قراءة في الإتفاقية الإسرائيلية الإثيوبية: الدلالات و التداعيات على الأمن الإقليمي والمصري

إعداد: آية حسام محمد – مريم إبراهيم السيد قطب – باحثتان متدربتان ببرنامج دراسات القوى الصاعدة بالمركز.
في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في القرن الإفريقي، جاءت الاتفاقية “الإثيوبية -الإسرائيلية”، المُوقعة في 4 فبراير 2025، لتضيف بعدًا جديدًا للصراعات والتنافس الإقليمي، حيث لم يكن هذا التعاون مجرد خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بل يمثل تحركًا استراتيجيًا يؤثر على موازين القوى في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بمصر وأمنها المائي والسياسي. فقد اتفقت أديس أبابا وتل أبيب على تطوير مشاريع كبرى في مجالات المياه، والطاقة، والابتكار، مما يفتح الباب أمام إسرائيل؛ لتعزيز نفوذها في إفريقيا، وفي وقت تستعد فيه إثيوبيا لتوظيف هذا التعاون كورقة ضغط جديدة في ملف سد النهضة، الذي لا يزال يشكل محور خلاف رئيسي بين مصر، وإثيوبيا، والسودان، وبينما تقدم إسرائيل دعمًا تقنيًا وسياسيًا لإثيوبيا في هذه الاتفاقية، تبرز عدة تساؤلات حول تأثير هذا التحالف على الأمن القومي المصري، خصوصًا أن الاتفاق يأتي في وقت تستمر فيه أديس أبابا في فرض سياسة الأمر الواقع في إدارة ملف المياه دون اتفاق قانوني ملزم مع دول المصب. كما يتزامن هذا التعاون مع مساعٍ إثيوبية لتوسيع نفوذها الإقليمي، سواء عبر مشاريع البنية التحتية والطاقة، أو من خلال تعزيز حضورها في البحر الأحمر، حيث وقّعت إثيوبيا اتفاقًا آخر مع أرض الصومال يمنحها منفذًا بحريًا في ميناء بربرة، وفي خطوة قد تُحدث تغييرات جذرية في موازين القوى في المنطقة، خاصة على حساب مصر، والسودان.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن فصل هذه الاتفاقية عن التحركات الإسرائيلية الأوسع في القارة الإفريقية، حيث تعمل تل أبيب منذ عقود على توسيع علاقاتها مع الدول الإفريقية، مستخدمة التعاون الاقتصادي والتكنولوجي كمدخل لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري، ومع توقيع هذه الاتفاقية، تصبح إسرائيل شريكًا رئيسيًا في مشاريع البنية التحتية الإثيوبية، وهو ما قد يؤدي إلى تحولات استراتيجية قد تؤثر على التوازنات الإقليمية، ليس فقط في سياق ملف سد النهضة، ولكن أيضًا في ملف الأمن في البحر الأحمر، حيث تتزايد المخاوف من وجود تحالف ثلاثي محتمل بين إسرائيل، وإثيوبيا، وأرض الصومال، مما قد يفرض تهديدات جديدة على الأمن القومي المصري والعربي، إضافةً إلى ذلك، تأتي هذه الاتفاقية في توقيت حساس للغاية، حيث تسعى إسرائيل لفرض واقع جديد في القضية الفلسطينية، وسط محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة وتوسيع الاستيطان، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ملف المياه سيُستخدم كأداة ضغط على القاهرة لدفعها إلى تقديم تنازلات سياسية في القضية الفلسطينية؟
أولًا : العلاقات الإثيوبية- الإسرائيلية
تمتد العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية لعقود طويلة، حيث بدأت بشكل غير رسمي في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، وتطورت عبر مراحل مختلفة بين التعاون الوثيق والانقطاع المؤقت وفقًا للمتغيرات الإقليمية والدولية. بدأت العلاقات الفعلية في 1952 من خلال التبادل التجاري، ثم أرسلت إسرائيل في 1955 بعثة حسن نوايا إلى إثيوبيا، مما مهد الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية في 1956. خلال الستينيات، تعزز التعاون العسكري، حيث قدمت إسرائيل دعمًا عسكريًا لإثيوبيا، خاصة في مواجهة المطالب الصومالية بإقليم أوجادين، وحركات التمرد الإريترية، كما دفع تصاعد المد القومي العربي بعد ثورة 23 يوليو 1952 في مصر أديس أبابا إلى تعزيز علاقاتها بإسرائيل. [1]ومع اندلاع حرب 6 أكتوبر 1973، قطعت إثيوبيا رسميًا علاقاتها بإسرائيل، تماشيًا مع موقف الدول الإفريقية الداعمة للعرب، لكن العلاقات استمرت بشكل غير رسمي، حيث قدمت إسرائيل مساعدات عسكرية سرية لإثيوبيا خلال صراعاتها الداخلية ومع الصومال في حرب الأوجادين (1977-1978). وفي الثمانينيات، دعمت إسرائيل نظام منغستو هايلي مريام مقابل السماح بهجرة يهود الفلاشا إلى إسرائيل فيما عُرف بـ عملية موسى (1984) وعملية سليمان (1991). وفي 1989، أعادت إثيوبيا وإسرائيل العلاقات الدبلوماسية وافتتحتا السفارات من جديد، ليشهد عقد التسعينيات تعزيز التعاون في مجالات الأمن، الزراعة، التكنولوجيا، والصحة، ومع دخول الألفية الجديدة، تصاعدت الاستثمارات الإسرائيلية في إثيوبيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ملايين الدولارات سنويًا، وفي العقد الأخير، توسع التعاون ليشمل مجالات الطاقة والمياه والابتكار، حيث وقّعت الدولتان اتفاقيات متعددة، كان آخرها في فبراير 2025 لتعزيز التعاون في مشاريع المياه والطاقة المتجددة، مما يعكس تطور العلاقات إلى شراكة استراتيجية متنامية ذات أبعاد سياسية واقتصادية تؤثر على المشهد الإقليمي في القرن الإفريقي.
المحددات الرئيسية الحاكمة لعلاقة إثيوبيا بإسرائيل
- الموقع الجيوستراتيجي: تتمتع إثيوبيا بموقع جيوسياسي ذات أهمية عالية للدولة العبرية؛ حيث تتحكم في هضبة الحبشة المنبع الأهم لنهر النيل التي تعتمد عليه دولتي المصب مصر والسودان لاسيما مصر التي تعاني من نقص في الموارد المائية؛ لذلك تعمل إسرائيل على تحسين علاقاتها مع إثيوبيا؛ لاستخدامها كورقة ضغط على مصر في حالة حدوث خلافات بينهما، فضلًا عن تأثيرها على دول الجوار اريتريا والصومال.
- المصالح الاقتصادية: سعت إسرائيل للاستثمار في إثيوبيا مُنذ ستينيات القرن الماضي في مجالات: التعليم، الصحة، الأمن، الاتصالات، التخطيط الاقتصادي، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الاستثمار في الزراعة كان الأساس بالنسبة لإسرائيل؛ لما تتمتع به الدولة الإثيوبية من أراضي خصبة صالحة للزراعة، ووفرة في المياه، وتقوم تل أبيب باستيراد المنتجات الزراعية التي تحتاجها من إثيوبيا، فضلًا عن الاستفادة الغير مباشرة من مياه نهر النيل؛ وذلك لتعويض ندرة المياه التي تعاني منها الدولة العبرية[2].
- التضييق على مصر: تسعى كلا من إسرائيل وإثيوبيا للتضييق على مصر فيما يتعلق بنهر النيل؛ حيث يتركز تل أبيب في دعمها لإثيوبيا على مشاريع البنية التحتية وتزويدها بقدرات عسكرية عالية لتتمكن من الدفاع عن السد الإثيوبي حيال أي هجمات عليه؛[3]الأمر الذي من شأنه تقليل حصة مصر في مياه النيل، بالإضافة إلى سعي إثيوبيا المستمر لإيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر من خلال منافذها في كلا من الصومال وجيبوتي؛ لكي تتمكن من خنق مصر والتضييق عليها من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بما يهدد السفن المارة بقناة السويس.
- يهود الفلاشا: أحد أهم الروابط بين تل أبيب وأديس أباباهم يهود إثيوبيا الذين يُمثلوا أقلية وسط دولة مسيحية، وشهد يهود الفلاشات عمليات ترحيل عديدة لإسرائيل، إلى أن أصبح عددهم حوالي ١٦٠ ألف يهودي إسرائيلي من أصل إثيوبي[4]، وشكّل اندماجهم في الدولة الإسرائيلية عبء على المجتمع في ظل ارتفاع البطالة والفقر، فضلًا عن تهديدات التمييز العرقي.
ثانيًا: توقيع الاتفاقية في ظل المشهد الراهن
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، والتحديات الجيوسياسية، جاءت الاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا وإسرائيل في 4 فبراير 2025 ، لتضيف بُعدًا جديدًا إلى المعادلة السياسية في المنطقة، حيث وقع وزير الطاقة، والبنية التحتية الإسرائيلي “إيلي كوهين”، اتفاقية تعاون مع وزير المياه والطاقة الإثيوبي “هابتامو إيتيفا جيليتا”، وذلك بهدف تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والمياه، والابتكار، إلى جانب تعزيز النفوذ الإسرائيلي في القارة الإفريقية. وتهدف الاتفاقية إلى دمج الشركات الإسرائيلية في مشاريع تطوير البنية التحتية الإثيوبية، خاصةً في مجالات الطاقة المتجددة، والمياه، ومع التركيز على تقنيات الطاقة الشمسية واستكشاف المياه الجوفية، وخلال زيارته، عقد كوهين لقاءات رفيعة المستوى مع عدد من المسؤولين الإثيوبيين، إضافةً إلى اجتماعات مع ممثلي البنك الدولي، والبنك الإفريقي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في خطوة تعكس الاهتمام الدولي بهذا التعاون، وتفتح المجال أمام تمويل دولي محتمل للمشاريع التنموية الإثيوبية بدعم إسرائيلي، كما التقى كوهين رجال أعمال إسرائيليين يعملون في إفريقيا، ومستثمرين، وممثلي شركات إثيوبية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، والتجارية بين البلدين.[5]
بينما تبدو الاتفاقية الإثيوبية الإسرائيلية على السطح كخطوة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية، وتطوير مشاريع البنية التحتية، فإنها تحمل في طياتها تأثيرات أوسع على المشهد الإقليمي، وخصوصًا على مصر، فإثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة وتمتلك واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا، تتخذ هذه الخطوة في وقت لا تزال قضية سد النهضة تشكل محورًا رئيسيًا في علاقاتها مع مصر والسودان، ويأتي هذا التعاون بين إسرائيل وإثيوبيا في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة، حيث تسعى مصر إلى التوصل لاتفاق ملزم بشأن تشغيل السد. بينما تعمل إثيوبيا على تعزيز أوراقها التفاوضية، ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار الاتفاقية ورقة ضغط جديدة بيد إثيوبيا، إذ يمنحها التعاون مع إسرائيل دعمًا تكنولوجيًا وسياسيًا قد يؤثر في مسار المفاوضات مع القاهرة، خاصة مع إدخال إسرائيل كشريك استراتيجي في مشروعات المياه والطاقة داخل إثيوبيا.[6]
وفي الوقت نفسه، تستغل إسرائيل هذا التعاون؛ لتعزيز حضورها الإقليمي في لحظة تسعى فيها لفرض واقع جديد في الأراضي الفلسطينية، من خلال تهجير الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان، مما يضع مصر أمام تحديات إضافية تتجاوز ملف المياه لتشمل أمنها القومي والسياسي.
وبهذا، تصبح الاتفاقية أداة ضغط مزدوجة، حيث تستفيد إسرائيل من علاقتها بإثيوبيا لتعزيز نفوذها في إفريقيا، وخاصة في القرن الإفريقي، وهي منطقة استراتيجية تتحكم في ممرات التجارة العالمية، بينما تستخدمها إثيوبيا لتقوية موقفها التفاوضي في ملف سد النهضة.[7] وفي ظل تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي، تظل انعكاسات هذه الاتفاقية مفتوحة على احتمالات متعددة، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على التوازنات الإقليمية والعلاقات بين مصر وإثيوبيا، في وقت تتشابك فيه المصالح الاستراتيجية للقوى الفاعلة في المنطقة.
١.أهداف الاتفاقية ومجالات التعاون
تمثل هذه الاتفاقية فرصة استراتيجية لكلا البلدين، حيث تستفيد إثيوبيا من التكنولوجيا الإسرائيلية في تطوير قطاعاتها الحيوية، بينما تعزز إسرائيل حضورها الاقتصادي والسياسي في إفريقيا. تشمل أبرز مجالات التعاون: تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، وفي المناطق الريفية، وتعزيز البنية التحتية للمياه من خلال استكشاف المياه الجوفية وتحسين كفاءة استخدامها، ونقل التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة إلى إثيوبيا في مجالات إدارة الموارد المائية والطاقة، وفتح المجال أمام الشركات الإسرائيلية للمشاركة في مشاريع البنية التحتية الكبرى،[8] بجانب ذلك، أكد وزير المياه والطاقة الإثيوبي هابتامو إيتيفا خلال حفل التوقيع أن هذه الاتفاقية توفر فرصًا مثالية لتعزيز التعاون في تطوير موارد المياه والطاقة،[9] مشيرًا إلى أهمية تنفيذ مشاريع توليد الطاقة الشمسية في المناطق الريفية لتوسيع شبكات الكهرباء وتحقيق التنمية المستدامة.[10]
٢.اللقاءات الدبلوماسية وتعزيز الشراكات الاقتصادية
إلى جانب توقيع الاتفاقية، عقد الوزير الإسرائيلي “كوهين”، سلسلة لقاءات دبلوماسية واقتصادية رفيعة المستوى، شملت: وزير التعدين والبترول الإثيوبي مليون ماثيوز، لمناقشة التعاون في قطاع الطاقة، ووزير الري الإثيوبي “أبراهام بيلاي”، في ظل أهمية الموارد المائية كملف رئيسي في العلاقات الإقليمية، ووزير الابتكار الإثيوبي باليتا مولا، لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والبحث والتطوير، بالإضافة إلى ممثلي البنك الدولي، والبنك الإفريقي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مما يشير إلى إمكانية حصول إثيوبيا على تمويل دولي لمشروعاتها التنموية بدعم إسرائيلي. هذا فضلًا عن لقاء رجال أعمال ومستثمرين إسرائيليين وإثيوبيين؛ بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وفتح فرص الاستثمار الإسرائيلي في الأسواق الإثيوبية، وأكد إيلي كوهين أن إثيوبيا واحدة من الدول المركزية في إفريقيا، حيث يبلغ عدد سكانها 120 مليون نسمة، وهي من أسرع الاقتصادات نموًا في القارة.[11] وأضاف: “بمساعدة الابتكار والتكنولوجيا الإسرائيلية، نعمل على تعزيز المكانة السياسية لإسرائيل في إفريقيا، وتعزيز اقتصاديات البلدين”.[12]، “إثيوبيا بلد غني بموارد المياه، ولكن يتم استغلال نسبة صغيرة فقط منها، وإسرائيل من الدول الرائدة عالميًا في إدارة الموارد المائية بكفاءة، مما يتيح فرصًا كبيرة للتعاون بين البلدين” ،من المتوقع أن ينمو اقتصاد إثيوبيا بنسبة 8.1% في عام 2025، مما يزيد من إمكانات التعاون التجاري والاستثماري المستقبلي”.
٣.الأبعاد الاستراتيجية للاتفاقية
تعزيز النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا، حيث تسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى ترسيخ وجودها في القارة الإفريقية، وخاصة في القرن الإفريقي، وهي منطقة استراتيجية تتحكم في ممرات التجارة العالمية. هذا فضلًا عن أنه من خلال هذا التعاون، تسعى تل أبيب إلى توسيع نطاق علاقاتها الدبلوماسية في إفريقيا لكسب تأييد الدول الإفريقية في المحافل الدولية، وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي مع الدول الإفريقية، مما يفتح الباب أمام مزيد من الاتفاقيات المستقبلية، إلى جانب التأثير على مواقف بعض الدول الإفريقية من القضية الفلسطينية، عبر تقديم الدعم التنموي والتكنولوجي.[13]
في سياق متصل، تمثل الاتفاقية ورقة ضغط جديدة بيد إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، حيث يساهم التعاون مع إسرائيل في تعزيز قدرات أديس أبابا التكنولوجية والإدارية في قطاع المياه. ومن خلال إدخال إسرائيل كشريك استراتيجي في مشروعات المياه والطاقة داخل إثيوبيا، قد يزداد تعقيد مسار التفاوض مع مصر، التي تسعى للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل وإدارة سد النهضة.
ثالثًا: فرص استفادة الأطراف من الاتفاقية :
١. فرص الاستفادة لإثيوبيا
أكد وزير المياه والطاقة الإثيوبي “هابتامو إيتيفيا” خلال التوقيع على إن الاتفاقية تُمثل فرصة لتعزيز التعاون المشترك، وتبادل الخبرات بين البلدين في مشاريع حيوية، ونقل التكنولوجية الإسرائيلية لإثيوبيا؛ حيث تساهم في تلبية احتياجات إثيوبيا المتزايدة في مجالات المياه والطاقة المتجددة، بما يعزز قدرة أديس أبابا على تحقيق تنمية مستدامة عن طريق الاستفادة من الطاقة الشمسية التي تتمتع بها الدولة الإثيوبية، خاصةً في الريف الإثيوبي[14].
٢.فرص الاستفادة لإسرائيل
تُمثل إثيوبيا بالنسبة لإسرائيل مدخلًا رئيسيًا للعلاقات الإفريقية – الإسرائيلية؛ لذلك تعمل إسرائيل على توسيع نفوذها في أديس أبابا من خلال التوسع في عمل شراكات استراتيجية في مختلف المجالات، آخرها تلك الاتفاقية – السالف ذكرها –، ومن المكاسب التي تسعى تل أبيب لتحقيقها هي تعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، واستفادة إسرائيل من إثيوبيا كقوى صاعدة لها وزنها النسبي في إفريقيا وعلاقاتها المتعددة مع دول الجوار؛ وذلك بما يدعم إسرائيل لاكتساب قاعدة تأييد في المحافل الدولية لاسيما في الأمم المتحدة، فالكتلة الإفريقية هي أكبر الكتل في الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع ٥٤ دولة من إجمالي الأعضاء البالغين ١٩٣ عضو؛ مما يُكسبها ثقل تصويتي في الجهاز العام[15].
علاوة على ذلك، تسعى اسرائيل للحصول على صفة مراقب في الإتحاد الإفريقي، لاسيما بعد حصول منظمة التحرير الفلسطينية على صفة المراقب في عام ١٩٧٣.[16]وبالفعل استطاعت الحصول على هذه الصفة في يوليو ٢٠٢١؛ وذلك لمواجهة النفوذ الفلسطيني في الإتحاد والمشاركة في القضايا والمشكلات الإفريقية، والأهم من ذلك هو محاولاتها المستمرة لكسر حالة العزلة السياسية التي فُرضت عليها من دول الجوار العربي، ولكن تم تعليق هذه العضوية فيما بعد، وذلك نظرًا لمخالفتها شروط ميثاق الإتحاد.[17]
في هذا السياق، من الجدير بالذكر أنه بالتزامن مع توقيع الاتفاق الإسرائيلي مع إثيوبيا، أصدر الإتحاد الإفريقي بيانًا حدد فيه قواعد المشاركة للدول والأعضاء المراقبين البالغ عددهم ٨٧ عضو في القمة الثامنة والثلاثين للإتحاد الإفريقي، التي من المقرر عقدها في ١٥، ١٦ فبراير الجاري في أديس أبابا،[18] حيث أوضح أن حضور المراقبين يقتصر على جلستي الافتتاح والاختتام، ويقوم بتمثيل المراقبين رؤساء البعثات فقط، مع عدم السماح للوفود بالانضمام؛ وذلك تجنبًا لما حدث في القمتين السابقتين، حيث تسلل الوفد الإسرائيلي لجلسة الافتتاح وتم طرده فيما بعد،[19] مما يؤكد على أن وجود إسرائيل في الإتحاد الإفريقي يُثير الكثير من الخلافات والحساسيات السياسية بين مؤيد لهذا الوجود ومعارض له، وذلك بالتأكيد لا ينفصل عن سياسات إسرائيل الاستعمارية تجاه الفلسطينيين، واستمرارها في مخالفة قواعد القانون الدولي، الأمر الذي دفع العديد من الدول الإفريقية إلى رفض مثل هذه السياسات ودعم القضية الفلسطينية، ولعل أخر هذه المواقف هو إنشاء مجموعة لاهاي ومن بين تسع أعضاء بالمجموعة، يوجد بها ثلاث دول إفريقية وهي جنوب إفريقيا، السنغال، ناميبيا. وعليه، فإنه على الرغم من أن الاتفاقية تأتي في سياق سعي إسرائيل لزيادة نفوذها في القارة، إلا أن سياساتها الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين تحُول من فرص تمكنها من اكتساب مثل هذا الدور، لا سيما في ظل استياء ورفض الدول الإفريقية هذه السياسات. مما سبق يتضح إن إسرائيل تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في إفريقيا، لاسيما منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تعاونها مع دول المنطقة خاصةً إثيوبيا، حيث تربطهما العديد من المصالح المشتركة.
ثالثًا: التداعيات الإقليمية للاتفاقية
قد تمثل تلك الاتفاقية تهديد لكثير من دول الجوار الإثيوبي، وفيما يلي سيتم ذكر أهم تداعياتها:
١.زيادة نفوذ إسرائيل في إفريقيا: تُمثل اتفاقيات التعاون والشراكة الإثيوبية المتعددة مع إسرائيل البداية لمزيد من التوسع الإسرائيلي في القارة السمراء؛ بما يهدد أمن واستقرار دول عديدة، ومحاولة منها لتقويض الدور العربي في إفريقيا خاصةً الدور المصري.
٢. تراجع النفوذ العربي في إفريقيا: كانت الدول الإفريقية داعمًا رئيسيًا لسياسات العرب خاصةً تأييدها للقضية الفلسطينية، ولكن هذا التأييد تراجع بعد عقد اتفاق كامب ديفيد، والذي أدى إلى انفتاح الدول الإفريقية للتطبيع مع إسرائيل[20]، وبدأ نفوذ إسرائيل يتسع تدريجيًا، إلى أن تمكنت من إثارة الخلافات بين الدول العربية والإفريقية، حتى تراجع الدور العربي في القارة، وجاءت تلك الاتفاقية المُوقعة بين تل أبيب وأديس أبابا لتؤكد على ذلك.
٣.زيادة نفوذ إثيوبيا: يساعد الدعم الإسرائيلي إثيوبيا في تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة، مما يعزز قدرتها على فرض رؤيتها الإقليمية، في وقت تسعى فيه إلى ترسيخ نفوذها في القرن الإفريقي عبر مشاريع استراتيجية مثل سد النهضة، الذي يمنحها سيطرة أكبر على موارد المياه، إلى جانب محاولاتها للوصول إلى البحر الأحمرمن خلال اتفاقها مع أرض الصومال لاستئجار ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، مما يقلل من اعتمادها على ميناء جيبوتيالذي كان الميناء الرئيسي لصادراتها ووارداتها، ومع اتجاهها إلى تنويع خياراتها البحرية، قد تفقد جيبوتي مكانتها كميناء رئيسي لصادرات إثيوبيا، مما يؤدي إلى تراجع عائداتها الاقتصادية، ويدفعها إلى البحث عن شركاء استراتيجيين جدد مثل الإمارات أو تركيالتعزيز موقعها كمركز تجاري إقليمي وتأمين استثمارات في البنية التحتية. وفي الوقت ذاته، ومع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي، قد تجد الصومال نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم سياساتها الاقتصادية، خصوصًا فيما يتعلق بجذب الاستثمارات في الطاقة النظيفة، عبر تعزيز شراكاتها مع قطر أو الاتحاد الأوروبي، لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد في المنطقة. .[21]
٤.التداعيات المائية والاقتصادية لسد النهضة: يؤثر سد النهضة الإثيوبي بشكل جوهري على دول حوض النيل والقرن الإفريقي، مع تفاوت التأثيرات وفق الموقع الجغرافي لكل دولة واعتمادها على موارد النيل والأنهار الأخرى.[22] فبالنسبة للسودان، فإن تشغيل السد قد يؤدي إلى اضطرابات في تدفق مياه النيل الأزرق، مما يهدد الزراعة والاستقرار الاجتماعي، خاصة مع انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة تصل إلى 30% خلال مراحل الملء، وارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي نتيجة الحاجة إلى تعويض نقص الطمي الذي كان يجلبه النيل الأزرق، وعلى الرغم من أن السودان يسعى لتحقيق توازن بين دعم الشراكة مع إثيوبيا والحفاظ على علاقاته مع مصر، إلا أن تصاعد الأزمات الداخلية مثل أزمة إقليم تيغراي أدى إلى تدفق اللاجئين الإثيوبيين إلى أراضيه، مما يزيد الضغط على موارده الاقتصادية الهشة، [23]ويفاقم التنافس الإقليمي بين مصر وإثيوبيا على كسب النفوذ داخله. أما بالنسبة لمصر، فإن السد يهدد أمنها المائي، حيث قد يؤدي إلى فقدان 25-40% من تدفق النيل خلال فترات الجفاف، [24]مما يهدد 200,000 فدان من الأراضي الزراعية، ويؤثر على إنتاج الكهرباء من سد أسوان، الذي قد ينخفض بنسبة 3% بسبب التغيرات في منسوب المياه. كما قد يؤدي تراجع الإنتاج الزراعي إلى خسائر تصل إلى 430 مليون دولار سنويًا، مما يزيد من فجوة الغذاء ويجعل مصر أكثر اعتمادًا على الواردات الغذائية،[25] في وقت تصاعدت فيه التوترات الدبلوماسية بعد إكمال إثيوبيا الملء الخامس لخزان السد عام 2024 دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع مصر والسودان.[26] تمتد التأثيرات أيضًا إلى الصومال وجيبوتي، حيث قد تؤدي مشاريع الري الإثيوبية على نهري شبيلي وجوبا إلى انخفاض تدفقات المياه بنسبة 80% إلى الصومال،[27] مما قد يُنهي الزراعة المروية، ويؤدي إلى تملح الأراضي عند المصب، مهددًا 1.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية والنظم البيئية النهرية. أما جيبوتي، التي تعتمد على 70% من الكهرباء المستوردة من إثيوبيا،[28] فقد تواجه انقطاعات متكررة للطاقة كما حدث عام 2019 ، عندما انخفض منسوب سد “جيب 3”. إضافة إلى ذلك، فإن استيراد 104,000 متر مكعب من المياه سنويًا من إثيوبيا يجعل أمنها المائي عرضة للخطر في حال حدوث أزمات أو توترات بين البلدين. تفرض هذه الأوضاع تحديات جيوسياسية كبرى، حيث قد تدفع جيبوتي والصومال إلى إعادة تقييم سياساتهما لاجتذاب استثمارات جديدة في قطاع الطاقة النظيفة، بالتعاون مع شركاء دوليين أو إقليميين، في ظل تزايد الأزمات البيئية مثل الجفاف والجراد الصحراوي، التي أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، مما يجعل تأثيرات سد النهضة تتجاوز البعد المائي، لتشمل الأمن الغذائي، والاستقرار السياسي، والاقتصاد الإقليمي.
رابعًا: التداعيات السلبية على مصر:
تمثل الاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا وإسرائيل في 4 فبراير 2025 تطورًا جديدًا في المشهد الإقليمي، إذ تعزز التعاون في مجالات المياه والطاقة وتسمح للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية الإثيوبية، خاصة في استكشاف المياه الجوفية، وتحلية مياه الصرف الصحي، وتوليد الطاقة الشمسية. هذا التعاون يعزز قدرات إثيوبيا في إدارة مواردها المائية، مما قد يؤدي إلى زيادة التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة، لا سيما مع حصولها على دعم سياسي وتقني من إسرائيل، ما يمكنها من تقليل اعتمادها على التفاوض مع مصر وتعزيز موقفها في إدارة المياه بشكل مستقل. كما تعد هذه الاتفاقية ردًا على التحركات المصرية في الصومال، حيث تعمل القاهرة على تعزيز علاقاتها مع مقديشو للحد من النفوذ الإثيوبي في القرن الإفريقي، وهو ما تعتبره أديس أبابا تهديدًا مباشرًا لمصالحها.[29]
١. سد النهضة واستراتيجية “الهيمنة المائية المضادة“
تنظر إثيوبيا إلى سد النهضة باعتباره مشروعًا استراتيجيًا يعزز نفوذها المائي في المنطقة، حيث تسعى إلى ترجمة هيمنتها الهيدروليكية إلى هيمنة سياسية واستراتيجية على دول المصب، [30]وخاصة مصر. ومن هذا المنطلق، استخدمت إثيوبيا إطالة أمد المفاوضات كتكتيك لفرض سيطرتها، حيث التزمت في بيان مشترك مع مصر في يوليو 2023 بعدم الإضرار بالمصالح المائية لدول المصب أثناء ملء السد، لكنها لم تلتزم بالاتفاق، وقامت بتنفيذ الملء الخامس لخزان السد وفق خطتها دون أي تغييرات. وفي أكتوبر 2024، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي اكتمال بناء السد، وارتفاع كمية المياه المخزنة إلى 64.5 مليار متر مكعب، مع توقعات بوصولها إلى 70-71 مليار متر مكعب بحلول نهاية 2024، ما يزيد من الضغوط المائية على مصر والسودان.[31]
٢. التعاون الإثيوبي- الإسرائيلي كورقة ضغط على مصر
تعتبر الاتفاقية الإثيوبية الإسرائيلية جزءًا من مخطط أوسع لمحاصرة مصر مائيًا وسياسيًا، حيث تعزز القدرات الإثيوبية في إدارة المياه والطاقة، مما يقلل من قدرة مصر على فرض شروطها في مفاوضات سد النهضة. ويأتي هذا التعاون ضمن رؤية أمريكية-إسرائيلية لتمكين أديس أبابا كفاعل إقليمي قوي في إفريقيا، في مقابل تحجيم الدور المصري. وقد تمكنت إثيوبيا من تقديم نفسها للولايات المتحدة كحليف استراتيجي في القرن الإفريقي، مستغلة التباينات بين مصر وواشنطن، حيث تعمل الأخيرة على إعادة تشكيل النفوذ في القارة الإفريقية عبر دعم قوى مثل إثيوبيا وإسرائيل، وهو ما يعزز موقف أديس أبابا في مواجهة الضغوط الخارجية.[32]
٣.دبلوماسية الموانئ الإثيوبية والتوسع في البحر الأحمر
لم تكتفِ إثيوبيا بالسعي للهيمنة المائية، بل شرعت أيضًا في تنفيذ استراتيجية “دبلوماسية الموانئ” لتجاوز وضعها كدولة حبيسة. وفي هذا السياق، سعت إلى إعادة بناء أسطولها البحري ليصبح لديها قوة بحرية قادرة على مواجهة النفوذ المصري في البحر الأحمر. وقد جاء اتفاق إثيوبيا مع “أرض الصومال” في يناير 2024، ليمنحها حق الانتفاع بشريط ساحلي بطول 20 كيلومترًا في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، حيث ستتمركز به القوات البحرية الإثيوبية، في مقابل اعترافها الرسمي باستقلال أرض الصومال، وهو ما يمثل سابقة دولية في الاعتراف بهذا الكيان. كما حصلت أرض الصومال على 20% من أسهم الخطوط الجوية الإثيوبية، مما يعزز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الطرفين.[33]
وعليه، فإن هذا الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذًا مباشرًا إلى البحر الأحمر،[34] مما قد يؤدي إلى تغيير التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، ويفتح الباب أمام وجود عسكري إثيوبي دائم على السواحل الإفريقية، وهو ما قد يهدد الأمن القومي المصري، خاصة مع وجود دعم إسرائيلي محتمل لهذا التوسع.[35]
٤.تهديد الأمن القومي المصري في البحر الأحمر
يمثل هذا التحرك الإثيوبي تهديدًا مباشرًا لمصر، حيث يسعى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى جعل بلاده مركز الثقل الإقليمي في القرن الإفريقي، من خلال فرض مفاهيمه الخاصة بأمن المنطقة. ومع الدعم الإسرائيلي لإثيوبيا، قد يؤدي هذا إلى تحول البحر الأحمر إلى ساحة تنافس مباشر بين مصر وإثيوبيا وإسرائيل، خاصة مع وجود تقارير عن نية إسرائيل إنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال. هذه التطورات قد تفرض تحديات جديدة على السياسة الدفاعية المصرية، وتدفعها إلى تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر لمواجهة أي تهديدات محتملة.[36]
٥.التأثير الاقتصادي على مصر
إلى جانب التداعيات السياسية والأمنية، فإن الاتفاقية الإثيوبية الإسرائيلية قد تؤثر اقتصاديًا على مصر من عدة جوانب: زيادة التكاليف الاقتصادية لمواجهة أزمة المياه والطاقة،[37] حيث قد تضطر مصر إلى توسيع استثماراتها في مشاريع تحلية المياه والطاقة المتجددة، مما يزيد من الضغوط المالية، وتقليل فرص الاستثمار المصري في إفريقيا، فقد تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كشريك مفضل للدول الإفريقية في مجالات المياه والطاقة، مما قد يضعف دور الشركات المصرية في المشروعات التنموية داخل القارة، وتراجع جاذبية الاستثمار الأجنبي في مصر بسبب تصاعد التوترات مع إثيوبيا، حيث يفضل المستثمرون البيئات السياسية المستقرة، مما قد يؤثر على التنمية الاقتصادية المصرية.
٦.استخدام الاتفاقية كأداة ضغط لفرض حلول سياسية في القضية الفلسطينية
من بين الأبعاد الأكثر خطورة لهذا التعاون هو محاولة توظيفه للضغط على مصر لقبول مخططات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى سيناء. إذ تأتي هذه الاتفاقية في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى فرض واقع جديد في الأراضي الفلسطينية، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ملف المياه سيُستخدم كأداة ضغط على القاهرة في هذا السياق. وقد يؤدي التوسع الإسرائيلي في إفريقيا إلى تحقيق مكاسب استراتيجية تعزز موقفها في القضية الفلسطينية، على حساب الدور المصري التقليدي في هذا الملف.[38]
خامسًا: السيناريوهات المحتملة للعلاقات الإثيوبية-الإسرائيلية
١.السيناريو الأول تطور العلاقات: قد تدعم تلك الاتفاقية مزيد من التعاون المستقبلي بين كلا من تل أبيب وأديس أبابا في مجالات عديدة أهمها التعاون الأمني والاقتصادي، والذي ينعكس بشكل إيجابي عليهما، فمن وجهة نظر صانع القرار الإسرائيلي تكون تل أبيب عززت نفوذها في القارة، وحققت اهدافها التوسعية عن طريق عمل شراكات مع دول أخرى في القارة، وعلى الجانب الإثيوبي تحقق تلك الاتفاقية تعزيز لتحالفات إثيوبيا مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مزيد من النفوذ الإقليمي لإثيوبيا كقوى صاعدة في القارة.
٢.السيناريو الثاني تدهور العلاقات: وفقًا للعلاقة القائمة على المصلحة المتبادلة بين الدولتين؛ فإن أي تغيير في المصالح قد يُهدد تلك العلاقة، وقد تتغير المصالح نتيجة تغير القيادات السياسية التي قد لا تتفق بالضرورة حول مصالح وأهداف واحدة، فضلًا عن احتمالية وقوع خلافات سياسية بين الدولتين حول سياسات كل منهما.
٣.السيناريو الثالث: سير العلاقات على نفس الوتيرة: قد تشهد العلاقات الإثيوبية-الإسرائيلية استقرارًا وفقًا لهذا السيناريو، بحيث يكون التعاون بينهما محدود، في بعض المجالات، ولا يتسع ليشمل مجالات أكثر.
ختامًا، تعتبر العلاقات« الإثيوبية- الإسرائيلية »علاقات برجماتية بالدرجة الأولى؛ حيث تسعى كلا منهما لتحقيق مكاسب من علاقتها مع الأُخرى؛ لذلك تتسم علاقة إثيوبيا بتل أبيب بالتعقد والتشابك؛ نظرًا لحساسية القضايا التي تجمع بينهما وتأثيرها على العديد من دول الجوار، وتعتبر هذه العلاقة من أهم العلاقات التي تقود السياسة الخارجية الإثيوبية؛ ولذلك تسعى إثيوبيا جاهدةً للحفاظ عليها والعمل على نموها وتطورها من خلال زيادة الشراكات الاستراتيجية مع الدولة العبرية في المجالات الحيوية الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد الإثيوبي، وتعد الاتفاقية الأخيرة بينهما خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المستدامة والاستفادة من خبرات إسرائيل المتعددة.
[1] محمود زكريا محمود، “العلاقات الإثيوبية- الإسرائيلية وتأثيرها على المصالح المصرية”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، العدد ٢١، يناير ٢٠٢٤
[2] المرجع السابق.
[3] محمود زكريا محمود، المرجع السابق.
[4]وليد بدران، “كيف نجح الموساد في ترحيل يهود الفلاشات من إثيوبيا لاسرائيل؟”، بي بي سي، ٣يناير ٢٠٢٥، على الرابط: https://n9.cl/704zy ، تاريخ الاطلاع ٧فبراير ٢٠٢٥
[5] Israel National News, “Israel and Ethiopia agree to cooperate on energy, water” ،https://n9.cl/wec71 accessed on 7 FEB 2025
[6] Fana Broadcasting Corporate (FBC)،”Ethiopia, Israel Sign Agreement to Work Closely in Water and Energy Sector”، https://n9.cl/t0yfn accessed on 7 FEB 2025
[7] المجلة الإلكترونية المصرية، “أزمة السد النهضة الأثيوبي وأثارها”،متاح على: https://journals.ekb.eg/article_243702_0.html ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[8]زين خليل، “إسرائيل وإثيوبيا توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمياه”، وكالة الأناضول، متاح على: https://n9.cl/tw5uh ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[9] المنشر,”تحالف إثيوبيا وإسرائيل في مجالات المياه والطاقة، هل يهدد؟”، على الرابطhttps://n9.cl/8u9xbs، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[10] Manufacturing Economic Times, Israel signs energy agreement with Ethiopia, published at: 6 FEB 2025,https://n9.cl/hldpv Accessed at: 7 FEB 2025
[11] Israel National News, “Israel and Ethiopia agree to cooperate on energy, water”, https://n9.cl/wec71, accessed on 7 FEB 2025
[12] القدس ، إسرائيل وإثيوبيا توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمياه وسط الخلاف مع مصر، على الرابطhttps://n9.cl/qsw5c ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[13] المنشر،”تحالف إثيوبيا وإسرائيل في مجالات المياه والطاقة، هل يهدد؟”، على الرابط https://n9.cl/cfmdca
تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[14] الراصد الإثيوبي، إثيوبيا وإسرائيل توقعان اتفاقية للتعاون في قطاع المياه والطاقة، ٥ فبراير ٢٠٢٥، على الرابط: https://www.ethiomonitor.net/12590/ تاريخ الاطلاع ٥ فبراير ٢٠٢٥
[15] محمود زكريا محمود، مرجع سبق ذكره.
[16] الجزيرة، الاتحاد الإفريقي يصدر بيانا بشأن مشاركة إسرائيل في قمته هذا الشهر، ٤فبراير ٢٠٢٥، على الرابط: https://tinyurl.com/2cnf4suc تاريخ الاطلاع ٦ فبراير ٢٠٢٥
[17] محمود زكريا محمود، مرجع سبق ذكره.
[18] African Union, Symposium on the 2025 African Union Theme of the Year, https://au.int/en/newsevents/20250210/symposium-2025-african-union-theme-year, accessed on 6 Feb 2025
[19] الاتحاد الإفريقي يصدر بيانا بشأن مشاركة إسرائيل في قمته هذا الشهر، مرجع سبق ذكره .
[20] سيدي ولد عبد المالك، “إفريقيا: التراجع العربي والنفوذ الإسرائيلي”، مركز الجزيرة للدراسات، ١٤سبتمبر ٢٠٢٢، على الرابط: https://n9.cl/kf6ip تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[21] استراتيجية إثيوبيا تجاه البحر لاحمر تفجر صراع الهيمنة في القرن الأفريقي، مالات دولية ، مجلة اسباب ، العدد 54 ، سبتمبر 2024
[22] مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية، التنافس الدولي على الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي،على الرابط: https://n9.cl/12r4p ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[23] اسراء شاهر، تداعيات نزاعات القرن الأفريقي على السودان،” إندبندنت عربية، على الرابط: https://n9.cl/imd0m ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[24] BBC, why is Egypt worried about Ethiopia’s dam on the Nile? Https://n9.cl/r9hiul , accessed on 6 Feb 2025
[25] Rasha Ammar, “Egypt’s Water Woes Deepen with Ethiopia’s Latest Dam Filling, Zawia3, https://zawia3.com/en/erd/. accessed on 6 Feb 2025
[26] Martín, Lucas, “The War over Water.” Atalayar , https://www.atalayar.com/en/articulo/politics/the-war-over-water/20240917190000205226.html?ly, accessed on 6 Feb 2025
[27] Mohamed, Elmi. “Managing Shared River Basins in the Horn of Africa: Ethiopian Planned Water Projects on the Juba and Shabelle Rivers and Effects on Downstream Uses in Somalia.” In River Basin Management VII, Vol. 172. WIT Transactions on Ecology and The Environment. Southampton, UK: WIT Press, 2013. Available at: www.witpress.com. accessed at 6 Feb 2025
[28] Guled ahmed, Mei.edu,Djibouti needs a Plan B for the post-Guelleh era, https://mei.edu/publications/djibouti-needs-plan-b-post-guelleh-era, accessed on 6 Feb 2025
[29]المنشر,”تحالف إثيوبيا وإسرائيل في مجالات المياه والطاقة، هل يهدد؟”، على الرابط
https://n9.cl/nwu62 تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[30] نجلاء مرعي ، أزمة سد النهضة الإثيوبي وسط توترات القرن الأفريقي ، على الرابط https://n9.cl/sou86 تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[31] نجلاء مرعي ، المرجع السابق.
[32] عادل مختار حسن، تأثير العلاقات الإسرائيلية الإفريقية على الأمن القومي المائي المصري: دراسة حالة العلاقات الإسرائيلية مع أثيوبيا ،مجلة كلية السياسة والاقتصاد العدد السابع عشر – يناير 2023
[33] نجلاء مرعي ،مرجع سبق ذكره ، على الرابط https://n9.cl/sou86 تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[34]أسباب ، الصراع في القرن الأفريقي: لعبة الجغرافيا السياسية بين مصر وإثيوبيا ، على الرابط https://n9.cl/j8ihw ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[35]الشرق اقتصاد ،لماذا يفاقم وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر من مخاطر المنطقة؟ ، على الرابط https://n9.cl/jsoa8 تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[36] الشرق الاوسط، اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» يعمّق أزمة «السد» ويفاقم التوترات بالبحر الأحمر، على الرابط https://n9.cl/3l6r57 الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[37] مصراوي، تقرير حكومي يكشف تأثير سد النهضة على مصر: أزمات كهرباء ومياه وخسائربالمليارات، على الرابط https://n9.cl/5idx6l ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥
[38] سكاي نيوز ، إسرائيل ترحب بدعوة ترامب إلى تهجير سكان قطاع غزة، على الرابط https://n9.cl/z060k ، تاريخ الاطلاع ٧ فبراير ٢٠٢٥