دراسات التطرف

السياسات الصهيونية تجاه الضفة الغربية

إعداد: روان إيهاب محمد – باحثة متدربة ببرنامج دراسات التطرف.
مراجعة: أ. أحمد سلطان – مسئول برنامج دراسات التطرف بالمركز.

المقدمة:

    شهدت الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في المحاولات الإسرائيلية لإعادة فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة. وقد تجلّت هذه المساعي بشكل أساسي في تكثيف الاستيطان الاستعماري، من خلال التوسع في إنشاء البؤر الاستيطانية وشرعنتها عبر تشريعات قانونية صادرة عن الكنيست الإسرائيلي، والتي تهدف إلى تسهيل مصادرة الأراضي الفلسطينية وزيادة وتيرة هدم المباني والمنازل، في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض كما تم إصدار تصريحات وسياسات أمريكية تساند هذا الضم بشكل كبير.

كما أن السياسات الإسرائيلية لم تقتصر على التوسع الاستيطاني، بل شملت وسائل متعددة مثل فرض الطوق الأمني على المخيمات التي تعد مجالا خصبا للمقاومه، و كما قامت بتصعيد حملات الإعتقال ،المداهمات وعمليات عسكرية واسعة النطاق هدفت إلى تصفيتها من سكانها، عبر التدمير الممنهج للبنية التحتية، والتهجير القسري، والاغتيالات الميدانية، ما يعكس توجهًا نحو إعادة رسم الخريطة الديموغرافية في الضفة الغربية ، كما امتدت إلى التضييق على حركة الفلسطينيين من خلال تشديد القيود على الحواجز العسكرية،  حيث أن حركة التنقل أصبحت معاناة يومية تستنزف المواطنين وتعمّق من تداعيات الحصار المفروض على المجتمع الفلسطيني.

منذ بداية الحرب علي غزة ،  كان الهدف الإسرائيلي المعلن هو  ” القضاء على حركة حماس”، لكن هذا الهدف لم يكن مقتصرًا فقط على البنية العسكرية للحركة في القطاع، بل كان يشمل أيضًا امتدادها السياسي والتنظيمي داخل الضفة الغربية من خلال توجيه الضربات إلى كوادرها وشبكاتها هناك، تهدف إسرائيل إلى منع أي تصاعد محتمل للمقاومة المسلحة، خصوصًا مع تنامي التأييد الشعبي لفصائل المقاومة في الضفة بعد 7 أكتوبر.

أولًا: السياسات الصهيونية تجاه الضفة الغربية:

     ظل مشروع ضم الضفة الغربية حاضرًا في السياسات الإسرائيلية و ليست سياسة وليدة الحرب الأخيرة علي غزة، فعلى مدى السنوات الماضية تعد مسألة ضم الضفة الغربية جزءًا من الرؤية السياسية لحزب الليكود، الذي لطالما تبنّى مواقف داعمة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ، فقد صوّتت اللجنة المركزية للحزب، في 31 ديسمبر 2017، لصالح قرار يدعو نواب الليكود في الكنيست إلى الدفع باتجاه الضم، وهو ما عارضه رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، في ذلك الوقت، خشية أن يؤدي إلى كشف التوجهات الاستراتيجية للحزب قبل أوانها. ومع ذلك، عاد نتنياهو ليتبنى في برنامجه الانتخابي، خلال حملة سبتمبر 2019، خطة لضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، التي تشكل نحو 23% من مساحة الضفة الغربية وغير أن التطورات السياسية، بما في ذلك إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لـ “صفقة القرن” مطلع عام 2020 و التي شملت توسيع احتلال الضفة، لكن خسارته في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من العام ذاته، إلى جانب تصاعد المقاومة خلال معركة “سيف القدس” عام 2021، ساهمت في تأجيل تنفيذ هذا المخطط . في المقابل، أتاح تشكيل الحكومة الإسرائيلية في 29 ديسمبر 2022، الذي شهد دخول أحزاب اليمين المتطرف، مثل “الصهيونية الدينية” بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، توسيع نطاق السياسات الاستيطانية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة. ومع تسارع هذه الإجراءات، بدا أن الضم الفعلي لأجزاء واسعة من الضفة كان مسألة وقت، إلا أن اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، أوقف هذا المسار مؤقتًا.

     ومن الجدير بالذكر إن حزب “الصهيونية الدينية”، كان قد تبنّى في عام 2022 ما يُعرف بـ “خطة الحسم”، التي طرحها سموتريتش سابقًا، واعتمدها الحزب رسميًا في مؤتمره العام وتهدف هذه الخطة إلى إعادة صياغة الواقع في فلسطين التاريخية من خلال فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، في خطوة تعكس رؤية أيديولوجية تسعى إلى إنهاء أي احتمال لإقامة كيان فلسطيني مستقل.[1]

  في هذا السياق، تُستكمل عمليه إعادة السيطرة على الضفة الغربية والقضاء على المقاومة الفلسطينية فتمثلت كأحد الأهداف الرئيسية للحرب على غزة.[2] فقد كثّفت إسرائيل عملياتها العسكرية في المناطق التي تشكّل معاقل للمقاومة، وفي مقدمتها مدينة جنين ومخيمها، اللذان يُعدان من أكثر المناطق نشاطًا في مواجهة الاحتلال، وشهدا مواجهات وعمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي. كما امتدت الاشتباكات إلى مخيمات أخرى، أبرزها مخيم طولكرم وطوباس[3]. و ذلك في سياق حملة عسكرية تهدف إلى سحق المقاومة وترسيخ السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة.

ثانيًا: الاحتلال الإسرائيلي واستراتيجية “استنساخ العدوان”:

    تسعى إسرائيل، في إطار سياستها الاستعمارية التوسعية، إلى تصعيد عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، مستنسخة أسلوبها العدواني المستخدم في قطاع غزة، عبر شن حملة عسكرية طويلة الأمد أطلقت عليها “السور الحديدي” في جنين. تهدف هذه العملية، وفق تصريحات مسؤولين إسرائيليين، إلى القضاء الكامل على كتيبة جنين وفصائل المقاومة الأخرى، فضلًا عن إحداث تغييرات جغرافية جوهرية، خصوصًا في مخيم جنين.[4]

     كما شملت الحملة استهداف المقاومين وقادات الكتائب في إطار سياسة تصعيدية تهدف إلى تفكيك بنية المقاومة في المنطقة فشملت هذه الحملة اغتيال إيهاب أبو عطيوي، أحد قادة كتائب القسام التابعة لحركة حماس. [5] في هذا الصدد، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا غير مسبوق، حيث كثّف الجيش الإسرائيلي عملياته في جنين وطولكرم وطوباس، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، فضلًا عن تنفيذ اعتقالات واسعة النطاق ونسف المنازل عبر الغارات الجوية والقصف المدفعي. وقد تزامنت هذه العمليات مع حملة تهجير قسري ممنهجة للأهالي، حيث تلجأ إسرائيل إلى سياسة الترهيب والترويع عبر توجيه تهديدات مباشرة للسكان بإخلاء منازلهم تحت وطأة القصف.[6]

    شهدت الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق في عمليات الهدم والاقتحامات العسكرية، الأمر الذي أدى إلى موجات نزوح متزايدة بين السكان الفلسطينيين، لا سيما في المخيمات التي أصبحت ساحة لعمليات عسكرية مكثفة. وفقًا للتقديرات، فقد تسببت هذه العمليات في تهجير آلاف المدنيين، بعد تدمير أعداد كبيرة من المنازل والمنشآت السكنية، وهو ما يعكس حجم التداعيات الإنسانية لهذا التصعيد فأسفرت العمليات العسكرية عن تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في عدد من المخيمات، ما دفع نحو 3,000 شخص إلى النزوح وفق التقسيم التالي:

.  مخيم طولكرم: اضطر 1,070 شخصًا إلى مغادرة منازلهم بعد هدم 205 مبانٍ

 . مخيم نور الشمس: نزح 965 شخصًا عقب تدمير 174 منشأة

  مخيم جنين: أجبر 960 شخصًا على ترك منازلهم إثر هدم 144 منشأة.

    في هذا السياق، وبحسب تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن الأرقام المشار إليها أعلاه شهدت تضاعفًا في الأشهر الأخيرة، حيث سجلت الضفة الغربية أكبر موجة نزوح منذ نكسة 1967. ووفقًا للتقديرات، فقد أجبر 40,000 فلسطيني على مغادرة منازلهم نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ، مثل هذا النزوح تهديدًا مباشرًا لاستقرار المجتمع الفلسطيني، حيث يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، ويزيد من الضغوط الاقتصادية والمعيشية على النازحين الذين يجدون أنفسهم دون مأوى أو مصادر رزق. كما أن استمرار هذه السياسات يفاقم الأزمة الإنسانية.[7]

      وإلى جانب الدمار المادي، تضررت البنية التحتية بشكل كارثي، حيث أكد رئيس بلدية جنين “محمد جرار”، أن أربعة من أصل خمسة مستشفيات في المدينة لم تعد تتلقى المياه نتيجة استهداف شبكات الإمداد، ما يُفاقم الأزمة الإنسانية ويُعمّق معاناة المدنيين.

       علاوة على ذلك، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في اليوم الثاني من شهر فبراير من العام الجاري، بتصعيد عملياتها العسكرية في مدينة جنين ومخيمها، حيث نفّذت تفجيرًا وحشيًا واسع النطاق استهدف حيًا سكنيًا بالكامل، مكوّنًا من 20 منزلًا. استخدمت القوات شاحنة محملة بالمتفجرات، مما أدى إلى تدمير الحي دفعة واحدة، متسببًا في دمار هائل وانتشار كثيف لأعمدة الدخان في المنطقة.  ووفقًا لشهود عيان، كان الانفجار عنيفًا لدرجة أن شظايا المنازل المتفجرة  وصلت إلى مستشفى جنين الحكومي، في مشهد يعكس حجم الدمار الناجم عن هذه العملية.[8]

      ومع استكمال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتسارع وتيرة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث صادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية “الكابينت” على خطة اقترحها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تهدف إلى فصل 13 مستوطنة عن الإدارة المدنية تمهيدًا للاعتراف بها كجزء من السيادة الإسرائيلية  و في تصريحات نقلتها القناة 13 الإسرائيلية، أبدى سموتريتش اعتزازه بهذه الخطوة، معتبرًا أنها تمثل تحولًا استراتيجيًا في سياسة الاستيطان الإسرائيلية وأكد أن القرار يعكس انتقال دولة الاحتلال من مرحلة “التستر والاعتذار ” إلى مرحلة الفعل المباشر في فرض السيادة، مشيرًا إلى أن رفع العلم الإسرائيلي في هذه المستوطنات والشروع في البناء والتوسع الاستيطاني يمثلان خطوات حاسمة نحو تحقيق هذا الهدف[9] .

      بالإضافة إلى ذلك، أنشأت القوات الإسرائيلية طوقًا أمنيًا عازلًا حول منطقة غور الأردن، بهدف تعزيز السيطرة على المنطقة في أوقات السلم والطوارئ. كما قامت بمسح العديد من الطرق عبر الخط الأخضر، ونصبت بوابات تسهل ملاحقة المطلوبين، مما يعكس تصعيدًا في الإجراءات الأمنية التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية[10] .

      رغم الدمار الواسع الذي لحق بمخيم جنين، أكدت مصادر إسرائيلية أن السلطات العسكرية ترفض منح تصاريح لإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها، بما في ذلك المنازل والطرق. وتهدف هذه السياسة إلى منع المخيم من استعادة شكله السابق، وإبقائه في حالة تفكك دائم، ما يسهل على القوات الإسرائيلية فرض سيطرتها العسكرية عليه [11].

      كما تُشكّل الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية جزءًا أساسيًا من منظومة الاحتلال الهادفة إلى فرض السيطرة على الفلسطينيين وتقييد حركتهم اليومية وتفاقمت هذه الحواجز خلال شهر رمضان الكريم، حيث تتحول هذه الحواجز إلى مواقع لإذلال الصائمين وتعطيل حياتهم لأن تؤثر هذه الحواجز بشكل مباشر على مختلف جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين، من العمل والتعليم إلى الرعاية الصحية. فالوقت الذي كان يستغرقه التنقل بين المدن والقرى تضاعف بشكل ملحوظ، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على السكان [12].

تعويض الخسارة

     أمام فشل الاحتلال الإسرائيلي الذريع في تحقيق أهدافه في قطاع غزة وعجزه عن كسر إرادة المقاومة التي فرضت معادلاتها على الأرض، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة رسم صورته داخليًا عبر تحقيق مكاسب ميدانية في الضفة الغربية. ومع دخول الهدنة في غزة حيز التنفيذ، عملت الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ هدفها الاستراتيجي، الذي يتمثل في فرض سيطرة كاملة على الضفة الغربية والقضاء على المقاومة فيها، ولذلك دفعت إسرائيل بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة، وبدأت حملة أمنية وعسكرية واسعة، تتسم بشراسة غير مسبوقة، في محاولة للقضاء على قوى المقاومة وفرض واقع جديد يخدم أجندتها السياسية والأمنية.[13]

ثالثًا: السند الأمريكي وأثره على الوضع بالضفة:

     منذ صول ترامب إلى البيت الأبيض، انتهج سياسة خارجية داعمه لإسرائيل بشكل كبير. فقد أقدم على خطوات شكلت تحولات جذرية في المشهد السياسي للمنطقة، أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها عام 2018، إلى جانب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وهي قرارات قوبلت برفض عربي ودولي واسع. وتجلّى بشكل أوضح في تبنّيه لما عُرف بـ”صفقة القرن”، التي في الواقع جاءت لتعزز الهيمنة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتحت سيطرة تل أبيب الفعلية.[14]

    في ظل الدعم الغير محدود أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن إدارة ترامب تقدمت بطلب رسمي إلى زعماء الكونغرس للموافقة على صفقة تسليح جديدة لصالح إسرائيل، تقدر قيمتها بنحو مليار دولار وبحسب التقرير، تشمل الصفقة تزويد إسرائيل بـ 4700 قنبلة من طراز زنة 1000 رطل، بتكلفة تتجاوز 700 مليون دولار، إلى جانب جرافات مدرعة من إنتاج شركة كاتربيلر، بقيمة تفوق 300 مليون دولار.[15]

      وعليه، لعبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دورًا رئيسيًا في تمكين المشروع الصهيوني التوسعي، لا سيما فيما يتعلق بسياسات الاستيطان والضم في الضفة الغربية. فقد منحت مواقف ترامب، سواء من خلال قرارات رسمية أو تصريحات علنية، الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، الضوء الأخضر لتسريع عمليات الاستيطان وتهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم.

     في سياق متصل، من أحد المؤشرات اللافتة على هذا التوجه هو مقطع فيديو سابق لترامب يجاوب فيه على أحد الصحافيين، أشار فيه إلى أن إسرائيل تقع ضمن محيط جغرافي صغير مقارنة بجيرانها في الشرق الأوسط، ما يعكس رؤية تدفع نحو توسيع رقعة السيطرة الإسرائيلية.[16] كما لم يكن ترامب متحفظًا بشأن خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول الجوار، مصر والأردن، رغم الرفض العلني والقاطع من قبل البلدين، اللذين أكدا دعمهما للحقوق الفلسطينية. ومع ذلك، استمر ترامب في التأكيد على أن هذه الدول “ستفعل ما هو مطلوب منها”، في إشارة ضمنية إلى ضغوط محتملة لدفعها نحو تبني رؤيته لحل الصراع وفق الأجندة الإسرائيلية.[17]

    بذلك، يمكن القول إن سياسات ترامب لم تكن مجرد دعم دبلوماسي تقليدي لإسرائيل، بل شكلت رافعة استراتيجية عززت الطموحات الصهيونية، سواء عبر منح الشرعية لسياسات الضم أو محاولة إعادة رسم المشهد الديمغرافي والجغرافي في المنطقة لصالح إسرائيل، متجاوزة بذلك الأعراف الدولية وحقوق السكان الأصليين.

رابعًا: الرؤية المستقبلية لمساعي إسرائيل لضم الضفة الغربية

     تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض عبر تجديد مساعيها لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مستغلة الظرف الإقليمي المتغير والدعم الأميركي المستمر وفي ظل هذا التوجه، تتصاعد المخاوف من تداعيات هذه السياسة على مستقبل القضية الفلسطينية حيث ستواصل إسرائيل بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة بهدف إحداث تغيير ديموغرافي تدريجي يُصعّب أي حل سياسي مستقبلي وربط المستوطنات ببنية تحتية إسرائيلية متكاملة، تعزز السيطرة الجغرافية وتحول الضفة إلى جزر فلسطينية معزولة بين مناطق نفوذ إسرائيلية. فنجد أن تصعيد العمليات العسكرية في المدن والمخيمات الفلسطينية، كما هو الحال في جنين وطولكرم، لملاحقة “البؤر الإرهابية “، وتفكيك أي بنية تحتية للمقاومة تمنع فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة. كما أن زيادة القيود على الحركة، من خلال الحواجز الأمنية، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق حيوية داخل الضفة، يعزز واقع الفصل غير المعلن.  بالإضافة إلى ذلك يلعب الضغط السياسي والاقتصادي الذي تقوم به على السلطة الفلسطينية عاملًا هامًا في تقويض شرعيتها ودفعها إلى الانهيار التدريجي، ما قد يتيح لإسرائيل التدخل المباشر في إدارة مناطق أوسع من الضفة بحجة سد الفراغ الأمني. وفقًا لما سبق نجد أنه من المتوقع:

تصعيد وتيرة التوسع الاستيطاني في الضفة تحت الغطاء الأمني: حيث ستعمل الحكومة الإسرائيلية أكثر على تقنين المستوطنات التي كانت تُعتبر “غير قانونية “حتى وفق القوانين الإسرائيلية، وجعلها جزءًا من البنية الرسمية للدولة، وهو ما يعني تسهيل البناء فيها وربطها بالبنية التحتية الإسرائيلية.

استغلال الدعم الأمريكي: إسرائيل تسعي إلى استثمار هذه الحرب ليس فقط لتدمير حماس  بغزه و استمرار العمليات العسكرية في غزة حتي القضاء عليها كليا، بل أيضًا لطلب المزيد من الدعم العسكري الأمريكي حتي يتم القضاء علي مقاومة بالضفة .

تقويض حل الدولتين: مع مرور الوقت، سيصبح حل الدولتين نظريًا فقط، حيث ستتحول الضفة الغربية إلى كيان مجزأ غير قابل للحياة سياسيًا واقتصاديًا .

تصاعد المقاومة الفلسطينية: مع ازدياد الضغط والتهويد و المعاناه الإقتصادية لأهالي الضفة ، من المرجح أن تنشط المقاومة المسلحة في الضفة، مما قد يؤدي إلى مواجهات واسعة، وربما انفجار انتفاضة جديدة؟

    فبذلك نجد أن إسرائيل لا تحتاج إلى إعلان رسمي لضم الضفة، بل تمضي بخطوات ثابتة نحو ضم فعلي عبر أدوات أمنية واستيطانية وإدارية. ما لم يحدث تحول جذري في الموقف الفلسطيني أو الدولي، فإن الضم التدريجي تحت الغطاء الأمني سيظل هو المسار الأكثر ترجيحًا، مما سيجعل أي تسوية مستقبلية أكثر تعقيدًا، ويدفع المنطقة نحو مرحلة جديدة من الصراع طويل الأمد.

ختامًا: إن ما يجري في الضفة الغربية اليوم ليس مجرد حملة عسكرية اعتيادية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي في المناطق الفلسطينية. عبر التهجير القسري والتدمير الممنهج، تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تُفضي إلى إضعاف الوجود الفلسطيني في المناطق الاستراتيجية، تمهيدًا لمشاريع الضمّ والاستيطان.

    وعلى الرغم من الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، والسياسات القمعية التي تتبعها، بما في ذلك ملاحقة المقاومين وتصفيتهم، واستهداف منازلهم بالهدم والتدمير. فضلاً عن اعتقال أفراد عائلاتهم كإجراء عقابي، فإن هذه الاستراتيجيات لم تنجح في القضاء على زخم المقاومة أو كسر إرادتها. بل على العكس، تواصل العمليات الفدائية الفردية إثبات فشل هذه المقاربة في تحقيق الردع الكامل، وتعدّ عملية عند حاجز تياسير العسكري في الأغوار الشمالية دليلاً على ذلك، حيث أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين، بينهم اثنان في حالة خطرة.[18]

كما أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، استشهاد أحد عناصرها خلال اشتباك مسلح مع القوات الإسرائيلية في مدينة قلقيلية. ووفقًا لما أوردته مصادر فلسطينية، فقد ردد الشهيد هتاف  “لبيكِ يا غزة” أثناء المواجهات، ليجسد بذلك حالة الترابط الميداني بين ساحات الاشتباك في الضفة الغربية والعدوان المستمر على قطاع غزة ، وبحسب شهود عيان، فإن الشهيد ظل يقاوم حتى اللحظات الأخيرة، مرددًا شعاره الذي يعكس التلاحم بين المقاومين في الضفة والقطاع،  تأكيدًا على وحدة الميدان والمصير بين الجبهتين [19].

     وذلك على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي والإجراءات الأمنية المشددة. هذا يؤكد أن المقاومة، سواء كانت منظمة أو فردية، لا تزال قادرة على توجيه ضربات مؤثرة، مما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية النهج الأمني الإسرائيلي في التعامل مع تصاعد العمليات في الضفة الغربية.

     فبذلك تبدو إسرائيل قادرة على تحقيق تقدم كبير في تنفيذ خططها في الضفة الغربية. استمرار الحرب يمنحها الوقت والمساحة السياسية لإعادة تشكيل الأوضاع على الأرض وفق رؤيتها، بحيث يصبح الحديث عن دولة فلسطينية مستقبلية أمرًا أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، فإن قدرة الفلسطينيين على مقاومة هذه المخططات، سواء من خلال المقاومة العسكرية  أو إعادة ترتيب الأوراق سياسيًا ستظل العامل الحاسم في تحديد مستقبل الضفة الغربية.


[1] محمد محسن صالح ، الضفة الغربية في بؤرة الاستهداف و الضم الصهيوني،  مركز الزيتونة للدراسات ،24 يناير 2025 تم الإطلاع 3 فبراير 2025. https://n9.cl/owzo

 [2] اليوم السابع، العمليات العسكرية للاحتلال بالضفة الغربية تأتي في وضع معقد ، 2025، الإطلاع عليه 6 فبراير، 2025. https://n9.cl/91k87

[3] بي بي سي عربي، الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية ويجبر عائلات في مخيم طولكرم على الإخلاء، 28 يناير ٢٠٢٥،تم  الإطلاع عليه 10 فبراير، 2025.https://www.bbc.com/arabic/articles/cz6p9n7z58yo

[4] الجزيرة نت، جنين إلى طولكرم.. إسرائيل تمارس سياسة تغيير جغرافيا المخيمات، الجزيرة نت، 28 ،1، 2025 تم الاطلاع  عليه في7 فبراير، 2025.https://n9.cl/blwts

[5] الشرق الأوسط، إسرائيل توسع عمليتها في الضفة وحماس تدعو إلى التصعيد ، 6 فبراير، 2025، تم الإطلاع 6 فبراير ، 2025 . https://aawsat.com/5107482

[6] سكاي نيوز عربية، قصف إسرائيلي عنيف في الضفة: قتلى ودمار ونزوح واسع،، 3 فبراير،2025. تم الإطلاع عليه 5 فبراير   https://n9.cl/qmi8l

[7] الجزيرة ، ” إسرائيل تسابق الزمن لتنفيذ إستراتيجية ضم الضفة”، 24 مارس 2025.تم الأطلاع عليه في 27-3-2025. https://www.ajnet.me/politics/2025/3/24/هكذا-تعيد-إسرائيل-هندسة-الضفة-الغربية. ()

[8] لقاهرة الإخبارية، الاحتلال الإسرائيلي يفجر 20 منزلاً في جنين ويقصف مواقع أخرى، اليوم السابع ، 2 فبراير ، 2025 .

تم الإطلاع عليه في 2 فبراير . https://n9.cl/5x4ef

[9] المصري اليوم، ” إسرائيل تصادق على خطة لضم مستوطنات في الضفة “،23-3-2025 .تم الإطلاع  26 مارس 2025 https://www.almasryalyoum.com/news/details/3407827

[10]الجزيرة  ، يديعوت أحرونوت: إسرائيل تعتزم منع إعادة إعمار مخيم جنين ، 26 مارس 2025 . تم الإطلاع 27-3-2025 .https://www.ajnet.me/news/2025/3/26/يديعوت-أحرونوت-إسرائيل-تعتزم-منع.

[11] المصدر السابق.

[12] الجزيرة ، إسرائيل تشدد القيود على الفلسطينيين عبر الحواجز خلال رمضان، قدس برس، 26 مارس 2025، تم الإطلاع 27-3-2025  .

[13] محمد محسن صالح ، الضفة الغربية في بؤرة الاستهداف و الضم الصهيوني ، مرجع سابق ذكره.

[14]  العرب مباشر، يلمّح: هل يدعم ضم الضفة الغربية لإسرائيل؟ الخبراء يجيبون،2 فبراير 2025، تم الإطلاع يوم ١٠ فبرايرhttps://arabmubasher.com/trump-hints-does-he-support-the-annexation-of-the-west-bank-to-israel-experts-answer

[15] الغد، 4700قنبلة وجرافات مدرعة أميركا تستعد لبيع أسلحة جديدة لإسرائيل ،الغد ،6 فبراير ، 2025، تم الإطلاع   ٧ فبراير. https://n9.cl/n9eh75

[16] سي إن إن العربية، إسرائيل وترامب: خطط لضم أجزاء من الضفة الغربية ،6فبراير، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/02/04/israel-trump-annexation-parts-west-bank

[17] الجزيرة، خبراء: ترامب عازم على تهجير الفلسطينيين وتوسيع التطبيع وتسهيل ضم الضفة ، 5 فبراير 2025،تم  الإطلاع عليه في 7 فبراير https://www.ajnet.me/news/2025/2/5/%D8%AE%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B9%D8%A7%D8%B2%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1

[18] سكاي نيوز عربية، عملية حاجز تياسير: مقتل جنديين إسرائيليين شمالي الضفة ،7 فبراير. https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1774590-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%B2-%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%AC%D9%86%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%95%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%81%D8%A9

[19] اليوم السابع، كتائب القسام تعلن استشهاد أحد كوادرها بمدينة قلقيلية، 25 مارس 2025 . تم الأطلاع عليه 27-4-2025. https://www.youm7.com/story/2025/3/25/6932029

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى