ترجمة

مشروع حالة العلم: “السرية في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية”

إعداد: شهد أسامة أبوسعده – باحثة مشاركة بالمشروع.
إشراف ومراجعة: د. لبنى غريب عبد العليم مكروم – مدرس العلوم السياسية بجامعة السويس ومدير المشروع.

الملخص:-

شهدت الدراسات المتعلقة بالسياسة والسرية في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. يبدأ هذا المقال بتقديم لمحة عن هذه الأدبيات البحثية، حيث يقوم بتحليل الظروف التي تجعل القادة يختارون السرية في المجالات الاقتصادية والأمنية. وتختلف دوافع السرية بشكل كبير بناءً على نوع الجمهور المستهدف، سواء كان داخلياً، دولياً أو من القطاع الخاص. بعد ذلك، يناقش المقال التحديات المنهجية المتعلقة بدراسة السرية، لا سيما في ما يتعلق بكيفية قياسها. في الختام، يعرض المقال الدروس المستفادة من هذه الدراسات ويطرح بعض الأسئلة المثيرة التي يمكن للباحثين استكشافها في المستقبل. وفي ظل كونه مجالاً ناشئاً في حقل العلاقات  الدولية، يعد موضوع السرية مصدراً واعداً للعديد من الاتجاهات البحثية المثيرة .

ABSTRACT:-                                                                                          

Scholarship on the politics of secrecy in international relations and foreign policy has experienced tremendous growth in recent years. This article begins by providing an overview of this literature, analyzing the conditions under which leaders opt for secrecy in both economic and security domains. These motivations differ greatly depending on whether the presumed audience from which a leader keeps a secret is domestic, international, or corporate in nature. Next, it considers methodological innovations and challenges, particularly in the measurement of secrecy. Finally, it reflects on the lessons learned and discusses some exciting questions that scholars could explore in future research. As a burgeoning field within international relations, the study of secrecy offers a variety of promising and potentially fruitful directions.

الكلمات المفتاحية:-

السرية ، علاقات دولية ، سياسة خارجية

المقدمة:-

تعتمد العديد من الدراسات في العلاقات الدولية على الافتراض بأن الشفافية في السياسة أمر مرغوب فيه. تفسر النظريات الحالية كيف يمكن للشفافية أن تساهم في معالجة الفساد والمحسوبية ،وتعزز النظام القائم على القوانين، وتدعم السياسات التي تصب في مصلحة العامة، وتظهر العزيمة ،وتساعد في تجنب النزاعات المكلفة، وتزيد من شرعية الهيئات المحلية والدولية. في الواقع، غالباً  ما ينُظر إلى الشفافية على أنها علاج شامل للعديد من المشاكل .

 يوضح كيهاني( 1984، 1998) في عمله الكلاسيكي ، أن المنظمات الدولية يمكنها تسهيل التعاون من خلال تبادل المعلومات حول سلوك الدول الأخرى، مما يقلل من عدم اليقين بشأن نواياها المستقبلية. غالباً ما ينُظر إلى صعوبة مراقبة سلوك الدول على أنها عائق كبير أمام التعاون. في مجال التعاون البيئي، يشير ميتشل( 1994) إلى أن الأنظمة الدولية تكون أكثر فاعلية عندما يمكن للأطراف الأخرى مراقبة مدى التزام الدول بالقوانين والمعايير الدولية بسهولة، خصوصًا عندما لا تعتمد هذه الأنظمة على الإبلاغ الذاتي. بالمثل، يرى تشايس وتشايس( 1995) في إطار نظريتهما حول التعاون أن الشفافية تعزز الالتزام بالقوانين من خلال تسهيل التنسيق بين الأطراف، وطمأنتهم  بشأن التزام الآخرين، ومنع أي محاولات للتهرب .

تتيح الشفافية  للدول أن تشعر بالثقة في أن المخالفين سيعُاقبون، مما يضمن أن الالتزام بالقواعد لا يدفع الآخرين إلى الغش أو استغلالهم (فينيمور وسيكنك ، 1998). علاوة على ذلك، يرى( بوكانان وكيهاني،  2006) أن الفاعلين الخارجيين يحتاجون إلى الشفافية لمحاسبة المنظمات الدولية، حيث يجب أن يكون هؤلاء الفاعلون على دراية بأفعال المنظمات الدولية من أجل تطبيق العواقب وضمان استمرارية شرعية هذه المؤسسات. وتدعم أبحاث أخرى هذه الأفكار في مجالات محددة؛ على سبيل المثال، يشير جونز وبلِك (2014) إلى أن مشاركة أطراف ثالثة في نزاعات منظمة  التجارة العالمية يمكن أن تعزز شرعية الاتفاقات التي يتوصل إليها الأطراف المتنازعون .

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتوفير المعلومات أن يقلل من تكلفة الصراع. إحدى المبادئ الأساسية في أدبيات التفاوض في الأزمات هي أنه بما أن إرادة الفاعل هي معلوماته الخاصة، يمكنه أن يضللها للحصول على تنازلات من خصومه  (للمعالجة المستفيضة حول الإرادة،  كيرتزر 2016). في كثير من الأحيان، يعتمد هؤلاء الفاعلون على أشكال مختلفة من الدعاية، مثل تكاليف الجمهور المحلي، من أجل تقديم إشارة موثوقة عن إرادتهم (فيرون 1994، 1995). وبالتالي، يمكن أن يؤدي توفير المعلومات إلى تقييد أيدي الدول ويسمح للدول بالالتزام الموثوق به بالعديد من السياسات، مما يمكن أن يمنع مشاكل التوقف، ويشجع على المعاملة بالمثل، ويسمح للدول بتطوير سمعة للامتثال، وإرسال إشارات عن الإرادة، ويسمح للدول بتنسيق العقوبات (كيهاني 1984، ديفيس 2012، كارنيغي 2015؛ مع العلم أن هناك دراسات أخرى، مثل لورد 2012، كولاريسي 2014) ووفقاً لهذه الحجج، فإن الاتجاه في السياسة الدولية كان نحو زيادة الشفافية (تالبرغ وآخرون 2013) . فقد فتحت المنظمات الدولية إجراءاتها وقراراتها للمراقبين الخارجيين، بينما أدت عمليات فك التصنيف المحلية والتسريبات إلى قيام الدول بالكشف عن العديد من الأسرار التي كانت  محتفظة بها لفترة طويلة .

ومع ذلك، تثير هذه الأدبيات تساؤلات حول سبب نشوء السرية في العلاقات الدولية واستمرارها في العديد من المجالات. إذا كانت الشفافية ذات قيمة كبيرة، فلماذا يتم إبقاء العديد من السجلات والإجراءات والنتائج مخفية عن الجمهور المحلي والدول الأخرى وفاعلي السوق؟ ذات صلة، ما تأثير هذه السرية على السياسة الدولية؟ لقد طرحت موجة من الأبحاث الجديدة العديد من الإجابات المثيرة للاهتمام على هذه الأسئلة. علاوة على ذلك، أصبح اختبار هذه النظريات أكثر سهولة بفضل التقدمات التجريبية الحديثة التي فتحت المجال لدراسة السرية أمام العلماء، مما سمح بإجراء  فحوصات أعمق وأكثر دقة للأسئلة المستمرة.

في استعراض هذه الأدبيات، أركز على مفهوم السرية في العلاقات الدولية والشؤون الخارجية . نظرًا لتنوع هذا الموضوع، قمت بتحديد نطاق البحث ليشمل السرية في السياق الدولي فقط. وبذلك ،تناولت الدوافع الداخلية للسرية، ولكن فقط في إطار ارتباطها بالسرية على المستوى الدولي. أستند في ذلك إلى تعريف كارسون( 2020، ص 5) الذي يعتبر السرية “إخفاء المعلومات عن جمهور أو أكثر بشكل متعمد.” يمكن تصور السرية كعملية متدرجة بناءً على الجهد المبذول للحفاظ على سرية المعلومات، حيث يتراوح الأمر من غياب الشفافية البسيط إلى استخدام بنية تحتية معقدة للسرية ، مثل التشفير، التصنيف، أو فرض عقوبات على من يقوم بالكشف عن المعلومات .

تتضمن الأعمال السرية مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل الدعاية، العمليات السياسية، الإجراءات الاقتصادية، أو الأنشطة شبه العسكرية، بينما قد تتضمن المعلومات السرية اتفاقات موقعة سرًا بين الدول أو المراقبة السرية لتلك الاتفاقات  . السرية يمكن أن تتخذ عدة أشكال [1] ، بما في ذلك السرية المكشوفة (حيث تكون الحقائق معروفة ولكن لا يتم الاعتراف بها علناً؛ بيرينا 2014)، شبه السرية (حيث يتم دمج السرية الرسمية مع التسريبات والإفصاح الانتقائي والوعي العام الفعلي؛ بنكَا وكوين 2018) ، التمويه ( حيث يتم تعتيم أو غموض المعلومات؛ كونوُ 2006) ، والخداع (حيث يتم تحريف  المعلومات عمدًا؛ ميرشايمر 2013، شوسلر 2015) .

المنطق الذي يحكم استخدام السرية والتوقعات التجريبية التي تنبثق عنها يختلف بشكل كبير بناءً على الجهة التي يتم إخفاء السر عنها. لذلك، أرتب المراجعة من خلال تصنيف أسباب اختيار القادةللسرية إلى ثلاث فئات استنادًا إلى الجمهور الذي يسعون لإبقائه في الظلام: الجمهور المحلي، الدول الأخرى، أو الفاعلين في الأسواق. عندما يكون الجمهور هو الجمهور المحلي، تشمل دوافع القادة لذلك رغبتهم في تنفيذ سياسات غير شعبية، منع التصعيد، التوصل إلى تسويات، إرسال إشارات، وتجنب زعزعة الاستقرار. عندما يخُفى السر عن الدول الأخرى، يكون ذلك في الغالب جزءًا من محاولة لتحقيق ميزة تكتيكية، الحفاظ على المعايير، أو حماية الأمن. أخيرًا، عندما يكون الجمهور مكوناً من الفاعلين في الأسواق، يكون القادة عادة مدفوعين برغبتهم في حماية التجارة والاستثمار. أتناول كل منطق على حدة، ثم أناقش التحديات والتطورات في دراسة هذا الموضوع  من منظور تجريبي، وبعدها أقدم اتجاهات واعدة للبحوث المستقبلية .

 السرية عن الجمهور المحلي

تعتبر إحدى النظريات الشائعة في الأدبيات المتعلقة بالسرية في العلاقات الدولية أن الدول تعتمد على السرية عندما تتوقع أن يعارض جمهورها المحلي أفعالها. بناءً على هذه الفكرة، تحدد الأدبيات العديد من الظروف التي تدفع الدول إلى اختيار السرية. من بين هذه الظروف، يمكن الإشارة إلى رغبة الدول في تنفيذ سياسات غير شعبية، منع التصعيد، التوصل إلى تسويات، إرسال رسائل  محددة، والحفاظ على الاستقرار الداخلي .

تنفيذ السياسات غير الشعبية

يعتقد الكثيرون أن القادة يخفون المعلومات عن شعوبهم لتجنب ردود الفعل السلبية التي قد تنشأ عندما لا يوافق الجمهور على تصرفات القائد أو سياساته. بعض العلماء يرون أن السرية ضرورية لتجاوز الرأي العام من أجل تنفيذ سياسة خارجية فعاّلة (مورغنثاو 1948، كراسنر 1978)، بينما يعتقد آخرون أن الحكومات تستخدمها لتحقيق مصالحها الخاصة (داونز 1967).

 يعتقد هؤلاء العلماء في كلتا الحالتين، أن الحكومات تستخدم السرية للتلاعب بالرأي العام من أجل خلق دعم للسياسات التي قد لا تحظى بتأييد شعبي لو كانت مكشوفة. على سبيل المثال، قد يدفع القادة خصومهم سراً للقيام بالهجوم أولاً لتبرير شن حرب )رايتير 2012(. العمل في السر قد يساعد القادة على الحفاظ على “الإنكار المعقول” حتى لو تم تسريب المعلومات، أو يمكنهم إلقاء اللوم على دول أخرى )أورورك 2018(. كما قد يتصرف القادة علناً، ولكنهم يخفون معلومات هامة عن الجمهور لأنهم يعلمون أن السياسة ستكون غير شعبية إذا فهم الجمهور كل تفاصيلها (ديسش 2002، شوسلر 2010).

استنادًا إلى هذه الرؤى، قام الباحثون في هذا المجال بتحليل المكان الذي تختاره الدول لتنفيذ الأعمال السرية، والتفاوت حسب نوع النظام السياسي أو الحكومة المنقسمة، والمنطق المستخدم في التهديدات مقابل التطمينات، وما إذا كان القادة قد يختارون ربط أيديهم لمنع الأعمال السرية. فيما يتعلق بالمكان، بينما قد تتخذ الأعمال السرية أشكالاً متعددة، يركز الجزء الأكبر من الأبحاث الحالية  على العمليات العسكرية السرية. ومع ذلك، هناك استثناء مهم يتمثل في دراسة لـ دريه وآخرين (2018) الذي يقدم مفهوم أنظمة الإدخال والإخراج للحفاظ علي السرية، حيث انه يتمحور حول  بأنه هناك دولًا مثل الولايات المتحدة تلجأ إلى توجيه المساعدات الخارجية عبر المنظمات الدولية عندما تواجه معارضة من الرأي العام، مما يتيح لهذه المنظمات تنفيذ “الأنشطة المثيرة للجدل” بالنيابة عن الدولة. في المقابل، عندما لا توجد معارضة، تقدم الولايات المتحدة المساعدات بشكل ثنائي وبشفافية أكبر. تقوم هذه النظرية بتوسيع وتطوير الأبحاث السابقة التي أظهرت أن الولايات المتحدة تستخدم المنظمات الدولية لإجراء صفقات سرية، مع الإشارة إلى أن هذه الدراسات لم تتناول بشكل كافٍ العوامل التي تحدد اختيار القادة بين السياسات السرية والمعلنة. (دريهر وجنسن 2007 ،فريلاند 2011،دريهر وآخرون 2008،2009 ، فريلاند ودريهر 2014).

لقد نظر الباحثون أيضًا في ما إذا كانت هذه القيود الداخلية تختلف باختلاف نوع النظام السياسي. على سبيل المثال، يعتقد بعض الباحثين أن القادة قد يتمكنون من تجنب تكاليف الجمهور بسهولة أكبر في الأنظمة غير الديمقراطية، بينما يرى آخرون أن القادة يمكنهم إخفاء المعلومات والأنشطة بسهولة مماثلة في الديمقراطيات (داونز 2009، براون وماركم 2011).قد يكون القادة الاستبداديون أكثر مساءلة من القادة الديمقراطيين لأن لديهم ائتلافات أصغر يمكنها مراقبتهم  ومعاقبتهم بسهولة أكبر، مما يمنعهم من استخدام السرية (براون وماركم 2011) .

وقد ركز بعض الأبحاث الحديثة بشكل خاص على تكاليف الجمهور في الديمقراطيات. أظهرت أدبيات السلام الديمقراطي أن الجمهور المحلي في الديمقراطيات لا يوافق على التدخل العسكري في ديمقراطيات أخرى( دويل 1986، روسيت 1994، تومز وويكس 2013). ومع ذلك، يطرح هذا

سؤالاً مهمًا في سياق الأنشطة السرية: هل تقوض كثافة الأعمال السرية التي تقوم بها الديمقراطيات ضد ديمقراطيات أخرى فكرة وجود معيار للسلام الديمقراطي؟ بينما يرى بعض الباحثين أن هذا هو الحال (فورسيت 1992، جيمس وميتشل 1995، رايتر وستام 2002، كيم 2005، داونز وليللي 2010، أورك 2018)، يرى آخرون أن الأعمال السرية ضد الديمقراطيات الأخرى تمثل في الواقع دليلًا لصالح السلام الديمقراطي. على سبيل المثال، يفرض روسيت (1994) فرضية مفادها أن القادة يعتمدون على الأعمال السرية ضد الديمقراطيات لتجنب رد الفعل السلبي الذي قد ينجم عن انتهاك هذا المعيار. وقد وجد دليلًا على هذه الحجة من خلال مجموعة من دراسات الحالة التي تعتمد على الولايات المتحدة. وفي المقابل، يرى بوزنانسكي( 2015) أن الأعمال السرية ليست بالضرورة غير متوافقة مع السلام الديمقراطي، لأن الدول الديمقراطية تستهدف الديمقراطيات الأخرى باستخدام القوة السرية عندما تتوقع أن تلك الديمقراطيات قد تنزلق نحو الاستبداد، وبالتالي تعامَل كأنها أنظمة سلطوية في الوقت الحالي . يحول سميث( 2019) التركيز من التفاوتات المرتبطة بنوع النظام السياسي إلى التفاوتات الناتجة عن الانقسامات بين فروع الحكومة. ومن خلال التركيز على الكونغرس بشكل خاص، يشير سميث إلى أنه حتى عندما تنُفذ السياسات بشكل سري، يمكن للكونغرس التحقيق فيها، ولا يزال القادة يواجهون خطر رد الفعل السلبي الذي قد ينجم عن التسريبات. وبالتالي، تتنبأ هذه النظرية بأن قرار القائد في اختيار العملية السرية لا يعتمد على ما إذا كان يواجه معارضة من الكونغرس. في الواقع، تشير التحليلات الإحصائية إلى أنه لا يوجد  تأثير للحكومة المنقسمة على قرار القادة باختيار العمليات السرية .

ينتقل بعض الباحثين بعيدًا عن دراسة تكاليف الجمهور التي تنشأ نتيجة الأعمال التي تهدف إلى الإضرار أو تحدي دول أخرى، ليبحثوا بدلاً من ذلك في التكاليف الناتجة عن تقديم التطمينات. على سبيل المثال، يتساءل مكمانوس ويارهي-ميلو( 2017)عن سبب دعم الدول لدول أخرى – سواء كان ذلك لردع الأذى أو لتقديم التطمينات – باستخدام السرية. يجادلون بأن الجمهور المحلي في الديمقراطيات لا يحب دعم الأنظمة الاستبدادية لأن ذلك يعد نفاقاً؛ ولذلك، تساعد الديمقراطيات مثلالولايات المتحدة الأنظمة الاستبدادية بشكل سري. وهم يظهرون أن الديمقراطيات تكون أكثر  احتمالاً لتلقي دعم علني من الولايات المتحدة .

الاستنتاج الذي مفاده أن القادة يختارون الأعمال السرية عندما يعارضها بعض شرائح الجمهور يثير السؤال عن متى قد يقوم القادة بتنفيذ إصلاحات لربط أيديهم، مما يمنعهم من اتخاذ إجراءات تتعارض مع مصلحة الجمهور. )بالطبع، قد لا يكون الجمهور جهة واحدة موحدة، فقد يستفيد البعض وقد يخسر البعض الآخر من أي إجراء معين؛ وبالتالي، قد يختلف التأييد بين الأفراد( .

يجادل سبانييل وبوزنانسكي( 2018) بأن مثل هذه الإصلاحات قد تجعل القادة أكثر مسؤولية أمام الجمهور، ولكن القادة يترددون في اتخاذها لأنها تقيد استقلاليتهم. ويعتقدون أنه إذا كانت تكلفة كشف الأنشطة السرية – سواء من خلال التسريبات أو المبلغين – مرتفعة بسبب الاستنكار بين الجمهور المحلي، ووسائل الإعلام، والكونغرس، فإن التنفيذيين سيقومون بالالتزام بإصلاحات بشكل موثوق. وقد قدموا هذا الجدل باستخدام نموذج رسمي بالاشتراك مع دراسة حالة من فترة  الحرب الباردة .

منع التصعيد

 قد يدفع القادة  سبب آخر لإخفاء أفعالهم عن الجمهور المحلي هو منع التصعيد غير المرغوب فيه . لقد أدرك العلماء، بدءًا من فون كلاوزفيتز (1956) إلى شيلينغ(  1966) إلى جورج وسموك (1974)، التحدي المتمثل في الحد من التصعيد أثناء الحروب، خاصة بسبب صعوبة تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول القدرات والأهداف. توسيعاً لهذه الملاحظات، تسعى الدراسات الحديثة إلى توضيح الحالات التي يختار فيها القادة السرية خلال الصراع. على سبيل المثال، يعتقد كوريزاكي( 2007) أن القادة يختارون العمل في الخفاء عندما تكون آثار التهديدات العلنية أكثر ضررً ا من الآثار الإيجابية للمعلومات التي يتم الكشف عنها. يضيف بحث كوريزاكي مفهوم “تكاليف الجمهور” إلى الإطار النظري عن طريق إضافة تكاليف على الجمهور المستهدف. ثم يظهر البحث أن السرية توسع نطاق نتائج التفاوض من خلال نموذج رياضي، مع مقارنته بدراسة  حالة تاريخية .

علاوة على ذلك، يقدم كارسن( 2020)نظرية جديدة للسرية مستندة إلى الأدبيات في مجالي السوسيولوجيا وعلم النفس، حيث يعتقد أن القادة قد لا يختارون السرية فقط، بل قد يتعاونون أيضًا مع خصومهم لتقليل التصعيد. قد يخشون الضغوط الداخلية لتصعيد النزاع أو لدعم حليف، وبالتالي يختارون الحرب المحدودة، والتي تتطلب من كل طرف أن يتجنب استغلال ضبط النفس من الطرف الآخر والتصرف ضمن حدود معينة. ومن ثم، تسمح السرية بما يسُمى بـ “تقليل التحديات” و”تخفيف الالتزامات”. يتم تقديم دليل على هذا التعاون الضمني من خلال دراسات حالة مثيرة  تغطي خمس صراعات رئيسية من القرن العشرين (بعضها يظهر أيضًا في كتاب كارسن 2015).

في النهاية، يجادل كارسن بأن التعاون الضمني يصبح أكثر احتمالاً عندما تكون تكلفة أو خطر التصعيد مرتفعاً، وهو ما يعتمد على التكنولوجيا العسكرية، الضعف الداخلي، تدخل القوى الكبرى، والتحالفات. بالإضافة إلى الإطار النظري الجديد، يقدم كتاب كارسن( 2020) نموذجًا مفيدًا حول كيفية استفادة العلماء من التخصصات الخارجية مثل السوسيولوجيا وعلم النفس للتفكير في مسألة السرية.[2] .

 تحقيق صفقات

تشُير مجموعة أخرى من الأدبيات إلى أن السرية تلعب دورًا مهمًا في تحقيق التعاون، حيث أن التوصل إلى صفقة يتطلب ربط قضايا متعددة بهدف توسيع مساحة التفاوض بما يكفي. في الواقع ،أظهرت العديد من الدراسات أن ربط القضايا يحفز التعاون بشكل فعاّل ( ديفيس 2004، بوست 2012). ومع ذلك، إذا كانت الشفافية الكاملة سائدة في المفاوضات، فإن الجمهور المحلي قد يقوم بتحريك الضغوط ضد كل نقطة على حدة، مما يؤدي إلى تقويض الصفقة قبل أن يتم الكشف عن فوائدها بشكل كامل (كوريمنوس وآخرون 2001). ونظرًا لأن المعاهدات تتُفاوض بين الدول ولكنها يجب أن تعُرض أيضًا على الجمهور المحلي، فإن السرية تتيح للدول أن تتلاعب بهذه الفئات ضد بعضها البعض. إذا تم التفاوض على الصفقة في الخفاء، يمكن لكل طرف أن يعود إلى بلاده  ويعلن أنه حقق نتيجة مواتية (ستاسافاج 2004، بوش وريينهاردت 2006، جونز وبلش 2016).

يطُور ستاسافاج (2004) هذه النقطة بشكل أكثر تفصيلًا من خلال تقديم نموذج رياضي يقارن بين نتائج المفاوضات التي يتم فيها مشاهدة الجمهور للمفاوضات بين ممثلي بلدين، وبين تلك التي تتم في غياب الشفافية. يبين ستاسافاج أنه بينما قد تحفز الشفافية الممثلين المتحيزين لتكييف مواقفهم مع تفضيلات الجمهور، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى أن يتخذ الممثلون مواقف متصلبة ومبالغ فيها لجذب دعم الجمهور. في الواقع، فإن هذا النوع من المواقف الاستعراضية يقلل من احتمالية الوصول إلى  حلول وسط والتعاون الناجح .

تظهر هذه الفكرة بوضوح في بعض التطبيقات المحددة. على سبيل المثال، يظهر مونييه( 2005) أنه خلال جولة كينيدي في الاتفاق العام للتعريفات والتجارة( 1964-1967)، حافظ المفاوضون من المجتمع الأوروبي على موقف تفاوضي غير مرن إلى حد كبير نتيجة لتسريبات التعليمات الصارمة التي تم تكليفهم بها. بالمثل، يعتقد بوش وريينهاردت( 2006) أن إشراك أطراف ثالثة في قضايا منظمة التجارة العالمية يمكن أن يدفع الأطراف المتنازعة إلى اتخاذ مواقف استعراضية ،بسبب الحوافز التي تدفعهم إلى إظهار التزامهم بالعملية التفاوضية أمام الأطراف الثالثة. ويلاحظون أن مشاركة الأطراف الثالثة تقلل من فرص التوصل إلى تسويات مبكرة وتزيد من احتمالات إصدار قرارات من لجان رسمية. كما وجدت دراسة [3]هافنر-بورتون وفيكتور( 2016) ويجدون أيضا أن إبقاء نتائج المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار سرية يمكن أن يقلل من التصريحات العامة وبالتالي يقلل من انهيار المفاوضات.

تختار الدول في كثير من الأحيان المنتديات الخاصة للتفاوض أو الوساطة السرية. تساعد هذه المنتديات في تقليص عدد المصالح التي يجب تسويتها. على سبيل المثال، عادةً ما تبقى المعاهدات سرية حتى يتم التفاوض على كامل الوثيقة، وبعد ذلك يمكن للممثلين الحكوميين العودة إلى بلادهم والمطالبة إما بالموافقة على الاتفاقية بالكامل أو رفضهاومع ذلك، لا يكون من الممكن دائمًا الحفاظعلى هذه السرية. يدرس كل من كاسل وبلِك (2019) عواقب تسريب المعلومات السرية إلى العلن ،حيث يريان أن التسريبات تمنح الجمهور المحلي الفرصة للتحرك من أجل تحقيق السياسة التي يفضلونها. وبالتالي، تعُتبر التسريبات استراتيجية، حيث يسعى المسربون إلى تحفيز الجمهور المحلي. لكن غالباً ما تكون التسريبات ناقصة من حيث المعلومات، مما يحرم الحكومة من فرصة إتمام الصفقة. وقد وجد الباحثان أن المعاهدات التي يتم تسريبها تتلقى تغطية سلبية أكثر مقارنةً بتلك التي تنُشر رسمياً. يعتمد بحثهم على بيانات جديدة حول 120 تسريباً لاتفاقيات تجارية، ويكتشفون أن هذه التسريبات تكون في الغالب ذات طابع دفاعي، حيث يحاول المسربون تقليص حجم  الالتزامات المتفق عليها، وغالباً ما تحدث في مجالات قانونية غير مستقرة .

يمتد العديد من العلماء إلى هذه الفكرة لطرح تساؤلات حول العواقب التوزيعية للتفاوض الخاص مقابل التفاوض العام. على سبيل المثال، في سياق منظمة التجارة العالمية، يجادل جونز وبلِك (2014) بأن الشكاوى تتضرر من المشاركة الأطراف الثالثة، حيث أن هذه الأطراف تصر على ضرورة تقاسم المكاسب الخاصة من التسويات المبكرة، بينما يستفيد المدعى عليهم لأن الشفافية تقلل من التحديات القانونية المستقبلية والمعارضة للترتيبات التمييزية التي تم التوصل إليها من خلال المفاوضات الخاصة. وبالمثل، وجد كوتشيك وبلِك (2016) أن نتيجة التفاوض تميل لصالح الشاكي في المفاوضات الخاصة، رغم أن الأطراف الثالثة تساعد في جعل النتيجة أقل تمييزًا. لا  يزال هذا المجال مفتوحًا للبحث المستقبلي، خاصة في السياقات التي تتجاوز التجارة .

 إرسال الإشارات

تفترض الكثير من الأدبيات المتعلقة بالسرية في العلاقات الدولية أن المعارضة الداخلية لسياسة معينة تكون ضارة بالقائد، وبالتالي يتصرف القائد بشكل سري. في هذا السياق، يفُترض أن القائد يكون مقيدًا في قدرته على إرسال الإشارات، حيث يمكنه التراجع أو تغيير مساره دون أن يواجه تكاليف من الجمهور. تعُتبر تكاليف الجمهور عمومًا الآلية التي تفرض على القادة الوفاء بوعودهم وضمان مصداقيتهم (فيرون 1994، سميث 1998، شولتز 2001، تارار وليفينتولغو 2013). في غياب هذه التكاليف، يكون لدى القادة حوافز لتقديم معلومات مضللة أو الكذب، مما يؤدي إلى  مشكلات في المصداقية .

تم تحدي هذه الأدبيات من خلال أبحاث تعارض أهمية تكاليف الجمهور في المجال العام (سنايدر وبورغارد 2011، داونز وسيشسر 2012، تراختنبرغ 2012)، مما يشير إلى أن مصداقية القائد لا تختلف بشكل كبير بين المجالين. ومع ذلك، ظهرت أدبيات جديدة في الآونة الأخيرة تتحدى هذه الأفكار، حيث تفترض أن تكاليف الجمهور مهمة في كلا المجالين، لأن تهديد هذه التكاليف في المجال السري يمكن أن يقيد حرية القائد في اتخاذ قراراته (يارحي-ميلو 2013ب). وبالتالي، يمكن للدول استخدام المجال السري لإرسال إشارات إلى دول أخرى من خلال التهديد بالكشف عن هذه  السياسات للجمهور المحلي .

 يتساءل يارهي-ميلو( 2013ب) علي سبيل المثال، عن الظروف التي قد تلجأ فيها الدولة إلى تقديم ضمانات سرية، ويشدد على أنها تفعل ذلك عندما يكون هناك معارضة من الرأي العام المحلي. قد تنشأ هذه المعارضة نتيجة لتاريخ متأزم، أو اختلاف في الأيديولوجيات، أو خوف من الخصم، أو النفور من السرية نفسها. في هذه الحالة، تصبح الضمانات أكثر مصداقية لأن الخصم يستطيع الكشف عنها إذا لم تنُفذ الاتفاقات. كما يمكن أن يتم تسريب الضمانات بشكل مستقل، ولكن إذا اختارت الدولة تقديم ضمان رغم هذه الإمكانية، فإن ذلك يعكس رغبتها القوية في التعاون واستعدادها لتحمل المخاطر. يستخدم يارهي-ميلو( 2013ب) دراسات حالة من الولايات المتحدة  وإسرائيل لدعم مصداقية هذا الطرح .

حتى في حال عدم واقعية التسريبات، قد يظل القادة يطلقون تهديدات ذات مصداقية في المجال الخاص، لأنهم يقدرون سمعتهم في أعين الدول الأخرى التي تراقب ما إذا كانوا سيتابعون تنفيذ هذه الإجراءات. كما يظهر من التحليل الرسمي، قد يؤدي التهديد الكاذب إلى عرقلة الدولة في تحقيق أهدافها في التفاعلات المستقبلية، وقد يحد من قدرتها على التواصل بفعالية (غويزينجر وسميث 2002؛ سارتوري 2002، 2013؛ كوريزاكي 2007؛ رامساي 2011). بالإضافة إلى ذلك، كما يشير كارسون ويارهي-ميلو (2017)، فإن الأنشطة السرية لا تكون عادةً سرية بالكامل؛ بل قد تراقبها دول مثل الخصوم الذين يمتلكون قدرات استخباراتية، أو الحلفاء الذين يشكلون شركاء مهمين. وبالتالي، يمكن أن تشير الأعمال السرية إلى عزم الدولة على المضي قدمًا بسبب التكاليف غير القابلة للاسترداد، والمخاطر المرتبطة بالتصعيد، والمخاطر السياسية الداخلية المترتبة على هذه الأعمال. وفي النهاية، يعتمد الخيار بين استخدام الأساليب السرية أو العلنية على القيود التي  يواجهها القائد .

علاوة على ذلك، بدلاً من التركيز على نية القادة في الإشارة إلى المجال السري، يتساءل يارهي-ميلو( 2013أ) عن كيفية تلقي هذه الإشارات. بناءً على الأدبيات التي تظهر أن الإشارات غالباً ما يتم تفسيرها بشكل خاطئ (جيرفيس 1976)، يارهي-ميلو يبين أن كيفية تفسير القادة للمعلومات السرية تعتمد على معتقداتهم السابقة حول عدوانية الخصوم، ومعتقداتهم بشأن العلاقة بين السلوك والخصائص، والتفاعلات الشخصية. وعلى النقيض من ذلك، تقوم البيروقراطيات الاستخباراتية  بتشكيل معتقداتها بناءً على القدرات العسكرية للدول الأخرى .

تعتمد هذه الدراسات أساسًا على أساليب دراسات الحالة، جزئياً بسبب صعوبة جمع بيانات منهجية حول التفاعلات السرية. ومع ذلك، يقدم كاتاجيري و مين( 2019) اختبارًا إحصائياً مبتكرًا لفحص مدى فعالية الإشارات الخاصة مقابل العامة من خلال جمع 18,000 وثيقة من أزمة برلين. تشمل هذه البيانات كلا النوعين من الإشارات من الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية إلى الولايات المتحدة ،مما يتيح لهم تصنيف تقييم الولايات المتحدة لمستوى التهديد. وقد وجدوا أنه رغم أن أياً من نوعي الإشارات لم يكن له تأثير كبير على تصورات التهديد، فإن التصريحات الخاصة كانت أكثر تركيزًا وبالتالي أكثر فاعلية. ويؤكدون أنه نظرًا لأن التصريحات الخاصة يمكن أن توُجه إلى جمهور  معين، فإنها تعُتبر أكثر مصداقية.

 تجنب زعزعة الاستقرار

أحد الأسباب التي قد تدفع لتفضيل السرية على كشف المعلومات التي يعارضها الجمهور هو أن هذه المعلومات قد تؤدي إلى إثارة العنف. على سبيل المثال، في سياق مراقبة الانتخابات، حيث ينُاط بالمراقبين مهمة التحقق من نزاهة الانتخابات. رغم أن سلطات المراقبين تنبع من قدرتهم على تقييمتدخلات الانتخابات بشكل دقيق، إلا أن هذا قد يحمل عواقب غير مرغوب فيها. فمثلاً، إذا كشف المراقبون أن الحزب الفائز قد ارتكب عمليات تزوير، وأبلغوا الحزب الخاسر بأن مرشحه كان أكثر شعبية مما تعكسه النتائج الرسمية، فقد يحفز ذلك الناس على التحرك. مثل هذا الكشف يمكن أن يشُكل نقطة محورية ويؤدي إلى إعادة تقييم شرعية القائد في أعين الناس. ومع ذلك، قد تتحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف، أو تبقى سلمية لكنها قد تواجه ردود فعل عنيفة( فون بورزيكوسكي 2019أ،ب)، أو قد تؤدي إلى عواقب سلبية أوسع نطاقاً (ليفين 2016) .

تستخدم كايلي( 2009) هذه الفكرة لتؤكد أن المراقبين الانتخابيين قد يوافقون أحياناً على الانتخابات المزورة، رغم أن ذلك قد يعرض مصداقيتهم المستقبلية للخطر، ويمنح شرعية للقادة غير الشرعيين، ويعيق مجموعات المعارضة. على الرغم من أنها تختبر عدة فرضيات، فإن الفرضية الأكثر صلة بهذا السياق هي أن المراقبين يتصرفون بهذا الشكل عندما يشعرون بالقلق من زعزعة استقرار دول أخرى أو من تشجيع الاضطرابات العنيفة في حال كشفهم عن المخالفات.

 قامت كايلي (2009) بفحص ما إذا كان العنف الذي يحدث قبل الانتخابات يمكن أن يكون مؤشراً على تأييد  المنظمات المراقبة، ووجدت أدلة تدعم هذه الفرضية .

قد يتجنب القادة أيضًا مشاركة المعلومات مع المراقبين الدوليين خوفاً من التأثيرات السلبية على الاستقرار، إلا أن هذا التأثير قد يختلف حسب نوع النظام السياسي. على سبيل المثال، يرى هوليير وآخرون0 2015) أن إبقاء المعلومات الاقتصادية سرية عن المنظمات الدولية التي تجمعها—مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة العمل الدولية، والبنك الدولي—يمكن أن يساعد الأنظمة الاستبدادية في الحفاظ على سيطرتها. حيث أن الشفافية تمنح الجميع إمكانية الوصول إلى نفس المعلومات، مما قد يقلل من مشاكل التنسيق ويساعد الجمهور في تقويض الحكام غير المحبوبين. وبالتالي، يمكن أن تؤدي الشفافية إلى احتجاجات قد تزعزع الاستقرار من خلال خلق “توقعات مشتركة حول احتمالية نجاح الحشد الجماهيري”. ومع ذلك، يجد هولييرV   [4]وآخرون( 2018) أن الوضع يختلف في الديمقراطيات، حيث أظهرت الدراسات أن الكشف العام عن البيانات الاقتصادية يعزز الاستقرار في هذه الأنظمة، لأنه يساهم في ضمان محاسبة القادة ذوي الأداء الضعيف في صناديق الاقتراع .

 وهذا يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى وسائل غير قانونية لإقالة قادة لا يحققون نتائج مرضية . الفكرة القائلة بأن المراقبين والدول قد لا يكشفون المعلومات إذا كان ذلك سيؤدي إلى العنف يمكن توسيعها لتشمل مجالات أخرى. على سبيل المثال، قد تكون المخاوف من زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط قد دفعت الولايات المتحدة إلى الحفاظ على سرية الأسلحة النووية الإسرائيلية (كوهين 2013). وبالمثل، قد يكون من الممكن أن يؤدي الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى تحفيز الاحتجاجات، أو أن تسليط الضوء على انتهاكات اتفاقيات السلام قد يؤدي إلى استئناف النزاع العنيف. إذا كان العنف يعد نتيجة محتملة للكشف عن التلاعب أو انتهاكات الاتفاقات في  العديد من المجالات، فقد يكون من المنطقي أيضًا أن يختار المراقبون السرية لتجنب هذه النتائج.

ومع ذلك، قد تتعلق المخاوف من زعزعة الاستقرار فقط في مجالات معينة، مثل تلك التي يتم فيها إخفاء سلوك غير شرعي، مثل تزوير الانتخابات، مقابل السلوك الشرعي، مثل التفاوضات. وهذا  يبقى اتجاهًا للأبحاث المستقبلية .

 أسرار عن الدول الأخرى

عند دراسة متى يختار القادة التصرف بشكل سري أو علني، يضع الباحثون في اعتبارهم أيضًا الدول الأخرى، سواء كانت حلفاء، أعداء، أو حتى الدول المستهدفة في العمليات. وعندما يكون الجمهور المستهدف عبارة عن مجموعة من الدول بدلاً من الأفراد، تظهر توقعات جديدة. بشكل خاص، يرى الباحثون أن استخدام السرية في السياسة الخارجية قد يوفر مزايا تكتيكية، ويسهم في  الحفاظ على الأعراف الدولية، أو يعزز من حماية أمن الدولة .

 الميزة التكتيكية

إخفاء المعلومات عن هدف العملية السرية يمكن أن يقدم عدة مزايا تكتيكية، وهي مزايا معترف بها في الأدبيات البحثية منذ فترة طويلة (مثل أكسلرود 1979، وبيتس 2010). أولاً، يمكن للجهة المنفذة أن تتجنب اللوم في حال فشلت العملية، حيث يمكن تحميل المسؤولية للشركاء في العملية أو ببساطة إنكار أي تورط. من خلال ذلك، قد تقل احتمالات الانتقام، لأن الهدف قد لا يعرف الجهة التي يجب أن يلومها (أورورك 2018)، وهو ما يحدث في بعض الأحيان، على سبيل المثال، في  مجال الأمن السيبراني (غارتزكي وليندساي 2015).

 ثانياً، يمكن أن يساعد عنصر المفاجأة في نجاح التدخل، مما قد يحفز القادة على اختيار السريةالواقع، تحقق الدول مزايا تكتيكية واضحة من خلال الحفاظ على حالة من عدم اليقين بشأن قدراتها ،حتى وإن كانت هذه السرية قد تؤدي إلى اندلاع الحرب (مايرويتز وسارتوري 2008). عندما تحافظ الدول القوية على هذه السرية، يمكنها أن تفاجئ خصومها أثناء الحرب، في الوقت الذي يعتقد فيه هؤلاء الخصوم أن الدولة القوية ضعيفة (سلانتشيف 2010). علاوة على ذلك، قد تكون الفوائد المستفادة من تنفيذ عملية سرية أكبر عندما تنُفذ ضد أنواع معينة من الدول. على وجه الخصوص، قد يؤدي الهجوم على الديمقراطيات علناً إلى رد فعل أقوى، نظرًا لأن الديمقراطيات تواجه قواعد انتخابية أكبر. في المقابل، قد تؤدي العمليات السرية ضد هذه الأنظمة إلى اتفاقية إذا لم يتم كشف العملية (أورورك 2018). مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن السرية غالباً ما تحمل معها عيوباً تكتيكية أيضًا ،فعند تنفيذ عملية سرية، قد يخبر القادة عددًا أقل من صناع القرار عنها، مما يقلل من النصائح والمداخلات التي يمكن أن تقدم. علاوة على ذلك، قد يتم تجنب استخدام الأسلحة  المتطورة وقد تخُفض نطاق العمليات لتجنب الكشف عنها (أورورك 2018) .

 الحفاظ على المعايير

قد يدفع القادة في بعض الأحيان إلى إخفاء انتهاكات القوانين الدولية والأعراف لكي لا يضر الكشف عنها بالإجماع الدولي حول تلك الأعراف. على سبيل المثال، يقترح بوزنانسكي) 2019، 2020( أن ما إذا كانت تصرفات ما ستظل سرية يعتمد على قانونيتها. إذا كان الفعل غير قانوني، فإنه وفقاً لهذه النظرية، قد يؤدي الكشف عن الانتهاك إلى تكاليف من حيث النفاق وفقدان المصداقية بين الحلفاء والدول المتحالفة. ويضيف بوزنانسكي أن القادة يتخذون قرارات علنية عندما يكون لديهم مبرر قانوني يسمح لهم بتبرير تصرفاتهم وفقاً لمبدأ عدم التدخل. لدعم هذه الفكرة، اعتمد  بوزنانسكي( 2020) على أربع دراسات حالة مفصلة .

في أبحاث أخرى حديثة، يشير كارنيجي وكارسن( 2018، 2019) إلى الأدبيات الكبيرة في مجالات علم الجريمة وعلم النفس ليؤكدوا أن المسؤولين عن تنفيذ الأنظمة الدولية يستخدمون السرية بشكل استراتيجي لتجنب الكشف عن انتهاكات قد تضر باستقرار النظام الدولي. الكشف عن هذه الانتهاكات قد يخلق شعورًا بالتشاؤم والتهديد بين الدول الأخرى، مما قد يؤدي إلى مزيد من الانتهاكات. وبالنظر بشكل خاص إلى النظام النووي، يظهر الباحثان أن المنفذين يخفون الانتهاكات عندما تكون الأعراف ضعيفة، وعندما يؤدي الكشف عنها إلى آثار سلبية على دول أخرى، وذلك للحفاظ على استقرار النظام. تم اختبار هذه الفكرة من خلال تحليل متوسط الحجم، مع دراسة حالة لكل نوع من أنواع السرية النووية. وتستند هذه الرؤى أيضًا إلى النموذج الذي قدمه كيد( 2006)، الذي يوضح أنه عندما يفضل المنفذ التعامل مع خيانة فردية بدلاً من خيانة جماعية، قد يختار إخفاء  الخيانة الأصلية لمنع حدوث انتهاكات إضافية .

قد تتجنب المنظمات الدولية أيضًا الكشف عن المعلومات بهدف الحفاظ على الأعراف. على سبيل المثال،  لقد جادل الباحثون بأن منظمة التجارة العالمية تعتمد على “الاقتصاد القضائي”، أي أنها تمتنع عن إصدار أحكام في القضايا المثيرة للجدل بشكل كبير. وبالتالي، قد يُعتبر حجب المعلومات حول ما إذا كانت المنظمة تعتبر تصرفات الشركات أو الدول مسموحة أم لا شكلاً من أشكال السرية. قد تقوم المنظمة بذلك خوفًا من أن تلاحظ الدول مثل هذا الحكم المثير للجدل وتستنتج أن منظمة التجارة العالمية لم تعد تمثل مصالحها، مما قد يدفعها إلى عدم الامتثال لقواعدها. كما قد تحذر بعض الدول الثالثة منظمة التجارة العالمية من أن إصدار حكم قد يؤدي إلى تآكل التوافق القيمي الذي يدعم المؤسسة، وقد تستجيب المنظمة لهذا التحذير حفاظًا على استقرار النظام. (بوش وبيلك 2010). علاوة على ذلك، قد تقوم المحاكم مثل منظمة التجارة العالمية، ومحكمة العدل الأوروبية، والهيئات الدولية الأخرى بتعديل درجة غموض أحكامها أو طريقة تقديمها لضمان  استمرارية الأعراف (غاريت وآخرون 1998، بوش وبيلك 2019) .

على الرغم من أن هذا المجال من البحث قد قدم رؤى متنوعة ومفيدة، إلا أن هناك مسألة مهمة تتعلق بالخلط بين مفهومي الأعراف والقوانين. في ضوء الأبحاث الحديثة التي تبرز الفروق الجوهرية بين المفهومين (بوزاس 2017)، يمكن للباحثين توسيع هذه الدراسات من خلال دراسة كيفية تطبيق أطرهم النظرية على كل من الأعراف والقوانين بشكل منفصل. على سبيل المثال ،يناقش بوزنانسكي( 2019) لماذا قد تؤدي انتهاكات القانون الدولي إلى تكاليف أكبر من حيث النفاق  وفقدان المصداقية مقارنةً بانتهاكات الأعراف .

 حماية الأمن

قد تختار الدول أيضًا إخفاء المعلومات لحماية مصالحها الأمنية. فبعض المعلومات تعتبر حساسة لدرجة أن مشاركتها قد تؤدي إلى عواقب ضارة للجهة التي تكشف عنها. حتى وإن كانت الدولة قد تستفيد من تقديم بعض المعلومات لأسباب أخرى، فقد تختار حجبها ببساطة بسبب حساسيتها. على سبيل المثال، يمكن أن يكون كشف بعض عناصر مصادر وأساليب دولة ما أو خططها وقدراتها الدفاعية الوطنية للمنافسين أمرًا محفوفاً بالمخاطر للغاية ( لمناقشة تاريخ هذا الموضوع، انظر على سبيل المثال، كولاريسي 2014). هذه الفكرة لها تاريخ طويل وتعتبر “إلى حد بعيد، أكثر  التفسيرات قبولاً لسياسة المعلومات الحكومية” (جيبز 1995، ص .214).

 قد طورت الأدبيات الحديثة هذا التفكير واختبرت تداعياته .على سبيل المثال، قام كارنيغي وكارسن (2019أ ،2020)بدراسة تأثير السرية على التعاون الدولي وناقشا أيضًا متى تحدث السرية في المنظمات الدولية. وقد افترضا أن الدول تميل إلى إبقاء المعلومات الحساسة المتعلقة بالامتثال سرية، بما في ذلك المعلومات الاستخباراتية التي قد تكشف عن المصادر والأساليب، وبالتالي تعرض أمن الدولة القومي للخطر إذا تم الكشف عنها. لهذا السبب، تميل الدول التي تربطها روابط شخصية وثيقة وسمعة قوية إلى مشاركة المعلومات الاستخباراتية فيما بينها (براون وفارينغتون 2017). ولا يمكن للدول ببساطة تقديم استنتاجاتها حول امتثال الدول الأخرى للمعايير والقوانين ،لأن لديها حوافز لتحريف معلوماتها أو قد تصل إلى استنتاجات خاطئة (والش 2009، جيرفي 2010، روفنر 2011، يارهي-ميلو 2013أ، براون وآخرون 2019).

ومع ذلك، يظهر كارنيغي وكارسن( 2019أ ،2020) أنه عندما تتمكن المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا من حماية المعلومات الحساسة، يزداد تبادل المعلومات، مما يعزز التعاون في تطبيق القيود النووية ومقاضاة جرائم الحرب. ومع ذلك، يجادلون أيضًا بأن المعلومات هي مصدر قوة، وبالتالي تميل الدول التي تمتلك معلومات إلى الكشف عن الأدلة المجرمة ضد خصومها ولكنها لا تكشفها ضد حلفائها (على الرغم من أن هذا التبادل الانتقائي قد يجعل انتقاد الحلفاء أكثر فاعلية  عندما يحدث؛ داي 2002، ترمان وفويتن 2018) .

كو وفاينمان (2020 ) استخدما فكرة المعلومات الحساسة لدراسة سبب قلة وجود اتفاقيات أكثر للحد من الأسلحة. وقد أجابا بأن الدول تحتاج إلى آلية مراقبة للوصول إلى مثل هذه الاتفاقيات ،ولكن ليس بقدر من المراقبة التي قد تهدد أمنها. يعُتبر إفشاء مثل هذه المعلومات حساسًا، لأنه قد يكشف القدرات العسكرية لدول أخرى. وقد قدما حجتهما باستخدام ثلاث دراسات حالة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى جانب نموذج رسمي .  علاوة على ذلك، وبالارتباط مع المناقشة السابقة حول الميزة التكتيكية، يظهر ليندسي( 2015) وسلانتشيف( 2010) أن الدول غالباً ما تحجب قوتها العسكرية لأنها قد تدفع الدول الأخرى إلى اتخاذ تدابير مضادة. وبالتالي ،قد تضطر الدول إلى الاختيار بين كشف قوتها كأداة للإشارة أو الحفاظ على السرية (ريتنهاوس جرين ولونغ

2016، ميريل وآبراهامز 2019). قد تتجنب الدول أيضًا الكشف عن مفاوضات قواعدها العسكرية (براون 2014أ، ب) أو تحالفاتها لتجنب الأسئلة المتعلقة بالالتزام أو الخيانة المحتملة والحفاظ على “اتساق الحافظة” (كو 2019). كما قد تخفي الدول قدراتها الحقيقية بسبب القلق من وضعها على الساحة الدولية (كارنيغي ودولان 2020). ويمكن توسيع هذا البحث بشكل مفيد لدراسة ما إذا كانت حساسية المعلومات تختلف باختلاف نوع النظام أو عوامل أخرى، من أجل  دراسة الفروق في قدرة القادة على الحفاظ على مثل هذه الأسرار.

الأسرار من الفاعلين في السوق

يمثل الفاعلون في السوق مجموعة ثالثة من الفاعلين الذين قد تؤدي ردود أفعالهم السلبية المحتملة إلى اختيار القادة للقيام بأفعال سرية. هذه المجموعة لم تتم دراستها بشكل واسع في الأدبيات الأكاديمية، وبالتالي تمثل مجالاً واعدًا للبحث المستقبلي. الأدبيات الحالية في هذا السياق تركز في الغالب على الأسرار التي تهدف إلى حماية التجارة والاستثمار، على الرغم من أن العمل المستقبلي  يمكن أن يدرس مجالات أخرى للنشاط الاقتصادي .

على وجه الخصوص، تشير هذه الأدبيات إلى أن القادة قد يختارون إبقاء الأسرار عن الفاعلين في السوق عندما يكون كشف المعلومات قد يعرقل التجارة والاستثمار والنشاط الاقتصادي الاخر. المعلومات السلبية عن الاقتصاد، أو المعلومات عن عدم الاستقرار الداخلي، أو المعلومات المتعلقة بسوء الحوكمة يمكن أن تقُلق المستثمرين. قد ترفض الدول توقيع اتفاقيات استثمار ثنائيةاتفاقيات  تجارية مع الدول التي لا يمكن الوثوق بها كشركاء اقتصاديين .

أحد فروع الأدبيات في هذا المجال ينظر في السياسات المتعلقة بالاستثمار. على سبيل المثال، يظهر روزندورف وشين (2012) أن الدول تقوم بتوقيع اتفاقيات الاستثمار الثنائية عندما تسعى إلى نظام داخلي أكثر شفافية، مما يسمح لها بحماية حقوق الملكية بشكل أفضل وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات. الشفافية ضرورية لإقناع المستثمرين بأن استثماراتهم لن تصُادر. نظرًا لأن القادة قد  يمُنعون داخلياً من تنفيذ الإصلاحات في هذا المجال، يمكنهم توقيع اتفاقيات الاستثمار الثنائية، وهو مجال يمتلكون فيه مزيدًا من الحرية في اتخاذ القرارات. وبالتالي، يفضل القادة اتخاذ قرارات سياسية أكثر انفتاحًا واتباع عمليات أكثر شفافية للاستفادة من الفوائد الاقتصادية الناتجة. قد تكون هذه الإصلاحات أكثر تكلفة بالنسبة لأنواع معينة من الأنظمة؛ ولذلك، قد تختلف الآثار وفقاً لنوع  النظام (روزندورف وشين 2015) .

 يركزهفنر-بيرتون وآخرون . ( 2016) و هفنر-بيرتون وفيكتور( 2016) أيضًا على الاستثمار الدولي، ولكنهما ينتقلان إلى دراسة السرية في النزاعات المتعلقة بالاستثمار،يمكن للأطراف المتنازعة تحديد مقدار المعلومات التي تكشفها عن قضيتها وذلك في التحكيم الاستثماري في المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، وتفترض هذه الأبحاث أن الأطراف غالبًا ما تختار عدم الكشف عن هذه المعلومات عندما يتوقعون ردود فعل سلبية من المستثمرين (وأيضًا من الجمهور) تجاهها. على وجه الخصوص، قد لا يثق المستثمرون في الحكومات المضيفة إذا كانت تلك الحكومات تتمتع بسمعة سيئة في التعامل مع المستثمرين. وقد قام هافنر-بيرتون وزملاؤه باختبار هذه الفرضية بشكل إحصائي، حيث أظهروا أن الأطراف تميل إلى إبقاء نتائج النزاعات سرية عندما تتعلق بأصول طويلة الأجل ولدى الحكومات تاريخ من الخسائر.

بالإضافة إلى دراسة كيفية استجابة أنماط الاستثمار للسرية مقابل الشفافية في العلاقات الدولية ،تناولت الأبحاث الحديثة كيفية استجابة أنماط التجارة. على سبيل المثال، كيلي( 2009) يجادل بأن مراقبي الانتخابات يكونون أقل ميلًا للكشف عن المخالفات الانتخابية إذا كان ذلك سيؤدي إلى تعطيل تدفقات التجارة. علاوة على ذلك، يظهر بروتغر( 2017) أن الشركات تعمل كجمهور عند اتخاذ الدول قراراتها بشأن متى يجب أن تطُلق الإنذار بشأن انتهاكات التجارة أو متى يجب إبقاء هذه الانتهاكات سرية. بالإضافة إلى ذلك، يوضح برغر وآخرون( 2013) أن النفوذ السياسي المتزايد الناتج عن التدخلات السرية للولايات المتحدة قد أدى إلى زيادة حصة السوق للمنتجات الأمريكية. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي هذه الأنواع من الأنشطة إلى تآكل الثقة وتؤثر على تفضيلات  الشركاء التجاريين (كارنيغي وجايكواد 2018) .

يشير( رودريك 1995)  إلى نقص المعلومات كمصدر للسياسات التجارية الحمائية. ويقول إن نموذجًا مثل الذي قدمه غروسمان وهيلبمان( 1994) يفترض أن تأثير اللوبي الصناعي يؤدي إلى التجارة الحرة، لأن تأثير اللوبي يتناسب مع حجم الإنتاج الصناعي، وهو ما يكون في الغالب أكبر في الصناعات ذات الميزة النسبية في التصدير. يقترح رودريك أن غياب الشفافية في صنع السياسات التجارية قد يفسر سبب عدم حدوث هذا في الواقع. على سبيل المثال، يشير ماجي وآخرون (١٩٨٩) إلى “التعتيم الأمثل” كمصدر للقيود التجارية، حيث يسعى السياسيون إلى تبني سياسات حمائية غير مباشرة تكافئ المصالح الحمائية ولكنها غير مرئية بوضوح للمستهلكين. ويؤكد كونوا (٢٠٠٦) أن الديمقراطيات من المحتمل أن تتبع التعتيم الأمثل من خلال تحرير السياسات التجارية الواضحة والبارزة مثل معدلات التعرفة الجمركية، بينما تحافظ على الحواجز التجارية الأقل وضوحًا مثل الحواجز غير الجمركية لتهدئة جماعات الضغط الحمائية. تأثيرات الحواجز غير الجمركية على التجارة معقدة ولا يتم الإعلان عنها من قبل الحكومة، مما يجعل من الصعب ملاحظتها.

 يناقشان كارنيغي وكارسون( 2020) المعلومات الحساسة للشركات كمصدر للسرية. على وجه الخصوص، يجادلون بأن الدول غالبًا ما تمتنع عن مشاركة المعلومات الاقتصادية الحساسة مثل تفاصيل العقود التي قد تعطي ميزة للمنافسين في السوق.[5] ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه المعلومات مهمة في تسوية المنازعات التجارية والاستثمارية. ويظهرون أن المنظمات الدولية المصممة بشكل جيد، مثل منظمة التجارة العالمية والمركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، يمكن أن تحل هذه المشكلة من خلال استقبال وحماية المعلومات الحساسة. كما يقيمون فرضياتهم باستخدام بيانات جديدة حول المعلومات المحددة التي تم تبادلها—إلى جانب المعلومات التي تم حجبها—من هذه المؤسسات، بما في ذلك مقاييس جديدة للحذف في التقارير العامة للمحاكم. ويظهرون أن الإصلاحات الرئيسية المصممة لحماية المعلومات الحساسة قد زادت من توفير هذه المعلومات وعززت التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في المجالات التي تكون فيها المعلومات الحساسة شائعة بشكل خاص.

قد يختار القادة أيضًا عدم الحفاظ على السرية لدعم الاقتصاد باستخدام السياسة النقدية (بروز وفريدن 2008). يمكن للقادة أن يختاروا بين تحديد سعر الصرف الثابت أو ربطه بسعر آخر ،حيث يعُتبر سعر الصرف الثابت غالباً التزامًا أكثر شفافية للحد من التضخم. قد تراقب الشركات هذه الاختيارات وتضغط على الحكومات لتبني السياسات التي تفضلها. يعُتقد أن أسعار الصرف الثابتة الأقل سرية تعزز التجارة والاستثمار (سيمونز 1997)، وبالتالي قد تكون الجهات الفاعلة السوق هي المحرك الرئيس لهذا الاختيار.[6]

 القياسات والإستراتيجيات التجريبية

تعُتبر قياس المعلومات السرية أحد التحديات الكبيرة في دراسة السرية في العلاقات الدولية، فكيف يمكن للباحثين ملاحظة المعلومات التي يختار القادة عدم الكشف عنها؟ ولذلك، اعتمد العديد من العلماء على الأدلة الخاصة بالسرية التي تظهر في الوثائق الأرشيفية المثيرة للاهتمام، بالإضافة إلى جمع دراسات حالة مثيرة وربطها في كثير من الأحيان بالنماذج الرسمية. ومع ذلك، هناك قيمة كبيرة أيضًا في تطوير بيانات منهجية لاختبار النظريات بشكل عام؛ لذا سأستعرض بعض المناهج الحديثة هنا . إحدى الطرق التي بدأ العلماء في استخدامها هي التباين بين التقارير الرسمية وتقارير المصادر المفتوحة حول البيانات مثل المساعدات الخارجية. على سبيل المثال، يستخدم بعض العلماء المساعدات التي تسُجل رسمياً من قبل حكومة معينة والمقدار الفعلي لتلك المساعدات، حيث يعتبر الفارق بينها بمثابة “معلومات سرية”. يمكن أن تسمح طرق المصادر المفتوحة للباحثين بقياس التدفقات المالية مثل المساعدات الخارجية التي تعُطى بشكل سري. المساعدات الخارجية التي تقدمها الدول الغربية يتم توثيقها من خلال التقارير المرسلة إلى نظام تقارير الدائنين التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أن هذه الدول تقدم بعض المساعدات بشكل سري أيضًا. ومع ذلك، فإن بعض المانحين الكبار مثل الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية وكوبا وفنزويلا وإيران لا يعُلنون عن تدفقات مساعداتهم. ولذا، فقد واجه العلماء صعوبة في الإجابة على الأسئلة الأساسية حول مثل هذه المساعدات نتيجة لذلك ، واجه العلماء صعوبة كبيرة في الإجابة على الأسئلة الأساسية المتعلقة بالمساعدات الخارجية غير المعلنة. وقد حاول مشروع  ” أير داتا ” معالجة هذه المشكلة باستخدام أسلوب جديد يسُمى “تتبع التدفقات المالية غير المبلغ عنها”، الذي يعتمد على جمع معلومات من مصادر مفتوحة متعددة. ومع ذلك، ظهرت بعض المخاوف بشأن إمكانية أن تكون التقارير الإخبارية التي يستند إليها هذا الأسلوب مُنحازة أو غير مكتملة (شو وكاري 2014). لكن الدراسات الحديثة التي اعتمدت على “تمارين التحقق الواقعي”، وهي طرق تستخدم البحث الميداني  والمقابلات المباشرة للتحقق من صحة البيانات ، يشيرون إلى أن الطرق المفتوحة المصدر مثل التي يستخدمها ” أيد داتا ” تعتبر موثوقة بشكل كبير. (موشابوندا وآخرون 2016).

تعتمد طريقة مشابهة على الفجوات بين ما يُصرح به رسميًا أو ما يُبلغ عنه في البداية وبين مقياس معين للسياسة أو مستوى الامتثال. على سبيل المثال، يستخدم كيلي (٢٠٠٩) الفرق بين التقييمات الأولية لعدالة الانتخابات من قبل مراقبي الانتخابات والتقييمات الواردة في التقارير الأطول التي يتم إصدارها لاحقًا. بشكل بديل، قد يستخدم الباحثون أرقام الناتج المحلي الإجمالي للفرد التي تنشرها البنك الدولي في البداية ويقارنونها بالقيم التي يتم تصحيحها لاحقًا (كيرنر وآخرون، ٢٠١٧).

استخدم هولير وآخرون (٢٠١٤) مقياسًا مبتكرًا يعتمد على الإفصاحات الاقتصادية للمنظمات الدولية كمؤشر للشفافية. يستند هذا المقياس إلى نسبة البيانات الاقتصادية المفقودة في مجموعة بيانات مؤشرات التنمية العالمية التي ينشرها البنك الدولي. يُفترض أن البيانات المفقودة تشير إلى قرار حكومي متعمد لتقييد الشفافية. من جهة أخرى، استخدم ستون (٢٠٠٨) مستوى البيانات المفقودة في مجموعة بيانات صندوق النقد الدولي كمؤشر لقدرة الدولة، مشيرًا إلى أن هذه البيانات المفقودة تعكس غالبًا عدم قدرة الحكومات على تقديم المعلومات بدلاً من عدم رغبتها. ومع ذلك، اعتبر هولير وآخرون (٢٠١٤) أن الفهمين ليسا متناقضين، ورأوا أن كلاً من رغبة الحكومة وقدرتها على نشر المعلومات ضروريان للشفافية، رغم أنهما ليسا كافيين. بشكل خاص، اعتقدوا أن الحكومات ذات الموارد الأفضل والبيروقراطيات الأكثر كفاءة تميل إلى أن تكون أكثر شفافية، مثلما تكون الحكومات التي تقدر الإفصاح عن المعلومات. ومن منظور خارجي، قد لا يهم الدافع؛ ففي الحالتين، قد يكون من الصعب الوصول إلى مستوى أعلى من المعلومات.[7]

يركز بعض الباحثين على الإشارة إلى الدول التي تقوم بالإبلاغ عن معلومات حساسة رغم استبعاد محتواها. على سبيل المثال، يعد كارنيجي وكارسن (٢٠٢٠) الحذف في تقارير لجان منظمة التجارة العالمية والمركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار دليلاً على ما إذا كانت المعلومات الحساسة قد تم الكشف عنها. وبالمثل، يستخدم كل من كارنيجي وكارسن (٢٠٢٠) وهافنر-بيرتون وفيكتور (٢٠١٦) نسبة القضايا التحكيمية التي لم يتم الكشف عن نتائجها. يمكن تصنيف بنود السرية في المعاهدات أو المنظمات الدولية كدليل على استخدام السرية في مثل هذه الحالات (كارنيجي وكارسن ٢٠٢٠). كما أن الحذف في الوثائق الأرشيفية قد يشير إلى السرية، ويمكن تحليله باستخدام أساليب أرشيفية وطلبات قانون حرية المعلومات. علاوة على ذلك، تتيح رقمنة المواد الأرشيفية اكتشاف رؤى جديدة وجمع مجموعات بيانات جديدة (تراختنبرغ ٢٠٠٩).

تستخدم مجموعات بيانات أخرى معلومات كانت سرية في السابق لكنها تم الكشف عنها لاحقًا. على سبيل المثال، قام كاسل وبيلك (٢٠١٩) بتوثيق جميع الاتفاقيات التجارية التي تم تسريبها، بينما استخدم باس وشوب (٢٠١٦) وكو (٢٠١٩) الاتفاقيات السرية للتحالفات، وقام أورورك (٢٠١٩) بإنشاء مجموعة بيانات جديدة حول التغييرات السرية في الأنظمة المدعومة من الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. كما يمكن الافتراض أن بعض السياسات أكثر سرية من غيرها؛ على سبيل المثال، قام ماكمايوس وياري-ميلو (٢٠١٧) بتصنيف أنواع السياسات الخارجية التي عادةً ما تُنفذ بشكل سري، ووثق كوشيك وبيلك (٢٠١٦) حالات التفاوض الخاص مقابل العلني في منظمة التجارة العالمية، واستفاد بروز وفريدن (٢٠٠٨) من الفرق بين أسعار الصرف الثابتة والمربوطة. يمكن أيضًا جمع بيانات حول حالات محددة، كما في استخدام كاتاجيري وميني (٢٠١٩) لـ ١٨,٠٠٠ وثيقة من أزمة برلين لتصنيف كل إشارة خاصة وعامة، أو استخدام براون وماركم (٢٠١١) لنسبة التنازلات المفتوحة مقابل المغلقة التي تم إجراؤها خلال مفاوضات أزمة الصواريخ الكوبية. أخيرًا، يستخدم بعض العلماء الآخرين معرفة المستثمرين لاكتشاف الأنشطة السرية مثل تجارة الأسلحة غير القانونية (ديلا فينيغا ولا فيرارا ٢٠١٠)، والفساد، وتضارب المصالح (لويشينجر وموزر ٢٠١٤).

اتجاهات البحث المستقبلية

يمثل البحث في موضوع السرية في العلاقات الدولية مجالاً مثيرًا للعمل البحثي في المستقبل. بما أن هذا المجال لا يزال ناشئاً ومتطورًا، فقد تم التحقيق في العديد من الأسئلة المثيرة، لكن العديد من الألغاز ما زالت قائمة. سأعرض بإيجاز بعض الأفكار للبحوث المستقبلية، على الرغم من أن هذا لا  يمثل بأي حال من الأحوال قائمة شاملة .

أولاً، تعتمد العديد من النظريات التي تم استعراضها حول السرية على افتراضات غير مختبرة حول آراء الجمهور في بعض الأفعال، وكذلك حول السرية نفسها. ومع ذلك، نحن نعلم القليل عن كيفية تفكير الجمهور فعلياً بشأن هذه القضايا. يمكن للبحوث المستقبلية أن تقوم بمزيد من الاختبارات حول الظروف المحلية والمعتقدات التي تفترضها هذه النظريات. بينما يقدم مايريك (2019) تجربة استطلاعية مثيرة للاهتمام تشير إلى أن الجمهور الديمقراطي يفضل الشفافية على السرية بشكل ضعيف، إلا أن هناك المزيد لتعلمه في هذا المجال. على سبيل المثال، إلى أي مدى وفي أي ظروف تؤدي السرية إلى تقويض الشرعية في العلاقات الدولية؟ متى تؤدي السرية إلى تصورات عن التحيز؟ علاوة على ذلك، الجمهور ليس فاعلًا موحدًا؛ فقد يستفيد بعض الأشخاص بينما يخسر آخرون من السرية، مما يثير الأسئلة حول من يدعم السرية ولماذا. بالإضافة إلى ذلك ،يمكن بذل المزيد من الجهد لفهم عواقب وأسباب التسريبات بشكل أفضل، وتوسيع البحث الذي  أجراه كاسل وبلِك (2019) .

ثانياً، يمكن أن يتناول البحث المستقبلي تأثير التقنيات الجديدة على النظريات الحالية المتعلقة بالسرية. على سبيل المثال، تثير تقنيات الإنترنت والطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات قضايا أمن المعلومات (كريبس 2016، فورمان وهوارويتز 2017، بوزنانسكي و بيركوسكي 2018). هل تتسبب هذه التقنيات الجديدة في فقدان الأسرار لقيمتها بشكل أسرع مع مرور الوقت؟ هل يغير القادة الأساليب التي يستخدمونها للحفاظ على الأسرار أو الأنواع التي يخفونها (كارسون 2018، جوزيف وبوزنانسكي 2018)؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا أن هناك فترة زمنية أقصر لضرورة السرية وإجراءات إشرافية فورية بأثر رجعي؟ وإذا أصبح من غير الممكن الحفاظ  على الأسرار، ما هي العواقب على النظام الدولي القائم على المعايير؟

ثالثاً، يمكن للبحث المستقبلي أن يتجاوز السرية بحد ذاتها ليتناول مفاهيم ذات صلة وثيقة مثل التمويه، والغموض، والأسرار المكشوفة، والسرية شبه التامة )مثل: بانكا وكوين 2018(، والتضليل، والتحايل (بوزناس 2017)، والخداع. كيف ترتبط هذه المفاهيم بالسرية؟ تعتبر السرية واحدة من عدة أدوات سياسة؛ متى تختار الدول السرية مقابل الخيارات الأخرى من بين هذه الأدوات (مورز وبرات 2019)؟ نادرًا ما يتم النظر إلى أدوات السياسة معاً (على الرغم من وجود استثناءات حديثة مثل كارنيغي 2015 و ميلنر وتينغلي 2015). متى يختار القادة السرية لتحقيق أهدافهم بدلاً من استخدام طرق أخرى لتحقيق ذلك؟ متى يخفون برامجهم النووية بدلاً من الحفاظ على المعيار من خلال قنوات أخرى؟ متى يختارون السرية لجمهور واحد مع كشف المعلومات  لجمهور آخر، مما يعني ممارسة “فصل الجمهور” (يارحي-ميلو 2018)؟

علاوة على ذلك، يطرح هذا العمل سؤالاً حول كيف يؤثر مثل هذا التكتم على الحوكمة العالمية . العوامل التي تجعل الدول تعتمد على السرية يمكن أن تتصاعد إلى المستوى الدولي، وقد تفقد المنظمات الدولية الوصول إلى معلومات حاسمة من الدول. كيف يتعامل الفاعلون الدوليون مع غياب توفير المعلومات؟ تشير دراسة كارنيجي وكلارك( 2020) إلى أن المنظمات الدولية تتصدى للسرية من خلال تبادل المعلومات فيما بينها. هذا يمكن أن يقلل من اعتمادها على مزود معين للمعلومات، مما يعزز الشبكات العالمية. ومع ذلك، من المحتمل أن تتبع المنظمات الدولية  استراتيجيات أخرى أيضاً، والتي نعرف عنها قليلا ً .

تثير الحالة الحالية للأدبيات العديد من الأسئلة حول إمكانية تعميم النتائج. على سبيل المثال، جزء كبير من الأدلة المستشهد بها يأتي من الولايات المتحدة وغالباً ما تكون دراسات حالة من فترة الحرب الباردة. وهذا منطقي لأن الولايات المتحدة تمتلك عددًا كبيرًا من الوثائق التي تم رفع السرية عنها مقارنة بالدول الأخرى، وبسبب قوتها الكبيرة، من المهم فهم هذا الأمر. ولكن هذا التركيز يثير تساؤلات بشأن إمكانية تعميم هذه النتائج. السؤال الأبرز هو ما إذا كانت النظريات الحالية تنطبق بنفس الطريقة في دول وفترات زمنية أخرى. هل يتفاوض القادة في دول أخرى بنفس الطريقة؟ هل يتعامل الناس مع السرية بنفس الأسلوب؟ هل الدول النامية تعتمد استراتيجيات مختلفة عند التعامل مع القوى الكبرى؟ هل السرية أداة في يد الأقوياء لأن أجهزة الاستخبارات لديهم قادرة على اكتشاف أسرار الدول الأخرى بسهولة أكبر؟ نقطة أخرى تتعلق بتعميم الأدبيات هي تركيزها على القضايا الأمنية؛ هل نفس النظريات تنطبق عندما تستخدم الدول أدوات اقتصادية سريةّ؟ وأخيرًا،  الكثير من الأدبيات تتناول السرية بين الأعداء، ولكن متى تسُتخدم السرية بين الدول الصديقة؟تركز هذه المراجعة أيضًا على حوافز القادة للحفاظ على السرية. ومع ذلك، تمثل دراسة متى يكشف فاعلون آخرون في السياسة الدولية عن المعلومات، مثل البيروقراطيين الدوليين أو المنظمات غير الحكومية أو الشركات، اتجاهًا مثيرًا للاهتمام للعمل المستقبلي. على سبيل المثال، يتساءل ميتشل( 1998) عن السبب في أن البيروقراطيين في الأنظمة السياسية قد يمتنعون أحياناً عن نشر معلومات تتعلق بالامتثال أو عدم الامتثال من الأطراف المعنية، مميزًا بين الأنظمة التي تركز على الفعالية وتلك التي تركز على الامتثال. ويجادل ميتشل بأن الأنظمة التي تركز على الفعالية تميل إلى أن تكون أنظمتها الرقابية أقل تدخلاً، بينما الأنظمة التي تركز على الامتثال تشدد على جمع ونشر معلومات أكثر. ومع ذلك، أظهر باحثون آخرون أن البيروقراطيين لديهم دوافع  إضافية مثل التقدم الوظيفي، والمصالح الوطنية، والمكانة الاجتماعية، ومن شأن دراسة تأثير هذه  الاعتبارات على كشف المعلومات الحساسة أن تقدم فرضيات مثيرة للاهتمام .

علاوة على ذلك، في ضوء الاهتمام المتزايد والعمل المثير الذي ينُجز في مجال علم النفس السياسي (مكديرموت 2004، كيرتزر وتينغلي 2018)، فإن بناء روابط أكثر وضوحًا بين ميل القائد للحفاظ على السرية وسماته النفسية يمثل اتجاهًا واعدًا. أي نوع من القادة يفضل تنفيذ السياسات في السر؟ على سبيل المثال، كجزء من نظرية أوسع، يرى ياري-ميلو( 2018)أن القادة ذوي القدرة العالية على مراقبة أنفسهم يفضلون الإشارة علناً. ومع ذلك، فإن التحليل الأكثر عمقاً لهذه الأنماط من  العلاقات يشكل مسارًا مثيرًا للمستقبل .

أخيرًا، يقتصر معظم البحث في هذا المجال على قضية واحدة فقط. ويمكن أن يكون البحث المستقبلي مثمرًا إذا تم تحليل السرية عبر مجالات متعددة. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى السرية على أنها استمرارية تمتد من غياب الشفافية إلى إخفاء المعلومات. كيف يختلف مستوى السرية عبر المجالات المختلفة، وما هو تأثير ذلك على الشرعية المدركة للعمل؟ وكيف تتفاوت القضايا المعنوية عبر هذه المجالات؟ أحد الموضوعات التي تم تناولها في الأدبيات المراجعة أعلاه هو التوازن بين الكفاءة (بيولا وموراي 2016) والشرعية: هل يوجد هذا التوازن في جميع المجالات؟ هل يدرك الناس التكاليف والفوائد بشكل مختلف بناءً على طبيعة القضية؟ رغم أن الأبحاث في هذا المجال قد حققت العديد من التقدمات المثيرة، إلا أن هناك الكثير مما لا يزال بحاجة  للاستكشاف .

بيان الكشف

المؤلف ليس على دراية بأي انتماءات أو عضويات أو تمويلات أو ممتلكات مالية قد يُحتمل أن تؤثر على موضوعية هذه المراجعة.

الشكر والتقدير أود أن أشكر أوستن كارسن، ماثيو كاسل، مايكل بوزنانسكي، كيرين ياري-ميلو، ونواه زوكر على تعليقاتهم القيمة والنقاشات المفيدة. كما أتوجه بالشكر إلى جاسبر يانغ ونواه زوكر على مساعدتهم الممتازة في البحث. جميع الأخطاء التي تبقى هي من مسؤوليتي الشخصية.

. الرابط التالي للإطلاع على النسخة الأصلية: https://www.annualreviews.org/content/journals/10.1146/annurev-polisci-041719-102430#


[1] Covert intervention ‘features an external power providing .. aid in a way that conceals its role and does not feature official acknowledgment ‘(carson 2020  ,p.6) .

[2] Note that Carson (2020) also provides a distinct logic for interstate secrecy, though I do not discuss it in that section of the review to avoid duplication. 

[3] Bown (2005) also suggests that greater transparency would invite more lobbying by private interests .

[4]  Hollyer et al (2019) also address the puzzle of why some autocrats publicize economic data despite the destabilizing effects , arguing that it can defuse interelite challenges since rival elites recognize that infighting would make mass mobilization likelier to succeed .

[5] A related strand of literature shows that sensitive information can be leaked to favored market actors to provide them with an advantage over competitors (Dube et al. 2011).

[6] “Much of this literature has focused on domestic causes of information revelation, such as regime type. For instance, Broz (2002) argues that more secretive governments such as autocracies may opt for transparent monetary policy instruments because central bank independence does not suffice in these countries. However, transparent systems can simply use central bank independence to credibly commit to limit inflation because political interference is observed and punished by the public. Other scholars argue that the number of veto players in the government matters (Keefer & Stasavage 2002), among other domestic factors. Other interesting research has examined the determinants and consequences of central bank transparency (e.g., Stasavage 2003, Eijffinger & Geraats 2006, Dincer & Eichengreen 2007, Crowe & Meade 2008), which may depend on regime type and the depth of financial markets. Central bank independence may be a means to reduce market surprise about monetary policy changes (Dincer & Eichengreen 2013).

[7] A related method is also presented by Islam (2006), who uses the speed with which date are reported to the IMF as well as differences in countries ‘ freedom of information laws.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى