تقارير

الصين والهند: مساعٍ مشتركة نحو تعزيز التعاون الثنائي

إعداد: د. مصطفى عيد إبراهيم – خبير مشارك.

تمهيد

     في أول مقابلة يجريها السفير الصيني مع وسائل إعلام هندية منذ توليه منصبه، وفي مقابلة حصرية مع صحيفة “تايمز أوف إنديا” في ١٩ إبريل الجاري ٢٠٢٥،[1] أعرب السفير الصيني “شو فيهونج”، عن نية بكين الترحيب بمزيد من السلع الهندية الفاخرة ومساعدة الشركات الهندية على الاستفادة من السوق الاستهلاكية الصينية الضخمة. ويشير تصريح السفير إلى تحول محتمل في الديناميكيات الاقتصادية بين البلدين. ففي حين أن السوق الصينية الضخمة توفر فرصًا تجارية للمصدرين الهنود، حث “شو” الهند أيضًا على توفير بيئة عمل أكثر تكافؤًا للشركات الصينية العاملة داخل حدودها. وأكد على أهمية المعاملة العادلة والشفافة وغير التمييزية لتعزيز التعاون الأعمق. مؤخرًا أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للهند وتُعد العلاقة الاقتصادية بين البلدين من أهم العلاقات الثنائية في المشهد الاقتصادي العالمي المعاصر. على صعيد آخر، بذلت الهند جهودًا متواصلة لتحقيق توازن تجاري أكبر مع الصين، بما في ذلك عقد اتفاقيات ثنائية لمعالجة الحواجز غير الجمركية على الصادرات الهندية إلى الصين. وبفضل التبادل الكبير للسلع والخدمات، يتقدم البلدان بوتيرة سريعة، ويمثلان اقتصادين من أكثر الاقتصادات ديناميكيةً، ويبرزان كقادة رائدين في العلاقات الدولية.

      تاريخيًا، كانت الهند أول دولة غير اشتراكية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية في الأول من أبريل عام 1950. ثم وقعت الدولتين اتفاقية الازدواج الضريبي في 18 يوليو عام 1994. كما أبدت الدولتان اهتمامًا بالمشاركة في نظام تجاري متعدد الأطراف وفقًا لالتزامات منظمة التجارة العالمية. واليوم، تُعدّ الهند والصين شريكين تجاريين رئيسيين، وتحافظان على علاقات اقتصادية وثنائية متينة. مع تصاعد التوترات التجارية العالمية، قد ينفتح فصل جديد في العلاقات الهندية الصينية. ومع ذلك تظل الصين أكبر منافس شريك للهند وأكثرها إثارة للقلق، وهو ما تحتاج الهند إلى احتوائه، من خلال الدعم من الولايات المتحدة في بعض الاحيان. ومن الناحية الأولية، قد تبدو محاولة تكوين علاقات مميزة مع الولايات المتحدة لمواجهة الصين غير متسقة مع هدف مجموعة بريكس المتمثل في كبح الهيمنة الغربية. ولكن الواقع الاستراتيجي للقوة الطموحة يرتكز على عدة أبعاد متكاملة ومتناقضة فالهند تحتاج إلى الولايات المتحدة لتعزيز تنميتها الاقتصادية ومواجهة الصين، ولكنها لا تنوي ربط نفسها بالولايات المتحدة لتحقيق هذا، خاصًة في ظل ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي في إدارة ترامب.

التجارة الثنائية

     بلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند والصين في السنة المالية 2024 نحو 118.40 مليار دولار أميركي، مقابل 113.83 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2023، بنمو قدره 4%. ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مبادرة أبحاث التجارة العالمية (GTRI)، عادت الصين إلى صدارة الشركاء التجاريين للهند في السنة المالية 2024، متجاوزةً الولايات المتحدة بعد فجوة استمرت عامين، حيث أنه خلال العام المالي 2024، بلغت حصة الصين 15.06% من إجمالي واردات الهند. واستوردت الهند سلعًا بقيمة 675.42 مليار دولار أميركي من العالم، بما في ذلك سلع بقيمة 101.74 مليار دولار أميركي من الصين. علاوة على ذلك، تحتل الصين المرتبة 22 من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الهند، بإجمالي استثمار أجنبي مباشر بلغ 2.50 مليار دولار أميركي في الفترة من أبريل 2000 إلى سبتمبر 2024. [2]

      وفي هذا السياق، أكد السفير الصيني “شو” أن الصين لم تسعَ قط عمدًا إلى تحقيق فائض تجاري، مجادلًا بأن مثل هذه الاختلالات تتطور بشكل طبيعي مع قوى السوق. وأضاف أن السوق الصينية الضخمة من شأنه أن يفتح فرصًا تجارية أكبر للشركات الهندية. مشيرًا إلى الارتفاع الأخير في صادرات الهند من الفلفل الحار وغزل القطن وخام الحديد بنسبة 17% و240% و160% على التوالي في السنة المالية 2024. وأشار إلى أن بكين مستعدة لدعم تدفق أوسع للسلع الهندية الفاخرة، وحثّ الشركات الهندية على الاستفادة بفعالية من منصات التجارة الصينية، مثل معرض الصين الدولي للواردات ومعرض الصين وجنوب آسيا، للتواصل مع المستهلكين الصينيين. كما نفى السفير في حواره مع الصحيفة الهندية، فرض الصين قيودًا على صادرات المعدات أو القوى العاملة، وهي قضايا اعتبرتها الصناعة الهندية عوائق أمام نمو قطاع التصنيع. وقال: “لا توجد قيود إلزامية من الجانب الصيني”. وعوضًا عن ذلك، ألقى باللوم في هذه العقبات على تأخير تأشيرات الموظفين الصينيين، وما وصفه ببيئة معادية للشركات الصينية العاملة في الهند. علمًا بأن الهند قد صدرت 4,186 سلعة إلى الصين في السنة المالية 2024. فقد بلغت صادرات الهند إلى الصين 16.65 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2024 و15.30 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2023.  وتشمل أهم السلع المصدرة من الهند إلى الصين خامات الحديد (3.63 مليار دولار أميركي)، تليها السلع الهندسية (2.65 مليار دولار أميركي)، والمنتجات البحرية (1.37 مليار دولار أميركي)، والمواد الكيميائية العضوية وغير العضوية (1.23 مليار دولار أميركي)، والمنتجات البترولية (1.16 مليار دولار أميركي)، في السنة المالية [3]2024.

      في حين بلغت قيمة الواردات من الصين إلى الهند 101.74 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2024 و98.50 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2023.وتشمل أهم السلع المستوردة من الصين الآلات والمعدات الكهربائية (31.35 مليار دولار أميركي)، تليها المفاعلات النووية ومكوناتها (22.47 مليار دولار أميركي)، والمواد الكيميائية العضوية (11.49 مليار دولار أميركي)، والبلاستيك ومصنوعاته (5.66 مليار دولار أميركي)، والأسمدة (2.25 مليار دولار أميركي)، فضلًا عن استيراد الآلات والمعدات الكهربائية ومكوناتها؛ وأجهزة تسجيل الصوت وإعادة إنتاجه، وقطع غيارها (24.44 مليار دولار أميركي )، والمفاعلات النووية، والغلايات، والآلات والأجهزة الميكانيكية؛ وأجزاؤها (16.98 مليار دولار أميركي)، والمواد الكيميائية العضوية (7.75 مليار دولار أميركي)، والبلاستيك ومصنوعاته (4.2 مليار دولار أميركي)، والحديد والصلب (1.8 مليار دولار أميركي) خلال الفترة من أبريل إلى نوفمبر 2024. وقد بلغت قيمة الواردات من الصين إلى الهند 74.41 مليار دولار أميركي خلال أبريل2024.[4]

التحركات البشرية وازمات الثقة

     أكد السفير الصيني أن المواطنون الصينيون يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تأشيرات هندية. كما تواجه الشركات الصينية معاملة غير ودية وغير عادلة، وكثيرًا ما تُسمع أصوات معارضة للاستثمار الصيني في وسائل الإعلام، على حد قول “شو”، مضيفًا أن هذه القضايا أثارت ردود فعل سلبية في الصين. ودعا “شو” إلى إعادة ضبط العلاقات، قائلًا: “على الجانبين الالتقاء في منتصف الطريق والعمل معًا لتحسين الوضع”. وفي معرض حديثه عن ضرورة إعادة بناء الثقة بعد أزمة عام 2020، صرّح شو إنه يجب على الجانبين ألا يسمحا لقضية الحدود بأن تُحدد مسار العلاقة برمتها. وسلط الضوء على “التقدم الإيجابي” الذي أعقب اجتماع شي جين بينغ ومودي في قازان. كما أضاف أنه على البلدين أن ينظرا إلى تطور كل منهما كفرصة لا كتهديد. وأكد شو أن الآليات القائمة، مثل محادثات قادة الفيالق وآلية العمل للتشاور والتنسيق، قد ساهمت في استقرار الوضع، ودعا إلى اتخاذ تدابير أقوى لبناء الثقة.

وفي معرض رده على المخاوف الهندية بشأن مشروع الطاقة الكهرومائية الصيني على نهر براهمابوترا (يارلونج زانجبو)، أكد شو أن المشروع يستخدم المياه فقط لتوليد الطاقة ولن يضر بدول المصب. كما نفى أي قيود صينية متعمدة على تصدير التكنولوجيا أو القوى العاملة إلى الهند.

      ومن ناحيته، سبق وأن صرّح رئيس الوزراء ناريندرا مودي حول تجنب الصراع من خلال الحوار، في حين قال “شو” إن العلاقات المستقرة والتعاونية تتطلب المشاركة والتفاهم المتبادل. وأضاف أن الصين مستعدة “للترحيب الحار” برئيس الوزراء مودي في قمة منظمة شنغهاي للتعاون القادمة هذا العام. وشدد” شو” إن التعاون بين الصين والهند يُعدّ هامًا في ظل إجراءات واشنطن المتعلقة بالرسوم الجمركية التي وصفها بأنها “حمائية أحادية الجانب”، وقال إن مثل هذه الإجراءات تقوض الاستقرار الاقتصادي العالمي. وجادل بأن الصين والهند – باعتبارهما صوتين رائدين في الجنوب العالمي – يجب أن تتعاونا في معارضة الأحادية والدفاع عن التعددية. أوضح شو أن الصين لا تسعى إلى صراع تجاري، لكنها مستعدة للدفاع عن مصالحها في حال استفزازها. وأكد: “إذا فُرضت علينا حرب تجارية، فسنرد بقوة، وندافع عن مصالحنا، وندعم التعددية”، منتقدًا الولايات المتحدة لنهجها القاسي. وقال: “قدمت بعض الدول تنازلات، لكن الولايات المتحدة استغلت الموقف، وطلبت المزيد والمزيد”، مما يعكس استياء الصين مما تعتبره تنمرًا وهيمنة أميركية على التجارة العالمية. وذكّر شو بأن الولايات المتحدة ليست سوى لاعب واحد من بين العديد من اللاعبين. فمع 13% فقط من التجارة العالمية، تُمثل الولايات المتحدة جزءًا ضئيلًا من إجمالي السوق. بينما تُمثل أكثر من 190 دولة مجتمعة نسبة 87% المتبقية. وأشار إلى أن “هناك فرصًا هائلة للتعاون خارج الولايات المتحدة”. وقال شو: “تتحمل الصين والهند، بصفتهما القوتين الناميتين الأكثر سكانًا، مسؤولية فريدة في معارضة الحمائية والأحادية. معًا، يجب علينا دعم التعددية والمساهمة في الاستقرار العالمي”.

التوازن الديناميكي

     على الرغم من التوترات الجيوسياسية المستمرة والديناميكيات التنافسية بين كل من الصين والهند، تُبرز العلاقة الاقتصادية بين البلدين مفارقة الترابط. وكما هو الحال في الديناميكية الأميركية الصينية، يكشف تعاونهما في التجارة والتكنولوجيا والتصنيع والطاقة المتجددة عن علاقة معقدة ولكنها ذات منفعة متبادلة. يُحافظ هذا الترابط على سلاسل التوريد العالمية، ويضمن إنتاجًا فعالًا من حيث التكلفة، وابتكارًا تكنولوجيًا، وسلعًا استهلاكية بأسعار معقولة. ومن خلال الاستفادة من نقاط قوتهما التصنيعية وقواعدهما الاستهلاكية الكبيرة، تظل الهند والصين عنصرين أساسيين في استقرار ونمو الاقتصاد العالمي. وحتى في خضم المنافسة الاستراتيجية، تُبرز روابطهما الاقتصادية الضرورة العملية للتعاون في عالم مترابط.[5] ومن ثم يكشف هذا التوازن الديناميكي عن توازن دقيق يجمع بين التنافس الاستراتيجي والتعاون العملي، مما يُحفّز سلاسل التوريد العالمية ويحافظ على المنافع الاقتصادية المتبادلة.

       في سياق متصل، تلعب الصين، بصفتها أكبر منتج للألواح ومكوناتها الشمسية في العالم، دورًا حيويًا في سوق الطاقة الشمسية الهندي سريع التوسع. ففي عام 2022، صدّرت الصين خلايا ووحدات شمسية بقيمة 3.89 مليار دولار أميركي إلى الهند، وهو ما يمثل حوالي 62.6% من إجمالي واردات الهند من الطاقة الشمسية. يُعدّ هذا الترابط بالغ الأهمية لنمو الطاقة الشمسية في الهند، حيث ستصل القدرة الشمسية المُركّبة في البلاد إلى 66 جيجاوات بحلول نهاية عام 2022. في المقابل، يوفر سوق الطاقة المتجددة المزدهر في الهند فرصًا كبيرة للمصنعين والمستثمرين الصينيين. في هذا السياق، من الجدير بالذكر أن التعاون يتجاوز  مجرد التجارة. فقد استثمرت الشركات الصينية أيضًا في مشاريع الطاقة الشمسية ومنشآت التصنيع الهندية. على سبيل المثال، أنشأت شركة لونجي سولار، وهي شركة صينية رائدة في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية، مصنعًا لتصنيع وحدات الطاقة الشمسية في الهند بسعة 2 جيجاوات. يُبرز هذا الترابط في قطاع الطاقة المتجددة الطبيعة المعقدة للعلاقات الاقتصادية الهندية الصينية، حيث تتعايش المنافع المتبادلة مع ديناميكيات تنافسية. وبينما يسعى البلدان جاهدين للوفاء بالتزاماتهما المناخية وتلبية احتياجاتهما من الطاقة، يظل تعاونهما في هذا القطاع عاملاً حاسمًا في التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة.

      وتُعدّ العلاقة الاقتصادية الهندية الصينية جزءًا لا يتجزأ من سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في أسواق المستهلكين يضمن تعاونهما إنتاجًا فعالًا من حيث التكلفة، حيث تُمكّن المكونات الصينية المُصنّعين الهنود من إنتاج سلع بأسعار تنافسية. تعتمد صناعة الإلكترونيات الهندية على أشباه الموصلات ولوحات الدوائر الصينية لتجميع الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، مما يضمن الحفاظ على أسعارها التنافسية. كما يُتيح الوصول السريع إلى الأسواق بفضل قواعد المستهلكين الكبيرة في كلا البلدين فرصًا كبيرة للشركات في كلا البلدين وخارجهما. وعلى الرغم من العلاقة التنافسية والصراعية، تُعدّ التجارة بين البلدين عاملًا مشتركًا يُبقيهما على تواصل ويُسهّل تدفق المعرفة التكنولوجية. وفي آسيا، حيث يبلغ عدد سكان البلدين مجتمعين أكثر من 2.4 مليار نسمة، تلعب قدراتهما التصنيعية دورًا حاسمًا في الحفاظ على سلاسل توريد عالمية تنافسية. تضمن هذه العلاقة التكافلية سلاسة سير سلاسل التوريد، مما يُبقي التكاليف منخفضة والتوافر مرتفعًا للسلع الاستهلاكية في جميع أنحاء العالم[6].

مواجهة التحديات

      تتميز العلاقة الهندية الصينية بالتعاون والتنافس، حيث غالبًا ما تتعارض العلاقات الاقتصادية مع التوترات الجيوسياسية. في السنوات الأخيرة، الا أن الدولتين باتا قادرتان على تجاوز التحديات بسبب الحدود والتغلب على حالات التنافس وانعدام الثقة، لا سيما بعد الاشتباكات الحدودية عام 2020 في وادي جالوان. وهو الحادث الذي أدى إلى تدهور كبير في العلاقات الثنائية، مما دفع الهند إلى تطبيق تدابير اقتصادية ضد الصين، بما في ذلك حظر العديد من تطبيقات الهاتف المحمول الصينية وفرض رقابة أكثر صرامة على الاستثمارات الصينية. ومع ذلك، وفي تطور حديث، اتفقت الهند والصين على حل مشكلة خط السيطرة الفعلية (LAC) والمضي قدمًا، مما أدى إلى انفراج والتغلب على التوترات. ويشار إلي أن الترابط الاقتصادي استمر حتى مع تصاعد التوترات. كما يتضح من استمرار ارتفاع مستويات التجارة الثنائية. ويُبرز هذا الوضع المتناقض، حيث تتعايش الضرورة الاقتصادية مع المنافسة الاستراتيجية الطبيعية متعددة الجوانب والمتناقضة في كثير من الأحيان للعلاقات الهندية الصينية في السياق العالمي المعاصر. وغالبًا ما تُوصف هذه العلاقة بأنها “تعاون في خضم المنافسة”، ولها آثار مهمة على كلا البلدين والاقتصاد العالمي الأوسع. ويلعب هذا الترابط المتبادل دورًا حاسمًا في سلاسل التوريد العالمية وأسواق المستهلكين، خاصًة وأن الصين تُعدّ من أكبر شركاء الهند التجاريين ولقد ظلت الصين أكبر مصدر للواردات إلى الهند، حيث زادت حصتها إلى 30% من 21% على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. وتضمن ديناميكيات التجارة بين البلدين وصول الأسواق الهندية إلى سلع استهلاكية متنوعة وبأسعار معقولة. بينما تستفيد الصين من سوق تصديرية واسعة. تشمل هذه العلاقة الاقتصادية قطاعات متنوعة، بما في ذلك التصنيع والأدوية والتكنولوجيا. وقد برزت بشكل خاص خلال اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، كتلك التي سببتها جائحة كوفيد-19[7].

      في قطاع التكنولوجيا، أقامت الشركات الهندية والصينية عدة تحالفات، حيث تعتمد العديد من الشركات الهندية على المكونات والمواد الخام الصينية في عمليات إنتاجها. على سبيل المثال، تعتمد صناعتا الإلكترونيات والسيارات في الهند بشكل كبير على الواردات من الصين لأشباه الموصلات وشاشات العرض وغيرها من المكونات الأساسية لشركات التكنولوجيا الصينية مثل شاومي وأوبو وهواوي عمليات كبيرة في الهند، مما يساهم في سوق الهواتف الذكية والإلكترونيات. في هذا السياق، من الجدير بالذكر، إن هذه الشركات لا تستورد المنتجات النهائية فحسب، بل أنشأت أيضًا وحدات تصنيع في الهند، مما يوفر فرص عمل ويساهم في الاقتصاد المحلي. بالإضافة إلى ذلك، يمتد التعاون في قطاع التكنولوجيا ليشمل تطوير البرمجيات والتطبيقات، حيث تعزز الاستثمارات الصينية في الشركات الناشئة الهندية الابتكار والنمو. ولقد لعبت الاستثمارات الصينية دورًا حاسمًا في منظومة الشركات الناشئة في الهند، حيث تمتلك شركات مثل علي بابا وتينسنت حصصًا كبيرة في شركات هندية ناشئة.

مسارات مستقبلية

     أسهم التوصل إلى اتفاقية ثنائية لتحقيق السلام على الحدود إلى تخفيف الرقابة وتحسين ظروف العمل، مما يُسهّل التعاون وحدوث تغيرات في بيئة الاعمال في البلدين ومحاولة الاستفادة القصوى من حالة التنافس المتنامي بين الولايات المتحدة والصين، ومن ثم فإن تحولات سلسلة التوريد العالمية، يتوقف بشكل أكبر على موقف الهند، مما قد يؤثر على الاستثمارات الصينية.[8] لذا، يجب على الهند معالجة المخاوف الأمنية مع تهيئة بيئة مواتية للاستثمار الأجنبي القادم من الصين. من ناحية أخرى، يجب على الشركات الصينية التكيف مع الواقع الجديد، وإظهار الشفافية والالتزام بممارسات التجارة العادلة. وفي ضوء المشهد الضبابي للوضع الاقتصادي العالمي فان شكل العلاقات بين البلدين قد يتخذ المسارات التالية:

الأول: أن يتم المضي قدمًا في إرساء قواعد راسخة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين على أسس الشفافية والعدالة التجارية، وهو أيضًا ما يتطلب ضرورة أن تبني الصين جسور الثقة في العلاقات واحترام الحدود بين البلدين وتجنب حالات المواجهة الحدودية بين الجيش الصيني والهندي وضبط وسائل الاعلام بين بالبدين بحيث يتم تجنب التعبئة السلبية تجاه بعضهما، خاصة و إن الدولتين اثبتا أن التعاون الاقتصادي اقوى من أي توترات جيوسياسية بين البلدين.

الثاني: التوصل إلى اتفاقات تجارية وقيام الدولتين بأدوار رئيسية في الدفاع عن حرية التجارة التي كانت سببًا في ارتفاع معدلات النمو بالبلدين أصحاب أكبر عدد سكان في الكرة الأرضية ومحاولة إعادة التوازن إلى الخلل في الميزان التجاري بين البلدين عن طريق فتح مصانع وشركات صينية في الهند والعكس، خاصة وإن ظروف العمالة ومهارتها تكاد تكون متشابهة بين البلدين.

الثالث: قيادة النظام التجاري العالمي عن طريق تعزيز التعاون بين الدولتين وادوارهما الريادية في مجموعة بريكس ومجموعة العشرين. وعليه، التعاون والالتقاء معًا لوضع نقاط للدفاع عن مصالحهما الثنائية ضد الإجراءات الحمائية الأميركية، التي تضر بالأسس التي استفادت منها الدولتين وبسلاسل الإمداد العالمية.

الرابع: ألا تتحمل الدولتين مسئوليتهما الدولية والمحلية وغلبة التنافس الجيو سياسي على التعاون الاقتصادي وعدم الاستفادة من الفرص التي تولدها الإجراءات الحمائية الأميركية غير المدرسة، ومن ثم نشهد مزيد من الارتباك في المشهد الاقتصادي العالمي، نظرًا لأهمية كلًّ من الصين والهند في النظام وهو أمر مستبعد نسبيًا نتيجة العلاقات الاقتصادية التاريخية وجودتها في أصعب الأوقات بين البلدين.   

وختاما، تمر العلاقات الاقتصادية بين الهند والصين بمرحلة هامة، تُمثل فرصًا وتحديات استراتيجية في آن واحد. وبينما تُعرب بعض التصريحات المتفرقة عن استعدادها للتعاون مع رأس المال الصيني، لا يزال موقف الهند السياسي الفعلي حذرًا. تعكس السياسات الحالية والمتوقعة المتعلقة بتدقيق الاستثمارات الصينية توازنًا دقيقًا بين الأمن القومي والضرورات الاقتصادية والاعتبارات الجيوسياسية. وبينما توجد مؤشرات على تخفيف محتمل لبعض الاستثمارات الصينية غير الحساسة، خاصًة و إن تعديل السياسات، ومعالجة المخاوف الكامنة بشكل جذري، تُعدّ أمورٌ بالغة الأهمية لتعزيز العلاقات والقيام بدور عالمي قيادي في النظام التجاري ونظام المدفوعات العالميين.


[1] Ministry OF Foreign Affairs The people’s Republic of China, Chinese Ambassador to India Xu Feihong Gives Written Interview to the Times of India, 2025, Available at :  

https://www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/xw/zwbd/202504/t20250425_11604109.html

[2]IBEF, India China Trade, 2025, Available at : https://www.ibef.org/indian-exports/india-china-trade

[4]IDEM

[5]The Economic Times, The Pakistan got The power to poke India, 2025, Available at: https://economictimes.indiatimes.com/?back=1

[6]VEDIKA REKHI, Navigating India-China Economic Relations: Scrutiny, Investment, and Policy Outlook, March 15, 2024

[7] – Seema Khan, India-China Economic Interdependence: Collaboration Amid Rivalry in Global Supply Chains,18 Dec.,2004

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى