تقارير

الأبعاد الجيو اقتصادية لمبادرة الممر الاقتصادي الجديد IMEC

إعداد: نشوى عبد النبي سيد – باحث بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء

مقدمة

أدى تسارع وتيرة عولمة الاقتصاد والتقدم التكنولوجي في مجال النقل منذ منتصف القرن الماضي، إلى التحفيز نحو إنشاء المزيد من الممرات التنموية، جدير بالذكر أن مفهوم ممر النقل تم استخدامه للمرة الأولى في منتصف الثمانينيات، عندما بدأت لجنة النقل الداخلي التابعة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا (UNECE) في إجراء دراسات حول تدفقات النقل في أوروبا من أجل تطوير حركة المرور العابر. وشهد العالم إطلاق للعديد من المشروعات الخاصة بإنشاء الممرات التنموية الدف منها تسهيل نقل وتبادل البضائع، ومن ثم توفير الوقت والمال، وتعزيز مكانة الدول الشريكة في تلك المشاريع اقتصادياً. وقد أُطلِق على تلك الممرات مسمى “ممرات التنمية” نظراً إلى كون تلك الممرات غالباً ما تصحبها تنمية المناطق المحيطة بها. ويعرف ممر التنمية بذلك بأنه التوسع العالمي الحالي والمستمر في البنية التحتية أو طفرة البنية التحتية العالمية.   

لاقت فكرة إنشاء الممرات التنموية قبولاً وإقبالاً واسعاً لدى العديد من دول العالم خلال العقد الماضي، وهو ما ظهر جلياً من خلال عدة مؤشرات:

  • حرص الصين على تعزيز نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق.
  •  تدشين ممر بحري لتوريد الحبوب من أوكرانيا .
  •  مساعٍ روسية لتطوير ممر البحر الشمالي الروسي.
  •  تدشين تركيا مشروع قناة إسطنبول .
  • إطلاق مشروع ممر بحري بين تركيا وإيطاليا وتونس.
  •  طرح مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. (1)

طرح مبادرة الممر الاقتصادي بقمة مجموعة العشرين 2023 ودلالات طرحها في هذا التوقيت

خلال قمة مجموعة العشرين في نيوديلهي وقّعت المملكة العربية السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لإنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا، بمشاركة كل من الهند، والاتحاد الأوروبي، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا. وقد وُصف هذا الحدث بأنه محوري وتحولي في الخريطة اللوجستية العالمية.(2) وعليه يمكن القول إن الإعلان عن هذا المشروع في ذلك التوقيت يطرح عدة دلالات، هي كالتالي:

  • أولاً: التحول والتغير في قواعد اللعبة: حيث يتيح مشروع الممر الاقتصادي العديد من الفرص الواعدة للدول المشاركة، من خلال خلق طريق تجاري موثوق وأكثر فعالية من حيث التكلفة، بما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على دول أخرى بخلاف الدول التي يشملها الممر. ويضم الممر الاقتصادي الجديد عدة دول، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات. كما أن هذا الممر سيربط بين دول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا، وسيكون له مساران: الممر الشرقي (الهند – الخليج العربي) والممر الشمالي (الخليج العربي – أوروبا). كما أن هذا المشروع من المحتمل أن يوفر طريقًا تجاريًا موثوقًا وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وبل يزوّد العالم بطريق تجاري منافس آخر وممر اقتصادي يضيف إلى شبكة مبادرة الحزام والطريق (BRI). ومن المفترض أن تساعد إضافة طريق التجارة IMEC في سلاسل التوريد الأكثر مرونة التي سوف تفيد عديدًا من الدول على مستوى العالم.
  • ثانياً: الدعم الأمريكي لمبادرة الممر الاقتصادي الجديد: تحظى المبادرة بدعم وتأييد الولايات المتحدة حرصاً منها على تقليل الاعتماد على الصين، كما يتوافق IMEC بشكل جيد مع أهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فإن المبادرة سوف تتمتع بدعم قوي من السعودية والإمارات. على نحو مماثل، تطمح الهند إلى التحول إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع. فيما سيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي لديها الآن مواني ذات مستوى عالمي، مثل مواني موندرا وJNP على ساحلها الغربي.
  • ثالثاً: خلق ساحات تنافسية بديلة: سيمنح مشروع الممر الاقتصادي الهند ميزة تنافسية على الصين التي تراها منافسًا اقتصاديًا لها. أما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقد سعيا لفترة طويلة إلى إيجاد مشروع منافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي يرون فيها زيادة للنفوذ الصيني. وقد كان ناقوس الخطر لهذه الدول حين انضمت إيطاليا إلى المبادرة الصينية في 2019، وقد تعلن انسحابها نهاية العام الحالي. لذلك، فقد استحدثت عام 2020 مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل (Build Back Better World)، قبل أن تعيد تسميتها العام الماضي إلى “الشراكة العالمية للبنية التحتية”، وتهدف إلى بناء ممرات اقتصادية لتسهيل تدفق السلع بين الدول، ولا سيما الدول النامية. وبصفة عامة، تسابق الدول الغربية الأيام لسحب كل أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية من يد روسيا. فبعد الغاز والنفط، يأتي الدور على التجارة، وتسعى أوروبا لتعزيز طريق تجاري يربطها بالصين دون الحاجة إلى المرور عبر روسيا، سعيًا لزيادة عزلة موسكو. (3)

الدول الأكثر استفادة من الممر الاقتصادي الجديد:

إن الدول الأكثر استفادة من الممر، هي تلك التي ستعزز نشاط تجارتها الدولية، باعتبار أن نقطة البداية في المعبر هي الهند، ونقطة النهاية في الشمال هي أوروبا (اليونان)، وستستفيد الهند عبر إرسال بضائعها مباشرة ودون عوائق من خلال هذا الممر إلى المقصد، سواء كان السعودية، أو الهند، أو ما بينهما من دول، وفي حالة الهند، ومع وجود هذا الممر لن تتعرض البضائع الهندية لأي توقف أو تأخير في الدول المارة مثل السعودية أو الإمارات، كما يضيف، بل ستنطلق البضائع من نقطة الشحن في الهند إلى نقطة المصب في أوروبا، وهذا يعني تسهيل التجارة، وستكون منافسة، بحيث تقلص الكلف اللوجستية الكثيرة ذات الصلة بالشحن والمتابعة والتحميل واختصار الوقت وإتاحة استخدام أنماط أخرى عوضاً عن الالتفاف بالسفن على بحر العرب إلى البحر الأحمر، ثم عبر قناة السويس، وصولاً إلى أوروبا، وهذا كله سيختصر في الممر انطلاقاً من الهند. (4)

وفقاً لمقال للكاتب فاس شينوى، تعتبر إسرائيل والهند والولايات المتحدة وإيطاليا هم أكبر الأطراف الفائزة في هذا المشروع، وذلك على النحو التالي:

  • أولاً: الولايات المتحدة: يتصدى الرئيس الأمريكي بشكل مستمر لمبادرة الحزام والطريق الصينية، و يعمل على جمع حلفاء منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الهندية تحت مظلة واحدة. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن البنية التحتية المحسنة ستعزز النمو الاقتصادي وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معًا وستعمل على ترسيخ تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلاً من أن تكون «مصدرًا للتحدي أو الصراع أو الأزمة» كما كانت في التاريخ الحديث. أفاد سوليفان أن التفكير في المشروع بدأ بعد زيارة بايدن إلى جدة في يوليو 2022، حيث أكد على الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي. وفى يناير 2023، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين حول هذا المفهوم. وبحلول ربيع 2023، كان يتم صياغة الخرائط والتقييمات المكتوبة للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط.
  • ثانياً : إسرائيل: على الرغم من عدم حضور إسرائيل في قمة مجموعة العشرين، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام بعقد مؤتمراً صحفياً مفصلاً لشرح ودعم مبادرة الممر الاقتصادي ، موضحاً أن إسرائيل في محور مشروع دولي غير مسبوق سيربط البنية التحتية من آسيا إلى أوروبا . وأضاف نتنياهو في رسالة عبر الفيديو، أن الممر الجديد “سيؤتى ثماره لرؤية طويلة الأمد ستغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل”.
  • ثالثاً : الهند: أشار الكاتب الهندي رجا موهان، في مقال له على صحيفة The Indian Express أن هناك عدة أسباب تجعل الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا قادرا على رسم مسار جديد جرئ في عالم متغير، مؤكداً أن الممر يشكل تحديًا لنفوذ الحزام والطريق الصيني في المنطقة. رأى موهان أنه قبل بضع سنوات فقط، كانت الحكمة التقليدية في نيودلهي تقول إن الهند والولايات المتحدة قد تعملان معا في منطقة المحيط الهادئ الهندية، لكن ليس لديهما الكثير من القواسم المشتركة في الشرق الأوسط. لكن تم كسر هذه الأسطورة عندما تعاونت الهند والولايات المتحدة مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لإنشاء منتدى I2U2 لتطوير عدد قليل من المشاريع الاقتصادية المشتركة. ويتبين الآن أن الممر بين الهند وشبه الجزيرة العربية وأوروبا أكثر أهمية بكثير. كما أنه لدى الهند اقتصاد واعد، وهي لم تحرص منذ سنوات على توفير الاتفاقات لقيام مثل هذا الممر إلا لتنمي تجارتها السلعية النشطة بينها وبين دول الخليج العربي، ولكن أيضاً استهدافاً لألمانيا وبقية دول أوروبا، وبخاصة الاقتصادات الرئيسة هناك، وكذلك تلقي الواردات من تلك البلدان، وبالنسبة لدول الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات
  • رابعاً: إيطاليا:  وفقاً  لما جاء بصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، بالنسبة لميلونى، كان اللقاء الثنائي مع رئيس الوزراء الصيني لى تشيانج مناسبة لإبلاغه بنية إيطاليا الانسحاب من مذكرة التفاهم الخاصة بمبادرة الحزام والطريق،  وبالتالي فإن المشاركة الإيطالية في الممر الاقتصادي تعتبر انتصاراً، وستلعب دوراً رئيسياً ليس فقط في تطوير الوقود الحيوي ولكن أيضًا في خطوط أنابيب الهيدروجين وأمن الطاقة ونقل الكربون، وربما في تطوير السكك الحديدية العابرة للقارات. وبصرف النظر عن الأهمية الاقتصادية لهذه البرامج المختلفة، فإن هذا يوسع خطة ميلونى «ماتى» إلى شواطئ الهند. وتصبح إيطاليا مفترق الطرق الأوروبي مثلما تصبح إسرائيل مفترق طرق الشرق الأوسط للبيانات والطاقة والتجارة من الهند إلى أوروبا. (5)

الأهمية الاقتصادية لمشروع الممر الاقتصادي الجديد للشرق الأوسط

أن المنطقة نشطة تجارياً، وتتجاوز تجارتها 2 تريليون دولار سنوياً، ولها دور ارتكازي في التجارة الدولية، ليس فقط بسبب حصتها من التجارة الدولية، بل كذلك بحكم موقعها في وسط العالم بين الاقتصادات المتقدمة في أوروبا وشمال أميركا، وبين الاقتصادات الصاعدة في آسيا، ولا سيما الصين والهند. ويلفت إلى أن المكاسب الكبيرة، وحجم تلك المكاسب يعتمدان حقيقة على حماس الدول التي يعبرها الممر لتنفيذ اتفاقات مرنة من جهة، وتكون محل تطبيق والتزام من جهة أخرى. (6)

أولاً: الأهمية التجارية والاستثمارية:

  • تأتي الأهمية الكبيرة للممر الجديد أنه تم طرحه من قبل دول مجموعة العشرين اقتصادياً خاصة بعد دخول الاتحاد الافريقي (والذي يمثل 55 دولة) الى عضوية هذه المجموعة بالإضافة لعضوية الاتحاد الاوربي، فحجم دول مجموعة العشرين (G20) من الناتج الإجمالي وحجم التجارة  يُشير إلى الأهمية الاقتصادية والتجارية الكبيرة لهذه الدول، حيث بلغ الناتج الإجمالي في عام 2021 لدول مجموعة العشرين نحو 85 تريليون دولار أميركي، وحسب إحصائيات منظمة التجارة العالمية، بلغ حجم التجارة الإجمالي بين دول مجموعة العشرين في عام 2021 نحو 20 تريليون دولار أميركي. وفيما يتعلق بالاستثمارات تشير بيانات الاستثمارات المباشرة الأجنبية إلى أن الهند استقبلت في السنوات الأخيرة استثمارات مهمة من الشركات الأوروبية في مجموعة متنوعة من القطاعات، كما تمتلك دول الشرق الأوسط بنية تحتية مطورة تدعم حركة التجارة والنقل، بما في ذلك موانئ بحرية حديثة وشبكات طرق وسكك حديدية متقدمة. بالاعتماد على هذا الممر الاقتصادي، يمكن توسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري وتحفيز التنمية الشاملة في المنطقة وتحقيق فوائد اقتصادية مشتركة للجميع. إن التوجه نحو تعزيز هذه العلاقات وتطوير البنية التحتية اللازمة سيساعد في تعزيز التبادل التجاري وتعزيز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء الممر الاقتصادي ويسهم في بناء عالم أكثر ازدهارًا واستدامة. (7)
  • يساعد المسار التصاعدي للعلاقات الاقتصادية والتجارية للهند والخليج وأوروبا على تشكيل قاعدة صلبة لنجاح مشروع الممر الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، وصل حجم التبادل التجاري بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في الفترة 2022-2023 إلى 184 مليار دولار مقارنة بـ 87.4 مليار في عام 2021. ووصلت تجارة الإمارات مع الهند في العام المنتهي في مارس 2023 إلى 84.5 مليار دولار، بعد توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير 2022. ويجري مجلس التعاون الخليجي مفاوضات مع الهند لتوقيع اتفاق تجارة حرة حالياً. وخلال القمة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة العشرين، تعهَّد الجانبان بتسريع برنامج الاستثمارات السعودية في الهند بقيمة 100 مليار دولار. ومن جهة أخرى، وصل حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي في عام 2022 إلى حاجز 186 مليار دولار، بالتزامن مع تراجُع تجارة التكتل الأوروبي مع روسيا على وقع حرب أوكرانيا. (8)
  • أن مشروع الممر الاقتصادي الكبير أعاد إلقاء الضوء على الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحظى به المملكة العربية السعودية على طريق التجارة بين الشرق والغرب والثقل الذي تتمتع به في محيطها الإقليمي كنقطة ارتكاز في أي مشروع واعد بين أوروبا وآسيا، كما سيوفر الممر الاقتصادي الجديد فرصة لاستغلال المناطق اللوجستية التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية، وفقاً  للمخطط العام للمراكز اللوجستية في السعودية، والذي يضم 59 مركزاً لوجيستياً، منها 17 مركزاً في المنطقة الشرقية، و12 مركزاً لكل من الرياض ومكة المكرمة، وهذا يعني أن السعودية في طور إنشاء شبكة متكاملة من المراكز اللوجستية، مما يعني تلقي السلع الآتية من الهند أو من الإمارات. أو أوروبا، ومن خلال شبكة المراكز اللوجستية السعودية، وتوجيهها إلى أية نقطة داخل البلاد أو خارجها إلى أفريقيا، وذلك تحقيقاً لاستغلال الموقع الاستراتيجي المتميز للسعودية كرابط بين ثلاث قارات. (9)
  • يعتبر الممر الاقتصادي الجديد فرصة هامة لدول الشرق الأوسط لتعزيز التعاون مع دول الهند وأوروبا وتعزيز الاستثمارات والتجارة عبر هذا الطريق الحيوي. حيث توفر هذه العلاقات الفرص لتعزيز التبادل التجاري وتعزيز التعاون في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية، والاستثمار في مشاريع تطوير البنية التحتية واللوجستيات على طول هذا الممر يمكن أن يشجع على تسهيل التجارة وزيادة حجمها. وتسهم هذه الجهود في تحسين اقتصاد الدول المتعاملة وتعزيز فرص التوظيف والنمو الاقتصادي.
  • إن الممر الجديد سيكون له أثر إيجابي مضاعف على حجم التبادل التجاري بين الشرق والخليج العربي، سلاسل الإمداد، نقل الكهرباء المتجددة، الهيدروجين الأخضر من “نيوم” التي ستنتج 600 طن يومياً بحلول عام 2026، ونمو الاقتصاد الرقمي والربط والنقل الرقمي للبيانات عبر: السكك الحديدة، الكابلات، وخطوط أنابيب، كابلات الألياف البصرية. (10)

 ثانياً: دور الممر الاقتصادي الجديد في تطوير مشروعات البنية التحتية واللوجستيات:

إن الممرات الاقتصادية تهدف إلى توفير روابط لوجستية بين الدول المشاركة فيها لتحقيق التكامل الاقتصادي، ما يسهم في الارتقاء بالبنى التحتية من خلال بناء شبكات طرق وسكك حديدية وتطوير الموانئ لزيادة تدفق السلع بين الدول وتعزيز التبادل التجاري فيما بينها، ويترتب على ذلك زيادة في الوظائف وفرص استثمارية وشراكات متعددة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، . كما للممرات الاقتصادية جانب استراتيجي حيث أنها تكون بين دول تتمتع بالاستقرار السياسي وعلى وفاق بعضها مع بعض، على سبيل المثال عمدت روسيا في الآونة الأخيرة إلى تفعيل (ممر النقل بين الجنوب والشمال) مع دول أوراسيا لزيادة تدفق السلع بين هذه الدول، وتقليل الاعتماد على التبادل التجاري مع الغرب. (11)

  • بالتأكيد إن الممر الاقتصادي إذا ما أصبح واقعاً من خلال سكك الحديد وربط الموانئ، سيقلل من تكاليف النقل والشحن واستخدام الوقود، وسيزيد من تدفق صادرات المنطقة لأوروبا. يمكن أن يكون هذا الممر الاقتصادي عاملًا محوريًا في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق الازدهار في الهند ودول الشرق الأوسط وأوروبا. من خلال الاستثمار المستدام والتعاون الوثيق الاقتصادي الوثيق بين تلك الدول.
  • فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، إن الممر الاقتصادي الجديد يتسق مع أهداف المخطط العام للمراكز اللوجستية الذي يضم 59 مركزاً، الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان في 27 أغسطس 2023، لتطوير البنية التحتية للقطاع اللوجستي في المملكة وتنويع الاقتصاد المحلي، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية رائدة. وأكد ولي العهد، أن المخطط يهدف إلى تطوير القطاع اللوجستي لدعم النمو الاقتصادي وتطوير الربط المحلي والإقليمي والدولي لشبكات التجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية، وترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي كونها تمتاز بموقعها الجغرافي الذي يربط ثلاثاً من أهم قارات العالم (آسيا، وأوروبا، وأفريقيا). كما أنه أيضاً ينسجم مع أهداف مشروع تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) وهو من أهم برامج رؤية المملكة 2030، الذي تم إطلاقه في 22 يناير 2019، لتعزيز التكامل بين أهم القطاعات الاقتصادية في مجالات الطاقة، التعدين، الصناعة، الخدمات اللوجستية. (12)
  • أن السعودية أكثر تهيؤاً لتكامل هذا الممر الاقتصادي مع مبادرتها الخاصة بتأسيس عدد من المناطق الاقتصادية الخاصة، والتي أعلنت أخيراً عن أربع من هذه المناطق، يمكن من خلال هذه المناطق، تسلم الشحنات الكبيرة وإعادة تعبئتها أو تقسيمها إلى شحنات جزئية وإعادة تصدير هذه الشحنات الجزئية كل منها في اتجاه مختلف. ويرى أن “هناك فرصة كبيرة للتخزين وإعادة التصدير في المناطق الاقتصادية الخاصة وتتجه البضائع إلى أفريقيا أو دول عربية أخرى أو أية نقطة في العالم، وهو ما سينشط إعادة التصدير في السعودية من جهة، وسيسهم في تنشيط التصنيع من جهة أخرى عبر تسلم وتجميع الصناعات غير المكتملة (subassemblies) ثم إكمال تجميعها أو تصنيعها بإنجاز بعض العمليات الصناعية بما يحقق القيمة المضافة ويرفع المحتوى المحلي لجعل المنتج سعودياً وتصديره وفقاً للاتفاقات التجارية بين الرياض وبقية البلدان، ومن الواضح أن ذلك سيكون في صالح الصادرات السعودية وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي، كما يقول، بخاصة في ظل وجود علاقة وثيقة بين صافي الصادرات ونمو الناتج المحلي، وذلك سيصب تحديداً في زيادة الصادرات غير النفطية إلى نحو 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2030، وهو أحد مستهدفات رؤية السعودية 2030”. (13)
  • من المفترض أن تساعد إضافة طريق التجارة IMEC في سلاسل التوريد الأكثر مرونة والتي سوف تفيد عديداً من الدول على مستوى العالم (بما في ذلك تلك التي هي خارج الهند وأوروبا). وسوف يعوض ذلك الاعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة التي تسيطر عليها الصين. وفي وقت سابق من هذا العام.

التحديات أمام الممر الاقتصادي

يواجه مشروع الممر الاقتصادي مجموعة من التحديات الجيوسياسية والجيواقتصادية والتنظيمية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

 أولاً، التحديات الجيوسياسية:

  1. تحديات متعلقة بالعلاقات السعودية – الإسرائيلية: فمن الوارد أو المحتمل تعثر اتفاق المبادرة .  بسبب البُعد السياسي المتعلق بشعبية العلاقات الاقتصادية غير الرسمية، لأن هذا الوضع قد يخلق مجموعة من التحديات القانونية واللوجستية والتنظيمية والمرتبطة بقدرة الشركات السعودية على العمل في إسرائيل، والاتصال المباشر بين البنية التحتية السعودية والإسرائيلية وامتداد المشاريع الناتجة عن مبادرات الاستثمار المشتركة من قبل الدول الأعضاء دون وجود علاقات رسمية بين الجانبين.
  2. وجود تحديات سياسية داخلية كبيرة في الأردن، والمتمثلة في الرفض الداخلي الأردني للتطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، والذي من المتوقع تصاعده، إذا لم يحصل الفلسطينيون على مكاسب وضمانات ملموسة في سياق أي اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي.
  3. مقاومة مشروع الممر الاقتصادي من قبل بعض الدول مثل مصر وتركيا وإيران،  وهو ما قد يتطور إلى تفاهمات مشتركة مقاومة له.
  4. تحوّل مشروع الممر إلى منصة أمنية/عسكرية للدول المشاركة فيه مستقبلاً، إذ قد يعظم هذا السيناريو من الشكوك حول نوايا القوى الراعية له، وهو ما ينزع عنه المصداقية ويحوله إلى أداة من أدوات تنافس القوى العظمى.

ثانياً، التحديات الجيواقتصادية

  1. عدم اكتمال بعض نقاط الربط اللوجستي العابر للحدود على طول الجزئيين الخليجي والأردني، وفي مسافة قصيرة على الجانب الإسرائيلي من الممر.
  2. تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية على دول المنطقة، بما فيها البلدان الخليجية، لتجنُّب تعميق مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق مقابل الحصول على مميزات تجارية وتقنية من خلال شراكة الممر أو عرقلة الحصول عليها، أي تحويل مستقبل مشروع الممر إلى رهينة لتقليل “مخاطر” الاعتماد على الصين.
  3. الضغوط الغربية المحتملة الهادفة لعرقلة مبادرات محددة داعمة لتطوير المشروع، وتحظى بقبول الدول الثلاث الأعضاء في تجمع “بريكس” (الهند والسعودية والإمارات)، ومنها إنشاء منطقة تجارة حرة معتمدة على التبادل بالعملات المحلية. 

ثالثاً، تحديات تجارية وتنظيمية

  1. قد تكون التوقعات حول تقليل مدة نقل البضائع عبر الممر بـ40%، والكُلفة بـ30%، مقارنة بقناة السويس مبالغاً فيها. يستند هذا التقدير إلى كلفة التحميل والتفريغ في كل ميناء على حدة والوقت المستغرق في هذه العملية، فضلاً عن رسوم العبور المستقبلية في كل دولة.
  2. يتوقف نجاح المشروع بالأساس على تعافي حركة التجارة العالمية، وزيادة الطلب على السلع الهندية في الأسواق الخليجية والإسرائيلية والأوروبية. وإذا لم تتحول هذه الحسابات إلى واقع، قد يفقد مشروع الممر جدواه الاقتصادية.
  3. تعقيد ترتيبات التمويل. فلم يُكشَف بعدُ عن الداعمين الماليين الرئيسين، لذا لا تزال ثمة حاجة إلى محادثات مكثفة حول توفير التمويل اللازم للمشروع بما يحقق مكاسب اقتصادية لجميع الأطراف. لكنْ، في المجمل، لا يتوقع الاعتماد على مبادرة “الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار”، التي تستند، على عكس مبادرة الحزام والطريق، إلى القطاع الخاص بوصفه محركاً تمويلياً مركزياً، وسيحتاج المشروع إلى تدخل الحكومات في الدول المشاركة. 
  4. الأولويات السياسية والاقتصادية المحلية الحساسة، من قبيل الوصول العادل إلى الأسواق، والقوانين المنظمة لقواعد المنشأ، وآليات تسوية المنازعات، وحماية الصناعات المحلية. وتشكل هذه القضايا نقاطاً شائكة في المفاوضات التجارية في الهند والاتحاد الأوروبي (وهي قضايا أعاقت في السابق انضمام الهند إلى تحالف الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في شرق آسيا). إلى جانب ذلك، ينبغي أيضاً مواءمة اللوائح الضريبية والإجراءات الجمركية. (14)

وفي النهاية؛

 يمكن القول إنه من شأن الممر الاقتصادي المقترح في قمة العشرين الأخيرة أن يعزز المنافسة في الاقتصاد العالمي بين ممرات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيدًا من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية. وتحقيق هذا الأمر يتوقف على تنفيذ مشروع هذا الممر الضخم الذي سيزيد الروابط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط. فالمحادثات حوله كانت تجري خلف الكواليس بين الدول المعنية منذ أشهر، لكنها ستستمر الآن على أساس أكثر رسمية بعد هذه القمة. وعلى الرغم من أنه لم يتم تقديم أي التزامات مالية ملزمة، لكن الأطراف اتفقت على التوصل إلى “خطة عمل” خلال الستين يومًا المقبلة. ومن المتوقع أن يحظى هذا المشروع بدعم أوروبي كبير، فقد خصص الاتحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع البوابة العالمية، الذي تم إطلاقه جزئيًا لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية بين الشركاء التجاريين الرئيسيين.

وعلى الرغم من أن الممر المقترح، سيدخل المنافسة مع مبادرة الحزام والطريق في القطاعات المتأثرة. لكن في الوقت الراهن، يتمتع الصينيون بميزة كبيرة في قدرات البنية التحتية، ولا تزال لديهم ميزة السيطرة على العديد من مصادر توريد التصنيع، والوصول إلى المواد الخام والمعادن النادرة وغير ذلك، ومن المتوقع على المدى القصير (حتى 4 أو 5 سنوات) أن تستمر هذه الميزة لديهم، وبالتالي ليس لدى الصين ما يدعو للقلق من الممر الاقتصادي IMEC في الوقت الراهن.

المراجع:

  1. كيف تزايد الاهتمام الدولي بمشروعات الربط بين الأقاليم؟، دراسة، 22 سبتمبر 2023، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، https://cutt.us/yCmW0
  2. عبد الله الردادي، الممر الاقتصادي التاريخي، مقال رأي، 11 سبتمبر 2023، موقع العربية، https://cutt.us/5Cpke
  3. مساحات تنافسية: ماذا يحمل مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا؟، تحليل، 14 سبتمبر 2023، موقع القاهرة الإخبارية، https://cutt.us/j0EvO
  4. غالب درويش، الممر الاقتصادي يرسم خارطة جديدة في طريق التجارة العالمية، مقال رأي، 28 سبتمبر 2023، موقع Independent Arabic، https://cutt.us/m0wKV
  5. الممر الاقتصادي الجديد… والأطراف المستفيدة، قضايا استراتيجية، 14 سبتمبر 2023، جريدة الشروق، https://cutt.us/HZZIw
  6. غالب درويش، مرجع سابق
  7. رعد التل، “الممر الاقتصادي” بوابة التنمية والازدهار عبر الشرق الأوسط، مقال رأي، 11 سبتمبر 2023، موقع الغد، https://cutt.us/lk1fG
  8. التنافس التكاملي: ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا – ومبادرة الحزام والطريق، دراسة، 4 أكتوبر 2023، موقع مركز الإمارات للسياسات، https://cutt.us/30Jmg
  9. غالب درويش، مرجع سابق
  10. رعد التل، مرجع سابق
  11. عبد الله الردادي، مرجع سابق
  12. فهد محمد بن جمعة، الأبعاد الاقتصادية… للمر الاقتصادي، مقال رأي، 19 سبتمبر 2023، موقع العربية، https://cutt.us/ySruX
  13. غالب درويش، مرجع سابق
  14. التنافس التكاملي: ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا – ومبادرة الحزام والطريق، مرجع سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى