ترجمات وعروض – انتخابات الكونغو الديمقراطية: ثلاثة مُتغيّرات تُشَكِّل ولاية تشيسيكيدي الأولى المليئة بالعقبات
اعداد :نهاد محمود أحمد- باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية – عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
مع اقتراب إجراء جمهورية الكونغو الديمقراطية للانتخابات الرئاسية خلال شهر ديسمبر الجاري، يبدأ الحديث ليس فقط عن أجواء الانتخابات المرتقبة وأبرز المُرشّحين المُتنافسين، بل يذهب الطرح إلى تقييم فترة الولاية الأولى للرئيس الكونغولي الحالي فيليكس تشيسيكيدي، في هذا الإطار نشرت منصة The Conversation مقالًا لـ”روبن لوفمان” المُحاضِر في التاريخ الأفريقي حول الولاية الأولى للرئيس الكونغولي؛ من حيث أبرز الإنجازات، التحديّات، ورهانات المُستقبل.
في البداية، من المُقرر أن يذهب مواطني “الكونغو الديمقراطية” ثاني أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان، إلى صناديق الاقتراع في 20 ديسمبر 2023. ويسعى الرئيس فيليكس تشيسيكيدي لإعادة انتخابه والفوز بولاية ثانية لخمس سنوات قادمة. رغم أن فترة ولايته الأولى شابها الكثير من التحديّات.
في هذا السياق يمكننا تمييز ولاية تشيسيكيدي الأولى وفقًا لثلاثة عوامل رئيسية:
- التساؤلات المُثارة حول مدى شرعية فوزه في انتخابات عام 2018.
- مدى ضلوع إدارته في أحداث العنف في شرق البلاد الغني بالموارد.
- حالة اقتصاد الكونغو والتوزيع غير العادل للثروات خلال فترة إدارته، لاسيّما عائدات التعدين.
يقول الكاتب في هذا الإطار: “لقد أجريت أبحاثًا مُكثّفة ودرست السياسة الكونغولية المعاصرة لمدة 15 عامًا، وفي رأيي، أنه في حين حقق تشيسيكيدي بعض النجاحات، بما في ذلك انضمام جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مجموعة شرق إفريقيا والتحسّن المتواضع في النمو الاقتصادي منذ جائحة كورونا، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل لتحسين حياة المواطنين الكونغوليين.”
انتخابات 2018 تطارد الرئيس مُجددًا:
كان تشيسيكيدي قد تولى حُكم البلاد في يناير 2019 بعد انتخابات ادّعى مارتن فايولو -أحد خصومه آنذاك- أنه استولى عليها وسرقها. تم تأكيد هذه الادعاءات من قِبَل عدة منصات بحثية كمجموعة أبحاث الكونغو وتحليل صدر عن فاينانشال تايمز لبيانات التصويت، وقد توصلت نتائجهما إلى أن فايولو قد فاز في الانتخابات بالفعل. لكن المحاكم الكونغولية أيّدت فوز تشيسيكيدي.
وفيما يتعلق بالانتخابات المُقبلة فهي غارقة أيضًا في حلقة من الشكوك والمخاوف بشأن احتمالية تكرار أحداث 2018. لذا وعدت اللجنة الانتخابية الكونغولية بالتغيير في محاولة للتخلص من مخالفات انتخابات عام 2018. وقد سجلت ما يقرب من 44 مليون ناخب في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 102 مليون نسمة. لكن فايولو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومراقبين دوليين آخرين للانتخابات أثاروا شكوكًا بشأن دقة سجلات الناخبين. حيث هدد فايولو بمقاطعة الانتخابات إذا لم يتم إعادة قوائم الناخبين وتدقيقها.
وسمحت اللجنة الانتخابية لـ 24 مرشحًا بالترشح للرئاسة. ومن بين هؤلاء المرشح الرئاسي لعام 2018 مويس كاتومبي، والحائز على جائزة نوبل للسلام دينيس موكويجي، وأوغستين بونيو، رئيس الوزراء السابق. وقد بدأت فترة الحملة الانتخابية رسميًا وهناك بالفعل خطط لحشد دعم المعارضة وراء كاتومبي.
وبالنظر إلى الخلافات التي تنطوي عليها هذه الانتخابات، وكذلك فيما يتعلق بالسياق الذي اقترن بتوليه منصبه في عام 2019، سيحتاج تشيسيكيدي إلى العمل بجدّ للفوز في الانتخابات المقبلة على نحو يؤكد للمواطنين أن هذه الجهود المبذولة ذات مصداقية ومردود إيجابي على حياتهم ومستقبلهم.
انتهاكات في شرق البلاد:
رغم أن شرق الكونغو كان غير مستقرًا قبل وصول تشيسيكيدي إلى السلطة، إلا أن تصاعد العنف منذ عام 2022 كان السمة المميزة لرئاسته. خاصة مع تواجد ما لا يقل عن 120 جماعة مسلحة ناشطة في المنطقة، على رأسهم حركة 23 مارس، التي تعد واحدة من أهم الجماعات المسلحة هناك. والتي يُنسب إليها الكثير من أعمال العنف بالمنطقة، مثلما حدث في مارس 2023، حيث أدى العنف الذي مارسته الحركة إلى نزوح حوالي 500,000 شخص. وفي الأسابيع الأخيرة، خرقت هدنة استمرت شهورًا واستأنفت هجماتها في شرق الكونغو. في هذا الإطار تحاول قوات حفظ السلام الدولية والإقليمية تسوية الصراع في شرق البلاد. ومع ذلك، فإن وجودهم يؤشر على فشل الحكومة الكونغولية في التعامل مع العنف بمفردها.
من جهة أخرى فقد أدت حالة الحصار التي أعلنها تشيسيكيدي في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري في المنطقة الشرقية في عام 2021 إلى تفاقم حالة حقوق الإنسان هناك. كما استولى الجيش على مناصب حكومية رئيسية من القادة المدنيين. فضلًا عن ارتباط الجيش الكونغولي بالعنف في المنطقة.
كان من المفترض أن يستمر الحصار لمدة شهر واحد، لكن تم تمديده عدة مرات من قِبَل حكومة تشيسيكيدي. وبعد مرور عامين، لم يحدث أي نقاش هادف حول هذا الأمر. لكن في الفترة التي سبقت انتخابات ديسمبر المُقبلة، أعلن تشيسيكيدي أنه سيخفف تدريجيًا هذا الحصار. لكن نتيجة لهذه التدخلات بات من الصعب على الشعب الكونغولي أن يُصَدِّق أن سياسات تشيسيكيدي ستُسفر عن كونغو أكثر سلامًا.
ولاية تشيسيكيدي الأولى.. إنجازات وتحديّات
على صعيد إدارة الاقتصاد الكونغولي، سجّل تشيسيكيدي بعض النجاحات خلال فترة إدارته للبلاد منذ عام 2019؛ فبالرغم من انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال جائحة كوفيد -19، إلا أنه حقق انتعاشًا متواضعًا. حيث ارتفع معدل النمو إلى 8.92٪ في عام 2022، بعد أن كان مسجلًا 6.20٪ خلال عام 2021، مع كون صناعة التعدين محركًا رئيسيًا للاقتصاد الكونغولي.
على صعيد التكامل الإقليمي، انضمت الكونغو الديمقراطية إلى جماعة شرق إفريقيا في عام 2022 كعضو سابع فيها. كان تشيسيكيدي يأمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز العلاقات التجارية والحدّ من التوترات مع جيران الكونغو. ويُتيح هذا الانضمام للبلاد الوصول إلى سوق تضم 146 مليون مستهلك بما يعني أنه يمكنها البدء في استيراد المزيد من السلع من جيرانها في شرق إفريقيا.
كما وقّعت الدولة الواقعة بوسط أفريقيا اتفاقًا للتعدين مع الإمارات في يوليو 2023، بلغت قيمتها 1.9 مليار دولار وتتضمن تطوير أربعة مناجم على الأقل في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد. تحتل مثل هذه الاتفاقات أهمية كبيرة خاصة أن التعدين يعد المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في الدولة الغنية بالموارد المعدنية.
كما وضع تشيسيكيدي حجر الأساس لطريق جديد يمرّ عبر زامبيا إلى تنزانيا لتسريع حركة الصادرات الكونغولية، في الدولة غير الساحلية، وسيقطع الطريق الجديد حوالي 240 كيلومترًا من الرحلة بين بعض مناجم النحاس والكوبالت في الكونغو وميناء في تنزانيا.
لكن رغم هذا يظل سجل تشيسيكيدي الاقتصادي غير إيجابي، كما أن الانتخابات المقبلة ستسبب أعباء مالية جديدة للدولة. ومن المتوقع أن تُكَلِّف هذه الانتخابات الكونغو حوالي 1.1 مليار دولار أمريكي. بناءً عليه يتوقع البنك الدولي أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى توسيع العجز المالي للبلاد في عام 2023 إلى -1.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، فقد أدت ضغوط الصرف الأجنبي الناجمة عن الإنفاق المتزايد على الأمن وترتيبات ما قبل الانتخابات إلى انخفاض الفرنك الكونغولي بنسبة 20٪ مقابل الدولار.
وتتطلع حكومة تشيسيكيدي إلى زيادة الإيرادات من إعادة التفاوض التي طال انتظارها بشأن اتفاق التعدين بين الصين والكونغو الديمقراطية. ويتعرض الرئيس الكونغولي لضغوط للحصول على المزيد من الصفقة التي تبلغ قيمتها 6.2 مليار دولار. ويريد تشيسيكيدي حصة 70 في المئة في شركة سيكومينز الصينية الكونغولية. ستعدّ الصفقة الصينية، حال إتمامها، إحدى النجاحات التي يمكن أن تُضاف إلى إنجازات تشيسيكيدي الاقتصادية، خاصة أنها يمكن أن تؤثر على نحو إيجابي على حياة الشعب الكونغولي، بالنظر إلى الاستثمارات المأمولة في المدارس والطرق والمستشفيات. ومع ذلك، من غير الواضح عدد مشاريع البنية التحتية التي تم تنفيذها. كما أنه في الوقت نفسه، اقترنت مشروعات وصناعات عدة كالتعدين بمزاعم حول انتهاكات لحقوق الإنسان.
ماذا بعد؟
وفي حملته الرئاسية، شدد تشيسيكيدي على الإنجازات الاقتصادية والدبلوماسية لإدارته بدلًا من التركيز على الوضع المُعقّد في شرق البلاد. مع ذلك، فإن رد فعل مُرشحي المعارضة على هذه الإنجازات يعني أن تشيسيكيدي سيحتاج إلى حملة قوية للفوز بولاية ثانية. كما إن الانتخابات التي يُنظر إليها على أنها غير شرعية لن تؤدي إلا إلى إلحاق المزيد من الضرر بمصداقية تشيسيكيدي، بالنظر إلى حجم الأموال التي تنفقها الحكومة الكونغولية عليها.
في الأخير يمكن القول إن أحد أفضل الأشياء التي يمكن أن يفعلها تشيسيكيدي في المرحلة الراهنة تتمثل في ضمان إجراء انتخابات حُرة ونزيهة. وهذا من شأنه أن يقطع شوطًا طويلًا في مسار إنقاذ فترة ولايته المضطربة حتى الآن.
الرابط الأصلي للمقال: