ترجمات وعروض : ما بعد الإطاحة ببازوم-هل تُنَفِّذ “إيكواس” تهديدها بالتدخل عسكريًا في النيجر؟

اعداد :نهاد محمود أحمد -باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية -عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز

نشر موقع VOA Africa مقالًا حول التداعيات التي صاحبت الإطاحة بالرئيس النيجري “محمد بازوم” في السادس والعشرين من يوليو الماضي، والتي كان أبرزها تلويح الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” باستخدام القوة حال استمرار مُدبري الانقلاب في الحكم وعدم تسليم السُلطة للرئيس “محمد بازوم”. في هذا السياق يتطرق المقال إلى خبرات التكتل السابقة في التدخل العسكري بدِوَلِه الأعضاء بإقليم غرب أفريقيا، وإلى أي حد تصل قوته العسكرية، وفرص صمود النيجر إزاء هذا التدخل وبخاصة في ظل الموقف الداعم للجيش النيجري من دول الجوار الرافضة للتدخل (غينيا- بوركينا فاسو- مالي)، فضلًا عن التأثير الدولي المُمارس من قِبَل الغرب وروسيا أصحاب المواقف المتعارضة تجاه سيطرة الجيش على السُلطة.

موقف “إيكواس” تجاه استيلاء الجيش النيجري على السُلطة:

اتسم موقف “إيكواس” بالوضوح منذ اللحظات الأولى لإعلان استيلاء جنود من الحرس الرئاسي على السُلطة والتحفظ على الرئيس النيجري، والذي أكد على الوقوف مع الشعب النيجري من أجل إعادة بازوم للحكم وإنفاذ سيادة القانون. وهو ما أكده الرئيس النيجيري المُنتخب حديثًا، في مايو الماضي، “بولا تينوبو” في اجتماع إيكواس هذا الأسبوع. واستدعى التكتل -الذي يضم 15 دولة- وزراء دفاعه من أجل مناقشة الوضع المتأزم بالنيجر لاتخاذ الإجراءات اللازمة التي قد تشمل استخدام القوة، إذا اقتضى الأمر، ولم تتم إعادة الرئيس النيجري المخلوع إلى منصبه في غضون أسبوع واحد. وقررت الجماعة الاقتصادية استخدام القوة العسكرية بعد فشل العقوبات الاقتصادية التي استُخدِمَت ضد مُدبري الانقلاب، وفقًا لدبلوماسي غربي في نيامي، لم يرغب في الكشف عن هويته لأسباب أمنية. في السياق ذاته وصف رئيس المجلس العسكري “عبد الرحمن تشياني” هذه العقوبات بأنها غير قانونية وغير عادلة وغير إنسانية. ولا يزال من غير المعلوم كيف سُينَفذ “إيكواس” تهديده باستخدام القوة، خاصة في ظل افتقاره للتنسيق وفرض الأمن والعقوبات على دول عدة بإقليم غرب أفريقيا.

أبرز التدخلات العسكرية السابقة لإيكواس بغرب أفريقيا:

هذه هي المرة الأولى خلال السنوات الأخيرة التي تقرر فيها “إيكواس” استخدام القوة والتدخل لاستعادة الحكم الديمقراطي في البُلدان التي تولى فيها الجيش زمام الأمور. وسط موجة عودة الانقلابات بغرب ووسط أفريقيا، والتي خلالها باتت تدير أربع دول حكومات عسكرية في المنطقة، في ظل محاولات من الجماعة الاقتصادية لإعادة الحكام المُنتخبين ديمقراطيًا لكن دون جدوى، خصوصًا مع الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية التي غالبًا ما تنتهي دون أي تأثير فعّال سوى مزيد من الضغوط على المواطنين الذين يواجهون بالفعل معدلات مرتفعة من الفقر والجوع.

لكن هذا لا ينفي استخدام “إيكواس” للقوة العسكرية بالفعل تجاه إحدى دِوَله الأعضاء، والتي كان أخرها عام 2017 في غامبيا، بعد رفض الرئيس “يحيى جامع” التنحي لخسارته بالانتخابات الرئاسية. لكن حتى في هذه الحالة تضمنت هذه الخطوة جهودًا دبلوماسية قادها رئيسا موريتانيا وغينيا آنذاك، بينما بدا أن “جامع” يتصرف من تلقاء نفسه بعد أن تعهد الجيش الغامبي بالولاء للفائز في الانتخابات “أداما بارو”.

كما قامت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بتوظيف قوة إقليمية لحفظ السلام عرفت باسم “إيكوموج” ECOMOG والتي قادتها نيجيريا في تسعينيات القرن العشرين للمساعدة في التدخل بالعديد من البُلدان لاستعادة النظام، بدءًا من ليبيريا عندما تم نشر القوات لأول مرة في عام 1990 خلال الحرب الأهلية الدامية، إلى سيراليون عام 1997 حينما أُطيح بحكومة “أحمد تيجان كبه” المنتخبة ديمقراطيًا.

فرص نجاح خيار التدخل العسكري لإيكواس في النيجر:

قد لا يتمكن الجيش في النيجر من الصمود لفترة طويلة ضد قوة مشتركة من قبل الجماعة الاقتصادية، خاصة في حالة النيجر كدولة حبيسة تعتمد على جيرانها في توفير خدمات أساسية؛ كاعتمادها على نيجيريا في توفير إمدادات الكهرباء، وبنين في عمليات الموانئ، وفقًا للباحث “باكاري سامبي” بمعهد تمبكتو للأبحاث بالسنغال. كما رأى محللون بأن نجاح مثل هذا التدخل العسكري سيعتمد على قدرة “إيكواس” على التنسيق بين أعضائها والاتحاد الأفريقي. وتظهر هنا دلالات -وإن كانت غير كافية- على عدم وجود اتفاق بين الجانبين (إيكواس والاتحاد الأفريقي) خاصة بالقرارات المُعلنة؛ حيث منحت الجماعة الاقتصادية المجلس العسكري في النيجر مهلة مدتها أسبوع واحد، وهي أقصر من مهلة الـ 15 يومًا التي منحها الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري للعودة لثكناتهم.

من جهة أخرى فهناك قيود اقتصادية تتعلق بكيفية تنفيذ وتنسيق الخدمات اللوجستية والتمويل لمثل هذا التدخل، كما قال مؤسس شركة “بيكون” الأمنية الواقعة بالعاصمة النيجيرية أبوجا. فالتدخل العسكري سيكون صعبًا بعض الشيء ومع ذلك هناك خيارات أخرى متاحة بيد الغرب وخاصة فرنسا، كالعقوبات المالية والتقنية. رغم ذلك يُمكن للنيجر التغلب على تلك العقوبات من خلال تلقي الدعم من الدول الأخرى الداعمة، لاسيما دول الجوار المؤيدة للانقلاب والرافضة للتدخل العسكري من أي طرف، سواء إيكواس أو فرنسا، فضلًا عن الدعم المُعلن من قبِل القوات العسكرية غير النظامية كفاغنر والتي لوّح مؤسسها “يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين” لاستعداده دعم قائدي الانقلاب واستعادة الأمن والتخلص من المُستعمرين السابقين، في إشارة إلى باريس.

على الصعيد ذاته تُمثِّل معارضة الأنظمة العسكرية المجاورة -مالي وبوركينا فاسو- قيدًا على استجابة “إيكواس” وتدخلها لإعادة الرئيس المخلوع. يؤكد هذا ما صرّحت به مالي وبوركينا فاسو -اللتان يحكماها جنود متمردون- من إنهما ستعتبران التدخل في النيجر بمثابة إعلان حرب ضدهما، في حين أدانت غينيا أيضًا موقف الجماعة الاقتصادية وتعهدت بعدم المشاركة في العقوبات المفروضة. وتشترك الدول الأربع (النيجر- مالي- بوركينا فاسو- غينيا) في الحدود ما قد يُسهل عليها التعاون عبر منطقة الساحل والامتداد الشاسع جنوب الصحراء بدءًا من غينيا إلى النيجر.

مدى القدرة العسكرية للقوة التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا:

في ديسمبر الماضي قال التكتل أنه عازم على تشكيل قوة إقليمية للتدخل خلال المستجدات والأزمات الطارئة كالانقلابات العسكرية، لكن لم ترد أي أنباء منذ ذلك الحين عن تشكيل مثل هذه القوة أو كيفية عملها. ومن حيث الأرقام يعتقد أنه إذا قررت الجماعة الاقتصادية نشر قوات الأمن في النيجر فإن قوامها سيفوق 7000 فرد، متجاوزة بذلك القوة متعددة الجنسيات التي أُرسِلَت لعزل “جامع” من منصبه بغامبيا. وتمتلك نيجيريا وحدها أكبر قوة مسلحة في غرب أفريقيا، حيث تضم 230 ألف فرد، وإن لم يكن جميعهم من قوات الخطوط الأمامية. جدير بالذكر أن الجيش النيجيري احتل المرتبة الرابعة أفريقيًا كأقوى الجيوش الأفريقية وفقًا لمؤشر القوة العسكرية جلوبال فاير باور “Global Fire Power”لعام 2022.

حجم التأثير الذي يُمكن أن يُحدثه الغرب وروسيا داخل النيجر:

في هذا السياق يقول مؤسس إحدى شركات الأمن بأبوجا “أدامو” أن التدخل العسكري بقيادة “إيكواس” خاصة في ظل رد الفعل المناوئ له من قِبَل مالي وبوركينا فاسو وغينيا يمكن أن يحصر المنطقة وسط معركة جيوسياسية شرسة يشمل أطرافها قوى كبرى لاسيما الغرب وتحديدًا فرنسا التي تقاتل بكل قوة حتى لا تخسر أخر معاقلها بمنطقة الساحل، إضافة للدعم المُعلن من مؤسس فاغنر وما يستطيع أن يقدمه من حلول كحِصن وذراع عسكري مُحتمل أمام القوى الغربية الرافضة للانقلاب، الأمر الذي قد يفسح الطريق لدخول فاغنر إلى نيامي، خاصة مع بروزها كشريك أمني مُفضل في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، بدءًا من أفريقيا الوسطى ومالي حيث المساعدة في محاربة التنظيمات الإرهابية، وصولًا إلى بوركينا فاسو حيث إشادة النظام العسكري بروسيا باعتبارها حليفًا استراتيجيًا، عقب طرد القوات الفرنسية في فبراير الماضي.

الخلاصة أن كل هذه التداعيات تؤشر على أننا أمام انقلاب لا يُشبه الانقلابات العسكرية السابقة التي وقعت بدول الجوار خلال السنوات القليلة الماضية -مالي وبوركينا فاسو، بل أمام مأزق يزداد تعقدًا يومًا تِلو الآخر، يصعب التنبؤ بما يمكن أن يؤول إليه من مستجدات، وفقًا للمُعطيات الحالية، خاصة في ظل تعارض المواقف إزاء الانقلاب حتى بالداخل النيجري ذاته، والتي تجلّى بعضها بالتصريحات المتبادلة مِن قِبَل قادة الانقلاب النيجري مقابل الأطراف الإقليمية (إيكواس- دول الجوار الرافضة والمؤيدة) في حضور قوي للغرب واختلاف مواقفه من التدخل العسكري، وصولًا لروسيا والانخراط المُحتمل بالداخل النيجري عبر القوة العسكرية غير النظامية “فاغنر”.

 الرابط الأصلي:

https://www.voaafrica.com/a/niger-coup-poses-challenge-for-ecowas/7208374.html