ترجمات “ثماني أولويات للإتحاد الإفريقي في عام 2025”

إعداد: ريم المشد – باحثة متدربة بمجموعة عمل الدراسات الإفريقية بالمركز.
مراجعة: د. آيات عبدالعزيز – مدير إدارة البحوث والدراسات بالمركز.
نشرت مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group تقريرًا موجزًا في فبراير الماضي، تحت عنوان”ثماني أولويات للإتحاد الإفريقي في عام 2025″.[1] يستعرض هذا التقرير التحديات الأمنية المتصاعدة في القارة الإفريقية، مع التركيز على النزاعات المستمرة في السودان، الصومال، منطقة الساحل، ومنطقة البحيرات العظمى، بالإضافة إلى التوترات في الكاميرون وموزمبيق. كما يناقش التقرير تراجع آليات صنع السلام التقليدية، وزيادة التدخلات الخارجية في دعم أطراف النزاعات الحالية، مما يعيق جهود الوساطة. بالإضافة إلى ذلك، يسلط التقرير الضوء على نقاط ضعف الاتحاد الإفريقي بما في ذلك؛ نقص التمويل والانقسامات الداخلية، مع التأكيد على شرعية الإتحاد وثقله الدبلوماسي، خاصة بعد انضمامه لمجموعة العشرين. يقدم التقرير ثماني توصيات للإتحاد الإفريقي لعام 2025، تشمل تعزيز القيادة في حل النزاعات، دعم الوساطة في السودان، منع الحروب الإقليمية في منطقة البحيرات العظمى، إطلاق قوة جديدة في الصومال، التعامل مع انسحاب دول الساحل من “الإيكواس”، مساعدة الكاميرون في تنظيم انتخابات نزيهة، منع انهيار جنوب السودان، وتشكيل موقف موحد بشأن تغير المناخ.
ثماني أولويات للإتحاد الإفريقي في عام 2025
المستجدات؟
أجتمع رؤساء الدول الإفريقية في قمتهم السنوية يومي 15 و 16 فبراير، في وقت تعاني فيه القارة من عدة حروب، بينما تتراجع آليات صنع السلام التقليدية. في غياب التدخل الدبلوماسي، من المرجح أن تزداد الصراعات الدامية في إفريقيا وتمتد إلى ما وراء الحدود الوطنية، ومع انشغال القوي الغربية بمشاكلها الداخلية، فأنه على القادة الأفارقة تحمل مسؤولية الوساطة، التي لن يقوم بها شخص آخر.
إنطلاقا من هذا، يجب على الإتحاد الإفريقي في عام 2025 دعم الوساطة في السودان والعمل على وقف المواجهة المتعددة الأطراف في منطقة البحيرات العظمى، وتعزيز الأمن في الصومال وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة في منطقة الساحل الوسطى، ومساعدة الكاميرون في تنظيم انتخابات نزيهة، ودعم جنوب السودان في مواجهة تداعيات الحرب السودانية، وتشكيل موقف موحد تجاه تأثير تغير المناخ.
ملخص
تشهد إفريقيا بفترة غير مستقرة لأول مرة منذ تسعينيات ما بعد الحرب الباردة، حيث تشهد معظم مناطق القارة اضطرابات وصراعات مسلحة. كل هذه الاضطرابات تحدث في وقت تسود فيه الفوضى عالميا، إذ حتى قبل أن يعيد الناخبون الأمريكيون تنصيب الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، برزت مجموعة من العوامل؛ التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا وجائحة كوفيد19-. فضلًا عن المؤسسات متعددة الأطراف المتدهورة، التي لعبت دورا كبيرا في إعاقة العمل الجماعي لإحتواء التهديدات الأمنية. والآن، يزداد الوضع سوءًا مع إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عن تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية التي كانت ذات يوم مركزية لصنع السلام ، حيث أن مثل هذا التخفيض سيؤدي بالضرورة إفقار الملايين، وكثير منهم في إفريقيا.
١.التحديات الأمنية في إفريقيا
يمكن ارجاع التحديات الأمنية والسلام في إفريقيالوجود العديد من ا لأزمات ال متداخلة. فمن جهة هناك الصراعات نفسها، بدءًا من القرن الإفريقي، حيث تهدد الحرب الأهلية في السودان بتفتيت الدولة، والانتشار إلي جنوب السودان الضعيف للغاية وربما إلي تشاد أيضًا. أما الصومال فًهو في وضع أفضل قليلًا، رغم إن مهلة أخرى قد انقضت لإنهاء مهمة الأمن التابعة للإتحاد الإفريقي، والتي عبر مراحلها المختلفة، كانت تساعد مقديشو في محاربة متمردي الشباب منذ عام 2007. أما إثيوبيا، التي تعتبر تقليديًا الدولة المحورية في المنطقة، فقد تكون أكثر هدوءًا مما كانت عليه خلال صراع تيغراي الذي دمَر شمال البلاد من عام 2020 إلى عام 2022، لكنها لا تزال تواجه عدة حركات تمرد بما في ذلك في منطقتي أوروميا وأمهرة المكتظتين بالسكان.
وبالنظر إلى الغرب، في منطقة الساحل الأوسط، قامت السلطات الانتقالية بطرد القوات الفرنسية والأمريكية التي ساعدت في توفير الدعم الأمني والاستخباراتي في المنطقة. كما انسحبت من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وهي تتطلع الآن إلى شركة الأمن الروسية المسماة “أفريقيا كوربس” (التي كانت في السابق جزءًا من مجموعة فاغنر) للحصول على الدعم في مكافحة الجهاديين الذين ينتشرون في جميع أنحاء المنطقة، ولاتزال هذه الجماعات المسلحة تحقق مكاسب على الأرض، على الرغم من تأكيد السلطات المركزية في منطقة الساحل بتصوير الترتيبات الجديدة كترتيبات تحترم سيادتها واستقلالها على عكس ما حدث من فرنسا سابقا.
مع التوجه نحو وسط القارة، يدخل الصراع الناطق بالإنجليزية في الكاميرون، والذي غالبًا ما يتم تجاهله، عامه الثامن دون أي حل سياسي في الأفق. في الوقت نفسه، يزداد القتال بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية خطورة يومًا بعد يوم، حيث تدعم رواندا متمردي حركة 23 مارس (إم 23) الذين استولوا على غوما، أكبر مدينة في مقاطعة شمال كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، في 27 يناير. ويسعى المتمردون للسيطرة علي العاصمة الإقليمية المجاورة لجنوب كيفو، بوكافو، على الرغم من وقف إطلاق النارالأحادي الذي أعلنوه في الرابع من فبراير و قد أوقف هجومهم مؤقتًا. يزداد الخطر من تحول هذه الحرب إلى مواجهة متعددة الدول في منطقة البحيرات العظمى، تعيد إلى الأذهان أهوال تسعينيات القرن الماضي.
وأخيرًا، في الجنوب الأفريقي، اندلعت الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات في موزمبيق في أكتوبر بعد أن زعمت المعارضة أن التصويت كان مزورًا. وأدى رد فعل الشرطة القاسي إلى مقتل مئات المحتجين وتسبب عدم الاستقرار في توقف النشاط الاقتصادي لعدة أشهر، ولا يزال التمرد في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية في البلاد مستمرًا، وإن كان بكثافة منخفضة إلى حد ما.
ولكن إذا كانت أزمة الصراع في إفريقيا تصل إلى أبعاد جغرافية لم تشهدها منذ عقود، فإنها تتفاقم بسبب أزمة أخرى تتعلق بصنع السلام، سواء علي المستوي العالمي أو داخل إفريقيا على وجه الخصوص، كما كتبت مجموعة الأزمات الدولية في أماكن أخري، فإن تورط العديد من القوى الخارجية التي تدعم الأطراف المتنافسة في الصراعات، وخاصة في السودان، يزيد من التحديات التي يواجهها الوسطاء. كذلك، فعلى الرغم من كونها أكثر الحروب الدموية التي شهدتها أفريقيا منذ سنوات، فأنه لم تتم محاسبة أي شخصية بارزة عن الحرب في تيغراي بإثيوبيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الخلل في المؤسسات متعددة الأطراف، ولا سيما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي أصبح رهينة للتنافس بين القوى الكبرى، يعني أن الأمم المتحدة تقف إلى حد كبير متفرجة وسط كل هذه الاضطرابات.
مع انتشار الصراعات وتراجع آليات صنع السلام التقليدية، هناك حاجة وفرصة للإتحاد الإفريقي لرفع مستوي أدائه. من المعروف أن المنظمة تعاني من نقاط ضعف بما في ذلك التمويل غير الكافي، والخلافات داخل مفوضية الإتحاد الإفريقي، والتنافس على القيادة بين الإتحاد الإفريقي وكتله الإقليمية، كل هذا يعيق قدرته على التدخل.
ومع ذلك، يتمتع الاتحاد الأفريقي ببعض نقاط القوة العميقة الجذور، ولعل أهمها أن شرعيته ليست محل نزاع. في الواقع، ينظر العديد من الأفارقة إلى تاريخه على أنه وسيلة للتعبير عن المُثل الإفريقية العليا. كما يتمتع بثقل دبلوماسي. في السنوات الأخيرة، تمكن الإتحاد الإفريقي من حشد الدول حول أهداف مشتركة مثل اتفاقية التجارة البينية الإفريقية التاريخية (على الرغم من أن تنفيذها كان بطيئًا). كما نجح في تحقيق استجابة جماعية حظيت بإشادة واسعة النطاق لجائحة كوفيد-19. بالإضافة إلى ذلك، حقق الإتحاد الإفريقي انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا عندما أصبح عضوًا في مجموعة العشرين في عام 2023، مما يضعه في موقع يسمح له بالعمل مع جنوب إفريقيا التي تترأس مجموعة العشرين لعام 2025، (والتي هي نفسها عضو في مجموعة العشرين)، لتعزيز الأهداف القارية في واحدة من أقوي المجموعات الاقتصادية في العالم.
إن الرؤية الإيجابية، وإن كانت متفائلة، لدور الإتحاد الإفريقي كصانع سلام، يعتمد على نقاط القوة هذه لترسيخ دوره الفريد في قارة يشكك شعبها بشكل متزايد في القوي الخارجية. في الواقع، و في أعقاب موجة من الإصلاحات التي قادها زعماء تقدميون من دول أعضاء رئيسية مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، بدا أن الاتحاد الإفريقي وكأنه يرقى إلى مستوى ولايته، حيث شارك في عملية صنع السلام وتعزيز الحوكمة بين الدول الأعضاء غير أن هذه الديناميكية قد تراجعت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. ولهذا، يتعين على الاتحاد أن يعود إلى الأساسيات. كما يتعين عليه أن يلتزم بكلمات قانونه التأسيسي، الذي يعزز التعايش السلمي بين الدول الأعضاء وهو ما يشكل جوهر مهمة الإتحاد.
من الناحية العملية، يجب على الإتحاد الإفريقي أن يُضفي ثقله الدبلوماسي على دعم جهود صنع السلام – سواء كان ذلك من خلال توحيد المواقف الإقليمية بشأن نقطة نزاع، أو التنقل بين الأطراف لخلق فرص للحوار وأخذ زمام المبادرة في الوساطة. ويتعين عليه أن يستخلص الدروس من استجابته البطيئة وغير الواضحة بشكل لا يُغتفر لاندلاع الحرب في السودان والسعي إلى أن يكون أكثر مرونة عند اندلاع النزاعات، من خلال استكشاف خيارات لنزع فتيل التصعيد والحفاظ على التفاعل المستمر في متابعة الحلول. ويقع على عاتقه، قبل كل شيء، مسؤولية إظهار مدي قلق إفريقيا العميق بشأن أزماتها ونقل هذه الرسالة إلى جميع المحافل العالمية التي تناقش الأمن.
ثماني أولويات للإتحاد الإفريقي في العام المقبل هي كما يلي:
1. تجديد قيادة الاتحاد الإفريقي في مجالي الأمن والسلام.
2. دعم جهود الوساطة السودانية.
3. تجنب اندلاع حرب إقليمية في منطقة البحيرات العظمى.
4. إطلاق قوة أخرى تابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال.
5. البحث عن طرق للتعامل مع منطقة الساحل الأوسط.
6. مساعدة الكاميرون في تنظيم انتخابات نزيهة.
7. منع جنوب السودان من الانقلاب.
8. تبني موقف بشأن الأمن المناخي.
إن هذه القائمة ليست شاملة بأي حال من الأحوال، حيث لاتزال النزاعات الأخرى مستمرة في زعزعة استقرار القارة. ففي إثيوبيا، كما سبق ذكره، تشن الحكومة معارك ضد المتمردين في أمهرة وأورومو، والعلاقات مع إريتريا متوترة. ولا تزال جمهورية إفريقيا الوسطى تعاني من العنف الطائفي، والصراعات على الموارد، وعدم الاستقرار على رأس السلطة. وتظل ليبيا منقسمة مع عدم وجود أي توجهات حقيقية لإجراء الانتخابات. وتواجه موزمبيق، كما ذكرنا، أزمة سياسية وأمنية. كما يمكن أن تظهر بؤر ساخنة جديدة خلال الأشهر المقبلة، مما يضع الإتحاد الإفريقي وقيادته الجديدة على المحك. خلاصة القول، ليس أمام زعماء إفريقيا خيار سوى تحمل قدر أكبر من المسؤولية في حل العديد من النزاعات المشتعلة في القارة، وفي ظل بيئة جيوسياسية مشحونة ومضطربة، يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي التأكيد على القيادة الجديدة للمؤسسة، حيث إن النهج المتراخي الذي لا يتدخل في شؤونها هو ترف لا يمكن للإتحاد الإفريقي تحمله.
٢.تجديد قيادة الإتحاد الإفريقي في مجال السلام والأمن
تأتي انتخابات القيادة القادمة للإتحاد الإفريقي في لحظة حاسمة بالنسبة للمنظمة، حيث تواجه النزاعات في كل ركن من أركان القارة. في هذا السياق، يُنظر إلى الرئيس المنتهية ولايته “موسي فقي محمد”، الذي تولى المنصب في عام 2017، على نطاق واسع على أنه يتمتع بسجل مختلط، يُنسب إليه الفضل في تجديد شراكات المنظمة مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي. كما أنه قاد اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهي اتفاقية تاريخية وُقعت في عام 2018 وتهدف إلى تقليل العقبات التنظيمية أمام التجارة القارية. ومع ذلك، لم تكن فترة ولاية فقي الثانية خالية من الجدل، حيث دعم قرار الدول الأعضاء بعدم تعليق عضوية بلده الأم، تشاد، بعد تغيير غير دستوري للحكومة في إبريل 2021، مما قوض مبدأ أساسيًا للإتحاد الإفريقي، والذي تم تدوينه في إعلان لومي لعام 2000، والذي ينص على أن الإتحاد الإفريقي يجب أن يعلق عضوية الدول التي تشهد انقلابات عسكرية، ولا يُرفع هذا التعليق إلا بعد إجراء انتخابات وعودة الحكم المدني .
لكن إرث “فكي”، الأكثر ديمومة هو إدارته المحدودة لاستجابة الإتحاد الإفريقي للحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في إبريل 2023. مع انشغال الولايات المتحدة بالصراع في أوكرانيا، ووقوف قوي خارجية أخري خلف أحد طرفي النزاع أو كليهما في السودان، كانت هناك حاجة ماسة إلى قيادة إفريقية قوية. ومع ذلك، عندما فشلت جهود الوساطة التي قادتها الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) في منطقة القرن الإفريقي، لم يتمكن “فكي”، من دق ناقوس الخطر بشأن خطورة الأزمة وحشد استجابة فعالة من الإتحاد الإفريقي.
بغض النظر عن الفائز- محمد يوسف-، فأن هناك العديد من التحديات الصعبة التي تحول دون أن يتمتع الرئيس بقدرات حقيقية على الفعل. على عكس الإتحاد الأوروبي، الذي منحت دوله الأعضاء سلطات معينة إلى مفوضية الإتحاد الأوروبي فوق الوطنية، فإن الإتحاد الإفريقي، منظمة حكومية دولية لا تمنح أعضاؤه أي قدر من السيادة للمفوضية، وتكمن السلطة الحقيقية في يد الدول الأعضاء، ورغم المكانة التي يتمتع بها رئيس المفوضية، إلا أن سلطته في توجيه تصرفات الدول تكاد تكون معدومة. ومع ذلك، يمكن للرئيس الفعال أن يستفيد من الشرعية الفريدة للإتحاد الإفريقي بين الأفارقة لجذب التركيز الدبلوماسي إلى أسوأ أزمات القارة في مجال السلام والأمن، لاسيما الكارثة الإنسانية في السودان والنزاع المحتمل الانفجار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ينبغي أن تكون معالجة هذه الأزمات علي رأس أولويات الرئيس الجديد.
علاوة على ذلك، هناك قضية رئيسية أخرى سيتعين علي الرئيس الجديد التعامل معها تتعلق بدور المنظمة في تعزيز الحكم الرشيد وفقا لمبادئ لومي. في الوقت الحالي، علَق الإتحاد الإفريقي عضوية كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا والغابون والسودان بعد أن استولى الجيش على السلطة في هذه الدول، وعادًة ما يرفع الإتحاد الإفريقي التعليق عندما تعود الدولة العضو المخالفة إلى الحكم الدستوري عبر انتخابات ديمقراطية. بدا أن هذا النهج نجح بشكل جيد في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع قيام عدد من الأنظمة العسكرية بتسليم السلطة إلى المدنيين. ولكن يواجه اليوم تحديات كبيرة في عصر عالمي جديد يشهد تزايد الإفلات من العقاب، يبدو أن هناك فرصة ضئيلة لأي من الانقلابات الأخيرة، لا سيما تلك التي حدثت في منطقة الساحل الوسطى، أبدى المجلس العسكري في الغابون فقط اهتمامًا بالعمل على استعادة العلاقات مع الإتحاد الإفريقي.
وهكذا يواجه الإتحاد الإفريقي معضلة كبيرة، حيث لا يوجد احتمال لقيام المنظمة بمراجعة إعلان لومي، نظرًا لأهميته في التأكيد على ضرورة ترسيخ الديمقراطية في القارة. وفي الوقت نفسه، هناك إدراك متزايد، أعرب عنه بوضوح في الأشهر الأخيرة زعيمي دولتين ديمقراطيتين مهمتين في غرب إفريقيا، وهما غانا والسنغال، بأن من المهم إبقاء خطوط اتصال مفتوحة مع الأنظمة العسكرية. يقدم القسم الخامس أدناه اقتراحًا حول كيفية تمكن الإتحاد الإفريقي من المساعدة في ذلك، مع الحفاظ على التزامه بتعزيز المبادئ الديمقراطية.
وأخيرًا، تتلخص إحدى المهام الحاسمة للرئيس القادم في تسخير مكانة الإتحاد الإفريقي كمؤسسة تتحدث باسم القارة، يجب عليه السعي لطرح وجهات نظر الدول الإفريقية في المناقشات العالمية عند تمثيل الإتحاد الإفريقي في اجتماعات المنتدى الاقتصادي لمجموعة العشرينG20))، كما ينبغي عليه تشجيع الدول الأعضاء في الإتحاد الإفريقي على تسريع تبني مواقف مشتركة بشأن القضايا التي تتفق عليها، مثل التفاوض على تمويل المناخ والضغط من أجل إصلاح المؤسسات المالية الدولية. وقد أكمل الإتحاد الإفريقي مسودة موقف مشترك بشأن المناخ والسلام والأمن، ستتم مناقشتها من قبل أعضاء مجلس السلم والأمن (PSC) في وقت لاحق من عام 2025، وينبغي أن يدفع رئيس الإتحاد الإفريقي باتجاه اعتمادها.
تميل الدول الأعضاء في الإتحاد الإفريقي إلى توقع المزيد من المفوضية أكثر مما يمكنها تقديمه، لكن هذا ليس سببًا يدفع الرئيس الجديد إلي التخلي عن أجندة طموحة، مع اشتداد المنافسة على النفوذ والموارد الطبيعية في القارة، والوصول إلى المعادن والهيدروكربونات، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، و جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي، وزيمبابوي، وفي ظل إعادة تشكيل القوي الكبرى للمؤسسات المسؤولة عن ضمان التعاون العالمي، فقد حان الوقت لرئيس يعزز الوحدة القارية في مواجهة التحديات المشتركة، وجعل صوت إفريقيا أكثر حضورًا في عالم يزداد استقطابًا.
في إبريل 2023، تصاعد الخلاف بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول “عبد الفتاح البرهان”، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة “محمد حمدان دقلو” “حميدتي”، حول دمج الأخيرة في الجيش إلى حرب مفتوحة، اندلع القتال أولًا في العاصمة الخرطوم وسرعان ما انتشر في معظم أنحاء البلاد. مع وجود داعمين خارجيين يساعدون كلا الطرفين المتحاربين يشعر الجانبان أنهما يمكنهما تحقيق مكاسب أكبر في ساحة المعركة بدلًا من طاولة المفاوضات. ونتيجة لذلك، واجهت جهود الوساطة صعوبات، وعلى الرغم من وجود حدود لما يمكن أن يفعله الإتحاد الإفريقي لإنهاء الصراع، إلا أنه يمكن بذل المزيد من الجهود للفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمة، والضغط على الأطراف المتحاربة للانخراط في وساطة جادة، ودعم المناقشات بين الجماعات المدنية السودانية حول المسار السياسي للمضي قدمًا.
تكلفة الحرب الأهلية في السودان لا يمكن المبالغة فيها، فقد تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات السودانية في العالم، حيث فرَ أكثر من 3.2 مليون شخص إلى دول مجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، تشير التقديرات إلى نزوح ما يقدر بحوالي 12 مليون سوداني و26 مليون يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء. فضلًا عن إن التخفيضات المفاجئة في المساعدات الخارجية من قبل إدارة ترامب، على الرغم من أنها تشمل استثناءات للمساعدات الإنسانية الضرورية، يمكن أن تترك المزيد من السودانيين يعانون من الجوع، وقد ارتكبت جميع الأطراف المتحاربة أعمال عنف جنسي بحق النساء والفتيات على نطاق واسع.
واجه الفاعلون الدوليون صعوبة في التعامل مع النزاع، إن الجهود المبذولة لعقد محادثات مباشرة بين البرهان وحميدتي أو كبار ممثليهما لم تسفر عن نتائج تُذكر، تضمنت المبادرات البارزة حتى الآن جولتين من المحادثات في جدة بالمملكة العربية السعودية بوساطة المملكة والولايات المتحدة (مايو وأكتوبر 2023). مناقشات في المنامة، البحرين، نظمتها مصر والإمارات العربية المتحدة (يناير 2024) ، بالإضافة إلي المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة في جنيف (أغسطس 2024). كما حاولت تركيا بدء محادثات مباشرة بين الجيش السوداني والداعمين الإماراتيين لقوات الدعم السريع، لكن نتائجها كانت محدودة أيضا. وراء هذا السجل القاتم، هناك نقص في الدافع لدى الطرفين المحاربين، فقد دعم اللاعبون الخارجيون كلا الطرفين الرئيسيين، مما منع أي منهما من توجيه ضربة قاضية للطرف الآخر، ما سمح باستمرار القتال.
من جهته، الجيش، الذي يعتبر نفسه الحاكم الشرعي للبلاد، هو الأقوى في الشمال والشرق. خلال الشهرين الماضيين، بدا أن التوازن بدأ يميل لصالح الجيش، خاصة بعد استعادته مدينة ودمدني، وهي مدينة مهمة في ولاية الجزيرة (بمساعدة طائرات مسيَرة إيرانية الصنع). في 24 يناير، تقدم الجيش نحو بحري، شمال الخرطوم، منهيًا حصار قوات الدعم السريع الذي استمر شهورًا لمقر الجيش هناك. كان هذا التقدم انتصارًا كبيرًا للقوات المسلحة وضربة لقوات الدعم السريع، التي انسحبت وحداتها دون قتال يُذكر، كما حدث في ودمدني. ومع ذلك، حتى مع نجاح الجيش في دفع قوات الدعم السريع خارج العاصمة ، فمن المرجح أن يستمر القتال ، خاصة في دارفور ، وقد تتغير موازين القوة مرة أخري .
في ظل هذه الظروف الصعبة، واجه الإتحاد الإفريقي صعوبة في التأثير على مسار الأحداث خاصةً مع الصراعات الداخلية بين المسؤولين حول من يجب أن يتولى هذا الملف، مما زاد من تعقيد الأمور. كان الاتحاد قد وضع خارطة طريق للوساطة والمساعدات الإنسانية في مايو 2023 – بعد بدء الحرب مباشرة – لكن سرعان ما أصبحت غير فعَالة. كما أن اللجنة رفيعة المستوى التي تم تشكيلها في يناير 2024 فشلت بسبب افتقارها إلى الثقل السياسي اللازم لمنافسة المبادرات الوساطية الأخرى. ومع ذلك، فإن الإتحاد الإفريقي يمتلك أدوات ضغط معنوي لم يستخدمها بالشكل الكافي، فعلي الرغم من أن القادة الأفارقة غالبًا ما يتجاهلون الانتقادات من الخارج، إلا أنهم أكثر ترددًا في رفض انتقادات أقرانهم. كان من الممكن أن تضع الدبلوماسية العلنية التي يمكن أن تتبناها قيادة الإتحاد – والتي لاتزال تحظي بدعم شعبي واسع النطاق في مختلف أنحاء القارة – ضغوطًا كبيرة على الأطراف المتحاربة.
٣.تجنب حرب إقليمية في منطقة البحيرات العظمى
تصاعد الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير في 27 يناير، حيث زحف متمردو حركة 23M بمساعدة القوات والمعدات الرواندية إلى مدينة غوما – كبري مدن الشرق-، مما أدي إلى هزيمة الجيش الكونغولي وحلفائه. ومنذ ذلك الحين، واصلت حركة 23M تقدمها نحو مدينة بوكافو، عاصمة إقليم جنوب كيفو المجاور، رغم إعلانها وقفًا أحاديًا لإطلاق النار في 4 فبراير، مما أوقف تقدمها مؤقتًا. الوضع الإنساني مروع، حيث أجبر مئات الآلاف في مخيمات النازحين على الفرار مرة أخرى، كما أسفر استخدام المدفعية من كلا الجانبين عن خسائر فادحة بين المدنيين . في الوقت نفسه ، تبدو الجهود الدبلوماسية لحل الصراع في حالة فوضى ، حيث يتنافس القادة الأفارقة علي لعب دور الوسيط، يتعين على رؤساء الدول المشاركة في الصراع أن يخففوا بشكل عاجل من تصريحاتهم المتشددة، والتي قد تؤدي إلي اندلاع حرب أوسع، ويمكن للجيران الآخرين المساهمة بدورهم عبر الضغط من أجل وقف إطلاق النار من خلال المفاوضات، وتوحيد جهود الوساطة لاستكشاف خيارات التهدئة والتوصل إلي حل خلال قمة مشتركة للكتلتين الإقليميتين في شرق وجنوب إفريقيا.
وقد يؤدي سقوط غوما، إلى جانب رفض كيغالي وكينشاسا إبداء أي مرونة لبعضهما البعض لجعل المحادثات ممكنة، مما قد يؤدي إلي حرب تذكرنا بما حدث في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حينما انخرطت جيوش من وسط وجنوب إفريقيا في قتال طويل الأمد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، يزداد هذا الخطر حدة نظرًا إلى تعدد الأطراف الفاعلة الخارجية المعنية؛ فقد واجهت القوات الرواندية ومقاتلو23M جنودًا من جنوب إفريقيا ومالاوي وتنزانيا بوروندي، دعتهم كينشاسا لمواجهة المتمردين، كما واجهوا أيضًا عناصر من إحدى أكبر بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وتكبدت جميع الأطراف خسائر، مما زاد من حدة العداء بينها.
كانت حركة 23M شبه خاملة منذ آخر توغل رئيسي لها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2012، لكنها عادت فجأة إلي الواجهة في نوفمبر 2021، وتوغلت في عمق مقاطعة كيفو الشمالية، وهزمت مرارًا جنود الكونغو سيئي التجهيز وضعيفي الحافز إلى جانب مجموعة متنوعة من القوات المساعدة الذين يقاتلون إلى جانبهم، بعد انهيار محادثات السلام في منتصف ديسمبر 2024، شنت الحركة هجومًا كبيرًا، استولت خلاله على عدة مدن رئيسية، منها ماسيسي ومينوفا ، وصولًا إلي سقوط غوما في 27 يناير.
حتى قبل اجتياحهم غوما، رسخت حركة 23M والقوات الرواندية وجودها في المناطق التي سيطرت عليها بشمال كيفو.
صعَد الطرفان من تحركاتهما منذ سقوط غوما. ففي 29 يناير، وعد الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ب “ردًا قوي ومنسق” على العدوان الرواندي ودعا مواطنيه إلى التعبئة. وفي اليوم التالي، أعلن رئيس الجناح السياسي لحركة 23M عن نية الحركة “السير نحو كينشاسا”، وحتى قبل اجتياحهم لغوما، كانت حركة 23M والقوات الرواندية قد رسخت وجودها في المناطق التي استولت عليها بشمال كيفو، حيث استبدلوا القادة المحليين، وسيطروا على أغنى رواسب الكولتان والذهب، وصل الخطاب العدائي على وسائل التواصل الاجتماعي مستويات قصوى بمشاركة مواطنين من الكونغو ورواندا على حد سواء.
علي مدي السنوات الأخيرة، عانت جهود الوساطة في التأثير على الأطراف المتحاربة. في عام 2022، طلب رؤساء دول الإتحاد الإفريقي من الرئيس الأنغولي “جواو لورنسو”، إحضار الرئيس الرواندي بول كاغامي وتشيسكيدي إلى طاولة المفاوضات. أدى هذا المسار، المعروف باسم عملية لواندا، إلى وقف إطلاق النار في يوليو 2024 ، ثم إلي تفاهم ألزم كيغالي بسحب قواتها من الشرق. من جانبها، تعهدت كينشاسا ب “تحييد” القوات الديمقراطية لتحرير رواندا (المعروفة باسم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا)، وهي مجموعة مناهضة لكيغالي تتألف من بقايا القوات التي ارتكبت الإبادة الجماعية عام 1994. ومع ذلك ، فإن هذه الالتزامات لم تصمد عندما وصلت إلى مكاتب الرؤساء ، وانهارت قمة كان من المقرر عقدها في 15 ديسمبر 2024 في أنغولا مع انسحاب كاغامي في اللحظة الأخيرة ، تلاه تبادل مألوف للخطابات.
لم يكن فشل قمة ديسمبر، الذي قد يكون مهَد للجولة الأخيرة من القتال، مفاجئًا نظرًا إلى العداء المتبادل وانعدام الثقة، حيث لا تأخذ كينشاسا على محمل الجد ادعاءات رواندا بأن FDLR (القوات الديمقراطية لتحرير رواندا)، تشكل تهديدًا أمنيًا حقيقيا، بل تري أن رواندا تستخدم هذه المزاعم كذريعة لاحتلال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. بدوره، يرفض الرئيس تشيسكيدي الجلوس مع المتمردين، واصفًا حركة 23M بأنها “وكيل رواندي”، رغم أن السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكانه الاستمرار في هذا الموقف بينما تسيطر 23M فعليًا على مقاطعتي كيفو.
من جانبها، لم تتخذ كيغالي أي خطوة للانسحاب من الشرق. بدلًا من ذلك، نشرت آلاف القوات، وشاركت في الهجوم على غوما وأقامت إدارات جديدة في المناطق التي تسيطر عليها، وتواصل الإصرار على أن السلام لايمكن تحقيقه إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين كينشاسا وحركة 23M، معتبرةً أن التمرد مسألة داخلية كونغولية وليست مشكلة إقليمية. ومع ذلك، فإن الأدلة الواسعة على نشر كيغالي لقواتها لدعم حركة 23M تقوض هذا الادعاء.
لقد تسبب الصراع في انقسامات حادة عبر القارة، مما جعل مهمة الوسطاء أكثر صعوبة، وازدادت حدة الانقسامات بعد سقوط غوما. منذ اندلاع القتال في عام 2021، تعاطف بعض القادة وكبار المسؤولين الأفارقة مع المخاوف الأمنية المعلنة لرواندا، بينما يشارك آخرون إحباط كينشاسا بشأن سلوك كيغالي ، معربين عن قلقهم من أن استخدام رواندا للقوة – ربما بهدف إعادة رسم الحدود – يشكل سابقة خطيرة تنتهك التزام الإتحاد الإفريقي باحترام حدود الحقبة الاستعمارية.
بشكل عام، تنقسم الولاءات على أسس جغرافية، فقد تحالفت دول جنوب القارة إلى جانب كينشاسا، بينما وقفت مجموعة شرق إفريقيا EAC)) ، باستثناء بوروندي، إلى جانب كيغالي. أحد أسباب هذا الانقسام الجغرافي هو تاريخ العمليات العسكرية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فبفضل مزيج من الضغوط والمفاوضات (ولكن دون قتال كبير)، تمكنت قوات مجموعة شرق إفريقيا المنتشرة منذ عام 2022من دفع مقاتلي 23M بعيدًا عن المدن الرئيسية، لكن كينشاسا أرادت أن تتخذ هذه القوات موقفًا عسكريًا في مواجهة المتمردين. انتهت هذه المهمة بالخلاف بعد أن طالب تشيسيكيدي بانسحاب هذه القوات، ليحل محلها قوة جنوبية مكونة من جنوب إفريقيا وملاوي وتنزانيا إلى جانب انتشار ثنائي من قبل بوروندي التي نشرت آلاف الجنود في شمال كيفو وجنوبها، مما أدي إلى خسائر كبيرة، وأثار التوترات داخل البلاد. ونظرًا إلي أن بوروندي تعتبر حليفًا رئيسيًا لكينشاسا، فإن بعض الدبلوماسيين الأفارقة يخشون من أن تسعى كيغالي وحلفاؤها إلى الإطاحة بحكومتها. في هذه الأثناء، رحب نجل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني المؤثر علنًا بتقدم قوات 23M، بينما تدعم كمبالا المتمردين ماديًا، ولكن بشكل غير معلن.
أدي سقوط غوما إلي تصعيد الخلافات، لكنه فتح أيضًا قنوات دبلوماسية جديدة، فقد اتهم رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا”، الجيش الرواندي بالتواطؤ مع حركة 23M، بالإضافة إلى المسؤولية عن مقتل 13 جنديًا من جنوب إفريقيا (ويُقال إن العدد ارتفع إلي 14)، مما أثار غضب كاغامي. في المقابل، دعا قادة مجموعة تنمية الجنوب إفريقي(SADC) – النظير الجنوبي لمجموعة شرق إفريقيا إلى وقف فوري لإطلاق النار وحثوا جميع الدول والجماعات المسلحة على العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو نفس الموقف الذي تبنته مجموعة شرق إفريقيا خلال قمتين منفصلتين عُقدتا في 29 و31 يناير، دعا قادة الكتلتين إلى عقد قمة مشتركة بين مجموعة شرق إفريقيا والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي لرسم خارطة طريق للمضي قدمًا. ومع ذلك، لا تزال هناك توترات عميقة بين الطرفين، خاصة بعد الخلاف الأخير بين رامافوزا وكاغامي، ومن المقرر أن يعقد التجمع في 8 فبراير.
من جانبه، عقد الإتحاد الإفريقي اجتماعًا لمجلس السلم والأمن في 29 يناير، حيث قرر الوزراء دعم جهود لورينسو مرة أخرى وحثَ القادة الروانديين والكونغوليين على التفاوض. من المقرر أن تتولي أنغولا الرئاسة الدورية للإتحاد الإفريقي في 15 فبراير، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت راغبة في مواصلة قيادة ملف الكونغو. وقد حرص مجلس السلم والأمن على عدم الانحياز إلى أي طرف في الصراع، نظرًا للتوترات الإقليمية. وفي اجتماعه، دعا المجلس جميع الجهات الخارجية الداعمة لحركة 23M إلى الانسحاب من شرق الكونغو الديمقراطية، دون تسمية رواندا صراحة.
بالنظر إلى خطورة الموقف، من الضروري أن يعمل القادة الأفارقة علي إصلاح خلافاتهم، أو على الأقل تخفيف حدة خطابهم، وتوحيد جهودهم لدفع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، رغم أنه من غير المرجح أن يضغط القادة الأفارقة على كيغالي علنًا، إلا أنه يجب أن يكون موقفهم واضحًا أمام الرئيس كاغامي، بأن الإجراءات الرواندية في كيفو الشمالية تنتهك بوضوح معايير الإتحاد الإفريقي التي تحث علي احترام سيادة الدول. كما يجب أن يطالبوا كيغالي بوضع خطط للانسحاب من غوما والمدن الأخرى. كذلك، ينبغي أن تحثَ هذه الدول كينشاسا على تخفيف موقفها فيما يتعلق بالبروتوكولات الدبلوماسية وفتح حوار مع حركة 23M إلي جانب هذه الضغوط، لأن الخيارات المتاحة للتوصل إلي حل مستدام علي المدي الطويل تبدو محدودة، وخاصة أن كيغالي تمسك بزمام الأمور في الوقت الحالي.
لقد كان الخلاف العلني بين رامافوزا وكاغامي في أعقاب سقوط غوما له أثر سلبي على جهود تحقيق مسار سلمي للأزمة، لذلك ينبغي على الزعيمين تهدئة الأجواء وإصلاح العلاقات بأسرع وقت ممكن. في هذا السياق، ناقش وزيرا خارجية جنوب إفريقيا ورواندا خيارات خفض التصعيد في مكالمة هاتفية في 30 يناير، ويمكنهما متابعة استكشاف مزيد من السبل لخفض التوتر. وكخطوة أولى، ينبغي لحركة 23M وحلفائها الروانديين توفير ممر آمن للقوات في جنوب إفريقيا وغيرها من القوات المحاصرة بالقرب من غوما، مما قد يساعد في تهدئة التوتر بين بريتوريا وكيغالي. وينبغي للمتمردين أيضًا السماح بوصول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، وهو الجهد الذي يجب تنسيقه مع وكالات الأمم المتحدة.
وأخيرًا، فيما يتعلق بالقمة المشتركة بين مجموعة شرق إفريقيا EAC)) ومجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC)، يتعين على الزعماء أن يحثَوا الأطراف المتحاربة على الموافقة على وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض، إلى جانب إنشاء مسار موحد للمفاوضات بين كيغالي وكينشاسا. ولتعزيز هذه الجهود، فإن رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي الجديد، الذي سيتم انتخابه في 15 فبراير، يجب أن يؤيد نتائج القمة، ويبدي استعداده لاستضافة المناقشات عند الضرورة، مع جاهزية الدعم الدبلوماسي والفني الإفريقي لمنع تفاقم الأزمة وتحولها إلي حرب إقليمية واسعة النطاق.
٤.إطلاق قوة أخرى للإتحاد الإفريقي في الصومال
يعد الإتحاد الإفريقي مصدردعم رئيسي للحكومة الصومالية في جهودها لتعزيز قواتها الأمنية ومكافحة تمرد حركة الشباب. وكان من المقرر أن تنسحب البعثة العسكرية للإتحاد الإفريقي، التي كانت قائمة منذ عام 2007، في ديسمبر 2024، لكن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود طلب منها البقاء، ولم تحقق مقديشو تقدمًا كافيًا في محاربة حركة الشباب يمكنها من خوض المعركة بمفردها. في أواخر عام 2022، فشلت حملة عسكرية لاستعادة أراضي في وسط الصومال قبل أن تتمكن من التوجه إلى الجنوب، حيث تعتبر حركة الشباب في أقوي حالاتها، كان هذا الإخفاق بسبب الخلافات السياسية والتوترات العشائرية وجيش صومالي لايزال في طور البناء. ويحتاج الإتحاد الإفريقي إلى تأمين التمويل اللازم لإطلاق قوة جديدة تساعد الحكومة الصومالية في تأمين المساهمات العسكرية ووضع البلاد على طريق يجعل مهام الإتحاد الإفريقي غير ضرورية في المستقبل.
بدأت بعثة الإتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM) عملياتها في يناير، وتتمثل مهمتها في دعم الجيش الصومالي في محاربة حركة الشباب، وحماية البنية التحتية الحضرية، والمساعدة في تمكين إيصال المساعدات الإنسانية، ودعم بناء الدولة. على الرغم من اسمها الجديد، فإن AUSSOM هي في الأساس امتداد لبعثة الانتقال الإفريقية في الصومال (ATMIS)، التي كانت تعمل بين عامي 2022-2024 وستحل محلها على مدى ستة أشهر. ومن المقرر أن تضم AUSSOM حوالي 12,000 جندي، أي ما يعادل نصف القوة القصوى لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM) التي امتدت بين عامي 2007-2022، سيتم نشر هذه القوات في حوالي 20 قاعدة، انخفاضًا من 80 قاعدة في عام 2022، مع تركيز الوجود على المدن الاستراتيجية والمواقع الحيوية مثل المطارات.
وتتمثل الفكرة الأساسية وراء هذه المهمة في الاحتفاظ بالنقاط الإستراتيجية مع منح الجيش الصومالي حرية التحرك لمهاجمة حركة الشباب. ومع ذلك، سيظل الإتحاد الإفريقي بحاجة إلى لعب دور داعم في العمليات الصومالية. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها العديد من المدربين الأجانب، لا تزال القوات المسلحة الصومالية تواجه صعوبة في تحقيق مكاسب ميدانية دون مساعدة خارجية.
بينما يستعد الإتحاد الإفريقي لتقديم هذا الدعم، سيتعين عليه التفاوض مع مقديشو بشأن بعض القضايا الأساسية، وأهمها من سيتحمل تكاليف البعثة. من الناحية النظرية، قد يكون جزء من الحل في نيويورك، ففي ديسمبر 2024، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مبدئيًاعلى تمويل (AUSSOM) من خلال آلية جديدة تسمح للمجلس بتغطية ما يصل إلى 75 % من تكاليف عمليات السلام التابعة للاتحاد الإفريقي من المساهمات المقررة للأمم المتحدة، لكن الأموال لن تتدفق حتى يوليو، كما أن ذلك مشروط بموافقة نهائية من مجلس الأمن في مايو، امتنعت الإدارة الأمريكية السابقة عن التصويت على قرار ديسمبر، بحجة أن آلية التمويل الجديدة للأمم المتحدة يجب أن تُستخدم للبعثات التي تكون في الأساس هجومية ومحدودة زمنيًا، وهو ما لا ينطبق علي AUSSOM من المرجح أن تتخذ إدارة دونالد ترامب الجديدة موقفًا أكثر تشددًا تجاه هذا التمويل، حيث قد تنظر إليه علي أنه عبء مالي علي دافعي الضرائب الأمريكيين.
ولكن البعثة لم تتمكن بعد من العثور على عدد كافٍ من الجنود لهذه المهمة، كان من المتوقع أن تجدد الدول الخمس التي ساهمت في ATMIS التزامها وهي : بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، لكن الخطة تعرضت لضغوط بسبب خلاف بين الصومال وإثيوبيا، حيث أدي سعي إثيوبيا للحصول علي منفذ بحري في منطقة أرض الصومال المنفصلة إلي تهديد بإبقاء أديس أبابا خارج المهمة. ومع ذلك، ساعدت الوساطة التركية في تهدئة هذا الخلاف، إلا أن بعض التغييرات ستظل قائمة: فمن المقرر أن تنسحب بوروندي من البعثة؛ ومن المرجح أن تقدم مصر عددًا محدودًا من الخبراء العسكريين المتخصصين؛ ولم يتم الاتفاق بعد على الالتزامات المحددة بالمساهمات العسكرية والترتيبات اللوجستية.
في ظل هذا السياق، تبدأ مهام الإتحاد الإفريقي المتعلقة بعمله في الصومال بالحاجة إلى تأمين تمويل كافٍ. سيكون ذلك تحديًا صعبًا، من المؤكد أنه من المنطقي اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لزيادة فرص نجاح تصويت مجلس الأمن في مايو، تشمل هذه الخطوات الامتثال لمتطلبات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمراقبة والامتثال للقانون المالي والدولي، ووضع تكاليف واضحة للمهمة؛ وإثبات أن الإتحاد الإفريقي قادر على تحمل نسبة 25 % التي ستكون عبئًا عليه، رغم إمكانية السعي للحصول علي مساعدة من الأمم المتحدة والجهات المانحة الثنائية، خطوة أخرى تتمثل في العمل عن كثب في الدبلوماسية ذات الصلة مع الصومال، التي بدأت ولايتها كعضو منتخب في مجلس الأمن في يناير، بالإضافة إلي الجزائر وسيراليون، وهما العضوان الأفريقيان الآخران في المجلس، سيتعين عليهما التواصل مع المسؤولين الأميركيين في كل من الكونجرس ونيويورك، حيث من المرجح أن تصبح عضوة الكونجرس السابقة “إليز ستيفاني”، الممثل الدائم الجديد للولايات المتحدة.
ومع ذلك، نظرًا للتحديات التي قد لا يمكن التغلب عليها المتمثلة في تأمين دعم واشنطن في عصر التقشف الأميركي، سيكون التخطيط للطوارئ أمرًا أساسيًا أيضًا، وهذا يعني التواصل مع الجهات المانحة التقليدية وغير تقليدية لمعرفة ما يمكنهم تقديمه، بدءًا من الإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وصولًا إلى آفاق جديدة مثل تركيا ودول الخليج العربي واليابان والصين (وقد تعهد بعضها بالفعل بمبالغ صغيرة). قد يكون من الضروري أيضًا النظر في الشكل الذي قد تبدو عليه البعثة المصغرة في حالة وصول التمويل إلى مستويات غير كافية لدعم النطاق الحالي. ومن جانبهم، ينبغي للمانحين أن يأخذوا في الاعتبار المخاطر الأمنية التي قد تترتب على مهمة أصغر، حيث سيسمح ذلك لحركة الشباب بالحصول على مساحة أكبر للمناورة، مما يزيد من الضغوط على القوات الصومالية المجهدة بالفعل.
ثانيًا، ينبغي على الإتحاد الإفريقي العمل على تسوية القضايا المتبقية المتعلقة بالمساهمة العسكرية، يحتاج الإتحاد الإفريقي والحكومة الصومالية بشكل عاجل إلى الاتفاق على عدد القوات التي سُيطلب من كل دولة المساهمة بها وأماكن تمركزها، من المرجح أن تشغل معظم الدول المواقع نفسها التي كانت تشغلها سابقًا ضمن بعثة ATMIS، لكن من المتوقع حدوث تغييرات في مناطق مثل ميدل شبيلي، باي، وباكول، تتطلب هذه الأسئلة اهتمامًا فوريًا إذا كان من المقرر إعادة تشكيل المهمة في يوليو.
يجب على الإتحاد الإفريقي والحكومة الصومالية وشركائهم ضمان أن تتمكن المهمة من القيام بما فشلت البعثات الأخرى في القيام به، من خلال الانسحاب الكامل في الموعد المحدد بحلول عام 2029.
يجب على الإتحاد الإفريقي والحكومة الصومالية وشركائهم ضمان أن تتمكن المهمة من القيام بما فشلت البعثات الأخرى في القيام به، من خلال الانسحاب الكامل في الموعد المحدد بحلول عام 2029. ويتمثل جزء من التحدي في أن استراتيجية خروج البعثة تعتمد على الصومال لتطوير القدرة علي تولي المسؤولية الأمنية الكاملة، وهو أمر يقع إلي حد كبير خارج سيطرة الإتحاد الإفريقي. ومع ذلك، فإن ما يمكن أن تفعله AUSSOM هو تصميم عملياتها مع مراعاة بناء القدرات، وخاصة في المناطق التي تفتقر إليها القوات المسلحة الصومالية، بدءًا من الكفاءات الميدانية وصولًا إلى إعادة الإمداد اللوجستي.
إن معالجة التحديات الأمنية المتعددة التي تواجه الصومال ستتطلب أيضًا حلولًا سياسية، بما في ذلك الحوار لتجاوز العلاقة المتوترة بين الحكومة والدول الأعضاء في الصومال، فالتوترات المتكررة بشأن تقاسم السلطة والموارد تقوض التعاون في مواجهة العدو المشترك، حركة الشباب، مما يجعل من الصعب التخطيط للعمليات واستدامتها.
وإذا ظهرت تجعل الحوار البناء مع حركة الشباب أمرًا ممكنًا، فلا ينبغي استبعاد هذا الخيار، نظرًا لصعوبة تحقيق نصر عسكري شامل على التمرد الراسخة. وبالتالي، وبينما يُعتبر توفير مظلة أمنية أمرًا ضروريًا يجب على الإتحاد الإفريقي العمل من خلال مفوضية الإتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن (PSC) لدفع الحكومة إلي اتخاذ خطوات تعزز هدف جعل هذه البعثة التابعة للإتحاد الإفريقي هي الأخيرة في الصومال.
٥.البحث عن سبل لإشراك منطقة الساحل الوسطي
يكافح الإتحاد الإفريقي (AU)لإيجاد دور له في منطقة الساحل الوسطى، التي شهدت مجموعة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، ستة منها في السنوات الثلاث الماضية وحدها. وقد فشلت جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) لعكس هذا الاتجاه، بعد أن أطاحت القوات المسلحة في النيجر بالرئيس محمد بازوم في يوليو 2023، فرضالتكتل عقوبات صارمة وهدد بالتدخل العسكري، لكن هذه المحاولة فشلت في إعادة البلاد إلى الحكم الدستوري. وبدلاً من ذلك، انضمت النيجر إلى دولتين إقليميتين أخريين بوركينا فاسو ومالي لتشكيل تحالف دول الساحل(AES)، والذي وصفه الأعضاء بأنه “ميثاق دفاعي”. ومنذ ذلك الحين، وسَعت الدول الثلاث تحالفها، الذي يشار إليه باسم “إتحاد كونفدرالي”، معلنة عن قوة عسكرية مشتركة ومنصة اتصالات، إلي جانب مبادرات أخرى. ويبدو أن دول AES مصممة على رسم مسارها الخاص، لكن ينبغي على الإتحاد الإفريقي استكشاف سبل تعزيز العلاقات مع الجوار، ويجب عليه تعيين مبعوث مكلف بدعم الوساطة، مع الحفاظ على الحوار بين السلطة الصومالية والإتحاد الإفريقي.
في سياق متصل، تعمل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، على تحقيق تكامل اقتصادي واجتماعي بين الدول الأعضاء، وشاركت في عمليات حفظ السلام على مر السنين، تواجه اليوم أحد أكبر تحدياتها. ففي أوائل عام 2024، أعلنت الدول الأعضاء الثلاث في AES أنها ستنسحب من ECOWAS، كما رفضت الدول الثلاث اقتراحًا من المجموعة الاقتصادية في ديسمبر 2024 بشأن فترة انتقالية مدتها ستة أشهر قبل مغادرتهم، ومع استبعاد احتمالات المصالحة، يجب أن تركزECOWAS و AES على التفاوض بشأن انفصال ودي يحدَ من تأثيره علي السكان الذين سيتعين عليهم التكيف مع تداعيات هذا الانفصال.ومن الأولويات التي يجب معالجتها الحفاظ علي الموانئ البحرية والطرق مفتوحة أمام منطقة الساحل الوسطى غير الساحلية وضمان حرية التنقل بين الدول الأعضاء في ECOWAS و AES . ولحسن الحظ، تعهد كل طرف بإبقاء الحدود مفتوحة أمام مواطني الدول الأخرى، لكن يبقي من غير الواضح كيف ستُنفذ هذه الالتزامات في الأشهر المقبلة، وسيكون من المفيد إضفاء الطابع الرسمي على هذه الالتزامات.
في غضون ذلك، لا تزال الأوضاع الأمنية في المنطقة متوترة، فقد أنهت جميع دول AES التعاون العسكري والسياسي مع فرنسا، التي كانت شريكها الرئيسي، والحكومات الغربية الأخرى. وبدلاً من ذلك، وطدت علاقاتها مع روسيا، فقد دعمت موسكو بوركينا فاسو والنيجر بمستشارين عسكريين، ومالي بالقوات (من خلال فيلق إفريقيا، كما تعرف الآن مجموعة فاغنر المرتزقة) وجميع الدول الثلاث بالأسلحة. كما تتعاون مع تركيا، التي تعد موردًا مهمًا للأسلحة، وخاصة الطائرات المسَيرة. لكن هذا التغيير لم يوقف انتشار العنف في جميع أنحاء المنطقة. كان عام 2023 الأكثر دموية في تاريخ منطقة الساحل، حيث بلغ عدد القتلى المرتبطين بالجماعات المسلحة حوالي 14,000 شخص، بينما كان عام 2024 ثاني أكثر الأعوام دموية، ولا يوجد ما يشير إلى أن هذا الاتجاه سيتغير جوهريًا. إن أكبر تهديد إسلامي مسلح في المنطقة، هو جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين “، التي تنشط في جميع الدول الثلاث. بشكل عام ، هناك أكثر من 3 ملايين شخص نازحين في المنطقة، ويحتاج أكثر من5 ملايين إلي مساعدات إنسانية .
رغم أن الإتحاد الإفريقي كان عادةً في موقع ثانوي بالنسبة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا(ECOWAS) فيما يتعلق الأمر بحل النزاعات في غرب إفريقيا، تماشيًا مع مبدأ التبعية للإتحاد الإفريقي، الذي يخصص المسؤولية الأساسية للتكتلات الإقليمية، إلا أنه تولى عدة أدوار مهمة في بداية الأزمة الأمنية في منطقة الساحل. في عام 2013، كان للإتحاد الإفريقي دورًا أساسيًا في دعم الانتخابات التي أكملت انتقال مالي إلى الحكم المدني، بعد أن أدت الهجمات الجهادية في العام السابق إلى انقلاب عسكري. في يناير 2013، نشر الإتحاد قوات لفترة وجيزة في البلاد، قبل أن تحل محلها بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA)، والتي كانت تضم نسبة كبيرة من قوات حفظ السلام في غرب إفريقيا. ومع ذلك ،لم يقم الإتحاد الإفريقي بتعيين مبعوث لمكتبه الوحيد في منطقة الساحل الوسطي، وهو مكتب ”MISAHEL” في باماكو ، منذ سبتمبر 2023 ، مما يعكس مدي تراجع نفوذه في المنطقة.
ولكن مع تراجع الساحل الأوسط عن الإيكواس سياسيًا ودبلوماسيًا، قد يكون هناك مجال أكبر للإتحاد الإفريقي لتكملة جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. من المؤكد أن العلاقات بين الإتحاد الإفريقي والإدارات الحاكمة في دول الساحل الثلاث متوترة، بسبب تعليق عضوية هذه الدول من قبل الإتحاد الإفريقي في أعقاب انقلاباتها. ومع ذلك ، فقد يتجنب الإتحاد الإفريقي الصدامات الإعلامية مع سلطات تحالف AES ، علي عكس ECOWAS .على سبيل المثال، لم يفرض الإتحاد الإفريقي عقوبات اقتصادية مستهدفة أو حظر سفر على الدول الثلاثة، كما لم يدعم بقوة تهديدات الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)بالتدخل العسكري في النيجر في عام 2023.
لذا، قد يكون هناك مجال للإتحاد الإفريقي للعب دور دبلوماسي في منطقة الساحل، وفي حين أن مبادئ لومي تعني أن الإتحاد الإفريقي لا يمكنه رفع تعليق عضوية دول AES قبل عودتها إلى الحكم المدني، لكن يمكنه تعزيز وجوده عبر دعم مكتبه في باماكو بمبعوث دبلوماسي ممول جيدًا، وهو ما طالبت به منظمة مجموعة الأزمات سابقًا. ولكي يكون لهذا المبعوث تأثير حقيقي، يجب أن يكون دبلوماسيًا بارزًا يتمتع بمكانة دولية كافية للتواصل المباشر مع رؤساء الدول الإقليمية؛ كما يجب أن يظهر المبعوث التزامًا واضحًا بالاستماع إلى مخاوف دول تحالف AES، خاصة بعد عقد من الاتصال المحدود بينها وبين الإتحاد الإفريقي، بالإضافة إلي ذلك، يجب أن يكون خطاب الإتحاد الإفريقي محايدًا قدر الإمكان، ويجب أن يركز بشكل أساسي علي الحفاظ على التكامل الإقليمي، أي تجنب خلق وضع يعزل دول AES عن جيرانها والهياكل القارية، مما قد يضر بحرية تنقل مواطنيها وبالمنطقة بأكملها.
يتعين على الإتحاد الإفريقي أيضًا استكشاف طرق أخري للتعامل مع دول الساحل الأوسط. ففي أواخر عام 2023، قرر مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي PSC)) إجراء حوار منظم مع الدول المعلق عضويتها من الإتحاد، في إطار آلية وسطية تتيح لهذا الدول مناقشة الشئون الإفريقية بشكل غير رسمي مع السفراء الأفارقة في أديس أبابا.
في يونيو 2024، عقد مجلس السلم والأمن اجتماعه الأول لـ لجنة فرعية جديدة مخصصة لمتابعة العقوبات، وهي مكلفة بمراقبة الوضع في الدول التي تم تعليق عضويتها في الإتحاد الإفريقي، والتحقيق في أسباب التغييرات غير الدستورية للحكومات، ومراقبة تأثير العقوبات على المواطنين، وتقديم توصيات للاتحاد الإفريقي حول كيفية تعديل استراتيجيته. والوقع أن المنظمة محقة في التمسك بموقفها ضد الاستيلاء على السلطة، لكن كما توضح أزمة منطقة الساحل، فإن ابتكار أدوات جديدة لتحقيق هذه الأجندة قد يكون ضروريًا ومفيدًا.
٦.مساعدة الكاميرون في تنظيم انتخابات نزيهة
تجدد القتال في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي في الكاميرون عام 2024 وسط لامبالاة قارية تجاه معاناة الأقلية الناطقة بالإنجليزية المتمركزة هناك. وتصاعدت الاشتباكات بين القوات الحكومية والميليشيات التي تطالب بالانفصال عن الكاميرون، التي تضم ثماني مناطق ناطقة باللغة الفرنسية بالإضافة إلي منطقتين ناطقتين باللغة الإنجليزية، حيث سجل مراقبون عددًا قياسيًا من عمليات الاختطاف والاعتداءات على المدنيين. وفي منطقة أقصى الشمال، صعدت جماعة بوكو حرام هجماتها على الجيش والمدنيين. كما تتصاعد التوترات في العاصمة ياوندي، حيث أكد الرئيس بول بيا أنه سيترشح مرة أخري في انتخابات أكتوبر، عندما سيبلغ من العمر 92 عامًا. وقد طلب منه العديد من الشخصيات في المجتمع المدني، بما فيهم الأساقفة الكاثوليك المؤثرون، عدم الترشح مرة أخرى، بسبب تقدمه في السن، واستمرار الصراعات، والأزمة الاقتصادية. في الوقت نفسه، يتنافس المقربون من النظام على المناصب في حقبة ما بعد “بيا”، التي ستأتي في نهاية المطاف. وسط هذه التوترات ، يجب على الاتحاد الإفريقي المساعدة في إيجاد حل للنزاع في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية ودعم إجراء انتخابات سلسة، بما في ذلك من خلال إعداد بعثة مراقبة.
اختبرت ثماني سنوات من العنف المستمر والاضطراب قدرة سكان المنطقتين الناطقتين بالإنجليزية علي الصمود. ويقدر عمال الإغاثة أن 1.8 مليون شخص بحاجة إلي المساعدة، بمن فيهم مئات الآلاف من الأطفال الذين حُرموا من التعليم المنتظم بسبب إغلاق المدارس الذي فرضه الانفصاليون. كما نزح نصف مليون شخص داخليًا، في حين لجأ 100,000 آخرون إلى نيجيريا المجاورة. وقد جذب الصراع انتباه المجتمع الدولي في سبتمبر 2024 ، عندما وجهت النرويج اتهامات إلي لوكاس أيابا تشو، قائد قوات دفاع أمبازونيا، وهي جماعة متمردة ناطقة بالإنجليزية، بالتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهو اتهام ينفيه . لكن على الرغم من كل إشارات احتمالات المساءلة، فإن الاعتقال لم يحد من أنشطة الميليشيات على الأرض
يبدو أن القادة الانفصاليين في الكاميرون عازمون على مضاعفة جهودهم، وهم يراهنون على غياب جهود السلام المستدامة، ويسعي بعضهم إلي تحالفات عبر الحدود، خاصًة فصيل أيبا تشو، الذي وقع اتفاق تعاون مع الانفصاليين في جنوب شرق نيجيريا، ويدعو إلى إنشاء دولة بيافرا مستقلة. ويبدو أن هذا التحالف، الذي كان من المفترض أن يوسع مخزون الأسلحة والمعلومات المتاحة لكلا المجموعتين، قد أدى إلى سلسلة من الهجمات من قبل ميليشيات بيافرا على شبه جزيرة باكاسي الغنية بالنفط، وقد أضافت هذه الهجمات طبقة أخري من التعقيد إلي الصراع الناطق بالإنجليزية الذي يبدو أنه لا يمكن حله.
في الوقت نفسه، ستصرف الانتخابات الرئاسية المقبلة أنظار الحكومة في ياوندي عن الأزمات في محيط البلاد. وقد أشار الرئيس بيا إلى رغبته في تمديد فترة ولايته التي استمرت 42 عامًا. فضلًا عن ذلك، من المرجح أن تتصاعد التوترات العرقية والسياسية إذا لجأت الحكومة إلي النظام الانتخابي المتمثل في التصويت المتعدد الذي كان عرضة للتلاعب في الانتخابات السابقة. وقد ندد مرشحو المعارضة في السابق بما وصفوه بالتلاعب المنهجي لصالح حزب الحاكم، و لكن المجلس الدستوري، الذي يفصل في النزاعات الانتخابية ويرأسه شخص معين من قبل الرئيس، قد رفض الطعون التي تقدموا بها.
تواجه الانتخابات المقبلة في الكاميرون تحديات كبيرة بسبب إنعدام الأمن والعقبات اللوجستية في كل من المناطق الناطقة بالإنجليزية والشمال الأقصى. وقد أعلن الانفصاليون الناطقون بالإنجليزية بالفعل أنهم يخططون لمنع أكثر من مليون ناخب في منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي من الإدلاء بأصواتهم. وفي الوقت نفسه، يعاني أقصى الشمال من هجمات المتمردين إلي جانب تداعيات الفيضانات غير المسبوقة التي شردت مجتمعات بأكملها ودمرت موارد زراعية حيوية وأهلكت آلاف المواشي.
يميل الإتحاد الإفريقي إلى تجاهل الكاميرون إلى حد كبير، وكان آخر انخراط كبير له في عام 2018، عندما أرسل بعثة لمراقبة الانتخابات الرئاسية، وقد زار رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي التشادي موسى فكي محمد، ياوندي مرتين، في عامي 2018 و 2019، لكن مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي لم يضع الأزمة الناطقة بالإنجليزية على جدول أعماله، وباستثناء زيارات فكي، لم تناقش المفوضية هذه القضية مع السلطات الكاميرونية أيضًا. ويُفهم تردد المسؤولين في أديس أبابا في التدخل، نظرًا لمعارضة ياوندي لأي تدخل خارجي. ومع ذلك ، ومع امتداد الصراع إلى نيجيريا، يجب على الإتحاد الإفريقي على الأقل النظر في عرض الوساطة في مسار سياسي استنادًا إلي المحادثات التمهيدية لعام 2022 التي يسرتها كندا،! ويمكن لمجلس السلم والأمن دعم هذا الجهد من خلال مطالبة مفوضية الاتحاد الإفريقي بتقديم تحديثات منتظمة حول التطورات في الصراع الناطق بالإنجليزية، مما قد يساعد في دفع العملية الدبلوماسية وإبقاء ياوندي مركزة على الحاجة إلى حل سياسي.
علي الأقل من منظور واحد، فإن التوقيت مناسب لتعزيز مشاركة الإتحاد الإفريقي، حيث يوفر العام الانتخابي للإتحاد الإفريقي فرصة لتعزيز المشاركة مع ياوندي. يجب على الإتحاد الإفريقي نشر بعثة طويلة الأمد لمراقبة الانتخابات، والتي يمكن أن تدفع السلطات الكاميرونية إلى تنفيذها بعد إعادة النظر في توصيات التقرير الذي أعدته البعثة التي تم نشرها في عام 2018، وتشمل هذه التوصيات مقترحات تقنية لتعزيز استقلالية الهيئة المشرفة علي إدارة الانتخابات وتبسيط عملية التصويت من خلال طباعة أسماء المرشحين على ورقة اقتراع واحدة بدلًا من استخدام نظام بطاقات الاقتراع المتعددة الذي أدى إلى انعدام ثقة المواطنين الكاميرونيين في الانتخابات. كما يمكن لمراقبي الانتخابات التأكيد على أهمية حماية حق التصويت للناخبين النازحين داخليًا في المناطق الناطقة بالإنجليزية وأقصى الشمال، على سبيل المثال من خلال تبسيط إجراءات التسجيل والسماح لهم بالتصويت في الأماكن التي يعيشون فيها مؤقتًا و أخيرًا دعمًا للبعثة الجديدة، يمكن لرئيس الإتحاد الإفريقي الجديد أن يعرض زيارة الكاميرون قبل يوم التصويت لإظهار التزامه الشخصي بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة وذات مصداقية تلتزم بالمبادئ التوجيهية للإتحاد الإفريقي. إلي جانب كونها جهودًا مفيدة في حد ذاتها، يمكن أن تساعد هذه الخطوات في إعادة تأكيد حضور الإتحاد الإفريقي كقوة دبلوماسية في الكاميرون، مما يمكَنه من لعب دور في إيجاد حل سياسي للصراع الناطق بالإنجليزية.
٧.منع جنوب السودان من الانهيار
بينما لم يكن جنوب السودان غريبًا على الأزمات، إلا أن استقراره يبدو هشًا بشكل خاص وسط الضغوط المتزايدة من الحرب الأهلية في السودان المجاور. منذ ما يقرب من عام ، أدت الحرب إلي وقف معظم صادرات النفط في جنوب السودان ،وهو المصدر الرئيسي للإيرادات في البلاد، بعد أن تعطل خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام إلى بورتسودان على البحر الأحمر، وقد أدى انهيار الاقتصاد إلى زيادة الانقسامات السياسية في العاصمة جوبا وربما ساهم في تصاعد العنف في المناطق الطرفية للبلاد. وقد اضطر رئيس جنوب السودان سلفا كير، إلى محاولة الحفاظ علي علاقات ودية مع طرفي النزاع في السودان في عملية توازن دقيقة، كما تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين إلى جنوب السودان، إلى جانب بذل كل الجهود لإنهاء الحرب في السودان، يمكن للإتحاد الإفريقي أن يساعد جنوب السودان في مواجهة هذه الأوقات المضطربة من خلال حث الدول الأعضاء القوية، مثل جنوب إفريقيا وكينيا، على الضغط على الطبقة السياسية في البلاد للتوصل إلي ميثاق قادر على تحمل الضغوط التي تواجهها البلاد، ويجب علي الإتحاد الإفريقي، من خلال ممثل خاص جديد، أن يدعم هذه العملية.
إن مشاكل جنوب السودان هائلة، بدءًا من اقتصاد يمر بمرحلة انهيار كارثي، فقد حافظت الثورة النفطية للبلاد علي بقاء الحكومة الائتلافية التي تشكلت عام 2020 في أعقاب اتفاق 2018 الذي وقَعه كير مع زعماء معارضون آخرون، بمن فيهم رياك مشار، لكن انفجار خط الأنابيب في فبراير 2024 لم يتسبب فقط في زيادة حادة في معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة ، بل أدى أيضًا إلى توتر شبكة المحسوبية التابعة لكير. وفي أواخر عام 2024 ، أقال كير أربعة مسؤولين رفيعي المستوي في خطوة وصفها المراقبون بأنها محاولة للقضاء على التحديات المحتملة داخل الأجهزة الأمنية، حيث استبدل رئيس جهاز الأمن الداخلي، وقائد الحرس الرئاسي، ورئيس الأركان العامة للجيش والمفتش العام للشرطة. وعلي الرغم من أن كير لا يزال يسيطر علي المشهد السياسي، إلا أن التوترات بين النخب المتنافسة قد تؤدي إلي صراعات عنيفة بين الفصائل المختلفة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة.
وتزداد التحديات التي تواجه جنوب السودان، بسبب الاحتياجات الإنسانية الهائلة للأشخاص النازحين داخل البلاد. فقد فر أكثر من 900,000 شخص من السودان إلى جنوب السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية السودانية في إبريل 2023، ويشمل هذا العدد مئات الآلاف الذين غادروا جنوب السودان خلال الحرب الأهلية في الفترة من 2013-2018، ولكنهم عادوا الآن. وبالإضافة إلي ذلك، تسببت الفيضانات الشديدة في منتصف عام 2024 في معاناة آلاف من مواطني جنوب السودان من نقص الغذاء. ونتيجة لهذا، يبدو أن آلاف الشباب في جنوب السودان يقاتلون في الحرب السودانية كمرتزقة منخفضي الرتبة، مما قد يشكل تهديدًا أمنيًا عند عودتهم إلى بلادهم، ويُقال إن أحد زعماء المتمردين في جنوب السودان قد أقام تحالفًا مع قوات الدعم السريع، في حين أن البعض الآخر لديه علاقات طويلة الأمد مع الجيش السوداني. أما كير نفسه، فقد حاول الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا من محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) وعبد الفتاح البرهان، نظرًا لأنه يحتاج إلي تعاون كليهما لتصدير النفط، واستقرار الاقتصاد، والتخلص من أي تحديات لحكمه. ومع ذلك، فإن استمرار نجاحه في هذا التوازن ليس مضمونًا.
في ظل هذا الوضع، يبدو أن معظم أنحاء البلاد تتفكك. فالتدهور الاقتصادي، إلى جانب الاضطرابات في قطاع الأمن، وتصاعد الفوضى، أدي إلى زيادة العنف في المناطق الطرفية. وشهدت الأشهر الأخيرة مواجهات بين الفصائل، سواء بين الدولة وجماعات مسلحة أو بين تلك الجماعات نفسها، في مناطق مثل أعالي النيل، واراب، جونقلي، الوحدة، ووسط الاستوائية وغيرها من الولايات. وكان الغضب من سوء معاملة جنوب السودان في الحرب الأهلية السودانية عاملًا آخر في زيادة التوتر. وفي يناير، اندلعت اضطرابات في جوبا ومناطق محلية أخري في مختلف أنحاء البلاد، حيث خرج السكان احتجاجًا على القتل المتعمد لمواطني جنوب السودان في السودان. وبدا أن السلطات في جوبا تفقد السيطرة علي الوضع، فقامت بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي. ويخشي العديد من مواطني جنوب السودان من أن تتوسع الاشتباكات المحلية إذا استمر الاقتتال السياسي الداخلي وتدهور الاقتصاد، ومع عدم حصول الجيش علي رواتبه منذ أشهر، يلجأ بعض الجنود إلي ابتزاز المواطنين للحصول علي الأموال، بينما تفتقر جوبا إلي القدرة علي احتواء الاضطرابات المتزايدة.
كما أن البلاد ليست في وضع جيد لتهيئة الظروف اللازمة للتجديد السياسي الذي تحتاجه البلاد . في سبتمبر 2024، وافق قادة البلاد على تمديد اتفاق السلام لعام 2018 بين الحكومة وجماعات المعارضة وتأجيل أول انتخابات ديمقراطية في البلاد كان من المفترض إجراؤها لمدة عامين. وكان هذا القرار صائبًا، نظرًا للانقسامات السياسية وصعوبة إجراء انتخابات ذات مصداقية وسط حالة عدم الاستقرار، كما أن عام 2026 ليس بعيدًا، وستكون هناك حاجة إلي إصلاحات سياسية وتقنية كبيرة للحفاظ علي الجدول الزمني للانتخابات.
من الواضح أن هذه الانتخابات لن تكون سهلة، فمن أجل إجراء الانتخابات، سوف يحتاج جنوب السودان إلى وضع دستور جديد، وإجراء تعداد سكاني، وتسجيل الناخبين. كما أن هناك تساؤلات متزايدة حول من قد يخلف كير، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من عقدين، ويُعرف بأنه يعاني من مشكلات صحية وتدور معركة حتمية حول خلافته، وهو ما قد يؤدي إلي صراع داخل النظام . في ظل تعدد التحديات التي تواجه جنوب السودان، هناك العديد من المجالات التي يمكن أن يكون للإتحاد الإفريقي دور فعال فيها . أولًا، لضمان الاستقرار السياسي في جوبا، يجب أن يُعزز الإتحاد دعمه للجهود الثنائية التي تبذلها الدول الأعضاء الرئيسية، ومن أبرز هذه الجهود المبادرة التي تقودها كينيا لتعزيز اتفاق السلام لعام 2018، والتي رغم عيوبها توفر أساسًا للنظام السياسي في البلاد . وأطلقت كينيا هذا الجهد، المسمي ب “مبادرة تومايني”، في مايو 2024. ويهدف إلى التوصل إلي اتفاق بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والجماعات المسلحة الرافضة التي لم توقع على اتفاق عام 2018.
في حين أن الشخصيات المعارضة المقيمة في نيروبي لا تمتلك نفوذًا سياسيًا كبيرًا، فإن المحادثات التي تقودها كينيا تُعد حاليًا الفرصة الوحيدة المتاحة أمام جنوب السودان لمناقشة المسار المستقبلي، كما تبدو كينيا اللاعب الإقليمي الوحيد الذي يحاول التوسط لإبرام اتفاق بين الأطراف المتنازعة في جوبا، يجب علي الإتحاد الإفريقي أن يعلن دعمه لهذه المحادثات الكينية و يشجع الحكومة على مواصلة العملية.
علاوة على ذلك، يمكن للإتحاد الإفريقي أن يحث على تعزيز التعاون بين كينيا وجنوب إفريقيا، حيث تعد الأخيرة العضو الرائد في المنظمة بشأن قضية جنوب السودان، فقد ترأست بريتوريا لفترة طويلة مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في الإتحاد الإفريقي( C5) المكلفة بدعم جنوب السودان، ولا تزال تلعب دور الوسيط بين الأطراف في جوبا، وقد تدخلت جنوب إفريقيا في مراحل مختلفة خلال السنوات الأخيرة الماضية للمساعدة في الوساطة بين النخب العليا في جنوب السودان، وتبدو مهتمة بتشجيع إعادة توحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM)، التي انقسمت عام 2013.( يتمتع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا بعلاقات تاريخية عميقة مع الحركة الشعبية لتحرير السوان ) وبالنظر إلي الأزمة الحالية، قد يشجع الإتحاد الإفريقي بريتوريا ونيروبي على العمل معًا بشكل أوثق، وأن يعرض دعمه للمبادرة من خلال دبلوماسيته الخاصة، بما في ذلك تعيين مبعوث رفيع المستوى لجنوب السودان للمساعدة في هذا المسعي. ويمكن لممثلي الإتحاد الإفريقي وكينيا وجنوب إفريقيا بعد ذلك الانضمام للضغط على النخب السياسية في جنوب السودان للتحرك بشكل أسرع نحو التوصل إلي اتفاق شامل يحاول تجنب صراع السلطة في هذه اللحظة الحرجة .
كما أن الإتحاد الإفريقي قد لا يكون له دور كبير في تخفيف الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان، إلا أنه يمكنه ويجب عليه تكثيف جهوده للمساعدة في إنهاء الحرب في السودان وتشجيع المانحين على تقديم مساعدات إنسانية للدول المتأثرة مثل جنوب السودان. قد أعلنت الولايات المتحدة في أواخر يناير عن تجميد المساعدات، مع استثناءات للمساعدات الإنسانية الضرورية. ومع ذلك، لا يزال من الصعب التفاؤل بشأن تأثير هذا القرار علي أماكن مثل جنوب السودان التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية، ويعاني حوالي تسعة مليون مواطن من إنعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما قدمت الولايات المتحدة 600 مليون دولار كمساعدات إنسانية في عام 2024، وتخشي الدبلوماسية الدولية من أن يتم سحب جزء كبير من هذه المساعدات مع قيام الإدارة الأمريكية الجديدة بمراجعة برامج المساعدات الخارجية.
ثالثًا، يمكن للإتحاد الإفريقي، بالتعاون مع الأمم المتحدة، مساعدة جنوب السودان في الاستعداد للانتخابات، من خلال إزالة العقبات التي كانت تستخدم كذريعة للسياسيين لعدم إجرائها. ويمكن أن يشمل ذلك، على سبيل المثال، تقديم دعم تقني لتحقيق المعايير المطلوبة مثل تسجيل الناخبين. كما يجب على الإتحاد الإفريقي مواصلة مساعدة الأمم المتحدة في توفير التعليم المدني الذي تشتد الحاجه إليه.
٨.تبني موقف بشأن الأمن المناخي
إن الدول الإفريقية تقف في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، حيث تعاني من صدمات مناخية تزيد من التوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلي الرغم من أن القارة لا تسهم سوي بنسبة 4 % من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، إلا أنها تتأثر بشكل غير متناسب بالجفاف والفيضانات وموجات الحرارة، التي أصبحت شديدة بشكل متزايد، مما أدى إلى نزوح الملايين وتعزيز التنافس على المياه والمراعي. لطالما أدركت البلدان الإفريقية أن تغير المناخ هو “مضاعفًا للتهديد” الذي يزيد من حالة عدم الاستقرار في البلدان الهشة. واليوم، وبعد مرور أربع سنوات من دعوة مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي إلي وضع موقف إفريقي مشترك بشأن المناخ والسلام والأمن، وضع الإتحاد الإفريقي مجموعة واضحة من أولويات السياسة. يجب على مجلس السلم والأمن(PSC) أن يتبنى هذه الوثيقة بحلول نوفمبر، حيثُ ستعقد قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا إلي جانب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP30) في البرازيل. ويؤكد الموقف الإفريقي المشترك على حاجة القارة إلى تمويل مناخي، مع دعوة الدول الأكثر ثراءً، والتي تُعد في كثير من الأحيان أكبر الملوثين، إلى توفير تمويل ميسور التكلفة.
العنصر الأساسي في استجابة إفريقيا هو التكيف مع ارتفاع درجة حرارة العالم والطقس السيء المصاحب له، يبقي السؤال المطروح هو كيفية تمويل أنظمة الإنذار المبكر و الجسور والطرق الأكثر ثباتًا والدفاعات الساحلية ضد ارتفاع منسوب المحيطات، بالإضافة إلي سدود الري. وتشير تقديرات دراسة حديثة إلي أن الحكومات الإفريقية تحتاج بالفعل إلى إنفاق ما يصل إلى 9 % من ميزانيات الدولة للتخفيف من عواقب الظواهر المناخية المتطرفة. في عام 2024، تعرض جزء واسع من منطقة الساحل لأسوأ فيضانات منذ عقود، مما أسفر عن مقتل المئات في ما لا يقل عن خمس دول، وأدى إلى خسائر هائلة في الأراضي الزراعية في كل من مالي ونيجيريا. وفي الجنوب، أدى الجفاف الشديد منذ جيل إلى تدمير المحاصيل في دول تمتد من زيمبابوي وملاوي إلى موزمبيق.
في حين ينبغي على أفريقيا أن تركز علي التخطيط طويل الأجل والسعي للحصول على التمويل اللازم لبناء بنية تحتية قادرة على الصمود أمام الأحوال الجوية القاسية، فإن قدرتها على الاستجابة للأحداث الحالية قد تعوقها أيضًا، ومن المرجح أن تؤدي التخفيضات الحادة في المساعدات الإنسانية الأميركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب إلي زيادة صعوبة تعامل الدول الإفريقية مع تداعيات الكوارث المناخية، على سبيل المثال، ساعد التمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في منع المجاعة الناجمة عن الجفاف في الصومال عام 2022، مما أدي إلي إنقاذ آلاف الأرواح، ومع قيام المانحين الأوروبيين الرئيسيين أيضًا بتقليص المساعدات والتمويل المناخي، يزداد الضغط على الحكومات الإفريقية للاستثمار في القدرة علي الاستجابة للكوارث والبحث عن مصادر تمويل جديدة للتعامل مع تلك الكوارث عندما تحدث.
تستحق مفوضية الإتحاد الإفريقي الثناء لتسليطها الضوء باستمرار على العلاقة بين الطقس القاسي و إنعدام الأمن، حتى مع استمرار انقسام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول هذه القضية. وفي السنوات الأخيرة، حققت القارة تقدمًا كبيرًا في إبراز مكانتها في المنتديات مثل اجتماعات مؤتمر الأطراف السنوية في مؤتمر Cop28 عام 2023، أصدرت الدولة المضيفة، الإمارات العربية المتحدة إعلانًا (أقرته مجموعة الأزمات الدولية و 93 دولة موقعة أخرى، بما في ذلك تسعة عشر دولة إفريقية) يدعو المانحين إلي مساعدة الدول المتضررة من الصراعات وتسريع مشاريع تعزيز القدرة على التكيف، وأكَد الاتحاد الإفريقي علي أهمية دمج اعتبارات الصراع في برامج المانحين، وبناء المرونة المحلية من خلال أنظمة الإنذار المبكر وتحقيق المزيد من المرونة من أجل الاستجابة بشكل أفضل للأوضاع المتغيرة للنزاعات، وتتوافق هذه التوصيات مع أهداف الموقف الإفريقي المشترك.
على الرغم من كل مزايا هذه المسودة، كان الإتحاد الإفريقي بطيئًا في إقناع الحكومات الإفريقية بفوائد دعم الوثيقة. بعد أربع سنوات من دعوة مجلس السلم والأمن للإتحاد الإفريقي للدول الأعضاء لتبني الإطار، لم تحقق المنظمة سوي تقدم ضئيل في إقناعها بالانضمام، ولا تزال بعض الدول الأعضاء تنظر إلى الاقتراح بتشكك أو لامبالاة، وترفضه باعتباره طموحًا للغاية أو غير ذي صلة بالاهتمامات المحلية، و يحتاج قادة الإتحاد الإفريقي إلى إقناع الدول الأعضاء بأن الموقف المشترك يساعد إفريقيا على توحيد صوتها في المنتديات العالمية مثل مؤتمر الأطراف ومجموعة العشرين. وهذا من شأنه أن يسهل التفاوض على تمويل ميسور التكلفة وتطوير مشاريع القدرة على الصمود أمام تغير المناخ، وتتمثل إحدى الطرق للمضي قدمًا في أن يتبني مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي، الذي يقع الإطار ضمن اختصاصه، نظرًا لتركيزه على المناخ والسلام والأمن، الموقف المشترك قبل الاجتماعات الدولية الهامة التي ستعقد في نوفمبر، ثم يمكن لرؤساء الدول الإفريقية المصادقة عليه في قمتهم السنوية في أوائل عام 2026
بالإضافة إلي ذلك، يجب على الإتحاد الإفريقي تعيين مبعوث خاص للأمن المناخي يمتلك نفوذ سياسي كافٍ وخبرة فنية من أجل تنسيق الجهود الإفريقية وتعزيز مشاركة إفريقيا في مناقشات الأمن المناخي العالمية، كان مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي قد دعا إلى تعيين مبعوث خاص للأمن المناخي منذ عام 2018 ، ومن غير الواضح لماذا لم يتم تعيينه بعد، وربما تكون القيود التمويلية سببًا في نقص الإرادة السياسية الظاهرة، ولكن مهما كان السبب، فإن التحديات كبيرة بحيث لا يمكن الاستمرار في المحاولة.
[1] تنويه: يُرجى ملاحظة أن هذا النص هو ترجمة لتقرير نُشر في شهر فبراير 2025، ولا يعكس المستجدات أو التطورات التي طرأت بعد ذلك التاريخ.