ترجمة

ترجمات وعروض: “عرض نقدي لتقرير التأثير الجيوسياسي والسلام: تتبع الاتجاهات التي تشكل العلاقات الدولية”

إعداد: عبدالرحمن مجدي صالح – المنسق العام للمركز.
مراجعة: د.آيات عبدالعزيز – مدير إدارة البحوث والدراسات بالمركز.

المقدمة

      يتسم حقل الدراسات الجيوسياسية بأهمية شديدة في العلوم السياسية، نظرًا لما ينطوي عليه من دراسة العلاقة بين الجغرافيا، والسياسة، والقوة. التي تسهم بشكل كبير في تحليل النزاعات الدولية وفهم استراتيجيات القوة لدى الدول، من خلال دراسة كيفية استخدام الدول لأدواتها ومواردها.

     وفي هذا السياق، يركز هذا التقرير، الذي جاء بعنوان التأثير الجيوسياسي والسلام: تتبع الاتجاهات التي تشكل العلاقات الدولية [1]، على تحليل ودراسة المشهد الجيوسياسي العالمي الحالي، وتأثير العلاقات بين الدول الكبرى على الأمن والسلم الدوليين. ويتم ذلك بالاعتماد على أدوات المنهج الكمي، الذي يشمل الإحصائيات ومجموعة من المؤشرات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.

     يهدف هذا العرض إلى إبراز وتلخيص أهم الأطروحات التي ناقشها التقرير والتعليق عليها، مع تسليط الضوء على أبرز الاتجاهات الجيوسياسية الراهنة وتداعياتها على الأمن والسلم الدوليين. كما يسعى إلى إبراز تأثير التنافس بين القوى الكبرى على الاستقرار العالمي.

  • دور العوامل الاقتصادية في رسم خريطة النفوذ الجيوسياسي:

     استهلَّ التقرير بتحليل العوامل الاقتصادية المؤثرة على المشهد الجيوسياسي العالمي ورصد اتجاهاتها، موضحًا دورها في إعادة تشكيل التوازنات السياسية وتعزيز أو زعزعة الاستقرار الدولي، وذلك من خلال استعراض بعض المؤشرات الاقتصادية ذات الصلة.

     في هذا السياق، أشار التقرير إلى حجم التجارة العالمية ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي، موضحًا تأثرها بعوامل متعددة، من أبرزها التضخم والركود الاقتصادي الذي أعقب جائحة كورونا، إلى جانب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. ولذلك أدت هذه العوامل مجتمعة إلى اضطراب كبير في سلاسل التوريد العالمية وصعوبات اقتصادية، مما أسفر عن تفاقم أزمات الديون في الدول ذات الاقتصادات الهشة، حيث اضطرت العديد من هذه الدول إلى اللجوء للقروض والمعونات في محاولة منها للسيطرة على أوضاعها الاقتصادية الداخلية.

     استنادً إلى ذلك، يوضح التقرير تأثير الديون على المشهد الجيوسياسي العالمي، إذ تواجه الدول منخفضة الدخل والمثقلة بالديون والتي تخصص أكثر من 10% من إيراداتها لسداد الديون ضغوطًا اقتصادية متزايدة تجعلها أكثر تبعية للدول الدائنة، مما يحدّ من قدرتها على فرض سيادتها الداخلية. إضافة إلى ذلك، يؤدي الخلل في توزيع الإيرادات إلى إهمال قطاعات حيوية مثل الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، وهو ما يساهم في تعزيز عدم الاستقرار ويزيد من النزاعات الداخلية.

     في المقابل، يبرز التقرير كيف استفادت بعض الدول ذات الاقتصادات المرنة من هذه التطورات العالمية، من خلال تعزيز سلاسل التوريد البديلة، والاستفادة من ارتفاع أسعار السلع، وجذب الاستثمارات، مما ساهم في تعزيز تجارتها الخارجية. وقد انعكس ذلك بشكل واضح في حجم التجارة الخارجية لهذه الدول، وبشكل عام ساهمت إزالة الحواجز الجمركية، واتفاقيات منظمة التجارة العالمية (WTO)، واتفاقيات التجارة الحرة (FTA) في تعزيز معدلات التبادل التجاري العالمي، التي تشهد تصاعدًا مستمرًا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في العقد الأخير من القرن الماضي، في ظل هيمنة العولمة الاقتصادية والتي أنهت فكرة الكتل التجارية التي كانت مصاحبه للحرب الباردة.

  • تحولات القوى الكبرى وتأثيرها على فعالية الأمم المتحدة:

     على الصعيد السياسي يُركز التقرير على أداء المؤسسات الدولية، وتحديدًا الأمم المتحدة، لتوضيح انعكاسات التغير في موازين القوى الدولية، وذلك من خلال الاعتماد على مؤشر تكرار استخدام الفيتو ومقارنته بفترات معيارية مختلفة كأحد الأدلة على التغير في النظام الدولي والصراعات الجيوسياسية.

     يشير التقرير إلى ارتفاع نسبة استخدام الفيتو في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مقارنة بحقبة التسعينيات وبداية الألفية، مما يعكس التحديات الضخمة التي تواجه الأمم المتحدة في مهمتها للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ويساعد هذا المؤشر في التعرف على القوى المهيمنة على الساحة الدولية و نسبة استخدمها للفيتو، إذ نجد أن الاتحاد السوفيتي كان الأكثر استخدامًا للفيتو حتى سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تنتقل الهيمنة إلى الولايات المتحدة، ثم تعود مجددًا إلى الشرق مع الصين وروسيا. وقد انعكس ذلك سلبًا على حجم القرارات التي يمكن تمريرها في الأمم المتحدة، مما يعكس الخلل الذي أصاب منظمة الأمن الجماعي التي يُناط بها مجلس الأمن للحفاظ على الاستقرار الدولي.

    علاوةً على ذلك، يوضح التقرير كيف تحول دور الأمم المتحدة من الإشراف على السلام وتفعيله بشكل إيجابي إلى ساحة لخلق علاقات تبعية أكثر، وذلك من خلال استعراض إحدى ادوارها في تحقيق التنمية بوصفها حلقة وصل مهمة بين الدول المانحة والدول التي تواجه تحديات وأزمات اقتصادية وبيئية. وذلك من خلال انخفاض في حجم وعدد المبادرات الجماعية لصالح المنح والمساعدات الثنائية المشروطة، حيث أصبحت تفضل الدول المانحة في توجيه مساعدتها إلى الدول التي تخدم مصالح وتتماشى مع سياساتها الخارجية.

     واستكمالًا لهذا التحليل اعتمد التقرير على مؤشر قدرة التأثير الأجنبي (FBIC)، الذي يوضح مدى نفوذ دولة ما على غيرها، وذلك بالاستناد إلى عوامل اقتصادية، سياسية وعسكرية. حيث يكشف المؤشر، من خلال قياس درجاته، عن مناطق النفوذ والهيمنة للدول الكبرى. فعلى سبيل المثال، يوضح المؤشر ارتفاع نفوذ الصين في مناطق مثل شرق آسيا وغرب إفريقيا، بسبب ارتفاع معدلات التبادل التجاري والمساعدات التي تقدمها الصين لهذه الدول، مما يعزز تبعيتها الاقتصادية والسياسية لها.

  • الصراعات الجيوسياسية وآثارها على الاستقرار الدولي:

     وانطلاقًا من النقطة السابقة، ينتقل التقرير إلى الجزء الثاني، الذي يركز على تداعيات الصراع والتنافس بين القوى الكبرى على النفوذ، وتأثيراته على بقية العالم. وقد حدد التقرير أبرز هذه التداعيات على النحو التالي:
١.ارتفاع الإنفاق العسكري نتيجة سعي الدول الكبرى إلى تعزيز قوتها لمواجهة المنافسين.

٢. تزايد عدد الحروب والصراعات بسبب التنافس الجيوسياسي على مناطق النفوذ.

3.انتشار الحروب بالوكالة وارتفاع معدلات المجازر الجماعية، حيث تلجأ القوى الكبرى إلى دعم أطراف محلية لخوض الصراعات نيابة عنها.

4.زيادة عدد الدول النووية وزيادة التوترات بينهم .

     بناءً على ما سبق يرى التقرير أن هذا التنافس يعود إلى أسباب رئيسية، أبرزها سعي الدول لتحقيق مكاسب استراتيجية أو تفادي خسائر محتملة. و من الجدير بالذكر  يرى التقرير أن التقارب الأيديولوجي  يعتبر عامل مرجح في اختيار الحليف داخل الدولة، وليس في تحديد الدول ذاتها، إذ تركز القوى الكبرى في المقام الأول على تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. وبعد اختيار الدولة التي ترى أنها ستحقق تلك المصالح، تعمل على استقطاب حليف داخلي، سواء كان حزبًا سياسيًا أو فصيلًا عسكريًا، لتنفيذ توجهاتها وتعزيز نفوذها. وهنا يتضح دور الأيديولوجيا كأداة توظيفية لتعزيز الولاء وتبرير التدخلات، وليس كعامل حاسم في بناء التحالفات من الأساس.

     يشير التقرير إلى أنه منذ عام 2010، تضاعف عدد النزاعات الداخلية ذات البُعد الدولي، حيث ارتفع عدد الدول المشاركة في مثل هذه النزاعات من ٥٩ دولة عام 2008 إلى 92 دولة عام 2022. وفي العام ذاته، كان هناك ما يقارب 59 نزاعًا دوليًا، ليصل العدد النهائي إلى ٤٨ نزاعًا و49 حالة عنف من طرف واحد.

    و يمكن توضيح ذلك من خلال الأمثلة التي ذكرها التقرير وهي الحرب في أفغانستان والنزاع القائم في السودان باعتبارهما من أبرز الأمثلة على تأثير التنافس بين القوى الدولية في الوقت الحالي. ففي السودان، أدى الصراع إلى انقسام القوى الدولية إلى فريقين: الأول يدعم الجيش السوداني، ويضم مصر، روسيا، والصين، بينما يدعم المعسكر الآخر قوات الدعم السريع، ويشمل الإمارات وقوات خليفة حفتر في شرق ليبيا. وقد أدى هذا النزاع في نهاية المطاف إلى نشوء كارثة إنسانية كبرى، تجلى ذلك في نزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ومقتل ما يقارب 15 ألف سوداني في مذابح ارتكبتها قوات الدعم السريع في إقليم دارفور وباقي أقاليم السودان.

     و في نفس السياق يشير التقرير إلى بلوغ لإنفاق العسكري العالمي 2.43 تريليون دولار في عام 2023، مسجلًا بذلك زيادة بنسبة قدره 7% عن العام السابق، وهو ما يجعله أكبر ارتفاع منذ عام 2009.

     يأتي ذلك رغم اعتماد التقرير على مؤشر القدرات المالية الوطنية (NMCI)، الذي يقارن القدرات المالية للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ببقية دول العالم خلال الفترة من ١٨١٦ إلى 2016. والذي أظهرت نتائجه عن  تراجع في  القدرات المالية للدول الكبرى، وهو ما أرجعه التقرير إلى عوامل سياسية مختلفة، مثل انتهاء حقبة الاستعمار وتفكك الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى فقدان هذه الدول هيمنتها المطلقة على الموارد المالية كما كان الحال في الماضي.

     ومع ذلك، عكست البيانات زيادة ملحوظة في معدلات الإنفاق العسكري ليس فقط من جانب الدول الصاعدة، بل حتى من الدول الكبرى نفسها، التي فضّلت توجيه جزء كبير من مواردها نحو التسليح وتعزيز القدرات العسكرية بدلًا من الاستثمار في المشاريع التنموية.

     وفي السياق العسكري ذاته، يتناول التقرير التنافس بين الدول النووية، موضحًا كيف اختلفت طبيعة هذه المنافسة منذ الحرب الباردة وحتى الوقت الحالي، لا سيما مع ارتفاع عدد الدول النووية، والذي وصل الآن إلى عشر دول، من بينها دول غير موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مثل إسرائيل، الهند، باكستان، وإيران. واستنادً إلى ذلك، اعتمد التقرير على مؤشر المخاطر الجيوسياسية (GPR) لقياس التوترات بين القوى الكبرى، وبخاصة الدول النووية، ومقارنتها بمستويات الخطر في فترات سابقة. ورغم أن المؤشر يشير إلى أن المخاطر الحالية مرتفعة، إلا أنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.

      ركز التقرير في نهايته على المنافسة على النفوذ الأجنبي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط منذ ستينيات القرن الماضي حتى عام 2011 تُظهر البيانات انتقال مركز المنافسة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى منطقة الصحراء الكبرى. وقد أدى ذلك إلى تصاعد النزاعات على النفوذ بين الدول ذات النفوذ التقليدي في هذه المنطقة، مثل فرنسا، والدول الطامحة إلى ترسيخ وجودها، مثل الصين وألمانيا. هذا التحول أثر سلبًا على استقرار الدول الواقعة في هذه المنطقة، وذلك من خلال الاعتماد، كما أُشير في بداية التقرير، على مؤشر قدرة التأثير الأجنبي (FBIC).

التعليق:

    اعتمد التقرير على المنهج التحليل الكمي لقياس التغيرات الجيوسياسية في العالم، وذلك من خلال التركيز على مجموعة من الإحصائيات و المؤشرات، و التي بلغ عددها في التقرير 20 مؤشرًا مقسمة إلى خمس مجالات رئيسية:

  1. المخاطر الجيوسياسية (4 مؤشرات).
  2. الاقتصاد والتجارة (5 مؤشرات).
  3. النفوذ الجيوسياسي (4 مؤشرات).
  4. المنظمات الدولية والأسلحة النووية (4 مؤشرات).
  5. الصراعات والانتهاكات (3 مؤشرات).

     وعلى الرغم من أن استخدام المناهج الكمية في العلوم السياسية يعد نهجًا فعالًا في رصد وتحليل الظواهر السياسية، لما يوفره من دقة وموضوعية، وتوفير للوقت والجهد، وزيادة القدرة على التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية وفقًا للبيانات المتاحة، إلا أنه في الوقت نفسه يعاني من بعض القصور. إذ قد يؤدي التركيز فقط على المؤشرات الكمية إلى إهمال العوامل النوعية والسياق التاريخي، كما من الممكن أن يسفر عنه إساءة في تفسير البيانات في بعض الأحيان.

     فعلى سبيل المثال، يعتمد التقرير على مؤشر قدرة التأثير الأجنبي (FBIC) الذي يعتمد على مجموعة متنوعة من المصادر الكمية التي تغطي المجالات الاقتصادية، السياسية، والعسكرية لقياس درجة النفوذ والتأثير بين الدول[2]، على الرغم من ذلك فإن هذا المؤشر يعاني من عدة عيوب واضحة، أبرزها التحيز بناءً على البيانات المدرجة، خاصة عندما يتم التعامل مع بيانات الدول السلطوية التي تتحكم في مصادر المعلومات والإعلام، مما قد يؤثر على دقة التقييم. كما أن المؤشر يغفل تأثيرات القوة الناعمة، التي باتت أداة رئيسية في السياسة الخارجية للدول في القرن الحادي والعشرين. فمن غير الممكن تحليل تأثير دولة ما على أخرى دون الأخذ في الاعتبار دور القوة الناعمة، التي تشمل الدبلوماسية الثقافية، والتعليم، والإعلام، والعلاقات الشعبية.

     علاوة على ذلك، فإن قياس التأثير لا يعني القدرة على السيطرة، وهو ما يظهر بوضوح في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث تمتلك واشنطن نفوذًا واسعًا في تل أبيب، لكنه لا يعني بالضرورة قدرتها على فرض سياساتها بشكل كامل على إسرائيل.

     الأمر ذاته يظهر أيضًا في نمط العلاقة بين الصين والإتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من كون الإتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًا كبيرًا للصين، إلا أنه لا توجد بينهما علاقات تأثير كبيرة يمكن ملاحظتها. ويتجلى ذلك في اختلاف وجهات النظر بين الطرفين بشأن مسائل وقضايا مثل حقوق الإنسان، والحرب الروسية الأوكرانية، وحقوق الملكية الفكرية. الأمر ذاته يظهر في مؤشر المخاطر الجيوسياسية(GPR) الذي يعتمد بشكل أساسي على تحليل نصوص الأخبار والمقالات الصحفية التي تتناول قضايا مثل التهديدات العسكرية، الحروب، الهجمات الإرهابية، النزاعات الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية.

      إلا أن هذا المؤشر لا يميز بين التهويل الإعلامي والحقائق الفعلية، حيث تعتمد وسائل الإعلام في بعض الأحيان على لغة خطاب تثير اهتمام القارئ أو المشاهد، مما قد يؤدي إلى تضخيم بعض الأزمات. كما أن المؤشر يتأثر بالتغطيات الإعلامية التي قد تكون منحازة في بعض الأحيان، مما يؤثر على دقة قياس المخاطر الجيوسياسية.

     وقد كشفت التغطية الإعلامية الأخيرة لحرب غزة مدى انحياز بعض الوسائل الإعلامية، التي كانت تدّعي الحياد في الماضي، لكنها في الواقع قدمت تغطية منحازة تتماشى مع توجهاتها السياسية محددة، مما يعكس أحد العيوب الرئيسية في هذا المؤشر.

      من خلال تحليل المؤشرات المذكورة في التقرير، يتضح ضرورة إعادة النظر في المفاهيم الليبرالية في العلاقات الدولية، حيث تكشف المعطيات أن المساعدات الإنمائية أصبحت أداة لفرض علاقات تبعية من قبل الدول الكبرى على الدول الصغرى. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التبادل التجاري والانفتاح الاقتصادي بين الدول، لم تؤدِ هذه العوامل إلى انخفاض معدلات الحروب والصراعات، سواء على المستوى المحلي أو العالمي بل زادت.

      بالإضافة إلى امتداد هذه التأثيرات أيضًا إلى المؤسسات الدولية نفسها، التي أصبحت خاضعة بشكل متزايد لنفوذ الدول الكبرى، مما أدى إلى تحولها إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية لهذه القوى، بدلًا من كونها جهات محايدة تعزز الاستقرار العالمي.

      ويزداد الأمر تعقيدًا مع تنامي نفوذ بعض القوى الإقليمية مثل إيران، كوريا الشمالية، اليابان، وإسرائيل، ونزايد معدلات الإنفاق العسكري والقوى النووية أيضًا حيث باتت بعض الدول الإقليمية تلعب أدوارً أكثر تأثيرًا على الساحة الدولية، مما سوف يعزز حالة الفوضى ويُنذر بصراع دولي قادم على السلطة والنفوذ العالمي.

 الخاتمة:

     في المجمل، يشير التقرير إلى أهمية الالتفات إلى مدى تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي، وتأثير التنافس بين القوى الكبرى على الاستقرار الدولي، وذلك من خلال تحليل للمؤشرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والتي أوضحت أن المشهد السياسي الدولي يسير في اتجاه نحو مزيد من التوترات والتغيرات الاستراتيجية، التي سوف تعمل على إعادة تشكيل خريطة موازين القوة العالمية في المستقبل غير بعيد. وفي ضوء ذلك، تظهر المؤشرات الأولية للمجتمع الدولي في الوقت الحالي بالعمل على تطوير وسائل أكثر فاعلية لإدارة النزاعات وتعزيز الأمن والسلم الدوليين وتفعيله بشكل إيجابي، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار في النظام العالمي المتغير و إيقاف عدد الحروب و النزاعات التي تؤدي بحياة الملايين.

للإطلاع على التقرير:https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2025/01/GIP-web.pdf


[1] صدر هذا  تقرير “Geopolitical Influence & Peace: Tracking the Trends Shaping International Relations” في يناير 2025 عن معهد الاقتصاد والسلام (Institute for Economics & Peace – IEP)، وهو مركز أبحاث مستقل  وكما يعرف المركز نفسه بأنه مؤسسة غير حزبي وغير ربحي يهدف إلى تعزيز فهم السلام كعنصر أساسي لتحقيق الرفاه والتقدم البشري. يقع المقر الرئيسي للمعهد في سيدني، وله مكاتب في نيويورك وبروكسل ولاهاي ومكسيكو سيتي ونيروبي

[2]  يعتمد مؤشر قدرة التأثير الأجنبي (FBIC)  في قياسه على نقطتين و هم :عرض الاتصال (Bandwidth): وهو يقيس حجم العلاقة بين دولتين من خلال الاستعانة بمؤشرات اقتصادية، عسكرية، وسياسية. و التي تعطي صورة واقعية عن مدى قوى ترابط العلاقات بين الدولتين، فعلى سبيل المثال، يعتمد المؤشر على إجمالي حجم التجارة بين دولتين و الذي  يفترض بوجود علاقة تصاعدية بين زيادة في التدفقات التجارية عبر الحدود،  وفي زيادة احتمالية  تأثير الدول على بعضها البعض.

  النقطة الثناية هي  الاعتماد (Dependence): وهو يقيس درجة اعتماد إحدى الدول على الأخرى من خلال فحص الجوانب الاقتصادية ( مثل شكل و توزيع وارادت الدولة مع الدول الأخرى) أو الجوانب العسكرية (مثل نسبة الواردات العسكرية إلى إجمالي الإنفاق العسكري). على نقيض فكرة عرض الاتصال ، فإن مؤشر الاعتماد غير متماثل، مما يعني أن قوة تأثير الدولة (أ) على الدولة (ب) لا تعني بالضرورة أن الدولة (ب) لديها نفس التأثير على الدولة (أ).

= Jonathan D. Moyer et al., Power and Influence in a Globalized World (Washington, DC: Atlantic Council, 2025), 8–9.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى