الدراسات الافريقية

القمة الإفريقية الـ38:تكاتف إقليمي لمستقبل مستدام

إعداد: مريم عبد الحي فراج – باحثة مشاركة.

مراجعة: أ. رمضان القرني – خبير الشئون الإفريقية – عضو الهيئة الاستشارية للدراسات الإفريقية بالمركز.

شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يومي 15 و16 فبراير 2025، انعقاد القمة الثامنة والثلاثين للإتحاد الإفريقي، وسط تحديات غير مسبوقة وفرص هائلة لإعادة رسم مستقبل القارة السمراء. القمة جاءت في توقيت حساس، حيث تواجه إفريقيا ملفات شائكة تتراوح بين الأمن الإقليمي، والتغيرات المناخية، والتحولات الاقتصادية، ما جعل هذه القمة محط أنظار العالم، بحثًا عن حلول إفريقية خالصة لمشكلات طال انتظار معالجتها، واجتمع قادة الدول الأعضاء، جنبًا إلى جنب مع شخصيات دولية بارزة، لمناقشة قضايا التنمية المستدامة، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وحل النزاعات، ودفع عجلة التحول الرقمي في القارة. كما كانت مسألة تمكين الشباب وتعزيز دور المرأة محورًا أساسيًا في الجلسات، انطلاقًا من إيمان القادة بأن نهضة القارة تبدأ من الاستثمار في رأسمالها البشري، وتأتي هذه القمة في ظل أزمات متصاعدة، أبرزها النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية مع تقدم متمردي حركة “M23″، إضافة إلى الحرب المستمرة في السودان. وأكد القادة الأفارقة ضرورة وقف إطلاق النار فورًا، وفتح الممرات الإنسانية. من جانبه، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الحاجة إلى 6 مليارات دولار لمساعدة 26 مليون سوداني. وأكد يوسف، في تصريحات سابقة، التزامه ببرنامج “إسكات البنادق”، وإصلاح هيكلة الاتحاد عبر تعيين الكفاءات وتعزيز مبادئ الجدارة والاستحقاق. في السياق ذاته، تسلم الرئيس الأنغولي جواو لورينسو رئاسة الاتحاد الأفريقي الدورية خلفًا للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.[1]

عُقدت القمة الثامنة والثلاثون للاتحاد الأفريقي في إثيوبيا، حيث ركزت على عدة محاور رئيسية لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق العدالة في القارة. وناقش القادة ضرورة بناء جبهة موحدة لدفع قضية العدالة والتعويضات للأفارقة، إلى جانب تسريع تنفيذ أجندة 2063 لضمان تنمية شاملة. كما أولت القمة اهتمامًا خاصًا بتحسين النظم الصحية، لا سيما فيما يتعلق بصحة الأم والطفل والمراهقين، من خلال تعزيز البنية التحتية الصحية، وضمان التغطية الصحية الشاملة، ومعالجة العوائق أمام الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. وفي السياق ذاته، تم تسليط الضوء على دور الشباب والابتكار في تحقيق النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، مع التأكيد على ضرورة دعم القيادة الشبابية في مجالات الصحة وريادة الأعمال. كما تناولت القمة قضايا السلام والأمن، مشددةً على أهمية التعاون الإقليمي لحل النزاعات وتعزيز الاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، ركزت على تعزيز المرونة المناخية من خلال تبني ممارسات مستدامة، والاستثمار في الطاقة المتجددة، والحفاظ على البيئة. وشددت المناقشات على ضرورة إدماج الصحة في أجندات التنمية الأوسع نطاقًا، بما يشمل التعليم والنمو الاقتصادي والتكيف مع تغير المناخ، لضمان مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة لأفريقيا.[2]

السياق الإقليمي والدولي للقمـة الأفريقية

ويأتي توقيت انعقاد القمة الإفريقية في إطار مشهد إفريقي عام يواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تضفي مزيدًا من التعقيد على السياق الإفريقي، بما يعزز أهميتها باعتبارها فرصة حاسمة لاتخاذ حزمة من القرارات التي قد تسهم في معالجة الأزمات الإفريقية والملفات الشائكة التي تواجه بعض دول القارة مثل السودان وإثيوبيا والصومال والكونغو الديمقراطية والكاميرون والسنغال ومنطقة الساحل وغيرها؛ وهو ما يستدعي تعاون الدول الإفريقية لمواجهة تلك التحديات، مع تعزيز قدرة الاتحاد الإفريقي على تجاوزها وجعل عام 2025 عامًا أفضل،

عُقدت القمة الإفريقية الـ38 في أديس أبابا وسط تحديات سياسية واقتصادية متزايدة تواجه القارة. وقد جاءت القمة في لحظة فارقة، حيث تسعى الدول الإفريقية لتعزيز التكامل الإقليمي، ودفع عجلة التنمية المستدامة، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. وتركزت المناقشات حول قضايا السلم والاستقرار، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، إضافةً إلى ملفات التغير المناخي والإصلاحات المؤسسية داخل الاتحاد الإفريقي. كما حملت القمة هذا العام طابعًا خاصًا مع تبني موضوع “التعويضات للأفارقة وللأشخاص من أصول إفريقية” كقضية محورية، ما يعكس التوجه نحو معالجة القضايا التاريخية وتعزيز العدالة والتنمية في القارة، هذا ويشهد الإطار الإقليمي الإفريقي، تصاعدًا في العديد من التحديات والأزمات التي تعقّد الوضع في القارة الإفريقية، فالمشهد الإفريقي يواجه تهديدات متعددة نتيجة سلسلة من الصراعات والنزاعات التي تتسارع في مناطق مختلفة من القارة. ومن أبرز سمات الوضع الراهن في إفريقيا في الآونة الأخيرة يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:

  1. مساعي القارة الإفريقية للحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن: تسعى دول القارة الأفريقية منذ سنوات إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، باعتبارها القارة الوحيدة غير الممثلة بشكل دائم داخله. وتطالب أفريقيا بإصلاحات في هيكلة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، لضمان تمثيل أكثر عدالة. ومنذ إعلان سرت عام 1999، تؤكد القارة مطالبتها بالحصول على مقعدين دائمين يتمتعان بكافة حقوق وامتيازات العضوية الدائمة، بما في ذلك حق النقض (الفيتو). ورغم امتلاكها مقعدين غير دائمين من بين العشرة المخصصة للدول غير الدائمة العضوية، ترى أفريقيا أن غيابها عن المقاعد الدائمة يعد إجحافًا، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة التي تحظى بها القضايا الأفريقية على المستويين الإقليمي والدولي.[3]
  2. الانسحاب الفرنسي من القارة الإفريقية: حيث شهدت الفترة الأخيرة تحولًا جذريًا في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا، تمثل في انسحابها العسكري المتسارع من دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وسط استعداها للخروج من ساحل العاج والسنغال. يأتي هذا التراجع بعد عقود من الهيمنة العسكرية التي بدأت مع الحقبة الاستعمارية، حيث واجهت فرنسا ضغوطًا متزايدة من حكومات وشعوب تطالب بإنهاء التبعية، وسط اتهامات بالتدخل وعدم فعالية في مواجهة الإرهاب، ومؤخرًا أُنهيت الاتفاقيات العسكرية التاريخية مع تشاد بعد توترات مع النظام الجديد وتصاعد المشاعر المناهضة لفرنسا، في حين تشهد ساحل العاج والسنغال تحولات داخلية تدفع نحو إعادة النظر في القواعد الفرنسية، ويمثل هذا الخروج تراجعًا لاستراتيجية باريس الأفريقية التي اعتمدت على الوجود العسكري كأداة نفوذ، ما يدفعها لإعادة هيكلة دورها نحو شراكات محدودة، بينما تواجه الدول الأفريقية تحديات في تعزيز أمنها الذاتي وإدارة التحالفات الدولية الجديدة.[4]
  3. تنامي مخاطر اندلاع الحروب إقليمية داخل القارة: تتزايد التوترات الإقليمية في قارة إفريقيا، ما يعزز القلق من احتمال اندلاع حروب جديدة بين الدول الإفريقية. ففي شرق إفريقيا، تتصاعد العلاقات المتوترة بين الصومال وإثيوبيا، خصوصًا بعد توقيع الأخيرة اتفاقًا مع إقليم “أرض الصومال” للحصول على منفذ بحري، وهو ما قوبل برفض شديد من مقديشو. هذا الصراع قد ينتهي بتصعيد عسكري في ظل غياب التفاهم بين الأطراف. كذلك، تعاني إثيوبيا وإريتريا من خلافات قد تتفاقم إلى مواجهة عسكرية في ظل التقلبات السياسية الأخيرة بين آبي أحمد وأسياس أفورقي. أما في منطقة البحيرات العظمى، فتسود التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، على خلفية دعم رواندا لحركات تمرد في شرق الكونغو، مما يهدد باندلاع صراع جديد في المنطقة.[5]
  4. الانقلابات العسكرية وتأثير الدومينو في غرب إفريقيا: شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة سلسلة من الانقلابات العسكرية، حيث انتشرت موجة الانقلابات في دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، في الوقت الذي استمرت فيه سلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت في عام 2020. هذا التحول السياسي غير الدستوري دفع الاتحاد الإفريقي إلى تعليق عضوية هذه الدول، لكنه يبدو أن الأنظمة العسكرية الجديدة غير مكترثة لهذه الإجراءات، حيث تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع قوى دولية مثل روسيا. في ظل ذلك، تبرز الحاجة إلى تغيير استراتيجيات الاتحاد الإفريقي لتعزيز الديمقراطية وإيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة مشكلات الحكم في القارة، خصوصًا مع استمرار تزايد الانقلابات العسكرية.[6]
  5. تنامي الصراعات الداخلية بالتكتلات الإقليمية الإفريقية: شهدت التكتلات الإقليمية في إفريقيا صراعات داخلية حادة تهدد بتفكك بعض المنظمات الإقليمية. ففي منطقة غرب إفريقيا، انسحبت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو من تكتل إيكواس بسبب ما وصفته بالهيمنة الأجنبية، لا سيما من قبل فرنسا. الأمر الذي يعزز حالة الاستقطاب السياسي داخل التكتل ويجعل وحدة الدول الأعضاء مهددة. كما يعاني تكتل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) من تصدعات، حيث قررت السودان تجميد عضويتها بسبب انحياز المنظمة لأحد أطراف النزاع الداخلي، في حين تزداد التوترات بين الصومال والدول الأعضاء في إيجاد، ما يشير إلى أزمة مستمرة قد تهدد فعالية هذه المنظمات.[7]
  6. زيادة نشاط الجماعات المسلحة في القارة: تعاني إفريقيا من تهديدات إرهابية متزايدة على مختلف الأصعدة، حيث تنتشر أكثر من 62 جماعة إرهابية في أنحاء متفرقة من القارة. وتعد منطقة الساحل من أخطر البؤر الإرهابية، إذ تتعرض دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو لهجمات مستمرة أسفرت عن مقتل أكثر من 12 ألف شخص في عام 2023. هذه الهجمات تنشر الفوضى في مناطق واسعة من غرب إفريقيا وصولًا إلى وسط القارة وشرقها. في هذا السياق، يزيد انسحاب بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام من التحديات الأمنية، خصوصًا في الكونغو الديمقراطية ومالي، حيث يغادر الجنود الأمميون مما يفتح المجال لزيادة نشاط الجماعات الإرهابية.
  7. تنامي حالة التنافس الدولي داخل القارة: إفريقيا أصبحت ساحة للتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى بعض القوى الصاعدة مثل تركيا والهند. هذا التنافس يعزز التواجد العسكري الأجنبي في القارة، مما يهدد بتأجيج الصراعات الداخلية وتدمير استقرار العديد من الدول الإفريقية. ومع تزايد التغلغل الخارجي، يعاني السكان من استنزاف ثروات بلادهم، دون أن تحقق الحكومات الاستقرار السياسي أو التنمية الاقتصادية المستدامة. في ظل هذه التحديات، تتزايد المخاوف من تأثير هذا التنافس على مستقبل القارة، في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية والصراعات المسلحة.
  8. التأثرات الاقتصادية السلبية على حالة الاستقرار: تواجه إفريقيا تحديات اقتصادية كبيرة تتمثل في التضخم المرتفع، الذي بلغ حوالي 17.8% في عام 2023، مما يهدد استقرار الاقتصاد الكلي. هذا التضخم ناجم عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالميًّا، فضلاً عن تأثيرات جائحة كوفيد-19 والحروب الجيوسياسية. كما يعاني العديد من الدول الإفريقية من تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث بلغ 3.2% في عام 2023 مقارنة بـ4.1% في عام 2022. ورغم هذه التحديات، تُظهر القارة قدرة على التعافي حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الإفريقي نموًا قدره 3.8% في 2024. ومع ذلك، يبقى العديد من الدول عرضة للصدمات الاقتصادية بسبب الديون الضخمة والاعتماد على الاقتصاد العالمي.

انتخابات الإتحاد الأفريقي: تنافس وتوترات

تُعتبر انتخابات مفوضية الإتحاد الأفريقي لعام 2025 حدثًا استراتيجيًا بارزًا في المشهد السياسي الأفريقي، حيث ستحدد القيادات التي ستتولى إدارة واحدة من أهم المؤسسات القارية، تأتي هذه الانتخابات في وقت تواجه فيه القارة تحديات متعددة، من تعزيز الأمن والاستقرار إلى مواجهة التغيرات المناخية وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. تُشكل المفوضية الذراع التنفيذي للاتحاد الأفريقي، مما يجعل هذه الانتخابات محورية في رسم ملامح مستقبل القارة وتنفيذ أجندة 2063 الطموحة.

شهدت القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي تطبيق آلية جديدة لأول مرة في انتخاب القيادة العليا لمفوضية الاتحاد، وذلك وفقًا لمبدأ التناوب بين الأقاليم الأفريقية الخمسة (الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب، والوسط) لضمان تمثيل عادل ومتوازن في مؤسسات صنع القرار، وهو النظام الذي تم اعتماده عام 2018. وفي هذه القمة، قدم إقليم الشرق مرشحين لرئاسة المفوضية، وهم من جيبوتي وكينيا ومدغشقر، بينما ترشحت ممثلات من دول شمال القارة، وهي مصر والجزائر والمغرب، لمنصب نائبة الرئيس، في حين يحق للأقاليم الثلاثة الأخرى (الوسط، الجنوب، والغرب) تقديم مرشحيْن اثنين على الأقل، أحدهما رجل والآخر امرأة، لشغل المناصب الستة المتبقية للمفوضين، الذين يشكلون مع الرئيس ونائبته أعضاء المفوضية الثمانية.[8]

تتمثل أهمية هذه الانتخابات في دورها في تعزيز الشرعية السياسية للاتحاد الأفريقي، حيث يتم اختيار رئيس المفوضية ونائبه وأعضاء المفوضية عبر عملية ديمقراطية تشارك فيها الدول الأعضاء. هذه العملية لا تقتصر فقط على اختيار القيادات، بل تعكس أيضًا التزام الدول الأفريقية بمبادئ الحكم الرشيد والشفافية. بالإضافة إلى ذلك، تُعد الانتخابات فرصة لتحقيق التوازن الإقليمي والجندري، مما يعزز التمثيل العادل لجميع مناطق القارة وشرائحها المجتمعية.

هذا، تشهد الساحة السياسية الأفريقية منافسة قوية بين المرشحين، حيث تسعى الدول إلى تقديم كفاءات قادرة على قيادة القارة نحو مستقبل أفضل. ومع ذلك، تواجه العملية الانتخابية تحديات مثل الضغوط السياسية والحاجة إلى تحقيق التوافق بين المصالح الوطنية والإقليمية. في النهاية، ستكون هذه الانتخابات اختبارًا لقدرة الاتحاد الأفريقي على تعزيز وحدته وقيادته الجماعية في مواجهة التحديات المشتركة، مما يجعلها حدثًا يستحق المتابعة والاهتمام من قبل جميع المهتمين بمستقبل أفريقيا.

توترات دبلوماسية حادة

شهدت أروقة الاتحاد الأفريقي منافسة دبلوماسية حادة بين المغرب والجزائر ومصر على المناصب القيادية المخصصة لدول شمال أفريقيا، حيث تحولت هذه المنافسة إلى سجال إعلامي وتبادل اتهامات بين الأطراف. قبل ثلاثة أيام من انعقاد القمة الأفريقية، اندلعت مواجهة دبلوماسية بين المغرب والجزائر في أديس أبابا خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، حيث اجتمع وزراء الخارجية لانتخاب قيادات رفيعة المستوى في مفوضية الاتحاد. تركزت المنافسة بشكل خاص على مقعد في مجلس السلم والأمن الأفريقي، حيث عرقل كل من المغرب والجزائر محاولات الآخر للفوز بالمقعد، مما أدى إلى وصول الأمور إلى طريق مسدود. قدمت الجزائر مرشحها للمنصب، بينما دخلت في منافسة مع ليبيا والمغرب، الذي تنتهي فترة تمثيله هذا الشهر. جرت سبع جولات انتخابية دون تحقيق أي مرشح للثلثين المطلوبين (33 صوتًا)، مما دفع مفوضية الاتحاد إلى تأجيل الانتخابات إلى الشهر المقبل. تصاعدت حدة التوترات مع دخول الإعلام الجزائري والمغربي في حرب اتهامات متبادلة، حيث اتهمت وكالة الأنباء الجزائرية المغرب بالفشل في الترشح، بينما هاجم موقع “هسبريس” المغربي الجزائر لفشلها في كسب ثقة الدول الأفريقية.[9]

في الوقت نفسه، اندلعت معركة دبلوماسية أخرى حول منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث رشحت الجزائر الدبلوماسية سلمى مليكة حدادي، بينما رشح المغرب لطيفة أخرباش، وقدمت مصر ترشيح الدبلوماسية حنان مرسي. أثارت الخطوة المصرية تساؤلات في الجزائر، حيث زعمت تقارير إعلامية جزائرية أن مصر كانت قد تعهدت بدعم المرشحة الجزائرية، ووصفت الصحافة الجزائرية القرار المصري بـ”الانقلاب”. لم يصدر أي تعليق رسمي من مصر أو الجزائر حتى الآن بشأن هذه التطورات. وفي الوقت نفسه، انطلقت قمة رؤساء دول وحكومة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، حيث من المقرر أن تناقش القمة انتخاب القيادات الجديدة ودور الاتحاد في حل النزاعات الأفريقية.[10]

أبرز الملفات على طاولة القمة: قضايا ساخنة وحلول مرتقبة

ناقشت القمة الإفريقية مجموعة من القضايا البارزة التي طُرحت أمام القادة الأفارقة المشاركين، حيث تناولت الملفات التي تؤثر على مصالح الدول الإفريقية، مع التركيز على سبل الدفاع عنها وإيجاد حلول سريعة لدعم التنمية والاستقرار في القارة. وقد انعكس ذلك في البيان الختامي للقمة، الذي تضمن توصيات عملية تهدف إلى تحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا لإفريقيا، رغم التحديات المتزايدة التي تواجهها دولها مؤخرًا. وفيما يلي نظرة على أبرز القضايا التي تم التطرق إليها خلال القمة:

1.القضية الفلسطينية: تعد القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا العالمية على الساحة مؤخرًا؛ حيث لعبت القارة الإفريقية دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى”، حيث أكدت العديد من الدول الإفريقية تضامنها مع الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير. ودعا الاتحاد الإفريقي إلى وقف العدوان على غزة وحماية المدنيين، معربًا عن رفضه لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضع القانوني للأراضي المحتلة، مؤكدًا أن السلام لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال.

واختتم قادة الدول الأفريقية قمتهم في أديس أبابا بدعوة الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي إلى وقف جميع أشكال التعاون مع إسرائيل، استنادًا إلى القرارات الدولية التي تدين انتهاكات الاحتلال. وأكد البيان الختامي دعم الاتحاد لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما أدان بشدة الحرب الإسرائيلية على غزة، واصفًا إياها بالعدوان الهمجي. وطالب القادة المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الكارثة الإنسانية في غزة، ورفع الحصار فورًا، كما اتهمت القمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، داعية إلى محاسبتها دوليًا على انتهاكاتها للقانون الدولي، بما في ذلك استهداف المدنيين والبنية التحتية.[11]

من جهة أخرى، شدد البيان الختامي على دعم الاتحاد الأفريقي الثابت لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مطالبًا بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى الفلسطينيين، خاصة النساء والأطفال، وإنهاء الاحتلال والانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967. كما أكدت القمة أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار، داعية المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لتحقيق سلام عادل وشامل. وفي سياق آخر، ناقش وزراء الخارجية الأفارقة نشر فريق تقييم إنساني في السودان والكونغو الديمقراطية، إلى جانب دعوة الدول الأعضاء لاعتماد نهج تدريجي يضمن حرية تنقل الأشخاص وتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي في القارة.[12]

2.تعقد المشهد الليبي: ويظل الملف الليبي أحد أبرز الملفات التي ستواجه الاتحاد الإفريقي في دورته الجديدة لعام 2025، حيث لا تزال ليبيا تعاني من حالة عدم استقرار سياسي وأمني منذ سقوط نظام القذافي في 2011. رغم الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق المصالحة الوطنية، إلا أن الانقسامات بين الحكومة الليبية في طرابلس وحكومة الشرق المدعومة من قبل قوات حفتر، بالإضافة إلى تدخلات القوى الخارجية، تعيق تحقيق الاستقرار. سيركز الاتحاد الإفريقي على دعم الحوار الوطني الشامل بين الأطراف الليبية، وتعزيز دور المؤسسات المحلية، ووقف التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع. كما سيعمل على دعم جهود إعادة الإعمار وبناء الدولة، مع التركيز على احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين، لضمان انتقال ليبيا إلى مرحلة الاستقرار الدائم والتنمية المستدامة.[13]

وتناول المناقشات خلال القمة سبل حل الأزمة الليبية، في ظل تناميها، كما اعتمد الاتحاد قرار يتضمن استضافة ليبيا لفعاليات القمة الأفريقية – التركية، والمزمع عقدها العام المقبل.[14]

وخلال القمة، أسفرت جهود الاتحاد الأفريقي عن خطوة هامة نحو المصالحة الليبية من خلال توقيع ميثاق “المصالحة الوطنية” في أديس أبابا، بحضور عدد من الشخصيات السياسية الليبية التي تمثل بعض الأطراف الفاعلة في الأزمة. الميثاق، الذي تم توقيعه تحت رعاية رئيس جمهورية الكونغو، دينيس ساسو نغيسو، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، لاقى تفاعلاً كبيراً ولكنه لم يخلُ من الجدل. انتقد العديد من المراقبين غياب بعض الأطراف الليبية المهمة عن التوقيع، مما أثار تساؤلات حول مدى فعالية هذا الاتفاق في تحقيق المصالحة الشاملة في البلاد.[15]

من جانب آخر، تعرض التوقيع على ميثاق المصالحة لانتقادات من مختلف الأوساط الليبية، حيث طالب البعض بتوضيح الأهداف الحقيقية للمصالحة وكيفية تنفيذها على أرض الواقع. مع غياب وضوح بشأن ضمانات التنفيذ، تساءل الصحفيون والمحللون حول طبيعة المشاريع المطروحة، والطريقة التي سيجري بها حل قضايا الماضي، مثل تعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. على الرغم من أن هذه الخطوة تمثل نقطة انطلاق للجهود الأفريقية في معالجة الأزمة الليبية، إلا أن النجاح الفعلي للمصالحة يبقى رهن التزام الأطراف المختلفة بالتحاور الجاد والتنفيذ الفعال للاتفاقات.[16]

3.الصراع في شرق الكونغو: يمثل الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية تهديدًا كبيرًا للاتحاد الأفريقي في دورته الجديدة لعام 2025، حيث يتصاعد العنف مع سيطرة حركة “23 مارس” المتمردة (المدعومة من رواندا) على مدينة “جوما” وتهديدها بالتقدم نحو العاصمة “كينشاسا”. أدى هذا التصاعد إلى تعبئة عسكرية كونغولية ودعوات لعقوبات دولية على رواندا، بينما حذرت جنوب إفريقيا من تداعيات “إعلان حرب” بعد مقتل جنودها ضمن بعثة إقليمية. تُظهر الأزمة تعقيدات إقليمية ودولية، حيث تتداخل الصراعات العرقية والموارد الطبيعية مع تدخلات خارجية وتنافس دولي على الثروات المعدنية. يُهدد الصراع بتحول إلى حرب إقليمية، خاصة بعد مقتل جنود جنوب إفريقيين وتصاعد الخطاب العدائي بين الدول. تُعتبر قمة “دار السلام” في فبراير 2025 محطة حاسمة، لكن تعقيدات الصراع تجعل الحلول صعبة، مما يضع الاتحاد الأفريقي أمام اختبار صعب لفعالية التكامل الإقليمي وقدرته على احتواء الأزمات المعقدة.[17]

4.الحرب في السودان: لا تزال الحرب السودانية مستمرة بين قوات الجيش والدعم السريع، وهو ما يتطلب إنهاء هذا الصراع إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، ووضع مصلحة الشعب السوداني فوق أي اعتبارات أخرى، هذا وقد يمثل الصراع في السودان تهديدًا للاتحاد الأفريقي في دورته الجديدة 2025، حيث يمكن أن يؤدي تفاقم الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي إلى إضعاف جهود الاتحاد الأفريقي لتعزيز السلام والتنمية في القارة، خاصة في ظل محدودية الدعم الدولي والعربي. [18]

وناقشت القمة الأفريقية الـ38 في أديس أبابا الأزمة السودانية، حيث حذر زعماء أفارقة ومسؤولون دوليون من استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، داعين إلى وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية. وأكد رئيس الاتحاد الأفريقي، محمد الشيخ الغزواني، أنه بحث مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ضرورة وقف الحرب، فيما شدد رئيس الاتحاد للعام 2025، جواو لورينسو، على أهمية تعزيز التعاون الأفريقي لإيجاد حلول سلمية للصراعات في القارة، كما أشار مفوض الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايته، موسى فكي، إلى أن الحرب في السودان تساهم في تفاقم النزاعات الإقليمية وتوسع الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يزيد من حركة النزوح وعدم الاستقرار. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن السودان يشهد أكبر موجة نزوح ومجاعة، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك لوقف تدفق الأسلحة وإنهاء سفك الدماء.[19]

فيما رحبت وزارة الخارجية بتقدم دول أعضاء في الاتحاد الإفريقي بمقترح لإدانة تمرد الدعم السريع على الدولة ووقوفها مع الشرعية والحكومة السودانية والقوات المسلحة ودعم خارطة الطريق لتشكيل حكومة مدنية انتقالية. وأضافت الوزارة في بيان “نرحب بالموقف المصري والجزائري والجنوب إفريقي والإريتري والتونسي والمالي والصومالي والسنغالي والكوت ديفواري والبورندي والموريتاني والبوتسواني الداعم للسودان وشعبه”.

ورحبت قوى سودانية بانعقاد المؤتمر الإنساني رفيع المستوى لدعم الشعب السوداني، وعبرت عن الامتنان للتبرعات التي أعلنت عنها الإمارات فضلا عن إثيوبيا لدعم المساعدات الإنسانية في السودان. وعُقد المؤتمر، يوم الجمعة 14 فبراير الجاري، على هامش القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، بالتعاون بين الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، ودولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركة الأمم المتحدة إلى جانب عدد من الدول والمنظمات الإقليمية الدولية، وذكرت صحيفة “إرم نيوز” أن قوات الدعم السريع أكدت دعمها الكامل للمؤتمر، الذي يسعى إلى جذب الدعم والتمويل اللازمين للجهود الإنسانية في السودان، قائلة إنها “تثمن عالياً الجهود والتداعي الدولي والإقليمي لتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتفاقمة في البلاد جرّاء تداعيات الحرب التي أشعلها الجيش وفلول النظام القديم”. [20]

هذا، وقد شهدت القمة حضور “عبد الله حمدوك” رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس تحالف “صمود”، قمة الرؤساء ورؤساء الحكومات السبت، رغم غياب السودان رسمياً منذ تجميد عضويته في 2021، ما أثار تساؤلات. وأوضح تحالفه أن زيارته تهدف لدعم جهود السلام، فيما رأى مراقبون أنه يشارك بصفته خبيراً اقتصادياً. وأكد القيادي خالد عمر يوسف أن وفد “صمود” بقيادة حمدوك يسعى لتنشيط الدور الإفريقي لحل الأزمة السودانية وبحث قضايا إنسانية، حيث التقى حمدوك مسؤولين بارزين، منهم الرئيس الكيني ورئيس الاتحاد الإفريقي الحالي ووزير خارجية نيجيريا.[21]

التحديات التي تواجه مفوضية الاتحاد الإفريقي خلال عام 2025

يواجه الرئيس الأنجولي، وكذلك الرئيس الجديد لمفوضية الاتحاد الإفريقي في عام 2025 مجموعة معقدة من التحديات التي تتطلب استراتيجيات فعالة وإصلاحات جوهرية لتعزيز دور الاتحاد في حل النزاعات، تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التكامل بين دول القارة. وباعتباره الهيئة التنفيذية للاتحاد، يقع على عاتقه مسؤولية التعامل مع قضايا الأمن والاستقرار، التنمية الاقتصادية، الحوكمة، التعاون الدولي، وتعزيز دور المؤسسات الإفريقية. وفيما يلي أبرز هذه التحديات

  • تنامي الصراعات والنزاعات المسلحة في القارة: تظل النزاعات المسلحة من أكبر التحديات التي تواجه القارة الإفريقية، حيث تعاني دول مثل السودان، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، ومنطقة الساحل من صراعات داخلية تؤثر على الاستقرار الإقليمي. ويجب على الرئيس الجديد لمفوضية الاتحاد الإفريقي تعزيز آليات الوساطة، ودعم مبادرات المصالحة الوطنية، وتفعيل دور قوات حفظ السلام الإفريقية. كما أن الحاجة ماسة إلى تعزيز قدرة الاتحاد على التدخل السريع في النزاعات لمنع تصاعدها، مع التنسيق مع المنظمات الدولية لضمان استقرار القارة.  [22]
  • التحديات الاقتصادية والتنموية: تعاني العديد من الدول الإفريقية من مشكلات اقتصادية حادة، مثل الديون المتراكمة، ضعف البنية التحتية، وانخفاض معدلات النمو، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام رئيس المفوضية الجديد. ويعد تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول القارة عبر تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) أحد الأولويات، حيث يمكن أن يسهم في خلق سوق إفريقية موحدة تعزز التجارة والاستثمار. إضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والزراعة لضمان تحقيق تنمية مستدامة تقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية. 
  • تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد: تشكل قضايا الحكم الرشيد، الديمقراطية، وحقوق الإنسان تحديًا أساسيًا أمام الاتحاد الإفريقي، خاصة في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة في بعض الدول، مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا. ينبغي على الرئيس الجديد العمل على تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة، وتفعيل آليات الاتحاد الإفريقي لمراقبة الانتخابات، ودعم الإصلاحات المؤسسية التي تعزز الشفافية والمساءلة. كما أن مكافحة الفساد، الذي يعوق التنمية ويضعف ثقة الشعوب في حكوماتها، تتطلب التزامًا حقيقيًا بتطبيق الاتفاقيات الإفريقية والدولية ذات الصلة. 
  • التعامل مع التحديات البيئية وتغير المناخ: تمثل التغيرات المناخية تهديدًا متزايدًا للقارة الإفريقية، حيث تعاني العديد من الدول من الجفاف، الفيضانات، وتدهور الأراضي، مما يؤثر على الأمن الغذائي ويؤدي إلى نزوح السكان. يجب على رئيس المفوضية الجديد الدفع نحو سياسات بيئية أكثر استدامة، وتعزيز التمويل المناخي لدعم الدول الأكثر تأثرًا. كما أن التعاون مع الشركاء الدوليين والاستفادة من المبادرات البيئية العالمية يمكن أن يساعد في الحد من آثار التغير المناخي وتعزيز استخدام الطاقات النظيفة في القارة.[23]
  • تعزيز الدور الدولي للاتحاد الإفريقي: يحتاج الاتحاد الإفريقي إلى تعزيز مكانته على الساحة الدولية ليكون لاعبًا رئيسيًا في القضايا العالمية، مثل الأمن، الاقتصاد، والتكنولوجيا. ويكمن التحدي في تعزيز العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، الاتحاد الأوروبي، وروسيا، مع الحفاظ على استقلالية القرار الإفريقي. كما أن دور الاتحاد في إصلاح النظام الدولي، مثل المطالبة بمقعد دائم لإفريقيا في مجلس الأمن، يمثل أولوية استراتيجية يجب العمل عليها لتعزيز تمثيل القارة في صنع القرارات العالمية. 
  • تحديات السلام والعدالة التاريخية في صلب النقاشات: سلط رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايته، موسى فكي محمد، الضوء على التحديات التي تواجه القارة، كالاضطرابات الأمنية وتداعيات التغير المناخي وعدم الاستقرار الاقتصادي، معتبرًا أن انضمام الاتحاد إلى مجموعة العشرين (G20) خطوة تاريخية لتعزيز صوت أفريقيا دوليًا. من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إنشاء إطار عادل للتعويضات لمعالجة “الظلم المزدوج” الذي تعرضت له أفريقيا عبر القرون، متمثلًا في الاستعمار وتجارة العبيد، إلى جانب التهميش الحالي في صنع القرار العالمي. كما حث رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد على توحيد الجهود لاستغلال التكنولوجيا في تحقيق الوحدة والتنمية، معتبرًا أنها مفتاح تجاوز التحديات الراهنة.[24]

مخرجات البيان الختامي للقمـة

وفيما يتعلق بالبيان الختامي للقمة، توصل القادة الأفارقة إلى عدد من المخرجات في ختام أعمال القمة الإفريقية الـ38 التي انعقدت في أديس أبابا، حيث أكد البيان الختامي على دعم الاتحاد الإفريقي الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني، داعيًا إلى وقف كافة أشكال التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف ما وصفه بـ”الإبادة الجماعية” في قطاع غزة. كما شدد البيان على ضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والإفراج الفوري عن الأسرى الفلسطينيين، مع الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة منذ 1967.[25]

وفي الشأن الإفريقي، ناقشت القمة تصاعد النزاعات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية والحرب في السودان، وأكدت ضرورة إيجاد حلول دبلوماسية مستدامة لهذه الأزمات. كما أولت القمة اهتمامًا خاصًا بتنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التكامل الاقتصادي عبر منطقة التجارة الحرة القارية، كما أكد القادة الأفارقة التزامهم بتعزيز التعاون القاري لتحقيق الاستقرار والتنمية في إفريقيا.

في ختام كلمته أمام القمة الإفريقية الـ38، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على الشراكة القوية بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، مؤكدًا على ضرورة تحقيق العدالة للقارة السمراء. وأبرز التحديات التي تواجه إفريقيا، خاصة النزاعات في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، داعيًا إلى وقف العنف ودعم الحلول الدبلوماسية. كما أكد على أهمية معالجة الإرث الاستعماري، ومنح إفريقيا تمثيلًا دائمًا في مجلس الأمن. وتطرق إلى التغير المناخي، مشددًا على ضرورة تمويل الدول الإفريقية للتكيف مع الكوارث البيئية. وأشار إلى الفرص الكبيرة التي توفرها منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والثورة في الطاقة المتجددة، داعيًا للاستثمار العادل فيها. كما أكد على أهمية سد الفجوة الرقمية وضمان استفادة إفريقيا من تقنيات الذكاء الاصطناعي. واختتم بتأكيد التزام الأمم المتحدة بدعم إفريقيا لتحقيق التنمية المستدامة والسلام العادل.[26]

وختامًا، فإن قمة الاتحاد الإفريقي 2025 بأديس أبابا، تأتي في وقت تواجه القارة تحديات متشابكة من النزاعات الداخلية وتغير الأنظمة السياسية، إلى الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية المتسارعة، وبينما حملت القمة آمالًا في تعزيز التكامل القاري وتفعيل أجندة 2063، ظل التحدي الأكبر في تحويل القرارات والتوصيات إلى سياسات عملية تنعكس على حياة الشعوب، كما أكدت المناقشات أن الأمن والاستقرار يشكلان حجر الزاوية لأي تقدم اقتصادي وتنموي، وأن نجاح الجهود الإفريقية يعتمد على الإرادة السياسية والتنسيق الفاعل بين الدول الأعضاء، فضلًا عن تعزيز الشراكات الدولية المتوازنة، ومع بروز قضايا مثل تمدد النزاعات المسلحة، وعودة الانقلابات العسكرية، وتزايد الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الديون والتضخم، تصبح الحاجة ملحّة إلى حلول مبتكرة توازن بين المصالح الوطنية والقارية، كما برزت القارة كمحور رئيسي في النظام العالمي الجديد، ما يمنحها فرصة لإعادة صياغة دورها على الساحة الدولية، خاصة في ظل المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى. ومع اختتام القمة، يظل السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الاتحاد الإفريقي على تجاوز الأطر التقليدية في التعامل مع أزماته، والتحرك بآليات أكثر فاعلية نحو تحقيق تطلعات الشعوب في السلام والازدهار، وهو تحدٍّ سيظل قائمًا ما لم يُترجم خطاب القادة إلى خطوات ملموسة على الأرض.


[1] African leaders elect Djibouti’s foreign minister as new leader of the African Union Commission, The Associated Press. https://apnews.com/article/african-union-commission-new-leader-djibouti-4441f23a6e8861b5efd4bb3653a40a6d

[2] 38th African Union (AU) Summit: Advancing Africa’s Development Agenda, women’s children’s and adolescents health. https://pmnch.who.int/news-and-events/events/item/2025/02/15/default-calendar/38th-african-union-(au)-summit-advancing-africa-s-development-agenda

[3] Sithembile Mbete, Africa on the UN security council: why the continent should have two permanent seats, the conversation. https://theconversation.com/africa-on-the-un-security-council-why-the-continent-should-have-two-permanent-seats-236720

[4] فاروق حسين أبو ضيف، الانسحاب الفرنسي من أفريقيا.. تحديات أمنية وفرص جديدة للقارة، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 3 فبراير 2025. https://shorturl.at/RHdDv

[5] أ.د حمدي عبد الرحمن حسن، هل تشهد إفريقيا حروبًا إقليمية كبرى؟، قراءات إفريقية. https://shorturl.at/vYgCC

[6] فاروق حسين أبو ضيف، انقلاب النيجر ومنطقة الساحل الأفريقي.. التداعيات وردود الأفعال، مركز فاروس. https://shorturl.at/xvOEW

[7] Farouk Hussein Abu Deif, France’s Withdrawal: Redefining Geopolitical Dynamics in West and Central Africa. https://africannarratives.org/frances-withdrawal-redefining-geopolitical-dynamics-in-west-and-central-africa

[8] 7 كواليس ومشاهدات من القمة الأفريقية الـ38، الجزيرة للاخبار، 16 فبراير 2025. https://shorturl.at/G2YQ9

[9] الجزائر والمغرب ومصر.. “انقلاب” و”معارك” على مناصب بالاتحاد الأفريقي، الحرة. https://shorturl.at/zMnaP

[10] الجزائر والمغرب ومصر.. “انقلاب” و”معارك” على مناصب بالاتحاد الأفريقي، المرجع السابق.

[11] القمة الإفريقية تدعو لوقف التعاون مع “إسرائيل”، قراءات إفريقية، 17 فبراير 2025. https://shorturl.at/7TaRZ

[12] القمة الإفريقية تدعو لوقف التعاون مع “إسرائيل”، مرجع سابق.

[13] 7 كواليس ومشاهدات من القمة الأفريقية الـ38، الجزيرة الإخبارية.

[14] الاتحاد الأفريقي يعتمد استضافة ليبيا للقمة الأفريقية – التركية 2026، بوابة الأوسط. https://alwasat.ly/news/libya/467443

[15] توقيع ميثاق لـ«المصالحة» الليبية بأديس أبابا في غياب بعض أطرافه، الشرق الأوسط. https://shorturl.at/l8HVo

[16] المرجع السابق.

[17] Rwanda-backed rebels seize control of Congo’s Goma after violent clashes, The Washington Post. https://www.washingtonpost.com/world/2025/01/29/goma-congo-drc-m23-rebels/

[18] US aid freeze threatens Sudan’s lifeline as USAID support hangs in balance, Al-Monitor. https://www.al-monitor.com/originals/2025/02/us-aid-freeze-threatens-sudans-lifeline-usaid-support-hangs-balance

[19] الحرب في السودان تهيمن على القمة الأفريقية وسط دعوات لوقف القتال، سودان تريبيون. https://sudantribune.net/article297432/

[20] أكدت امتنانها للدعم الإماراتي.. قوى سودانية ترحب بـ”المؤتمر الإنساني”، إرم نيوز، 16 فبراير 2025. https://www.eremnews.com/news/arab-world/nrz79og

[21] خالد عويس، القمة الإفريقية.. السودان وغزة والكونغو في الصدارة وجوتيريش يدعو “لإسكات البنادق”، الشرق. https://shorturl.at/9NEyd

[22] قمة أديس أبابا: أزمة الكونغو تعتلي الملفات وانتخاب الجيبوتي محمود علي يوسف رئيسا للمفوضية الأفريقية، فرانس 24. https:/linkcuts.org/2jthh1ws

[23]  Farouk Hussein abo deif, Climate Change Is a Gateway to Terrorism in East Africa and the Sahel. https://aps.aucegypt.edu/en/articles/1321/climate-change-is-a-gateway-to-terrorism-in-east-africa-and-the-sahel

[24] African Union: Electoral tension as Chairperson Faki steps down, the Africa report. https://www.theafricareport.com/376724/african-union-electoral-tension-as-chairperson-faki-steps-down/

[25] البيان الختامي للقمة الإفريقية يدعو لوقف مختلف أشكال التعاون مع إسرائيل. https://alakhbar.info/?q=node/59086

[26] Remarks by the UN Secretary-General at the opening of the 38th African Union Summit, United Nations Economic Commission for Africa. https://www.uneca.org/stories/remarks-by-the-un-secretary-general-at-the-opening-of-the-38th-african-union-summit

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى