ترجمات وعروض : تهريب الدواء بغرب أفريقيا.. الأسباب والتداعيات
اعداد :نهاد محمود أحمد- باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية – عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
نشرت وكالة إيكوفين (Ecofin Agency) المتخصصة بالشؤون الأفريقية أوائل شهر سبتمبر الجاري، مقالًا حول تصاعد أنشطة الاتجار بالمنتجات الطبية المُقلّدة بمنطقة غرب إفريقيا التي باتت معبرًا رئيسيًا لتدفق هذه الأنشطة، وذلك وفقًا لتقرير حول الاتجار بالمنتجات الطبية غير المشروعة، صادر عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، نُشِر في أغسطس 2023م الفائت، استنادًا إلى بيانات مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمُخدرات والجريمة (UNODC).
سلّط التقرير الضوء على أن المنتجات الطبية غير المشروعة تُشكِّل حاليًا ما بين 20٪ و60٪ من السوق الرسمي في جميع أنحاء منطقة غرب أفريقيا. وفي بلدان مثل غينيا كوناكري وبوركينا فاسو، ترتفع هذه النسبة إلى 80٪. وعلى الرغم من أن دور الشبكات الإجرامية في الاتجار بالأدوية معروف بشكل كبير، إلا أن أنشطة هذه الشبكات الاقتصادية غير المشروعة في غرب أفريقيا أقل وضوحًا. ورغم تأثيرها المُدمر على المجتمعات الأفريقية، إلا أن مثل هذه القضايا لا يتم الإبلاغ عنها في الكثير من الأحيان، نظرًا للعوائد والأرباح الهائلة المترتبة على استمرارها، فضلًا عن تعدّد الفاعلين المُنخرطين بها والمنتفعين بعوائدها.
وفقًا لما ورد بوكالة إيكوفين فقد وصلت التجارة العالمية بالأدوية المزيفة إلى مستويات تُنذِر بالخطر، وبشكل خاص على صعيد الغرب الأفريقي، حيث تجاوزت تهريب الأدوية المقلّدة تهريب النفط والكوكايين مُجتمعين. وفي هذا الصدد تُشير منظمة الصحة العالمية، إلى أن واحدًا من كل عشرة منتجات طبية يُباع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تكون جودته “دون المستوى أو مغشوشة”، مع الوضع في الاعتبار أن ما يقارب 50٪ من المنتجات المقلّدة المُبَلّغ عنها يكون في الغالب أفريقي المصدر.
تتمةّ لما سبق تسعى هذه المقالة إلى بيان أبرز جوانب قضية الاتجار غير المشروع بالدواء، وبخاصة المزيفة منها، عبر بلدان غرب أفريقيا، بدءًا من أكثر المنتجات الطبية رواجًا بهذا السوق، مرورًا بالعوامل المحفزة على اندلاع ذلك النمط من أنشطة التهريب الخارجة عن القانون، والجهات الضالعة بها، وصولًا للجهود المُتخذة لتحجيمها.
المنتجات الأكثر شيوعًا:
تعتبر الأدوية المضادة للملاريا أكثر المنتجات الطبية انتشارًا بتجارة الأدوية غير القانونية بغرب أفريقيا، وهو اتجاه تُفسره ديناميات العرض والطلب بشكل أساسي. خاصة مع وجود أعلى معدل للملاريا بغرب أفريقيا، ويعتقد أن 48٪ من سوق مضادات الملاريا تأتي من مصادر غير مشروعة. وتشمل المنتجات الشائعة الأخرى المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات القهقرية (فيروس نقص المناعة البشرية – الإيدز). وتتصدّر كل من الهند والصين قائمة المُصدّرين للمنتجات الطبية القانونية وغير القانونية الموجودة في غرب إفريقيا.
من جهة أخرى وجدّ التقرير أن تجارة المنتجات الطبية غير المشروعة تتسم بالمرونة في التكيف مع الطلب، من أجل تعظيم الأرباح لمنتجات محددة على أساس الطلب الموسمي (مثل مضادات الملاريا خلال موسم الأمطار، وعلاجات البرد والإنفلونزا خلال موسم الجفاف). سمحت هذه القدرة على التكيف للشبكات الإجرامية بالاستجابة لذروة جائحة COVID-19 مع زيادة حادة في الطلب على الكلوروكين، والذي كان اعتبر آنذاك علاجًا فعالًا.
عددٌ لا يُحصى من المتاجرين:
يشير تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن التحقيقات كشفت عن مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة المتورطة بتجارة المنتجات الطبية غير المشروعة، شملت موظفي شركات الأدوية، والموظفين العموميين، وموظفي إنفاذ القانون، والعاملين في الوكالات الصحية، والباعة الجائلين.
أُطر أمنية وقانونية هشة:
تُسهم عدة عوامل في توسيع هذا السوق الخاص بالاتجار بالأدوية المقلدة، يأتي أبرزها الفساد وانعدام الأمن. فيكشف تقرير إيكواس: “أن العنف المستمر وعدم الاستقرار في بوركينا فاسو ساهما في توسّع حاد بهذا السوق، بما في ذلك حدود بوركينا فاسو التي يسهل اختراقها (تسيطر الدولة على 60% فقط من أراضيها)، إلى جانب الميناء البحري في كوناكري، عاصمة غينيا، كطرق تهريب رئيسية”. ويُسلط التقرير الضوء أيضًا على ضلوع التنظيمات الإجرامية في هذه التجارة غير المشروعة. ويُشير التقرير إلى أن: “ضعف الأطر التنظيمية بهذه البلدان سهّلت على مسئوليها الانخراط بممارسات الفساد بتلك الأنشطة غير القانونية، والتي تجلّت في انخراط سلطات الدولة والعاملون بالقطاع الطبي في تقدّيم المساعدة للأفراد المزورين للوصول إلى الموزعين وتجار التجزئة مباشرة”.
في مرحلة الإنتاج، لُوحِظ أن المستوردين غير الشرعيين في بوركينا فاسو وغينيا كوناكري يُقدّمون أوامر مباشرة للمختبرات القانونية (وغير القانونية) في الهند، ويطلبون منهم إنتاج كمية X من المنتج الطبيY ، مع كمية أقل من العنصر الفعّال لتقليل التكلفة.
تأثير بالغ المدى:
يمتد تأثير الأدوية المزيفة على طول امتداد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وليس فقط الغرب الأفريقي، تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 267 ألف حالة وفاة سنويًا مرتبطة بأدوية مضادة للملاريا مزيفة ودون المستوى المطلوب، وفقًا للتقرير العالمي “عولمة الجريمة: تقييم تهديد الجريمة المنظمة العابرة للحدود”، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يصل إلى 169,271 حالة مرتبطة بمضادات حيوية مُزيفة ودون المستوى المطلوب تستخدم لعلاج الالتهاب الرئوي الحاد لدى الأطفال.
إضافة للمخاطر الصحية، كان للاتجار بهذه المنتجات أثر اقتصادي بالغ الضرر على البلدان المُمتد إليها تأثير تلك الأنشطة غير القانونية. في هذا الإطار تُقدّر منظمة الصحة العالمية أن رعاية الأشخاص الذين استخدموا منتجات طبية مزيفة أو دون المستوى المطلوب لعلاج الملاريا في أفريقيا جنوب الصحراء يُكلّف ما بين 12 مليون دولار إلى 44.7 مليون دولار كل عام.
جهود غير كافية للتصدي:
إن مسألة الاتجار غير المشروع بالمنتجات الطبية ليست بالأمر الجديد، ولكن تقرير “إيكواس” وبياناته تؤكد على أن الوضع الآن بات أكثر استشراءً وخطورة. لذا تُبذل الجُهود، ويُجري تنفيذ مختلف المبادرات الوطنية والإقليمية والقارية لمكافحة هذه التجارة غير المشروعة وبالفعل بدأت هذه الجهود منذ سنوات وليس الآن فقط. على سبيل المثال انشأ الاتحاد الأفريقي مبادرة التنسيق التنظيمي للأدوية الأفريقية في عام 2009 لتحسين الوصول إلى الأدوية الآمنة والميسورة التكلفة. ويأتي هذا الجُهد في إطار خطة تصنيع الأدوية في أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، صادّقت جميع دول الساحل باستثناء موريتانيا على معاهدة إنشاء الوكالة الإفريقية للأدوية. واعترافًا بهذه الجُهود، قدّم تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة توصياته، والتي كان من بينها إدخال أو تنقيح التشريعات لمنع جميع الجرائم ذات الصلة، مثل التهريب وغسل الأموال وممارسات الفساد.
ومع ذلك، لا تزال هذه المبادرات غير كافية، خصوصًا مع تفاقم الأزمة. لذا يدعو تقرير الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا السلطات الوطنية إلى بذل المزيد من الجهود المتضافرة ويشدد على الدور الحاسم الذي يمكن أن تؤديه المنظمات الإقليمية والمجتمع المدني في هذا الصدد.
رابط المقال الأصلي:
رابط البيانات الواردة بالمقال: