تحالف ليبتاكو-غورما وتجربه هيئه تحرير الشام : هل يمكن تكرار نموذج إدلب فى الساحل الإفريقي؟

إعداد: نهال نبيه سلامة – باحثة متدربة ببرنامج دراسات التطرف.
مراجعة: أ. أحمد سلطان – مسئول برنامج دراسات التطرف بالمركز.
المقدمة:
مع تصاعد الهجمات الإرهابية فى دول الساحل وغرب إفريقيا، لاسيما داخل دولة بوركينافاسو، الدولة الأكثر تأثرًا الإرهاب، بحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام2024. [1] بالإضافة إلى تراجع دور القوى الدولية فى مكافحه الإرهاب، برز تحالف ليبتاكو-غورما كإطار إقليمي جديد يجمع بين الدول الثلاث وهي مالى والنيجر وبوركينا فاسو لمواجهه التحديات الأمنية. هذا التحالف الذي تأسس فى 16 سبتمبر /ايلول 2023 يسعى إلى تقديم مقاربه جديدة بجهود محلية إقليمية بعيدًا عن النفوذ الغربي وخاصه فرنسا، لاسيما بعد سحب باريس آخر جندي لها من مالي في منتصف أغسطس/آب 2022 [2] وتزايد النفوذ الروسي فى القارة السمراء.
على الجانب الآخر، شهدت الساحة السورية تطورًا مشابهًا مع صعود جبهة تحرير الشام، التي انتقلت من كونها فصيلًا جهاديًا إلى قوة مهيمنة في شمال غرب سوريا، حيث نجحت في إعادة تشكيل المشهد الأمني وفرض نموذج حكم محلي، مع تقليص نفوذ الجماعات الجهادية المنافسة مثل داعش والقاعدة.
في هذا السياق، تطرح هذه الورقة تقديرًا لمستقبل تحالف ليبتاكو غورما من خلال مقارنه تجربته مع هيئه تحرير الشام “وتحليل إمكانية تكرار نموذج إدلب فى الساحل الإفريقي من خلال استعراض العوامل السياسية والعسكرية، التى قد تسهم فى نجاح أو تؤدى إلى الفشل.
المحور الأول: السياق التاريخي لكل من تحالف ليبتاكو-غورما وهيئة تحرير الشام:
أولًا: تحالف ليبتاكو-غورما:
١.النشأة: تم توقيع ميثاق تحالف ليبتاكو-غورما 16 سبتمبر /أيلول 2023 بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتم عقد أولى قممه فى العاصمه نيامى ووقعت الدول الثلاث الذى يقودها الجيش معاهده” إتحاد كونفدرالى”، بهدف تعزيز التعاون وصك عمله جديده بعيدًا عن عملة الفرانك التابعة للبنك المركزى الفرنسى، ويجب الإشاره هنا على إن فكره التحالف تعود لأعوام سابقة، ففي عام 2017 أعلنت الدول الثلاث إنشاء قوه مشتركة لمواجهه الحركات المسلحة، ولكن لم يلق نجاحًا بسبب قرار إنشاء تجمع دول الساحل الخمس برعاية أوروبية و أمريكية[3].
٢. السياق والدوافع: نشأ تحالف ليبتاكو -غورما إثر العديد من التغيرات السياسية والعسكرية وأهمها الانقلابات العسكرية التى حدثت فى مالى 2020 وبوركينا فاسو 2022 والنيجر 2023، والتي ساهمت فى إنشاء التحالف، فقد واجهت هذه الدول عقوبات اقتصاديه فيما تم التهديد بالتدخل العسكرى فى النيجر لإعاده الرئيس المخلوع “محمد بازوم”، الأمر الذي تسبب في زيادة التوترات وانتهى بالخروج نهائيًا من التجمع الاقتصادي لغرب إفريقيا المعروف ب إيكواس. بالإضافة إلى تراجع الدور الفرنسى والغربى فى القارة والعداء المشتد لباريس، بسبب فشلها فى مواجهه الإرهاب والرغبه فى تحقيق الاستقلال الفعلي للدول الثلاث. كما ظهر واضحًا فى خطابات قاده الدول الثلاث والميل نحو المعسكر الروسى كبديل للتدخل الغربي والذي ظهر واضحًا فى المؤتمر الوزاى الروسي –إفريقي في مدينة سوتشي بجنوب غرب روسيا يومى السبت والأحد 10-11 /11 /2024، الذي تم التأكيد فيه على رغبه موسكو فى تقديم نفسها كحليف[4] لا غنى عنه فى إفريقيا. بالإضافة إلى العامل الأكثر أهمية وهو تحقيق الأمن الإقليمى للدول الثلاث ومواجهه تحديات الجماعات الجهاديه فى المنطقه، المتمثله فى جماعه نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة وتنظيم الدوله الإسلامية والذي ظهر واضحًا فى مواد ميثاق تحالف دول الساحل، حيث نصت الماده6 [5]على أهمية الدفاع المشترك وأن أي اعتداء على إحدى الدول الأعضاء بمثابة اعتداء على باقي الدول. الدول.
ثانيا: هيئه تحرير الشام:
١.النشأة: تأسست “هيئة تحرير الشام” مطلع عام 2017، بعد اندماج خمسة فصائل مسلحة تحت رايتها، وهي: جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة. إلا أن هذا التحالف لم يستمر طويلًا، حيث سرعان ما تفككت مكوناته، مما أدى إلى انفصال أغلب الفصائل، بينما احتفظت “هيئة تحرير الشام” بوجودها تحت قيادة أبو محمد الجولاني، مستهدفةً بسط نفوذها على إدلب والمناطق المحيطة بها.
٢.الدوافع والأسباب: عملت جبهة تحرير الشام على تعزيز قواتها العسكرية وترسيخ استقلالها بعد فشلها في إقناع المجتمع الدولي بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، كما تعمل على إعادة تشكيل توازنات القوى داخل الساحة الجهادية السورية من خلال مواجهة الفصائل المنافسة، خاصة حركة أحرار الشام. وفي هذا السياق استهدفت توسيع نفوذها في الشمال السوري، مستغلة ضعف الفصائل الأخرى باستثناء المناطق التي سيطرت عليها المعارضة المدعومة من تركيا، إلى جانب محاولتها إضعاف الفصائل المنافسة عبر تفكيك “حركة أحرار الشام” واستقطاب قادتها وعناصرها لتعزيز سيطرتها على المشهد العسكري. وأخيرًا، تستغل تراجع نفوذ تنظيم داعش لجذب مقاتليه وتوسيع نطاق سيطرتها، مما يعزز مكانتها كأكبر فصيل جهادي في في سوريا [6].
المحور الثالث: أثر التحالف على التوازن الأمني (الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية).
كيف تمكنت هيئه تحرير الشام من تثبيت نفسها عسكريًا فى سوريا؟، اتبعت “هيئة تحرير الشام”، نهجًا براغماتيًا لضبط الساحة المحلية بعد إتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في 5 مارس 2020، حيث ركزت على الإدارة الإقتصادية والخدمية عبر “حكومة الإنقاذ”، مقدمةً نموذجًا ناجحًا ساعدها على التوسع شمالًا على حساب فصائل “الجيش الوطني”. كما سعت إلى إعادة صياغة خطابها الإعلامي، مبتعدةً عن النهج الجهادي العالمي، لتبني خطاب ثوري سوري يدمج بين الإسلام والسياسة، مما ساهم في تحسين صورتها خارجيًا عبر خطاب أكثر براغماتية ومرونة مع الفاعلين الدوليين. إضافة إلى ذلك، اعتمدت استراتيجية إعادة التشكيل التنظيمي، حيث غيرت اسمها من “جبهة النصرة” إلى “فتح الشام”، ثم إلى “هيئة تحرير الشام”، في محاولة للتمايز عن “القاعدة” وإضفاء طابع محلي.
عسكريًا، عززت نفوذها عبر القضاء على الخصوم المحليين، مثل “حركة أحرار الشام”، وتوسيع سيطرتها على إدلب من خلال المواجهات والاندماجات التكتيكية، إلى جانب بناء جهاز أمني قوي يعتمد على المخابرات الداخلية لمنع التمردات والاختراقات الخارجية. كما استخدمت القوة الناعمة، عبر توفير الأمن والخدمات لكسب الحاضنة الشعبية، مما منحها شرعية إضافية ورسّخ سيطرتها على المنطقة.[7]بجمع هذه الاستراتيجيات، استطاعت الهيئة تحويل نفسها من مجرد فصيل عسكري إلى كيان سياسي وعسكري متكامل، قادر على البقاء رغم الضغوط الداخلية والخارجية.
علي الجانب الأخر هل يمكن لتحالف ليبتاكو- غورما تبنى استراتيجيات مماثله؟، يمكن لتحالف ليبتاكو-غورما الاستفادة من التجربة السورية إذا تمكن من الآتي:
- تعزيز القوة العسكرية وإعادة هيكلة المشهد الأمني: يسعى التحالف إلى فرض نفسه كفاعل رئيسي فى مواجهة الجماعات المسلحة، فمن أهم أهداف التحالف هو محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة فى المنطقة المشتركة للحلف، [8]علمًا بأن منطقه ليبتاكو غورما هى منطقه الحدود المشتركة بين الدول الثلات والتى تعد بؤره توتر فى غرب إفريقيا وساحه للهجمات الإرهابية وخاصة بين تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، فمن أهم الخطوات فى هذا السياق في 6 مارس2024أعلن تحالف دول الساحل عن تأسيس قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب، كنهج جديد للتعامل مع التحديات والتهديدات الأمنية في المنطقة.[9] كما أنه في 22 يناير 2025، أعلن وزير الدفاع في النيجر “ساليفو مودي”، أن قوة مشتركة قوامها خمسة آلاف جندي من النيجر، بوركينا فاسو، ومالي سيتم نشرها قريبًا في منطقة الساحل الوسطى المضطربه.
- تحييد أو استقطاب بعض الفصائل المسلحة: على غرار ما قامت به “جبهة تحرير الشام” في سوريا عندما أعادت تشكيل توازنات القوى بين الفصائل الجهادية يمكن لتحالف دول الساحل القيام بالمثل سواء من خلال العمليات العسكرية أو المفاوضات.
- العمل على تبنى خطاب سياسى يكسبه الدعم الشعبي كما فعلت جبهة تحرير الشام فى إدلب.
في سياق متصل، وعلى الرغم من هذه المقاربات يواجه تحالف دول الساحل العديد من التحديات الأكثر تعقيدًا من حيث العزلة الدولية التى فُرضت عليه، بالإضافة إلى انسحاب القوات الأممية وعدم الاعتراف الدولي والتوترات الإقليمية بين دول حلف الساحل والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) والتحديات الأمنية. كما أن نجاحه يعتمد على قدرته في بناء هيكل تنظيمي متماسك، وتطوير استراتيجيات أمنية فعالة، وكسب دعم المجتمعات المحلية، وهي عوامل ستحدد ما إذا كان التحالف قادرًا على ترسيخ نفوذه أم سيواجه مصير الفوضى والتفكك.
المحور الرابع: التحديات أمام تحالف ليبتاكو غورما لتحقيق نجاح مماثل للتجربة السورية:
- تصاعد الإرهاب فى الساحل الإفريقي:
إن إقليم غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، هى المنطقة الاكثر تأثرًا بالهجمات المسلحة والأكثر نشاطًا للإرهاب، وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمى 2024 [10]أصبحت بوركينا فاسو الدولة الأكثر تأثرًا بالإرهاب سجلت 1,907 قتلى، ما يمثل ربع الوفيات الإرهابية عالميًا، بزيادة 68% عن عام 2022 رغم انخفاض الهجمات بنسبة 17%. شهدت البلاد هجمات دموية، أبرزها هجوم داعش – ولاية الساحل على الجيش في منطقة الساحل الذي أودى بحياة 71 جنديًا، وهجوم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على المدنيين في بارتياغا الذي أسفر عن مقتل 60 شخصًا. في مالي، التي تحتل المرتبة الثالثة عالميًا، قُتل 753 شخصًا، بانخفاض 20% عن العام السابق، وسط صراع مستمر بين داعش – ولاية الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ومن أبرز الهجمات معركة بين التنظيمين قُتل فيها 60 مقاتلًا من داعش، على قارب في نهر النيجر أسفر عن مقتل 49 مدنيًا.
أما النيجر، التي تحتل المرتبة العاشرة عالميًا، فقد شهدت 650 قتيلًا، بزيادة 70% عن 2022، وكان الهجوم الأكثر دموية فيها هجوم مشترك بين داعش – ولاية الصحراء الكبرى و على الجيش في تلابيري، حيث قُتل 200 جندي.
إجمالًا، أصبحت منطقة الساحل بؤرة الإرهاب عالميًا، حيث سجلت 47% من وفيات الإرهاب عالميًا، مع زيادة الهجمات بنسبة 2,860% والوفيات بنسبة 1,266% خلال الـ 15 عامًا الماضية، وامتد العنف إلى دول مثل بنين وتوغو. يعزى هذا التصاعد إلى انسحاب القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام، مما ترك فراغًا استغلته الجماعات الإرهابية، فضلًا عن الانقلابات السياسية في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، التي زادت من هشاشة الوضع الأمني، بينما تستمر الجماعات الإرهابية في استغلال النزاعات العرقية، تهريب الذهب، والاتجار بالبشر لتمويل عملياتها.
- انسحاب القوات الفرنسية والأممية من إفريقيا:
شهدت منطقه الساحل وغرب إفريقيا فى الفتره الأخيرة العديد من التحولات السياسية والعسكرية المعنية بالأمن فى المنطقة، بدأت بالانسحاب الفرنسي 15 اغسطس /آب 2022 بسحب فرنسا أخر جندي لها من مالى. كما انسحبت قوة “تاكوبا” الأوروبية من مالي في نوفمبر 2022، بينما قامت بوركينا فاسو والنيجر بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا في يناير وأغسطس 2023 على التوالي.
كما أنهت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) مهامها، وذلك نتيجة للقيود التي فرضتها الحكومة المالية، والتي أعاقت عملياتها الجوية والبرية منذ انضمام قوات فاغنر إلى البلاد في 2021، إضافةً إلى ضعف أداء البعثة وتداعيات التحقيق في مذبحة مورا التي وقعت في مارس 2022. ونتيجة لهذه العوامل، قرر مجلس الأمن الدولي إنهاء ولاية البعثة اعتبارًا من 30 يونيو 2023، مع بدء وقف عملياتها تدريجيًا، وسحب أفرادها بالكامل بحلول 31 ديسمبر 2023، واكتمال عملية الانسحاب النهائي في يناير2024[11]
فى ضوء ما سبق نجد أن الإنسحاب الفرنسي من القارة والذي لا يعد سوى فشلًا فى تحقيق أهدافها الأمنية بالرغم من التدخل العسكرى بعمليتى سيرفال وبراخان والتي لم تترك أثر ملموس فى تحقيق أي استقرار أمني فى المنطقة. بالإضافة إلى عدم تحقيق أي مشروع تنموي أو أي تغيير جذري بالقارة التى بسطت نفوذها عليها ثم انسحبت منها بتأمين انسحاب هادئ مقارنه بالانسحاب الأمريكي فى افغانستان الذى وصفه الألمان، بأنه وصمه عار[12] تاركه فراغ أمني فى القارة .
- الانقلابات العسكرية والميل نحو المعسكر الروسى:
الانقلابات العسكرية التى عرفتها مالى وبوركينا – فاسو والنيجر على التوالى كان لها أثر بالغ الأهمية على الوضع السياسي فى الدول الثلاث، الأمر الذى أدى إلى التحول نحو تعزيز العلاقات مع روسيا كبديل للوجود الغربي وخاصة الفرنسي، وذلك بدخول قوات فاغنر الروسية الى باماكو عاصمه مالى سبتمبر 2021 ثم إعلان روسيا عن تشكيل الفيلق الإفريقي. [13]
- تفككك التحالفات الإقليمية: إيكواس وتحالف دول الساحل الخمس
أولًا: الإنسحاب من تحالف دول الساحل الخمس: التحالف الذي شكلته رغبه فرنسية فى العاصمة الموريتانية نوكشواط 16فبراير/شباط 2014 في قمة شملت 5 من دول الساحل؛ هي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. الغرض منه مواجهه التحديات الأمنية المتمثلة فى الجماعات الجهادية وتعزير التنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء وقد تفكك هذا التحالف بعد إعلان مالى انسحابها من تحالف دول الساحل الخمس مساء الأحد 15 مايو/أيار2022، وذلك احتجاجًا على رفض توليها رئاسة هذه المنظمة معتبرة أن التنظيم بات “أداة تستغلها جهات خارجية”، وبعد انسحاب مالي، أعلنت بوركينا فاسو والنيجر في ديسمبر 2023 انسحابهما من جميع هيئات المجموعة، بما في ذلك القوة المشتركة.
في ظل هذا التفكك، اتجهت هذه الدول نحو تشكيل تحالف جديد تحت مظلة ميثاق ليبتاكو غورما، الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والسياسي بينها، مع التركيز على الاستقلال الذاتي بعيدًا عن النفوذ الفرنسي والغربي.
ثانيًا: الانسحاب من التحالف الاقتصادي لدول غرب افريقيا (إيكواس): أعلنت كلا من مالى والنيجر وبوركينا فاسو الإنسحاب من إيكواس فى 28 يناير 2024 بعد فتره من التوترات الدبلوماسية الشديدة، وخاصة بعد الانقلابات العسكرية فى الدول الثلاث تباعًا والذي كان على إثره فرض عقوبات على الدول الثلاث.
وعليه، فإن الانسحابات المتتالية سواء من تحالف دول الساحل الخمس أو من إيكواس، يمكن النظر أليه من منظورين الأول أن الخروج من تلك التحالفات هو بمثابة الخروج من العباءة الفرنسية والرغبة فى الاعتماد على القدرات المحلية للدول الثلاث فى مواجهه التحديات الأمنية والتنموية وهو ما أكدت عليه الدول الثلاث. الثاني يمكن أن يؤدى الانسحاب إلى عزلة دولية للدول الثلاث فى مواجهه التحديات الأمنية فى بؤره ساخنه من الهجمات الإرهابية وسيؤدى إلى ارتدادات سلبية من ناحية التعاون الاستخباراتي والأمني فى منطقة متشعبة ومليئة بالحركات المسلحة.
- دور الصين فى إفريقيا كأحد التحديات التى تواجه تحالف ليبتاكو غورما:
يشكل الوجود الصيني المتزايد في إفريقيا تحديًا رئيسيًا لتحالف ليبتاكو غورما، حيث تعتمد الصين على استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والتجارة، والموارد الطبيعية، مما يعزز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. تستفيد الصين من ضعف الحكومات المحلية وعدم الاستقرار الأمني لفرض شراكات اقتصادية تهيمن على الأسواق المحلية، مما قد يحدّ من قدرة التحالف على تحقيق استقلالية استراتيجية. كما أن سياسة الصين بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية تمنحها نفوذًا قويًا، حيث تتحالف بسهولة مع الأنظمة العسكرية، كما هو الحال في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مما قد يؤثر على مساعي التحالف لبناء تحالفات دولية بديلة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتباط الصين الوثيق بموارد المنطقة، مثل الذهب واليورانيوم، إلى زيادة المنافسة بين القوى الدولية، مما قد يعرقل جهود التحالف في تحقيق استقرار سياسي وأمني بعيدًا عن النفوذ الأجنبي[14].
فعلى الجانب الآخر، واجهت هيئة تحرير الشام تحديات متعددة، أبرزها الصراع مع الفصائل الجهادية الأخرى، الضغوط الدولية، وإدارة الحكم في إدلب وسط بيئة مضطربة، لكنها نجحت في ترسيخ نفوذها عبر فرض سيطرتها عسكريًا، تعديل خطابها السياسي، وإقامة حكومة الإنقاذ لضمان بقائها. وبالمثل، يواجه تحالف ليبتاكو غورما تحديات مماثلة، مثل الصراع مع الجماعات المسلحة، التدخلات الخارجية، وإيجاد نموذج حكم مستقر بعيدًا عن النفوذ الفرنسي. وكما تمكنت هيئة تحرير الشام من التكيف مع المعادلات الإقليمية، يمكن للتحالف تحقيق نجاح مشابه إذا نجح في إدارة موارده، تحقيق الاستقرار الأمني، والتعامل بمرونة مع القوى الدولية، لكن اتساع نطاق الصراع الإقليمي يشكل تحديًا إضافيًا قد يجعل تحقيق الاستقلالية الكاملة أكثر تعقيدًا.
المحور الخامس: السيناريوهات المستقبلية:
السيناريو الأول نجاح التحالف فى تعزيز الأمن:
هذا السيناريو القائم على:
- تعزير التعاون الأمني المشترك بين الدول الثلاث من خلال تطوير جيش مشترك قوى قادر على مواجهة التحديات الأمنية، وظهر ذلك كخطوه أولى فى استعداد الدول الثلاث فى نشر قوة مشتركة قوامها خمسه آلاف جندى فى منطقه الساحل الوسطى المضطربه.
- تنسيق الجهود الأمنية والاستخباراتيه بين الدول الثلاث لمواجهه التحديات الأمنية وضرورة اعتماد استراتيجيات موحده لمواجهة الإرهاب.
- ضرورة توحيد الجبهة الداخلية بتبنى خطاب يعمل على كسب الدعم الشعبى والحكومات المحلية فى الدول الثلاث لاستمرار التحرك من منطلق الحصانة الشعبية لدعم عمليات مواجهة الارهاب.
- استغلال تراجع النفوذ الفرنسي فى المنطقة وتراجع الدعم الشعبى للمؤسسات التي تم تأسيسها برعاية فرنسية مع الاستفادة من الدعم الروسى والصينى بدون الوقوع فى فخ التبعيه.
- تطوير نهج جديد يشمل التفاوض مع بعض الجماعات المسلحة المحلية، كما فعلت “جبهة تحرير الشام” في سوريا، لمحاولة احتواء العنف.
- بناء شراكات اقتصادية وأمنية مع دول مثل روسيا، الصين، تركيا أو حتى قوى إقليمية مثل الجزائر وتشاد لتعويض الفراغ الأمني.
- تبني استراتيجية هجينة تجمع بين العمليات العسكرية والمشاريع التنموية لكسب ثقة السكان المحليين وتقليل دعمهم للجماعات الإرهابية.
النتائج المحتملة لهذا النجاح:
- الإعتراف بهذا الحلف كبديل عن المنظومات الأمنية السابقة مثل تحالف دول الساحل مما يكسبه شرعيه أكبر.
- النجاح فى تقليص نفوذ الجماعات المسلحة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
- إمكانيه توسع الحلف ليشمل دول أخرى، مما يعزز من شرعية الحلف ودوره فى مكافحه الإرهاب.
السيناريو الثانى: سيناريو الفوضى وتصعيد الإرهاب:
وتتمثل معطياته الداعمة في:
1- إمكانيه أن يُعد الحلف تهديد للجماعات المسلحة وتتصاعد موجه الهجمات الإرهابية على الدول الثلاث.
2-ضعف القدرات اللوجستية والعسكرية وضعف التنسيق بين الدول الثلاث، مما يؤدى إلى عدم فاعلية التحالف فى مواجهه التحديات الأمنية، حيث يزعم تقرير نُشر فى لاكروا الفرنسية فشل الحلف فى وقف الهجمات الإرهابية، حيث يقول آلان أنتيل، مدير “مركز أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” التابع لـ”المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)” أنه وفي ظل وجود 3 جيوش تواجه صعوبات كبيرة على أراضيها، فإن هذا التحالف هو بالضرورة تحالف ضعف[15].
3-الفشل فى الحصول على الدعم المحلى، بسبب عدم القدرة على إدارة الأزمات الاقتصادية وتحقيق الأمن الداخلي.
4-اخفاقات الشريك الروسي، واجهت مجموعة فاغنر إخفاقات كبيرة في إفريقيا، خاصة في مالي، حيث فشلت في منع الهجمات الإرهابية، وتعرضت لهزائم كبرى، مثل مقتل 84 من مرتزقتها في كمين شمال البلاد[16]. هذه الإخفاقات أضعفت مصداقية روسيا كشريك أمني، مما قد يدفع تحالف ليبتاكو غورما لإعادة النظر في اعتماده عليها. كما أدى تراجع فاغنر إلى فراغ أمني تستغله الجماعات الإرهابية لتعزيز نفوذها. ويواجه التحالف الآن تحدي البحث عن بدائل أمنية أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن فشل فاغنر في تحقيق نتائج أفضل من التدخلات الغربية السابقة يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار في المنطقة.
النتائج المحتملة:
1-فقدان التحالف شرعيته على المستوى المحلى والإقليمي، نتيجة لزيادة الهجمات الإرهابية.
2-عدم القدرة على تحقيق الاستقرار الأمني فى الساحل، مما قد يدفع القوى الدولية للتدخل مرة أخرى ودعم أنظمة بديلة.
3-الاضطرابات الداخلية الجديدة، التي قد تؤدي إلى انقلابات في أنظمة الحكم يمكن أن تهدد استقرار التحالف وتؤدي إلى تفككه.
السيناريو الأكثر ترجيحًا، يعود إلى إذا ما تمكن التحالف من تطوير بنية أمنية ودعم محلى. فقد يحقق نجاحًا جزئيًا. كما فى السيناريو الأول أما إذا فشل فى تحقيق أي إنجاز أمني، بل عل العكس تصاعدت الهجمات الإرهابية أكثر وفشل فى تحقيق استقرار نسبى فى الأوضاع الاقتصادية للدول الثلاث فإن السيناريو الثانى هو الأكثر احتمالًا.
التوصيات كيف يمكن لتحالف ليبتاكو غورما تحقيق نجاح مشابه للتجربة السورية؟
لتحقيق نجاح مماثل لما حققته “هيئة تحرير الشام” في سوريا، يمكن لتحالف ليبتاكو-غورما الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجربة السورية عبر تبني الاستراتيجيات التالية:
أولًا: تطوير خطه تنموية شاملة للتخلص والقضاء على الأسباب الجذرية للإرهاب من البطالة والفقر وضعف الدولة.
ثانيًا: العمل على إنشاء جبهة استخباراتية مشتركة من أجل جمع ومشاركة المعلومات للقضاء على الإرهاب فكما تمكنت “هيئة تحرير الشام” منالاستفادة من تراجع داعش والتنظيمات المنافسةلتوسيعسيطرتها في إدلب. يمكن لتحالف ليبتاكو-غورما استغلالالتراجع الفرنسي في المنطقة، والانقسامات داخل الجماعات الإرهابية مثل داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، لفرض سيطرتهوتوسيعنفوذهالأمني. .
ثالثًا: العمل على تهدئه الوضع المحلى أما بكسب الدعم الشعبى أو بتحييد القبائل الداعمة للحركات المسلحة مثلما سعت “هيئة تحرير الشام” إلى تقديم نفسها كقوة “محلية” تحمي السكان من النظام السوري وداعش، يجب على التحالف تعزيز شرعيته لدى السكان المحليين من خلال تقديم خدمات أساسية، وتحقيق الأمن، والحد من الفساد، لضمان دعم المجتمع المحلي واستقطاب مقاتلين محليين بدلًا من الاعتماد على المرتزقة أو الدعم الخارجي.
رابعًا: ضرورة البحث عن شركاء دوليين لسد الفراغ الناتج عن الإنسحاب من إيكواس وتحالف دول الساحل الخمس بدون الوقوع فى فخ التبعية، حيث برعت هيئه تحرير الشام فى التفاوض والتكيف مع التحولات السياسية والعسكرية، مما مكنها من البقاء متماسكة أمام الضغوطات.
خامسًا: تحقيق استقلاليه أمنية عن طريق العمل على بناء قدرات عسكرية ذاتيه قوية تمكن دول تحالف الساحل من الاعتماد على نفسها فى تحقيق أمنها دون الاعتماد المفرط على الشركاء الدوليين، من خلال التدريب العسكري وتحسين الصناعة الدفاعية.
سادسًا: المركزية فى اتخاذ القرار، أحد أسباب نجاح “هيئة تحرير الشام” كان قدرتها على فرض مركزية القرار، مما مكنها من البقاء موحدة رغم الضغوط العسكرية والسياسية. يمكن للتحالف توحيد قياداته العسكرية والسياسيةتحت قيادة مركزية قوية، لتجنب الانقسامات الداخلية التي أضعفت تحالفات مماثلة في الماضي
الخاتمة:
يواجه تحالف ليبتاكو-غورما العديد من التحديات المعقده فى سعيه لتحقيق التوازن الأمني والاستقرار الداخلي فى منطقة الساحل، وسط تهديدات الجماعات المسلحة المنتشرة فى الساحل وانسحاب القوى الدولية، يمكن للتحالف أن يحقق نجاح استراتيجى مشابه لما حققته هيئه تحرير الشام فى سوريا إذا تمكن من تعزيز مركز القيادة، تطوير جهاز استخباراتي قوى، توفير دعم محلى للتحالف ولاهدافه، تأمين موارد ذاتيه على غرار تجربه هيئه تحرير الشام فى سوريا، فنجاح التحالف يتطلب مقاربه إقليمية متوازنه تمنعه من الوقوع فى عزلة سياسية أو مواجهة مباشرة مع أي من القوى الدولية فى حاله الضعف التى تمر به الدول الأعضاء مع التركيز على بناء قوى عسكرية واقتصاديه محلية لضمان الاستقلالية فى النهاية وإثبات التحالف كبديل قوى لأي فراغ أمني تركته الفواعل الدولية التى انسحبت سابقًا.
[1] Global Terrorism Index, Institute for Economics and Peace, 2024.
[2] جلال الورغى،“الخيبه الفرنسيه فى مالى …انسحاب بطعم الهزيمه”،الجزيره،29 اغسطس/آب 2022 ، على الرابط التالى https://n9.cl/9zru1u , تاريخ الاطلاع10 فبراير2025.
[3] حبيب الله مايابى،“تحالف دول الساحل بين آمال التوسع وتحديات الفشل”، الجزيره، 8/يناير/ 2024، على الرابط التالى https://n9.cl/ibft1x تاريخ الاطلاع 10 فبراير2025
[4] فرانس 24 ،” روسيا تسعى لتعزيز حضورها كشريك استراتيجي لأفريقيا في مواجهة النفوذ الغربي”، فرانس 24 ،11 نوفمبر 2024 ، على الرابط التالى https://n9.cl/8qwjq تاريخ الاطلاع 10 فبرابر 2025
[5] مصدر سبق ذكره.
[6] مركز المستقبل للدراسات والابحاث،دوافع تأسيس “هيئه تحرير الشام”، 16/ فبراير/ 2017 ، على الرابط التالى https://n9.cl/611126 تاريخ الاطلاع 10 فبراير 2025
[7] عزام القيصر، “استراتيجيات البقاء لدى هيئه تحرير الشام”، مركز حرمون للدراسات المعاصره، يونيو 2023 ، على الرابط التالى https://n9.cl/fm15ky تاريخ الاطلاع 9 فبراير 2025 .
[8] مصدر سبق ذكره.
[9] الخليج, “تحالف دول الساحل الإفريقي يستعد لنشر قوة مشتركة”، 22 يناير 2025 ، على الرابط التالى https://n9.cl/f97aw تاريخ الاطلاع 9 فبراير 2025.
[10] “Op. cit.”
[11] نسرين الصباحى، “سياقات محفزه:القوه الجديده لمكافحه الارهاب فى الساحل الافريقى”، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجيه، 6 ابريل 2024 ، على الرابط التالى https://n9.cl/unkcb الاطلاع بتاريخ 10 فبراير2025 .
[12] مصدر سبق ذكره.
[13] مصدر سبق ذكره.
[14] مصطفى جالى، “الصين فى افريقيا : تحقيق غايات القاره ام البحث عن المصالح الاستراتيجيه”،مركز الجزيره للدراسات، سبتمبر 2021 ، على الرابط التالى https://n9.cl/6oc6o الاطلاع بتاريخ 10 فبراير 2025
[15] الجزيره، ” لاكروا : تحالف دول الساحل يبحث عن نفسه بعد عام على انشائه”، 18 سبتمبر 2024 ، على الرابط التالى https://n9.cl/11e3w الاطلاع بتاريخ 9 فبراير 2025.
[16] عربى 21 ،”التليغراف: إخفاقات مجموعة فاغنر تهزّ ثقة أفريقيا في وعود بوتين”،18 نوفمبر 2024 ، على الرابط التالى https://n9.cl/eqkmby تاريخ الاطلاع 9 فبراي 2025.