلى 89,300 وحدة، مقارنة ب 79,900 وحدة خلال ذات الفترة من عام 2023. [4]
في سياق متصل، من المتوقع أن يتخطى حجم الطلب على سوق السيارات في مصر خلال العشر سنوات القادمة 8 مليار دولار أمريكي سنويًا. [5] وعلى صعيد الواردات، سجلت واردات السيارات المصرية اتجاهات متباينة. فقد أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بتراجع ملحوظ في واردات السيارات خلال شهر سبتمبر، حيث انخفضت إلى 163.755 مليون دولار، مقارنة ب 218.854 مليون دولار في الشهر ذاته من عام 2023. وفي المقابل، شهدت واردات سيارات الركوب ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأشهر الأولى من العام، إذ ارتفعت قيمتها إلى 1.692 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2024، مقارنة بـ 1.155 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023، مما يعكس زيادة قدرها 536.623 مليون دولار.[6]
ويتميز سوق استيراد سيارات الركاب في مصر بتنوع كبير في الشركات، حيث تتفاوت أحجامها وتأثيرها وفقًا لعدد الفئات التي تتعامل معها. تعد Egyptian Int’l Motors أبرز اللاعبين في السوق، حيث تستورد 45 فئة من المنتجات والخدمات، تليها Engineering Automotive for Trading, Import & Export بـ 25 فئة، وInt’l for Trading & Economic Development بـ 26 فئة، مما يعكس دورها المحوري في قطاع الاستيراد. في المقابل، هناك العديد من الشركات الأصغر مثل Abaza Auto Trade SAE, Alpha Ezz El-Arab, Artoc Auto التي تستورد عددًا محدودًا من الفئات (4-5) ، ما يشير إلى تركيزها على علامات تجارية محددة أو تخصّصها في نوع معين من السيارات. وتظهر هذه الديناميكية أن الشركات الكبرى تتمتع بقدرة أكبر على مواجهة تحديات أسعار الصرف والتغييرات التنظيمية، في حين قد تواجه الشركات الصغيرة صعوبات في ظل أي تقلبات اقتصادية. وبشكل عام، فإن الشركات التي تتعامل مع أكثر من 20 فئة تمتلك نفوذًا أكبر في السوق، مما يمنحها استقرارًا ماليًا وقدرة على عقد شراكات دولية واسعة، مما يعزز من تنافسية سوق السيارات في مصر. [7]
ويوضح الشكل التالي أسماء الشركات التي تستورد سيارة الركوب من الخارج وفقًا لعدد منتجات السيارات المتداولة:

. Source: Trade Map
ثالثًا: تحديات توطين صناعة السيارات:
يواجه توطين صناعة السيارات في مصر العديد من التحديات، أبرزها التنافس الشديد بين مصنعي السيارات ومنتجي مكوناتها، واعتماد إنتاج بعض المكونات على الاستيراد من الخارج، مما يزيد الحاجة إلى توفير العملة الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب إنتاج مكونات السيارات وإنشاء مصانع التجميع تمويلًا ضخمًا. كما أن التطور السريع في هذه الصناعة يفرض ضرورة التحديث المستمر للتقنيات والمنتجات. علاوة على ذلك، تعاني مصر من قلة عدد العمالة الماهرة في مجال صناعة السيارات، مما يشكل تحديًا إضافيًا أمام تحقيق التوطين.[8]
أما على المستوى العملياتي، فإن قيود سلاسل التوريد تُعد من أبرز التحديات، حيث تعتمد الشركات المحلية على اتفاقيات سنوية لاستيراد المكونات، والتي تؤثر بشكل كبير على خطط الإنتاج. وتُفرض رسوم بنسبة 7% على مكونات السيارات، بينما تتمتع السيارات الأوروبية والتركية بإعفاءات جمركية بموجب الاتفاقيات الدولية. من ناحية أخرى، تؤثر أزمة الطاقة على مصانع السيارات بسبب نقص إمدادات الغاز وارتفاع تكاليف التشغيل، ما يحد من القدرة الإنتاجية. ورغم دعم الحكومة من خلال برامج مثل البرنامج المصري لتنمية صناعة السيارات (AIDP)، إلا أن المصنعين يطالبون بحوافز أكثر وضوحًا مثل الإعفاءات الجمركية المباشرة للمكونات بدلاً من خصومات مرتبطة بنسبة التصنيع المحلي، وذلك بهدف تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق هدف الصادرات السنوي الذي يُقدر بنحو 1.5 مليار دولار.[9]
رابعًا: جهود الدولة لتوطين السيارات:
في 14 يونيو 2022، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتصنيع السيارات بهدف توطين هذه الصناعة. تضمنت الاستراتيجية عدة خطوات هامة لدعم قطاع السيارات، مثل إصدار تعريفة جمركية جديدة وتأسيس المجلس الأعلى لصناعة السيارات الذي يهدف إلى تنمية الموارد اللازمة لتمويل صناعة السيارات الصديقة للبيئة. كما تم وضع قانون يتضمن حوافز تشجيعية لتوطين وتعميق صناعة السيارات في مصر. وفي إطار هذه الجهود، تم منح الرخصة الذهبية للمشروعات التي تهدف إلى توطين صناعة السيارات. حيث وافق مجلس الوزراء على منح الرخصة الذهبية لمشروع شركة “إيجيبت سات أتو” في المنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، لإنشاء وتشغيل مصنع لتصنيع سيارات الركوب والأتوبيسات الكهربائية، بالإضافة إلى محطات شحن المركبات الكهربائية، والسكوتر الكهربائي، ومكونات وقطع غيار السيارات الكهربائية، وذلك بتكلفة استثمارية تقدر بنحو 300 مليون جنيه.[10]
أولت الحكومة المصرية اهتمامًا خاصًا بالصناعات المغذية لصناعة السيارات والبنية التحتية المرتبطة بها. فقد تم إنشاء وتشغيل نحو 3000 محطة شحن بتكلفة استثمارية تقدر بحوالي 450 مليون جنيه في محافظات القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، ومدينة شرم الشيخ، بالإضافة إلى الطرق السريعة، وذلك من خلال التعاون بين المؤسسات العامة والخاصة، كما تم التوسع في إنشاء محطات الغاز الطبيعي اللازمة لتموين السيارات، حيث ارتفع عددها من250 محطة إلى 530 في ديسمبر2021.تعاونت الحكومة المصرية مع عدد من شركات السيارات المحلية والعالمية، بما في ذلك شركة نيسان مصر وإفريقيا، وشركة “ستيالنتس إيجيبت”، ومجموعة المنصور للسيارات، من خلال 3 اتفاقيات ملزمة تم توقيعها في فبراير 2023 على ضخ استثمارات تصل إلى 145 مليون دولار في قطاع السيارات.[11]
خامسًا: الشركات العالمية وتوطين صناعة السيارات في مصر:
مصر تبذل جهودًا كبيرة ومستمرة لتوطين صناعة السيارات بالتعاون مع الشركات العالمية، حيث أصبحت واحدة من الوجهات المهمة للاستثمار في هذا القطاع. في الخامس عشر من يناير عام 2025، افتتحت مصر بالتعاون مع شركة جيلي الصينية مصنع البافارية بمدينة السادس من أكتوبر لتجميع السيارات، باستثمارات تقدر بحوالي 250 مليون دولار، وهو أول مصنع للشركة الصينية في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. يحتوي المصنع على خطين للإنتاج بسعة إجمالية تصل إلى 10 آلاف سيارة سنويًا، وتبلغ نسبة التصنيع المحلي فيه 45%. وتهدف الشركة الصينية إلى تصدير سيارات جيلي التي يتم إنتاجها في هذا المصنع إلى أفريقيا والشرق الأوسط. وقد تم إطلاق أول سيارتي جيلي من مصنع البافارية، حيث تمت إضافة السيارتين السيدان إمجراند موديل 2025 والـ SUV كولراي 2025 إلى السوق المصري، مما يعكس خطوة هامة نحو تعزيز صناعة السيارات المحلية ويعد إنجازًا يعكس التقدم الكبير في هذا القطاع.[12]
وفي خطوة أخرى مهمة، وقعت مجموعة المنصور للسيارات مع شركة سايك موتور الصينية المالكة للعلامة التجارية إم جي (MG) في 30 ديسمبر 2024 اتفاقًا لإنشاء مصنع لإنتاج السيارات في المنطقة الصناعية بمدينة أكتوبر الجديدة في مصر، باستثمارات تقدر بحوالي 135 مليون دولار. سيعتمد المصنع على أكثر من 45% في المكون المحلي للإنتاج، كما سيوفر حوالي 10 آلاف فرصة عمل. ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في المصنع عام 2026، حيث ستصل الطاقة الإنتاجية في المرحلة الأولى إلى حوالي 50 ألف سيارة سنويًا، على أن تتضاعف في المرحلة الثانية لتصل إلى 100 ألف سيارة سنويًا.[13]
وفي أكتوبر 2024، وقعت الشركة الصينية مجموعة بكين للسيارات (BAIC) اتفاقية شراكة مع الشركة الدولية للسيارات (EIM Group) التابعة لمجموعة ألكان، لإنشاء مصنع جديد للسيارات الكهربائية في مصر. سيتم بناء المصنع على موقع يمتد على 120,000 متر مربع، مع بدء الإنتاج المقرر في نهاية عام 2025. يهدف المصنع إلى إنتاج 20,000 سيارة كهربائية في عامه الأول، مع استهداف زيادة الإنتاج إلى 50,000 سيارة بنهاية عامه الخامس.[14]
في 16 نوفمبر 2024، أبرمت شركة النصر اتفاقية مع شركة ترون تكنولوجي التايوانية وشركة يور ترانزيت الإماراتية لإنشاء شركة مساهمة مصرية مشتركة بتكلفة 10 ملايين دولار، بهدف تصنيع بطاريات الحافلات الكهربائية. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في منتصف عام 2025. [15]
في 31 يناير 2024، أعلنت شركة يازاكي، المورد الياباني لقطع غيار السيارات، عن بدء إنشاء منشأتها التصنيعية في مصر باستثمار قدره 30 مليون يورو. سيركز المصنع على تصدير إنتاجه، مع تقدير أن تصل قيمة التصدير السنوية إلى 100 مليون يورو، بالإضافة إلى توفير 3000 فرصة عمل.[16] تعد هذه المشاريع بمثابة خطوات هامة نحو تحقيق هدف مصر في توطين صناعة السيارات وتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية في هذا القطاع الاستراتيجي، مما يعزز من مكانتها كداعم رئيسي للاقتصاد الإقليمي والدولي.
سادسًا: تجارب دولية لبعض الدول في توطين صناعة السيارات:
١.تجربة ألمانيا:
يعتبر قطاع صناعة السيارات هو الصناعة الرئيسية في ألمانيا، فهو العمود الفقري للصناعة في ألمانيا. وهي واحدة من أقوى دول العالم فيما يتعلق بمنتجات السيارات عالية التقنية بما في ذلك تكنولوجيا القيادة الذاتية. وتزدهر صناعة السيارات في ألمانيا بفضل التنوع الكبير في الشركات العاملة بهذا القطاع، إذ تشمل شركات تصنيع سيارات كبرى ومتوسطة الحجم، إلى جانب موردي الأنظمة والوحدات، فضلاً عن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتشكل الشركات المتوسطة الحجم حوالي 85% من موردي صناعة السيارات، حيث تساهم هذه الشركات بنحو 7% من إجمالي القيمة المضافة في القطاع، مما يعزز القدرة التنافسية لصناعة السيارات الألمانية على الصعيدين المحلي والدولي.[17]فقد شكلت صادرات السيارات وأجزاؤها 17.3% من صادرات ألمانيا، وكانت المنتج الرئيسي في صادراتها لعام 2023. [18] فقدرت قيمة صادرات السيارات وقطع غيار المركبات الألمانية بحوالي 628.2 مليار يورو في عام 2023. [19]
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على مراكز البحث والتطوير الخاصة بموردي السيارات والموردين الأوروبيين. ففي عام 2021، بلغت نفقات شركات السيارات الألمانية على مشروعات البحث والتطوير نحو 28.3 مليار يورو، متجاوزة بذلك أي قطاع تصنيع محلي آخر. وتستحوذ صناعة السيارات ومورديها على أكثر من ثلث إجمالي نفقات البحث والتطوير في مجال التصنيع العالمي بألمانيا، مع توقعات بزيادة هذه الميزانيات مستقبلاً. كما تخطط الصناعة لاستثمار 15 مليار يورو في مجالات الرقمنة، والتنقل الكهربائي، وتطوير أنظمة القيادة، وتكنولوجيا الهيدروجين، وسلامة النقل خلال السنوات القادمة. ومن ناحية أخرى، لعبت الحكومة الألمانية دورًا مهمًا في دعم صناعة السيارات من خلال تقديم مجموعة من الحوافز، بما في ذلك المنح، والقروض، والضمانات، والتي تُتاح لتمويل مختلف الاحتياجات، كما يمكن دمجها لتناسب مراحل التطوير المختلفة للشركات.[20]
٢.المغرب:
نجحت المغرب في توطين صناعة السيارات، مما جعلها مركزًا إقليميًا رائدًا في الإنتاج والتصدير. فعلى الرغم من حداثة هذا القطاع، تنتج المغرب ما يقرب من مليون سيارة سنويًا، يُصدَّر نحو 85.5% منها.[21]
وجاء هذا النجاح نتيجة لاستراتيجية واضحة اعتمدت على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، من خلال تقديم حوافز ضريبية وجمركية وتحسين مناخ الاستثمار. كما لعب المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية (PNEI) دورًا محوريًا في إعطاء الأولوية لتطوير صناعة السيارات. كما وفرت المغرب بنية تحتية متطورة لدعم صناعة السيارات، من خلال إنشاء مناطق صناعية متخصصة مثل مدينة القنيطرة الصناعية وطنجة أوتوموتيف سيتي، إلى جانب تطوير الموانئ والمرافق اللوجستية الحديثة. كما عززت شراكاتها مع كبرى شركات السيارات العالمية مثل رونو وبيجو وفولكسفاغن، مما ساهم في رفع قدرتها التنافسية في القطاع. إضافةً إلى ذلك، دعمت المغرب التصنيع المحلي عبر تطوير شبكات المقاولات الصغرى والتعاقدات من الباطن، ما أدى إلى زيادة نسبة الاندماج المحلي في الصناعة وتعزيز سلاسل التوريد الوطنية.[22]
ختامًا:
تمثل صناعة السيارات في مصر فرصة هامة للنمو الاقتصادي المستدام في المستقبل القريب. من خلال الجهود المتواصلة لتوطين هذه الصناعة، وما توفره من حوافز استثمارية ودعم حكومي، من المتوقع أن تشهد مصر تحولًا جذريًا في هذا القطاع، مما يعزز مكانتها كداعم رئيسي للاقتصاد الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجهها، مثل الاعتماد على استيراد بعض المكونات، وقلة العمالة الماهرة، إلا أن التحركات الحالية، من خلال التعاون مع الشركات العالمية وتوسيع القدرات التصنيعية، تشير إلى أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا رائدًا لصناعة السيارات. وبناءً عليه، من المتوقع أن يلعب القطاع دورًا محوريًا في تحسين الصادرات، خلق فرص العمل، وتعزيز التكنولوجيا المحلية، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المستقبل.
التوصيات:
تسعى مصر جاهدة إلى توطين صناعة السيارات، وتبني حوافز تشجيعية لجذب المستثمرين وتطوير التكنولوجيا. بهدف تحقيق هذه الرؤية، فعلى مصر أن:
- تحسن التعليم والتدريب الفني: بما إن نقص العمالة الماهرة يمثل تحديًا كبيرًا في صناعة السيارات، يجب أن تركز مصر على تطوير برامج تدريبية متخصصة لتزويد الشباب بالمهارات اللازمة في هذا القطاع. يمكن إنشاء أكاديميات ومراكز تدريب تركز على مهارات الإنتاج والبحث والتطوير.
- زيادة الاستثمار في البحث والتطوير: لضمان استمرار نمو القطاع وتحقيق القدرة التنافسية، من الضروري أن تستثمر مصر في البحث والتطوير (R&D) لتطوير تقنيات مبتكرة في مجال السيارات، وخاصة السيارات الكهربائية والهجينة.
- تحفز الابتكار في الصناعات المغذية: يجب على الحكومة المصرية تطوير بيئة محفزة للصناعات المغذية لصناعة السيارات، مثل قطع الغيار والمكونات التكنولوجية، وذلك من خلال منح حوافز استثمارية وإعفاءات ضريبية للمشروعات في هذه القطاعات.
- تحقق استدامة الطاقة والموارد: من المهم أن تكون صناعة السيارات المصرية مستدامة بيئيًا. لذلك، يجب تبني تقنيات إنتاج سيارات صديقة للبيئة، وتعزيز استخدام السيارات الكهربائية، وتهيئة البنية التحتية اللازمة لذلك، مثل محطات الشحن.
- تحفز الصادرات: يُعد التوسع في أسواق التصدير جزءًا أساسيًا من استراتيجية توطين صناعة السيارات. ينبغي أن تسعى الحكومة إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع دول المنطقة والعالم لتعزيز صادرات السيارات المصرية.
- تحسن سلاسل التوريد: لضمان استمرارية الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية، يجب العمل على تحسين سلاسل التوريد، خاصة فيما يتعلق بمكونات السيارات، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاستقلالية الاقتصادية.
- تحقق التوازن بين الحوافز الحكومية والتحديات الاقتصادية: من الضروري أن تكون الحوافز الحكومية واضحة وفعالة، وأن تُخصص على وجه التحديد لتطوير الصناعة المحلية، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية الحالية مثل نقص العملة الصعبة.
- تعزز التعاون مع الشركات العالمية: يُعد التعاون مع الشركات العالمية في صناعة السيارات أمرًا حيويًا لضمان نقل التكنولوجيا الحديثة وزيادة القدرة الإنتاجية المحلية. لذا، ينبغي تشجيع المزيد من الاستثمارات من شركات السيارات الدولية وتوسيع التعاون مع الشركات الكبرى.
[1] الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة, عداد قطاع الأدائي الاقتصادي، دراسة جدوى مبدئية عن نشاط تصنيع السيارات والصناعات المغذية لها، على الرابط التالي: https://n9.cl/2dqpa
[2] إبرإهيم نوار، توطين صناعة السيارات في العالم العربي المقومات والقيود والآفاق، آفاق عربية وإقليمية، العدد الحادي عشر،2022،على الرابط التالي:
https://afar.journals.ekb.eg/article_268048_993873d788fc6c26cc438c080c4fa655.pdf
[3] Ahram Online, Egypt seeks revitalising auto industry: Madbouly at ceremony of resumption of Nasr auto production, Ahram Online, 16 November 2024, on this link https://english.ahram.org.eg/News/535353.aspx
[4] Egypt Today staff, Egyptian automotive market records 11.6% during 1st months of 2024, Egypt Today, via this link https://www.egypttoday.com/Article/3/137442/Egyptian-automotive-market-records-11-6-increase-during-1st-months
[5] الهيئة العامة للاستعلامات, الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة السيارات في مصر، 30-11-2024، على الرابط التالي: https://n9.cl/o70ps
[6] Egypt Today, Cited reference.
[7] Based on data from Trade Map: via this link:
[8] إعداد قطاع الأداء الاقتصادي, مرجع سبق ذكره.
[9] Enterprise, what challenges are automakers in Egypt facing in the push to localize the industry? via this link: https://enterprise.news/egypt/en/news/story/aede746e-4417-45f6-a313-69671709e844/what-challenges-are-automakers-in-egypt-facing-in-the-push-to-localize-the-industry%3F.
[10] الهيئة العامة للاستعلامات، مرجع سبق ذكره.
[11] مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار،رصد السياسات العامة(تحفيز صناعة السيارات في مصر) ممارسات رائدة دولية، السنة 2، العدد 5، ديسمبر 2023، على الرابط التالي: https://idsc.gov.eg/upload/DocumentLibrary/AttachmentA/8940/Stimulating%20the%20automotive%20industry.pdf
[12] Ahram Online, Chinese Geely inaugurates first car manufacturing plant in Africa, MENA in Egypt, Ahram Online, 15 January 2025, via this link
: https://english.ahram.org.eg/News/538613.aspx
[13] Ahram Online, Egypt partners with China to build $135 mln car plant, Ahram Online, 30 December 2024, via this link: https://english.ahram.org.eg/News/537772.aspx
[14] Ahram Online, Egyptian Alkan, Chinese BAIC ink deal to establish EVs plant in Egypt, Ahram Online, 28 October 2024, Via this link: https://english.ahram.org.eg/NewsContent/3/14/534261/Business/Markets–Companies/Egyptian-Alkan,-Chinese-BAIC-ink-deal-to-establish.aspx
[15] Ahram Online, Egypt seeks revitalising auto industry: Madbouly at ceremony of resumption of Nasr auto production, Ahram Online, 16 November 2024, on this link https://english.ahram.org.eg/News/535353.aspx
[16] Ahram Online, Japan’s Yazaki initiates construction of $32.5 mln auto parts factory in Egypt, Ahram Online, 31 January 2024, via this link:
[17] مركزالمعلومات ودعم اتخاذ القرار،مبادرة كلام في الاقتصاد” توطين وتعميق الصناعة المحلية”، على الرابط التالي: https://n9.cl/2xdql
[18] Destatis Statistsches Bundesamt, The main export product: motor vehicles, via this link: https://www.destatis.de/EN/Themes/Economy/Foreign-Trade/trading-goods.html
[19] Facts about Germany, Germany as an export nation “Germany is closely interwoven into the global economy”, via this link: https://www.tatsachen-ueber-deutschland.de/en/global-trade-partner/germany-export-nation
[20] مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار، مرجع سبق ذكره.
[21] مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، صناعة السيارات وقضايا وآراء العدد 266، فبراير 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/gmz1g
[22] فاطمة كوارد، وعبد الكريم الطيف، استراتيجية تنمية صناعة السيارات في المغرب والجزائر: عوامل النجاح والدروس المستفادة، جامعة علي لونيسي البليدة وجامعة المحمد بوقرة بومرداس، 30 يونيو 2019، على الرابط التالي:https://asjp.cerist.dz/en/downArticle/279/9/1/97113.