تقارير

تقرير: إسرائيليات ( ١٧ – ٢٤ مايو ٢٠٢٥م)

إعداد: نسرين طولان – باحثة ببرنامج الدراسات الاستراتيجية.
مراجعة: د. تامر سامي – مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية.

الافتتاحية: في ظل احتدام التحولات السياسية والعسكرية والاقتصادية في الداخل الإسرائيلي، يتجدد الدور الحيوي لمتابعة ما يدور داخل الدولة العبرية، ليس فقط من زاوية الأحداث اليومية، بل من خلال التعمق فيما تخفيه الكواليس، وما يخطط لمستقبل الإقليم، في هذا التقرير الأسبوعي، نرصد أبرز المستجدات في المحاور الأساسية التي تُشكل بنية الدولة الإسرائيلية: من التغييرات في أجهزة الأمن، والتطورات على جبهة غزة، إلى مؤشرات الاقتصاد، والمشاريع الاستراتيجية بعيدة المدى، كما نتناول أحد الشخصيات المؤثرة التي تصوغ المشهد، ونفكك عمليات استخبارية تلقي بظلالها على المعادلات الإقليمية.

*من الصحافة العبرية

المحور السياسي:

  • حكمت المحكمة العليا في إسرائيل بأن إقالة رئيس جهاز الشاباك “رونين بار”، كانت غير قانونية بسبب تضارب المصالح مع رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، إذ قرر النائب العام أنه من غير المسموح تعيين رئيس جديد للشاباك في الوقت الحالي، لكن “نتنياهو”، قرر عدم الانتظار، مما أثار جدلًا واسعًا بتعيينه اللواء “دافيد زيني”، القائد الحالي لهيئة الأركان العامة رئيسًا لجهاز الشاباك على الرغم من أنه لم يكن مرشحًا على الإطلاق، متجاهلًا توصيات المحكمة العليا والنائب العام[1]. فضلًا عن كون العرف في إسرائيل أن رؤساء الأجهزة الأمنية يعينون بالتشاور وبموافقة قانونية، ويستنتج من هذا القرار بتعيين شخصية محسوبة على اليمين في منصب بتلك الحساسية إلى أنه محاولة ل “تأمين الجبهة الداخلية” سياسيًا وأمنيًا.
  •  حالة من الضعف والتشتت داخل المعارضة الإسرائيلية: رغم تصاعد الغضب الشعبي، تعاني المعارضة الإسرائيلية من صعوبة في توحيد صفوفها، وعدم القدرة على تقديم بديل موحد، مما يُبقي نتنياهو في موقع القوة، حيث تواجه المعارضة التي تضم 52 عضوًا في الكنيست ائتلافًا واسعًا يضم 68 عضوًا في الكنيست، وهذه الفجوة تجعل من الصعب عليها هزيمة مشاريع القوانين أو عرقلة المبادرات الحكومية[2].

علاوة على ما سبق، فإن المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل يشهد حالة من التأرجح بين الصمود والمأزق؛ فالحكومة تحاول توظيف الحرب لصالح بقائها واستمرارها، لكن كلما طال أمد المعركة دون نتائج حاسمة، كلما زاد الضغط عليها من الداخل والخارج، وقد تتحول الحرب من ورقة إنقاذ سياسي لنتنياهو، إلى أداة تعجيل في تفكك ائتلافه وسقوطه، خاصة إذا تزامن ذلك مع أزمة اقتصادية ومعيشية متفاقمة.

*المحور العسكري:

  • أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “מרכבות גדעון” (عربات جدعون) في 16 مايو، وهي هجوم بري وجوي واسع النطاق يهدف إلى القضاء على البنية التحتية العسكرية والإدارية لحركة حماس، وتجري العملية تحت إشراف شعبة الاستخبارات وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وفي خلال الـ24 ساعة الماضية، هاجمت قوات الجيش الإسرائيلي أكثر من 75 هدفًا، بما في ذلك منصات إطلاق صواريخ، ومباني عسكرية، ومستودعات أسلحة، ومواقع قناصة (حسب الرواية الإسرائيلية)[3].
  • بالتوازي مع المفاوضات في الدوحة، أعلن الجيش الإسرائيلي: بدء عملية برية ضمن عملية “عربات جدعون”، بعد يوم ونصف من إعلان الجيش عن التحركات الافتتاحية التي قام بها في قطاع غزة استعدادًا لتوسيع الحملة في إطار عملية “عربات جدعون”، إذ تشارك حاليًا خمس فرق في العملية الميدانية في قطاع غزة، حيث أسفرت العملية عن تنفيذ أكثر من 670 غارة جوية على أهداف تابعة لحماس[4].

وبناءً على ما سبق، تسعى إسرائيل من خلال عملية “מרכבות גדעון” إلى تحقيق أهداف عسكرية وسياسية حاسمة، بما في ذلك القضاء على حماس – حسب الأهداف المعلنة- والسيطرة الكاملة على قطاع غزة، ومع ذلك، فإن التحديات الإنسانية والضغوط الدولية قد تؤثر على مسار العملية ونتائجها المستقبلية.

المحور الاقتصادي:

  • سجل الاقتصاد الإسرائيلي نموًا بنسبة 3.4% في الربع الأول من العام، حيث يواصل الاقتصاد الإسرائيلي عملية التعافي، إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الـ12 الماضية 3.4%، بحسب تقرير نشره المكتب المركزي للإحصاء، بالإضافة إلى زيادة بنسبة 8.7% في الاستثمار في الأصول الثابتة، وزيادة بنسبة 2.5% في واردات السلع والخدمات باستثناء صادرات الدفاع والسفن والطائرات والماس. فيما شهدت الواردات أيضًا زيادة كبيرة بلغت 6.2%، باستثناء الشركات الناشئة والماس، بينما انخفض الاستهلاك الخاص بنسبة 5% في الربع الأخير، في حين ارتفع الاستهلاك الجاري (الغذاء والكهرباء) بنسبة 4.1% في الربع، وانخفضت السلع المعمرة (المركبات والأثاث) بنسبة 23.9%، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الشراء المسبق للسيارات الكهربائية. كما انخفضت السلع شبه المعمرة (المنسوجات المنزلية والملابس) بنسبة 5.8%[5]، يعكس هذا النمو أن الاقتصاد الإسرائيلي يمتلك مرونة مؤقتة في مواجهة آثار الحرب على غزة، ويعزز ذلك: ضخ استثمارات في البنية التحتية (خاصة الإسكان)، استمرار نشاط قطاعات قوية مثل التكنولوجيا والبنوك، لكن هذا لا يعني أن الحرب بلا تكلفة؛ بل إن الحكومة تمول العمليات العسكرية والتعويضات من خلال زيادة الإنفاق العام، مما قد يؤدي إلى تفاقم الدين العام أو تقليص خدمات مدنية لاحقًا.
  • ارتفاع غير عادي في معدل التضخم، حيث ارتفع إلى معدل سنوي بلغ 3.6% في أبريل؛ إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلك باستثناء الطاقة بنسبة 3.9% خلال العام، كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك باستثناء الخضروات والفواكه بنسبة 3.5%، وارتفع مؤشر أسعار المستهلك باستثناء السكن بنسبة 3.3%. فيما سجلت أسعار النقل ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 4.9%، والثقافة والترفيه بنسبة 1.6%، والملابس والفواكه الطازجة بنسبة 1.5% لكل منهما، والإسكان بنسبة 0.6%. بينما سجلت أسعار مجموعة الخضروات الطازجة انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 1.0%، ومجموعة الأثاث والأجهزة المنزلية بنسبة 0.5%[6]، إن ارتفاع التضخم إلى 3.6% يحمّل المواطن الإسرائيلي أعباء معيشية متزايدة، وخاصًة: غلاء أسعار النقل والضرائب والمواد الغذائية، اضطراب سلاسل التوريد، خوف الأسواق من استمرار الحرب لفترة طويلة، هذا قد يؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي للحرب بمرور الوقت، خاصًة إذا استمر العبء الاقتصادي في التصاعد بدون “نصر حاسم” حسب المنطق الإسرائيلي.

وخلاصة ما سبق، إسرائيل تحاول الظهور بثوب “الاقتصاد المقاوم”، لكن التضخم المتسارع والمتوقع أن يستمر في التصاعد، سيكشف تدريجيًا حدود قدرة هذا الاقتصاد على تحمل حرب طويلة بلا نتائج سياسية واضحة وملموسة، ومع غياب أفق سياسي أو “نصر حاسم”، قد تتحول المتانة الاقتصادية إلى هشاشة داخلية، ستترجم إلى ضغط شعبي، ثم سياسي، ثم عسكري.

*مشاريع إسرائيلية خلف الأضواء

عقول صناعية في قلب الصحراء: “مدينة الذكاء الاصطناعي” في النقب.

ضمن مساعيها لترسيخ موقعها كقوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، أطلقت إسرائيل مشروع “مدينة الذكاء الاصطناعي” في صحراء النقب[7]، كمبادرة مشتركة بين جامعة بن غوريون ورواد أعمال بارزين، بدعم مباشر وغير مباشر من جهات أمنية وعسكرية.

ورغم أن المشروع يُقدَّم إعلاميًا كخطوة علمية وتنموية تهدف إلى تحويل النقب إلى مركز تكنولوجي، إلا إن خلف هذا الخطاب التقدمي تكمن أجندات أمنية واستراتيجية تمضي بعيدًا عن الأضواء، حيث اعتمد المشروع على سردية “تطوير الجنوب” و”دمج السكان في الثورة الرقمية” لتجنّب الجدل السياسي أو الحقوقي، خصوصًا مع كونه مقامًا في منطقة حساسة ديموغرافيًا مثل النقب، بالإضافة إلى الترويج له كمدينة تعليمية بحثية. في حين إن التطبيقات الأساسية التي يتم تطويرها هناك تخدم بشكل رئيسي الجيش الإسرائيلي، لا سيما في مجال تحليل البيانات، والمراقبة، والاستهداف العسكري القائم على الذكاء الاصطناعي.

الجهات الداعمة: يشارك في تمويل المشروع وتطويره عدة أطراف: جامعة بن غوريون كمؤسسة أكاديمية حاضنة، وشركات تكنولوجيا دولية مثل جوجل وأمازون، بالإضافة إلى وزارات حكومية مثل وزارة الابتكار والتكنولوجيا ووزارة الدفاع.

تداعيات المشروع:

  • عسكريًا: تُطوّر المدينة أدوات ذكاء اصطناعي تستخدم في العمليات العسكرية، ظهر ذلك خلال العدوان الإسرائيلي على غزة بعد أحداث 7 اكتوبر، حيث استُخدمت خوارزميات مثل “Lavender” و”Where’s Daddy” في تصنيف واستهداف الأفراد بشكل شبه آلي، بالإضافة إلى برنامج The Gospel”” الذي تستخدمه إسرائيل في تدمير البنية التحتية المدنية.[8]
  • ديموغرافيًا: يُسهم المشروع في تعميق السيطرة الإسرائيلية على النقب، من خلال استقدام العقول والمستثمرين اليهود، واستقطاب العديد من اليهود للتمركز في تلك المنطقة.
  • دعائيًا: يخدم المشروع السردية الإسرائيلية كدولة “عقلانية” و”حديثة”، ويُستخدم لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، رغم سجلها الحافل بالانتهاكات.

وعليه، فإن “مدينة الذكاء الاصطناعي” في النقب تمثل جزءًا من استراتيجية إسرائيلية لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، مع تركيز خاص على التطبيقات العسكرية والأمنية. فبينما تسعى هذه المبادرة إلى تعزيز الابتكار والتقدم التكنولوجي، فإنها تثير أيضًا مخاوف جدية بشأن الأخلاقيات والضوابط المتعلقة باستخدام هذه التقنيات في النزاعات المسلحة.

*شخصيات إسرائيلية تحت المجهر

موشيه فيجلين: أحد أبرز المنظرين في تيار اليمين الإسرائيلي المتطرف.

رغم خروجه من المشهد السياسي المباشر، لا يزال “موشيه فيجلين”، يُعدّ أحد أبرز المؤثرين في صياغة الفكر اليميني الديني داخل إسرائيل، عرف “فيجلين”، الذي شغل مناصب بارزة في حزب “الليكود” قبل أن يؤسس حركات سياسية مستقلة، برؤيته العقائدية التي تمزج بين القومية المتطرفة والدين، داعيًا إلى فرض السيادة اليهودية الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، ورافضًا أي مشروع لتقسيم الأرض أو قيام دولة فلسطينية.

الفكر والممارسة:

لم يكن “فيجلين”، مجرد مُنظِّر، بل تُرجمت أفكاره إلى مواقف سياسية واضحة أثارت جدلًا واسعًا داخل إسرائيل وخارجها، فقد كان من أوائل السياسيين الذين رفضوا بشكل قاطع “حل الدولتين”، واعتبر أي تنازل للفلسطينيين “خيانة لليهودية والصهيونية”، كما دعا إلى ترحيل الفلسطينيين طوعًا من الضفة الغربية، وطرح خططًا تروّج لتعويضهم ماديًا مقابل هجرتهم.

وفيما يتعلق بالهوية، شدد فيجلين على ضرورة إعادة تعريف الدولة كـ “دولة يهودية دينية”، لا مجرد دولة لليهود، ما يعني تعزيز الشريعة اليهودية كمصدر تشريعي وموجه للسياسات العامة، كذلك رفض “فيجلين”، مبدأ “المواطنة المتساوية” كما تنص عليه القوانين الإسرائيلية الحديثة، معتبرًا أن اليهودي يجب أن يكون له وضع قانوني متفوق داخل الدولة.

التأثير على الساحة السياسية الراهنة:

هذا الإرث الفكري يتجلى بوضوح في سياسات عدد من الوزراء الحاليين المنتمين لليمين الديني، وعلى رأسهم” إيتمار بن غفير”، وزير الأمن القومي، الذي صرّح مؤخرًا: “من حقنا أن نفرض السيادة على كل الأراضي التي أعطانا الله إياها، ولن نتراجع”، وكذلك “بتسلئيل سموتريتش”، وزير المالية ووزير شؤون الاستيطان، الذي أكد: “السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ليست خيارًا سياسيًا بل حقًا تاريخيًا لا يمكن التنازل عنه”. وبذلك يظهر خطاب” فيجلين”، حول الاستيطان باعتباره مشروعًا روحيًا قبل أن يكون ماديًا، في السياسات الحالية لتوسيع المستوطنات وشرعنتها قانونيًا، فضلًا عن تصاعد الأصوات الداعية لطرد سكان فلسطينيين وفرض واقع ديموغرافي جديد بالقوة.

وعليه، فإن العودة إلى فكر” موشيه فيجلين”، ليست مجرد استدعاء لشخصية سياسية سابقة، بل محاولة لفهم البنية الأيديولوجية التي تحكم اليوم ممارسات أهم مراكز القوة داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث أنه يمثل الجسر بين خطاب الماضي الراديكالي، والسياسات التنفيذية الجريئة التي تُطبَّق حاليًا على الأرض.

*معلومة عسكرية

تعمل إسرائيل على إنشاء “مجمع هيئة الاستخبارات العسكرية” الجديد: وهو موجود بالقرب من منطقة بئر السبع على مساحة 2500 دونم وسيستوعب حوالي 14000 موظف، سيضم المجمع الوحدات التكنولوجية والتشغيلية المختلفة في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، التي من المتوقع أن تنتقل إليها في السنوات القريبة القادمة مع الانتهاء من البناء، وذلك لوضع الوحدات المختلفة في قاعدة واحدة مشتركة، والتي ستعتمد على تقنيات جديدة ومتطورة، ستؤدي إلى تحسين الفعالية العملياتيه لقسم الاستخبارات وستتيح تعاونًا واسعًا بين الوحدات.[9]

في هذا السياق، لا يمكن قراءة إعلان إسرائيل عن إقامة مدينة استخباراتية متكاملة في النقب كمجرد خطوة إدارية لنقل مقرات أمنية، بل كتحوّل استراتيجي عميق في بنية المنظومة الأمنية للدولة اليهودية، حيث إن المشروع يهدف إلى دمج شُعب الاستخبارات العسكرية (أمان) ووحدات تقنية واستخباراتية أخرى، ما يُنتج بيئة عملياتية موحدة، تتكامل وتتداخل فيها قدرات التحليل البشري، والاستخبارات السيبرانية، والذكاء الاصطناعي.

يأتي هذا التطور في توقيت بالغ الدلالة ويمكن قراءته على النحو الآتي:

أولًا: إعادة التموضع بعيدًا عن المركز – نقل الثقل الاستخباراتي إلى الجنوب (النقب) له أبعاد جيوسياسية وديموغرافية، منها تعزيز التواجد الإسرائيلي في مناطق يسكنها فلسطينيون (بدو النقب)، ومنح النقب دورًا حيويًا في الأمن القومي.

ثانيًا: التصدي لتحديات المستقبل – المشروع يستشرف نوع التهديدات القادمة، سواء من إيران، أو التنظيمات العابرة للحدود، أو حتى من الجبهة الرقمية (الهجمات السيبرانية)، لذا فهو يقوم على بنية تحتية ذكية تدمج الأمن التقليدي بالتحول التكنولوجي.

ثالثًا: دلالة نفسية داخلية وخارجية في قلب حرب غزة، ترسل إسرائيل رسالة ضمنية بأنها قادرة على التخطيط بعيد المدى، وغير مرهونة بتوقيت الأزمة، بل ترى أن إدارة الصراع لا تتعارض مع بناء القوة.

*عمليات الموساد

إيلي كوهين ووثائقه: من عمليات التجسس التاريخية إلى الأبعاد السياسية الراهنة.

يُعدّ “إيلي كوهين”، أحد أشهر عملاء الموساد في تاريخ إسرائيل، وتعتبر قصته رمزًا للعمل الاستخباراتي الإسرائيلي، وبطلًا قوميًا في إسرائيل، حيث تمكن من التسلل إلى أوساط النخبة السياسية والعسكرية السورية وجمع معلومات استخباراتية حاسمة ساهمت في تفوق إسرائيل خلال حروب لاحقة، لاسيما حرب 1967م، بالرغم من القبض عليه وإعدامه، ظل إرثه رمزًا للاستخبارات الإسرائيلية وذكاء الموساد.

وفي ظل الحديث عن عمليات الموساد، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في مايو 2025 عن “عملية استخباراتية معقدة” نفذها جهاز الموساد –حسب الرواية الإسرائيلية- أسفرت عن استعادة أرشيف الجاسوس الإسرائيلي “إيلي كوهين” من سوريا، في خطوة وُصفت بأنها إنجاز استخباراتي أمني كبير يعكس استمرار قدرات الموساد على اختراق مناطق العدو وجمع معلومات عالية الدقة والحساسية حتى بعد عقود.[10]

غير إن تقارير إعلامية غربية وعربية، من بينها ما نشرته وكالة رويترز، قدمت رواية مغايرة تمامًا، إذ أفادت بأن القيادة السورية الحالية، بقيادة الرئيس “أحمد الشرع”، وافقت على تسليم الوثائق الخاصة بالجاسوس الإسرائيلي “ايلي كوهين” كجزء من تفاهمات غير معلنة تهدف إلى إبداء مرونة في المواقف تجاه إسرائيل وفتح قنوات تواصل معها برعاية أميركية.[11]

هذا التباين في السرديات يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل كانت العملية بالفعل نتيجة عمل استخباراتي بحت نفذه الموساد داخل العمق السوري، أم أن ما جرى كان أشبه بـ “نقل سياسي آمن” لوثائق تاريخية، تمت بموافقة وغطاء رسمي سوري؟

في هذه الحالة، يُنظر إلى تبني جهاز الموساد للعملية بشكل كامل وتقديمها كإنجاز خاص به على أنه توظيف سياسي للحدث، الهدف منه تعزيز هيبة الجهاز في الداخل. فضلًا عن تعزيز صورة إسرائيل كقوة استخباراتية لا تُقهر، حتى وإن كانت الحقيقة أبعد ما يكون عن هذه البروباجندا وتشير إلى مساعدات أو تفاهمات دولية لعبت الدور الحاسم.

وعليه، فإن استخدام إسرائيل لوثائق إيلي كوهين في الوقت الراهن وتوظيفها السياسي لهذا الإرث الاستخباراتي التاريخي يُعدّ من قبيل الاستعراض الدعائي، بما يعكس رغبة واضحة في تعزيز صورة جهاز الموساد كجهة أمنية ذات قدرة على جمع المعلومات وتنفيذ العمليات الاستخباراتية.

الخاتمة: هكذا تتقاطع خيوط السياسة والأمن والاقتصاد في إسرائيل لتشكّل مشهدًا متشابكًا ومعقدا يعبّر عن مرحلة ما بعد الحرب، مرحلة تُختبر فيها قدرة المؤسسة الإسرائيلية على الصمود داخليًا، والمناورة خارجيًا، وبينما تستعرض تل أبيب قوتها في الميدان، وتستثمر في الذكاء الاصطناعي والمشاريع المستقبلية، يبقى الوعي العربي أمام تحدٍ دائم لفهم ما وراء الخبر، والتعامل مع الواقع الإسرائيلي لا كخصم عابر، بل كمنظومة تتجدد وتتسلح بالرؤية قبل السلاح.


[1] אייכנר, צימוקי, נתניהו בחר באלוף דוד זיני לראש השב”כ. היועמ”שית: חשש שרה”מ בניגוד עניינים, ידיעות אחרונות, 22 מאי, 2025.

[2] אזולאי, חילאי, האופוזיציה מתקשה להילחם בממשלה – ונערכת לבחירות: הסיבות ומאבקי הכוח, ידיעות אחרונות, 13 מאי 2025.

[3] כך נראה מבצע ‘מרכבות גדעון’ בעזה – תיעוד מהשטח, ערוץ 7, 23 מאי 2025.

[4] איסקנדר חביבולין, במקביל למו”מ בדוחא, צה”ל הודיע: החלה פעולה קרקעית במסגרת מבצע “מרכבות גדעון”, ידיעות אחרונות, 18 מאי 2025.

[5] יובל לקח, המשק הישראלי צמח ב-3.4% ברבעון הראשון של השנה, דבר, 18 מאי 2025.

[6] בועז בן נון, קפיצה חריגה באינפלציה – עלתה לקצב שנתי של 3.6% באפריל; התמתנות בעליית מחירי הדיור, גלובס, 15 מאי 2025.

[7] יואל צפריר, “להפוך את באר שבע לבירת ה־AI של ישראל”, המרקר, 27 במרץ 2025.

[8] Yuval Abraham, Democracy Now, Lavender & Where’s Daddy: How Israel Used AI to Form Kill Lists & Bomb Palestinians in Their Homes, APRIL 05, 2024.

[9] קריית המודיעין – היא הבית החדש של יחידות אגף המודיעין, אתר צהל, תועד ב 24 מאי 2025.

[10] רויטרס: אל-ג’ולאני מצא את הארכיון של אלי כהן – והעביר אותו לישראל כמחווה, ידיעות אחרונות, 20 מאי 2025.

[11] Al-Khalidi, Azhari, Exclusive: Syrian leadership approved return of dead spy archive to Israel, sources say, Reuters, May 20, 2025.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى