تقارير

ترجمات وعروض : كيف يُمكن أن تؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي على أنشطة الجريمة المنظمة داخل أفريقيا؟

نهاد محمود أحمد

باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية  عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

نشر معهد الدراسات الأمنية (Institute for Security Studies-“ISS”) مقالًا للباحث “رومي سيجورث” Romi Sigsworth حول التداعيات المتوقعة سلبًا وإيجابًا لأنظمة الذكاء الاصطناعي على أنشطة الجريمة المنظمة داخل القارة الأفريقية، فضلًا عن المخاطر المحتملة التي تصاحب هذا الاستخدام، والتي تلقي بآثارها على الحكومات والأفراد.

 

يبدأ “سيجورث” حديثه بالإشارة إلى واقعة سرقة تمت عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence- “AI”) تعود إلى عام 2019، حينما تعرضت إحدى الشركات البريطانية لخسارة مالية قُدِّرَت بـ 243 ألف دولار أمريكي، وذلك عبر انتحال صوت الرئيس التنفيذي للشركة من قِبل مجرمين ضالعين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يقع مقرهم بدولة جنوب أفريقيا. وبشكل عام فقد زادت نسبة انتحال شخصيات الأفراد في جنوب أفريقيا إلى 356% بين أبريل 2022 وأبريل 2023. وذلك وفقًا لمنظمة منع الاحتيال بالدولة. من جهة أخرى فقد ذكر المدير التنفيذي للمنظمة “ماني ڤان شالكويك” Manie Van Schalkwyk أن تقرير الإنتربول لعام 2021 كان قد وضع جنوب أفريقيا في صدارة الدول الأفريقية الأكثر تعرضًا للتهديدات السيبرانية.

 

ما يُزيد الأمر تعقيدًا أن التقدم التكنولوجي المُتلاحق فيما يتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي يُيسر من ارتكاب مثل هذه الجرائم على نحو يَصعُب معه التمييز بين الجرائم المُفبركة والحقيقية، أي بين المتهمين بالفعل وبين من يُنسب لهم جرائم لم يرتكبونها من الأساس وتم تزييفها عبر تلك التقنيات. فالاستخدام الشخصي الواسع النطاق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT و Resemble.aiيثير القلق بشأن تزايد هذه المخاوف والخروقات.

تداعيات أنظمة الذكاء الاصطناعي على الجريمة المنظمة بأفريقيا:

بالرغم من حداثة نشأة الذكاء الاصطناعي داخل أفريقيا، إلا أن ذلك لا يُنفي آثاره الملموسة التي أحدثها؛ سلبًا وإيجابًا، وبخاصة على الجريمة المنظمة العابرة للحدود؛ سواء على صعيد تطور طبيعة هذه الجرائم والطرق التي تتم بها أو فيما يتعلق بآليات مواجهتها من قِبَل الأجهزة الأمنية المعنية، خاصة أن الاستخدام متبادل بين الجانبين. ولا مفر من حقيقة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تساعد بشدة شبكات الجريمة المنظمة -داخل القارة وخارجها- على ارتكاب جرائم أكثر تعقيدًا بوقت زمني أقل وعلى امتداد مكاني أكثر اتساعًا عن ذي قبل يصاحبه مخاطر جسدية أقل لمرتكبي تلك الجرائم، وبخاصة أن هذه الشبكات تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بنفس الطرق الاحترافية التي تُستَخدم من قِبَل الشركات ذات الخبرة المُخوَّلة باستخدام مثل هذه التقنيات، مع الاخذ في الاعتبار أن الأخيرة تهدف عن طريق أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق أهداف مشروعة تتصل بإدارة أعمالها، كتقييم المخاطر والتخفيف من حدتها، واستخراج البيانات ذات الصلة بأعمالهم من وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة لتقييم العاملين لديهم، وأغراض أخرى تتعلق بأنماط مختلفة من التحليل وحل المشكلات ذات الصلة بأنشطة ومهام الشركات.

 

توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي من قِبَل شبكات الجريمة المنظمة:

ولعل أبرز الاستخدامات الخاصة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل التنظيمات الإجرامية بأفريقيا هو استخدام هؤلاء للطائرات بدون طيار “Drones” لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وحتى خارج القارة تقوم شبكات الإتجار بالمخدرات في المكسيك باستخدام طائرات هجومية بدون طيار، حيث تتم هذه العملية بأكملها تحت سيطرة الذكاء الاصطناعي؛ بما يوفّره من مرونة ودقة أثناء الهجمات على الأهداف البشرية أو البنية التحتية.  كما يُمكن للصور التي يتم التقاطها عبر الأقمار الصناعية أن تساعد الشبكات الإجرامية في وضع تخطيط مثالي للتهريب وإداراته بطرق أكثر دقة تتم أيضًا من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي، كعمليات رصد الأرض والتي توفر بيانات غاية في الدقة والتوقيت حول التضاريس الداخلية. كما يُمكن للأفراد ذو الصلة بالجرائم المنظمة العابرة للحدود عبر هذه التقنيات الهروب من أنظمة الأمن داخل البنوك والمستودعات والموانئ والحدود، أو التسبب بإحداث فوضى بشبكات القطاع الخاص والحكومة وكل ما يتعلق بالبنية التحتية الاقتصادية.

كما تسمح الهجمات الدقيقة التي تتم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي بالسيطرة على قواعد البيانات والتطبيقات الشخصية للأفراد بما يؤدي لابتزازهم من قِبَل الشبكات الإجرامية، وهو الهدف الأساسي في الغالب الأعم لتلك الشبكات لما يُشكِّله من مصدر ربح هام لتمويلها، وبخاصة فيما يتعلق بقدراتهم الفائقة في انتحال شخصيات أصحاب الحسابات البنكية للشخصيات الهامة ورجال الأعمال عبر اختراق أنظمة توصف بالآمنة والمُحصَّنة، فضلًا عن صناعة مقاطع فيديو مزيفة لشخصيات عامة وسياسيين يتحدثون على نحو مستهجن بغرض التلاعب والابتزاز ومِن ثمّ جني الأموال مقابلها.

 

 

 

استخدامات الذكاء الاصطناعي من قِبل الحكومات والأجهزة المعنية:

على الجهة الأخرى يوفر الذكاء الاصطناعي للدول وأجهزتها الأمنية طرقًا جديدة لإنفاذ القانون وضبط أصحاب هذه الشبكات الإجرامية، فيمكنهم عبرها رسم خرائط تحركاتهم وتحديد الأنماط التي ستتم بها الجريمة وتَوقُعها والتحقيق بها بشكل استباقي ومن ثمّ منعها وذلك بناء على خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تحدد بدقة المكان المحتمل لحدوث الجريمة.

المفارقة هنا أنه في الكثير من الأحيان تحظى شركات الأمن الخاصة داخل أفريقيا بإمكانات تكنولوجية تفوق ما تمتلكه أجهزة الشرطة، التي تفتقر للوصول إلى خدمات الإنترنت وأغلب الخدمات التكنولوجية المطلوبة، لكن للتغلب على تلك المعضلة تحاول أجهزة الشرطة ربط قواعد بياناتها بالأنظمة الرقمية الحديثة بالقطاع الخاص، بما يُمكِّنها من إتمام مهامها المتعلقة بمقاضاة المشتبه بهم وغيرها من المهام ذات الصلة بالجرائم المنظمة. على سبيل المثال تستفيد شرطة جنوب أفريقيا وقاعدة بياناتها الوطنية للكشف عن المركّبات المسروقة من نظام التعرف على لوحات التراخيص “VumaCam” بالمدينة الجنوب أفريقية “جوهانسبرج” – تلك التقنية المتصلة بأكثر من ألفيي كاميرا. كما تَستخدم الشرطة بجنوب أفريقيا نظامًا للتعرف على الوجه يُعرف باسم “Scarface”، تلك التقنية المُقدمة من مجموعة “Bidvest Protea Coin” والتي تُستخدم لتعقَّب المُشتبه بهم ومن ثَّم القبض عليهم، وذلك عبر استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لمساعدة فِرَق الأمن في تحديد ما يشار إليهم بـ “الأشخاص محل الاهتمام”. وقالت المجموعة في هذا السياق أن التكنولوجيا تم تطويرها في الأساس كنظام إنذار مبكر يُمكنه تحديد التهديدات المحتملة ومنع الأصول أو الهجمات الإجرامية قبل وقوعها. إضافة لاستخدام بياناتها بعد ذلك كدليل بالقضايا الجنائية.

كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتصدي للجريمة المنظمة في المناطق النائية ببعض البلدان الأفريقية؛ على سبيل المثال يَستخدم نظام  “EarthRanger” البرمجي تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية  لجمع البيانات التاريخية والحالية من الحياة البرية ودوريات الحراس والبيانات المكانية والتهديدات التي يتم رصدها في المناطق البيئية المحمية.  وقد ساعدت هذه التقنيات بالفعل في القضاء على أنشطة الصيد غير المشروعة بمحمية جروميتي “Grumeti” للصيد في تنزانيا، كما شجّعت المجتمعات المحلية بملاوي على التعايش مع الحياة البرية المحمية في حديقة ليوندي “Liwonde” الوطنية.

 

 

إضافة لما سبق، يتم استخدام إحدى أنظمة الذكاء الاصطناعي “The Africa Regional Data Cube-ARDC” واستغلال ما تحمله من صور عبر الأقمار الصناعية وبيانات رصد الأرض في مساعدة خمس بلدان أفريقية (كينيا- السنغال- سيراليون- تنزانيا- غانا) في تحديد وتتبع عمليات التعدين غير القانونية؛ من خلال استخدام تلك الصور والبيانات لمعرفة التغيرات التي تطرأ على الأراضي مع مرور الوقت وبناء عليه يتم رصد تلك الأنشطة غير المشروعة، وغيرها من المسائل ذات الصلة بالتنمية والأمن الغذائي، والزراعة والوصول للمياه وإزالة الغابات.

قيود تصاحب استخدامات الذكاء الاصطناعي:

على الرغم من إمكانات أنظمة الذكاء الاصطناعي الهائلة- سالفة الذكر- التي يُمكن الاعتماد عليها في التصدي للجريمة المنظمة في أفريقيا، إلا أن ذلك يصاحبه عددًا من المتطلّبات التي قد تُعرقل من إمكانية استخدامه ببعض بلدان القارة؛ مَرجِع ذلك أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تطلّب إمكانات ربما لا تتوفر بكل بلدان القارة؛ كالوصول لمصدر طاقة غير منقطع، وخدمات إنترنت مستقرة، وتوافر بنية تحتية رقمية لديها القدرة على تخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات، ما يعني أن تعميم استخدامه في جميع أنحاء القارة سيكون متفاوتًا بشدة، اعتمادًا على موارد كل دولة وقدرتها على إنفاذ القانون واستعدادها  للعمل ضِمن شراكة بين القطاعين العام والخاص.

مخاطر تقترن بالذكاء الاصطناعي داخل البلدان الأفريقية:

تأُتي المخاطرة هنا في الاعتماد المُفرط على أنظمة الذكاء الاصطناعي لمواجهة أنشطة الجريمة المنظمة، خصوصًا مع إمكانية تعرضها للهجوم أو الفشل. إضافة للأخطار التي قد تنجم عما تمنحه هذه التقنيات من بيانات ليست بالقليلة لجهات إنفاذ القانون والتي قد تُمَثِّل انتهاكًا لحقوق الأفراد وخصوصياتهم وما يُمكن أن ينطوي عليه ذلك من ممارسات تتصل بفرض المزيد من القيود على حرياتهم.

ونظرًا لتطور الذكاء الاصطناعي غير المتوقف، تحاول الأطر القانونية دائمًا اللحاق بما يصل إليه، إلا أن ذلك يصاحبه تطور قدراتهم على جمع البيانات عن أفراد غير معنية بأنشطة مُجرًّمة سواء من قبل الشركات الخاصة أو الحكومات، على نحو قد يؤدي إلى استخدام تلك البيانات -من قِبَل النظم الشمولية- فيما بعد بأغراض أخرى بعيدة عن الأهداف المرتبطة بمواجهة الجريمة المنظمة؛ كالابتزاز أو التلاعب لتحقيق أغراض مادية وغيرها. على الصعيد ذاته يشير “سيجورث” إلى بعض المخاطر التي قد ترتبط باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، كتسخيرها من قِبل بعض الأنظمة الأفريقية الاستبدادية لمراقبة المعارضين السياسيين، وقمع منظمات المجتمع المدني، على سبيل المثال فقد أعرب المدافعون عن حقوق الإنسان بزيمبابوي عن قلقهم إزاء تطبيق الحكومة لتقنية التعرف على الوجه، التي سبق وطوّرتها الصين، وما يُمكن أن يؤدي إليه امتلاك مثل هذه البيانات، فضلًا عن استخداماتها القمعية والابتزازية المتوقعة.

ردًا على تلك المخاوف دعّت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021 إلى ضرورة توقف الحكومات عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في أية ممارسات من شأنها الإضرار بحقوق الإنسان وبخاصة بالدول النامية (كبعض بلدان قارة أفريقيا). كما دعا مطوّرو أنظمة الذكاء الاصطناعي الرئيسيون إلى التوقف مؤقتًا عن تجارب الذكاء الاصطناعي العملاقة بما يسمح بتطوير بروتوكولات السلامة وآليات الرقابة.

ختامًا؛ فإن ذلك التطور فائق السرعة للذكاء الاصطناعي من حيث النطاق الزماني والمكاني بعيد المدى، يُحتّم على الهيئات الدولية والحكومية وكذا منظمات المجتمع المدني أن تُركّز مسعاها نحو مواكبة هذه التقنيات، بما يؤدي في الأخير لوضع ما يشبه “وثيقة” لأخلاقيات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ، وأن يُدعَّم ذلك بحزمة من القوانين الرادعة لمَن يستخدمون تلك التقنيات لأغراض إجرامية غير أخلاقية، بما يقود إلى مقاضاتهم ومعاقباتهم ومن ثّم تحجيم المخاطر الناجمة عن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وقصّر استخداماتها على الأغراض المشروعة سالفة البيان (مواجهة الجريمة المنظمة- حماية البيئة والحياة البرية- القضاء على الصيد الجائر.. إلخ).

 

الرابط الأصلي:

https://issafrica.org/iss-today/risks-and-rewards-of-ai-for-organised-crime-in-africa

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى