اقتصادية

ضريبة القوة: كيف تغيّر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة خريطة التجارة العالمية؟

إعداد: محمود جميل – باحث مشارك.

المقدمة

     تعاني الولايات المتحدة الأميركية من ارتفاع العجز في الميزان التجاري الأميركي، والذي وصل إلى 1.2 تريليون دولار في عام 2024، مع الصين، الإتحاد الأوروبي، المكسيك، فيتنام، تايوان، اليابان، كوريا الجنوبية، كندا، الهند، تايلاند، سويسرا، ماليزيا، إندونيسيا، جنوب إفريقيا، روسيا، تركيا. فقد حققت الولايات المتحدة عجز في التجارة المتبادلة مع الصين بحوالي 295 مليار دولار أميركي. بينما وصل العجز في التجارة المتبادلة مع الإتحاد الأوروبي بحوالي 236 مليار دولار أميركي، ومع المكسيك بحوالي 172 مليار دولار أميركي، وفيتنام بحوالي 123 مليار دولار أميركي.

      وعلى الجانب الآخر، حققت الولايات المتحدة فوائض تجارية مع أستراليا والمملكة المتحدة والبرازيل والأرجنتين بحوالي 39 مليار دولار، حيث بلغ حجم الفائض في التجارة المتبادلة للولايات المتحدة مع أستراليا 18 مليار دولار، ومع المملكة المتحدة بحوالي 12 مليار دولار، ومع البرازيل بنحو 7 مليار دولار أمريكي، والأرجنتين بنحو 2 مليار دولار، ويوضح الشكل رقم (1) العجز والفائض التجاري للولايات المتحدة مع الدول المختلفة في عام 2024.

      تعاني الولايات المتحدة من ارتفاع الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول العالمية على البضائع القادمة من الولايات المتحدة، خاصًة من قِبّل الدول الأسيوية، حيث تفرض الصين رسوم جمركية على المنتجات الأميركية بنسبة 67%، بينما تفرض فيتنام 90%. كما تفرض تايوان وإندونيسيا 64%، وتفرض كوريا الجنوبية والهند 50% و52% على الترتيب، وتفرض كمبوديا 97%. هذا بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول الأوروبية، حيث تفرض مجموعة دول الإتحاد الأوروبي رسوم جمركية بواقع 39% على المنتجات الأميركية. بينما تفرض سويسرا 61%، والمملكة المتحدة بواقع 10%، ويوضح الشكل رقم (2) الرسوم الجمركية التي تفرضها بعض الدول العالمية على منتجات الولايات المتحدة، وذلك على النحو الآتي:

وعليه سنقوم باستعراض الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة على السلع المتبادلة، وكذلك أثرها على القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة، والمؤشرات الكبرى العالمية، وكيف ستؤثر الرسوم الجمركية على الدول الأكثر فقرًا في العالم، وإلى أي مدى ستؤثر الرسوم الجمركية على أغلب الدول النامية، وموقف الدول العربية مثل العراق ومصر تجاه أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة المفروضة على الوضع الاقتصادي في الدولتين، وذلك بشيء من التفصيل.

أولًا: ماهية الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة:

      في إطار مساعي الولايات المتحدة الأميركية نحو الحد من العجز في الميزان التجاري الأميركي، فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض مجموعة من الرسوم الجمركية الجديدة على السلع المتبادلة مع 180 دولة حول العالم، وذلك بحسب ما وصفه الرئيس الأميركي إن فرض تلك الرسوم بهدف حماية الاقتصاد الأميركي، ومحاسبة الدول التي تعامل الولايات المتحدة بشكل غير منصف، مثل الهند.

      تم احتساب نسبة الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة باستخدام صيغة تقسيم الفائض التجاري للدولة مع الولايات المتحدة على إجمالي صادرات الدولة، وذلك بناءً على بيانات مكتب الإحصاء الأميركي لعام 2024، ثم يتم قسم الناتج على اثنين لإنتاج ما يُسمى بالمعدل “المُخفّض”، أو يتم قسمة الرسوم التي تفرضها الدولة على الواردات الأمريكية على اثنين، والناتج النهائي يُمثل الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع المتبادلة. لتتراوح الرسوم بين 50% و10%.

      وبناءً على تلك المنهجية المستخدمة في احتساب الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، فقد جاءت التعريفات الجمركية الأميركية الأعلى عالميًا من نصيب ليسوتو وجزر سان بيير وميكلون، بحيث تم فرض نسبة 50% على ليسوتو، و49% على كمبوديا، و46% على فيتنام، و34% على الصين، 32% على تايوان، و31% على سويسرا، و34% على الصين، و20% على الاتحاد الأوروبي، و10% على بريطانيا، ويوضح الشكل رقم (3) الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض الدول العالمية، وذلك على النحو الآتي:

ثانيًا: أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على القطاعات الاقتصادية الأميركية والأسواق العالمية:

     أعرب الرئيس الأميركي عن تفاؤله بأن التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة ستؤدي إلى نهضة في الصناعة الأميركية، من خلال تشجيع الشركات على صناع منتجاتها في الولايات المتحدة، وزيادة وظائف التصنيع.

     على الجانب الأخر، أثارت التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة مخاوف بشأن الاقتصاد الأميركي والنمو العالمي، حيث أوضح خبراء اقتصاديين أن الرسوم التي أعلنها الرئيس الأميركي أسوأ مما توقعته الأسواق، حيث أن استمرارها قد يلحق ضررًا على النمو العالمي والاقتصاد الأميركي وقد يدخل الاقتصاد في حالة من الركود.

     وعلى ما يبدو أن قطاعات اقتصادية كثيرة ستتأثر بفعل القرارات الأميركية، كما أنها أدت لانخفاض معدلات الطلب في السوق وتعطل سلاسل التوريد، وتراجع مستوى أرباح الشركات، حيث شهدت أسواق الأسهم العالمية انهيارًا كبيرًا، وتدهور أسعار النفط، وعلى مستوى الخسائر، فقد انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 4% تقريبًا، وذلك أكبر انخفاض بالنسبة المئوية يشهدها هذا المؤشر منذ يونيو 2020، كما انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 5% تقريبًا، وفقدان حوالي 5 تريليون دولار من قيمة هذا المؤشر، وانخفض مؤشر ناسداك ذو التقنية العالية بنحو 6%، وذلك أسوأ معدل انخفاض يشهده هذا المؤشر منذ مارس 2020

      في سياق متصل، يمتد أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على قطاعات اقتصادية كبرى في الولايات المتحدة أبرزها السيارات، والتجارة الإلكترونية، والطاقة والموارد، والأدوية، والصلب والألومنيوم، وذلك على النحو الآتي:

  • قطاع السيارات والمركبات

      أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بواقع 25% على السيارات والشاحنات الخفيفة المستوردة من خارج الولايات المتحدة، مع إعفاء السيارات وقطع الغيارات المستوردة من تلك الرسوم، ولكن أبدت شركات تصنيع السيارات استيائها من تلك القرارات التي أدت إلى ارتفاع التكاليف واضطرابات في سلاسل التوريد، بينما دعّم العديد من التنفيذيين في القطاع قرارات ترامب، مشيرين بأنها تعزز التصنيع المحلي للسيارات في الولايات المتحدة، إلا أن عملية نقل مصانع تجميع السيارات من خارج إلى داخل أراضي الولايات المتحدة الأميركية قد يستغرق سنوات، إن لم يكن ذلك مستحيلًا على بعض الموردين الذين يعانون من ضائقة مادية. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه فوز إعلان ترامب للرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، انخفضت أسهم شركات السيارات المتداولة في البورصة، حيث انخفض سهم شركة جنرال موتورز بنسبة 1.6%، وتراجع سهم شركة تسلا بنسبة 6.2%، وهبط سهم ستيلانتيس بنسبة 1.9%، بينم استقر سهم شركة فورد دون تغيير.

  • الصلب والألومنيوم

     بعد رفع ترامب للرسوم الجمركية على جميع واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم إلى 25%، فإنه من المتوقع أن يتأثر بالسلب هذا القطاع، خاصةً وأن الولايات المتحدة الأميركية تُعد أبرز مستورد للألومنيوم في العالم، وثاني أكبر مستورد للصلب في العالم، وتأتي نصف هذه الكميات من كندا والمكسيك والبرازيل.

  • الطاقة والموارد

     صرّحت شركة كاميكو الكندية، لتعدين اليورانيوم، بأن أسعار اليورانيوم للشركات الأميركية قد ترتفع بنسبة 10% في حالة تطبيق الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم انفاق الولايات المتحدة بشكل أساسي على واردات هذا الخام، وفي حالة تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، فمن المتوقع ارتفاع تكلفة واردات الولايات المتحدة من الطاقة، وبالتالي ارتفاع أسعار البنزين بالتجزئة في الولايات المتحدة، كما يرى البنك المركزي الروسي أن زيادة الرسوم الجمركية الأميركية قد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقد تكون أسعار النفط أقل من المتوقع لعدة سنوات نتيجة لانخفاض الطلب العالمي.

  • الأدوية والعقاقير الطبية

      فقد أدى قرار زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الواردة، إلى ارتفاع التوقفات بشأن تأثر قطاع الأدوية وارتفاع أسعار الأدوية الواردة من خارج الولايات المتحدة، كما أعربت شركات الأدوية في بريطانيا عن قلقها إزاء الرسوم الجمركية الأمريكية، خاصةً وأن 50% من سوق الأدوية العالمية يقع في الولايات المتحدة، وبالنسبة للمملكة المتحدة، فإن صادراتها من الأدوية تعادل تقريبًا حجم صناعة السيارات.

      ونتيجة لما سبق، تضغط شركات الأدوية العالمية على الإدارة الأميركية من أجل تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية بالتدريج على المنتجات الصيدلانية المستوردة، على أمل تخفيف وطأة الرسوم وتوفير الوقت اللازم لصناعة الدواء محليًا.

  • تجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية:

       مع تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على فيتنام، فإنه من المتوقع أن تتأثر شركات تصنيع الملابس والأزياء الرياضية الأمريكية مثل نايكي وأون هولدينغ، حيث تستورد الولايات المتحدة نصف منتجاتها من فيتنام.

     وبالفعل تضررت الشركات الأميركية التي لديها خط إنتاج كبير في الخارج مع شركة نايكي، حيث خسرت شركة نايكي 14% نظير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، بينما خسرت شركة آبل 9%. كما يستعد العديد من تجار التجزئة في الولايات المتحدة لضربة محتملة بعد تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على الصين، وتعتمد شركات التجارة الإلكترونية مثل “شي إن”، و”تيمو” المملوكة لشركة “بي دي دي هولدينغز”، وعلى إكسبريس” التابعة لشركة “علي بابا” الصينية، على الإعفاء الضريبي البسيط للحفاظ على مستوى الأسعار المنخفض.

     وأثرت التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة على أكبر الأسواق العالمية، وفقًا لبيانات البنك الدولي عام 2023، فقد خسر مؤشر ستاندرد آند بورز500 نحو 4.84%، بينما فقد مؤشر Canada TSX3.79% من أسهمه، بينما فقد Italy FTSE MIB حوالي 3.6% من أسهمه، وEuro Stoxx 50 نحو 3.59%، وFrance CAC 40 بنحو 3.31%، وGermany DAX بنحو 3.01%، وJapan Nikkei 225 بنحو 2.77%، وهو ما يوضحه الشكل رقم (4) المعدلات التي فقدتها الأسواق العالمية الكبرى إثر التعريفات الجمركية الجديدة.

الشكل رقم (٤) أثر الرسوم الجمركية الجديدة على أكبر الأسواق العالمية.

       مع استمرار تحول ديناميكيات التجارة العالمية، خاصةً بعد قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بزيادة الرسوم الجمركية بواقع 10% كحد أدنى، و50% كحد أقصى، وما ترتب عن تلك القرارات من تراجع مستوى المؤشرات الكبرى العالمية، سالفة الذكر، والأثر الاقتصادي المتوقع لتلك الرسوم على الاستقرار الاقتصادي للدول العالمية، فمن الضروري قيام الشركات في دول الشرق الأوسط القيام بتقييم أثر هذه القرارات على سلاسل التوريد، وذلك على النحو الآتي:[1] 

  • تحليل الشركات لأثر زيادة الرسوم الجمركية على مبيعات الشركة من خلال تعديل سياسة التصنيع أو تنويع خيارات التوريد.
  • تقييم الروافع الجمركية والتجارية، وذلك من خلال النظر في أساليب تقييم بديلة تتوافق مع سياسات التسعير الخاصة بالشركة، ومراجعة تصنيفات التعريفات الجمركية، مع التركيز على الإعفاءات، والتأكد من استمرار تطبيق نظام استرداد الرسوم الجمركية.
  • مراقبة التغيرات التجارية المتطورة عن كثب في السياسة التجارية الأميركية لتقييم أثرها على أعمال وأنشطة الشركة.
  • إنشاء أنظمة صارمة للامتثال التجاري وإدارة المخزون لضمان توافقها مع اللوائح والقوانين.
  • تقييم الالتزامات القانونية مع الموردين في الخارج لتحديد ما إذا كان من الممكن استيعاب التعريفات الجمركية المتزايدة أو تحويلها داخل سلسلة التوريد.
  • استخدام التقنيات الرقمية في تبسيط العمليات وإدارة الرسوم والضرائب بكفاءة دولية أكبر.

     والجدير بالذكر، أن هناك ما يُعرف بإجراء “الحد الأدنى”، والذي يسمح بإعفاء السلع التي تقل قيمتها عن 800 دولار أميركي بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية وبحد أدنى من عمليات التفتيش داخل الجمارك، لذلك فإنه عند تطبيق الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة فإنها ستؤثر بالسلب على تجار التجزئة عبر الإنترنت، الذين يقدمون منتجاتهم بأسعار مخفّضة.

ثالثًا: أثر الرسوم الجمركية الأميركية على الدول الأكثر فقرًا في العالم:

     بناءً على المنهجية المستخدمة في احتساب رسوم كل دولة، فرضت الولايات المتحدة على ميانمار، التي شهدت زلزالًا مدمرًا أدى لمصرع أكثر من 3000 شخص، لرسوم بحوالي 45%، كما فرضت على مدغشقر، التي تُعد من أفقر دول العالم، رسوم بحوالي47%، ورغم أن متوسط دخل الفرد يوميًا في لاوس يقل عن 6 دولارات يوميًا، إلا أن الولايات المتحدة فرضت عليها رسوم بواقع 48%.

     والجدير بالذكر أن الصين والولايات المتحدة الأميركية أكبر شريكين تجاريين لدولة كمبوديا، والتي من المعروف أنها تدعم الصين باعتبارها أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في كمبوديا، ولكن تشكل كمبوديا تجارة ثنائية كبيرة مع الولايات المتحدة خاصة مع بلوغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 13 مليار دولار فقط من الملابس والأحذية في عام 2024، وعلى الرغم من ذلك فقد فرضت الولايات المتحدة الأميركية رسوم جمركية على كمبوديا بحوالي 49%.

     وفي الوقت الذي تدرس فيه حكومة بنغلاديش تخفيض الرسوم الجمركية من جانبها حفاظًا على قدرتها التنافسية، خاصةً وأنها تعتمد بشدة على السوق الأميركية في تصدير منتجاتها من الملابس، فقد فرضت الولايات المتحدة على بنغلاديش، التي تًعد إحدى الدول الكبرى في تصنيع الملابس، رسوم جمركية بحوالي 37%.

      وتُعد هذه القرارات بمثابة تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأميركية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما كانت الولايات المتحدة تقدم مساعدات للدول النامية، وفي مطلع القرن الـ 21، أقر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون “قانون النمو والفرص في أفريقيا”، والذي أتاح للدول الأفريقية الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى إمكانية تصدير أكثر من 1800 منتج إلى السوق الأميركية دون دفع أية رسوم جمركية.

     ومن المتوقع أن تخلق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة خطرًا على الدول الأشد فقرًا مما يهدد الصناعات التصديرية كثيفة العمالة في تلك الدول، في الوقت الذي ألغت فيه الولايات المتحدة الأمريكية العقود الأساسية للمساعدات المُرسلة للعديد من الدول الأكثر فقرًا في العالم.

رابعًا: أثر الرسوم الجمركية الأميركية على الأسواق العالمية:

     أثارت الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، التي أعلنها الرئيس الأميركي، هبوطًا حادًا في الأسواق العالمية، واعتبرها البعض بأنها بمثابة نهاية حقبة طويلة من تحرير التجارة، حيث ترى اليابان بأن الرسوم الجمركية الجديدة خلقت أزمة وطنية في حين أدى انخفاض أسهم البنوك إلى تراجع سوق الأسهم في طوكيو، بينما تعهدت الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بالرد على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 34% على الواردات، كما دعت فرنسا دول الاتحاد الأوروبي بتعليق استثماراتها في الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، فقد أعلن شركاء تجاريون آخرون منهم اليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك والهند، بأنهم سيؤجلون أي إجراءات انتقامية في الوقت الحالي، سعيًا للحصول على تنازلات من الجانب الأميركي.

      علاوة على ذلك، من المتوقع أن الرسوم الجمركية الجديدة ستجعل الأمر أكثر صعوبة على البلدان النامية، التي يعتمد اقتصادها على التصدير، وستؤثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على النسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوم جمركية على بتسوانا حوالي 37%، مما يجعل نسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي في بتسوانا يعادل 69%، وعلى الرغم من الرسوم الجمركية المرتفعة التي تضيفها الولايات المتحدة على فيتنام، والتي تعادل 46% إلا أنها ستجعل نسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي الفيتنامي 166%، وعلى الرغم من الرسوم الجمركية المفروضة على كمبوديا، والتي تعادل 49%، إلا أنها ستجعل نسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي يعادل 134%، ويوضح الشكل رقم (4) أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على نسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول النامية، كالتالي:

الشكل رقم (٥) أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على نسبة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول النامية.

     والجدير بالذكر، أن الرسوم الجمركية الأميركية تشكل أعلى حواجز تجارية منذ أكثر من قرن، من خلال فرض تعريفة جمركية لا تقل عن 10% على جميع الواردات، ووفقًا لتوقعات شركة روزنبلات للأوراق المالية بأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات من القنب مرورًا بالأحذية الرياضية، وحتى هواتف الآيفون من آبل، فقد يصل سعر هاتف آيفون عالي الجودة إلى حوالي 2300 دولار أميركي.

خامسًا: موقف العراق وجمهورية مصر العربية من الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة:

    ستخضع دول العربية لرسوم جمركية إضافية مثل الإمارات والسعودية بواقع 10%، على الرغم من أن تلك الدول لا تعاني معها الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير، كما سيتم تطبيق رسوم جمركية على الدول العربية مثل الأردن بواقع 20%، والجزائر 30%، والعراق 39%، وسوريا 41%، وليبيا 31%، وتونس 28%، كما فرضت الولايات المتحدة على مصر، والمغرب، وعمان، والبحرين، وقطر، ولبنان، والكويت، والسودان، واليمن رسومًا جمركية بواقع 10%، وهذا ما يوضحه الشكل رقم (5) الرسوم الجمركية المفروضة من وعلى الدول العربية.

الشكل رقم (٦) الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على الدول العربية.

وسنقوم باستعراض نموذجين من الدول العربية، وهم العراق ومصر، في ضوء أثر الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على الاقتصاد العراقي والمصري، وذلك على النحو الآتي:

  1. جمهورية العراق

      من ناحية الجانب العراقي، على الرغم من فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية على العراق بواقع 39%، إلا أن العراق اتخذت موقفًا هادئًا، حيث ترى العراق أن الرسوم الجمركية الجديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة على التجارة المتبادلة مع العراق، لن تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والتجاري للعراق، لاسيما في ظل عدم تجاوز قيمة الصادرات العراقية إلى السوق الأميركية 5 مليار دولار أميركي سنويًا، ومعظمها من النفط الخام، وبالتالي فإن السوق الأمريكية، بالنسبة لصادرات العراق، سوق ثانوية مقارنة بأسواق رئيسة مثل الصين والهند، والتين تستوردان ما يقارب 70% من الإنتاج النفطي العراقي.

     وفي السياق ذاته، تشعر العراق بالقلق تجاه المسار العام للسياسة التجارية الأميركية، خاصةً وأن بغداد ترتبط مع واشنطن باتفاقية الإطار الاستراتيجي عام 2008، والتي تنظم العلاقات الثنائية في مجالات التعاون الأمني والتجاري والاقتصادي.

  • جمهورية مصر العربية

      ومن ناحية الجانب المصري، أثارت الرسوم الجمركية، والتي فرضتها الولايات المتحدة بواقع 10% على السلع الواردة من مصر للولايات المتحدة، تساؤلات حول أثر الرسوم الجمركية على حجم التجارة بين البلدين، فيرى البعض أنها قد تفتح فرصًا استثمارية وتزيد حجم الصادرات المصرية، حيث أن فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية بواقع 10% على الصادرات المصرية لن يؤثر سلبًا على مصر، بل من المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي على التوسع في الاستثمارات المصرية، لأن المستوردين الأميركيين سيتحملون عبء الرسوم الجديدة، كما أن الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة رسومًا مرتفعة، مثل الصين، من المتوقع أن توجه المزيد من استثماراتها نحو السوق المصري، خاصةً مع انخفاض تكلفة التصدير في مصر مقارنةً بالدول الأخرى، وفي الفترة الأخيرة، وسّعت الصين بالفعل استثماراتها في مصر، خاصةً في المنطقة الاقتصادية.

     في هذا السياق، أشار رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن الرسوم التي فرضها ترامب على صادرات مصر الأقل بين دول العالم، مما يعني أن هناك فرصة أمام الدولة المصرية لزيادة حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة في قطاعات، مثل الملابس، لتتفوق بذلك على دول مثل الصين تايوان. كما أشار رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، أن الرسوم المفروضة على مصر الأقل بين دول العالم، مما يعطي فرصة لبعض القاعات، وخاصةً قطاع المنسوجات، لزيادة صادراته في ظل ارتفاع الرسوم الجمركية على الدول المنافسة لمصر في الصادرات لأمريكا، وعلى رأسها الهند وبنغلاديش. كما أن تلك الزيادة سيتحملها المواطن الأمريكي في النهاية، عندما يصل إليه المنتج، ولكن تتلخص قد تتأثر مصر بالسلب في حالة اشتعال حرب تجارية من خلال قيام الدول الأخرى بفرض رسوم جمركية إضافية على الولايات المتحدة، مما يثير المخاوف حول بداية دخول الاقتصاد في حالة من الركود. والجدير بالذكر، تُعد الولايات المتحدة ثاني أهم الأسواق التي تصل إليها الصادرات المصرية، بعد الاتحاد الأوروبي، ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024 بنسبة 12.8% لتصل إلى 2.25 مليار دولار، مقابل 1.99 مليار دولار عام 2023، وارتفعت أيضًا واردات مصر من الولايات المتحدة بنسبة 46.9% لتسجل 7.56 مليار دولار.

       بينما يرى آخرون أنها قد تشكل تداعيات سلبية على الصادرات المصرية، وإن تزايد التوترات التجارية العالمية قد يضر بتدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناسئة، ومنها مصر، حيث يرى كبار الاقتصاديين في “إي إف جي القابضة” أن لتأثير الرسوم الجمركية المفروضة على مصر بُعدان: تأثير مباشر، وهذا محدود لأن حجم الصادرات المصرية محدود، كما أن الاقتصاد المصري لا يعتمد على الصادرات بشكل كبير، بينما التأثير غير المباشر، فيتعلق بحركة رؤوس الأموال في الأسواق الناشئة، خاصةً خلال الفترة الحالية، كما أن حركة رؤوس الأموال لم تتغير حتى الآن، ولكن يعتمد تأثيرها على ردود الأفعال للدول التي تم فرض تعريفات جمركية عليها من قِبّل الولايات المتحدة.

الخاتمة

    ويتضح مما سبق، تمثل الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة ضربة قوية للدول الكبرى، على الرغم أنها تمثل نصف الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول العالمية على صادرات الولايات المتحدة، وأظهرت هذه القرارات تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأميركية، وقد تؤثر على علاقتها الاقتصادية الدولية وعلى النظام التجاري العالمي، ولكن لا تزال العديد من الدول النامية تبحث عن سبل التكيف مع القرارات الأميركية، وعليه سيظل مستقبل الاقتصاد العالمي مرهونًا بقدرة الدول على التفاوض، والتوازن بين حماية مصالحها الوطنية والانخراط الفعّال في منظومة التجارة العالمية.

المراجع:

أولًا المراجع العربية:

ثانيًا المراجع الأجنبية:

Reuters, The list of proposed US tariffs https://www.reuters.com/graphics/USA-TRUMP/TARIFFS/movayyx

Reuters, US goods trade deficit or surplus with major trading partners in 2024 https://www.reuters.com/world/trump-stokes-trade-war-world-reels-tariff-shock-2025-04-03/  

Bloomberg, This Is the Formula Trumps Team Used to Calculate Tariff https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-04-03/trump-s-reciprocal-tariff-formula-is-all-about-trade-deficits

Impact of the recent US Tariff Decisions on Middle East Businesses: What to do now? ​https://www.pwc.com/m1/en/services/tax/me-tax-legal-news/2025/impact-us-tariff-decisions-on-middleeast-businesses-what-to-do-now.html

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى