اوراق سياسيةسياسة

قراءة تحليلية حول مستقبل الصراع الصينى-التايوانى

اعداد

ساجدة السيد ميز – ابتهال مبروك محمد غيث

مقدمة

الصين تعتبر  تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وأنه في نهاية المطاف لابد من إعادة توحيدها مع البر الرئيسي، وبالقوة إذا لزم الأمر. أزمة الصراع حول تايوان هي أزمة متجددة قد يشتعل فتيلها في أي وقت، ويحبس العالم أنفاسه مخافة انفجارها، فاقتصادياً يخشى المراقبون من أن يتسبب اندلاع المواجهة العسكرية بين تايوان والصين في المزيد من الضرر للاقتصاد العالمي  لما يشكله قطاع التصنيع القوي في الصين من أهمية في العالم، حيث يبلغ حجم التجارة بين واشنطن وتايبيه 114 مليار دولار وتمثل التجارة الأميركية مع الصين وتايوان 10 أضعاف تجارتها مع روسيا وأوكرانيا، وهكذا في حال حدوث حرب سيتكبد أكبر اقتصادين في العالم خسائر فادحة خاصة وأن صناعة أشباه الموصلات التايوانية ستدفع بالبلدين للاستماتة للسيطرة عليها.[1]

ينما يشار إلى تايوان عمومًا على أنها “جزيرة” ، فهي في الواقع أرخبيل (مجموعة جُزُر) يضم أكثر من 60 هيئة مكونة حيث ينقسم العديد منها إلى أرخبيل فرعي يتركز حول بعض الجزر الصغيرة الأكبر حجمًا أبرزها ماتسو وكينمن (كيموي سابقًا) وبينغو. يحتضن ماتسو وكينمن الساحل الصيني، في حالة كينمن يجلس على بعد أقل من خمسة أميال من البر الرئيسي. تقع (بينغو) في أماكن أبعد عبر مضيق تايوان وتشتهر بالمرفأ الطبيعي الممتاز في عاصمتها، أما (ماجونج) تعد جزيرة تايوان الرئيسية إلى حد بعيد أكبر هيئة في الأرخبيل بمساحة تقل قليلاً عن 14000 ميل مربع، وتقع على بعد 100 ميل تقريبًا من الساحل الصيني.[2] فهناك بعض الحقائق التاريخية حيث تعد تايوان عضوا مؤسسا في منظمة الأمم المتحدة، وكانت أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، لكن في عام 1971، وبناء على قرار الأمم المتحدة تم تغيير المقعد إلى جمهورية الصين الشعبية؛ بسبب اعتبار الصين الموحدة هي الكيان السياسي الذي كان هو المسيطر قبل الحرب الأهلية الصينية التي انتهت بسيطرة القوميين على جزيرة تايوان الذي يعد نظام الحكم فيها نصف رئاسي يعتمد على الانتخابات، هناك ثلاث جزر ظلت خارج سيطرة جمهورية الصين الشعبية، وذلك قبل استعادتها مثل: هونغ كونغ، وماكاو، وتايوان. وإلى اليوم ترغب الصين في استعادة تايوان.[3]

محطات هامة مرت بها تايوان

كانت تايوان محل استيطان لعدد كبير من القبائل، فكان أول المستوطنين فى تايوان هم قبائل “أسترونيزيان” حيث يُعتَقَد أنهم أتوا من جنوب الصين الحالية. جزيرة تايوان ظهرت لأول مرة فى السجلات الصينية فى عام 239 بعد الميلاد حيث أرسل الإمبراطور كتيبة لاستكشاف المنطقة؛ نظراً لأن بكين كانت تتبع سلوك الاستكشاف من أجل دعم مطالبها الإقليمية. بعد فترة قصيرة نسبياً من كونها مستعمرة هولندية (1624-1661)م حيث كانت تايوان تدار من قِبَل أسرة تشينغ الصينية فى الفترة (1683-1895)م، منذ القرن السابع عشر بدأت أعداد كبيرة فى الوصول من الصين كان معظمهم من قبائل هوكلو الصينية من مقاعة فوجيان أو قبائل هاكا الصينية من مقاطعة غوانغدونغ على اعتبار أن هاتين الفئتين يشكلان أحفاد أكبر المجموعات الديموغرافية فى جزيرة تايوان. [4]بحلول عام 1895، انتصرت اليابان فى الحرب الصينية اليابانية الأولى واضطرت حكومة تشينغ إلى التخلى عن تايوان لليابان وبالتالى أصبحت جزيرة تايوان فى عصمة اليابان، لكن لم يبق الوضع على ما هو عليه بعد الحرب العالمية الثانية حيث استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضى التى أخذتها من الصين وبدأت الصين _ من الدول المنتصرة بعد الحرب _ فى حكم تايوان بموافقة كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. مع اندلاع حرب أهلية فى الصين هزمت قوات ماو تسى تونج الشيويعة قوات الزعيم آنذاك تشيانج كاى شيك المعروف بحكومته (الكومينتانج) حيث هرب الآخر إلى تايوان فى حوالى عام 1949م وسيطرت حكومة (الكومينتانج) البالغ عددها مايقرب من 1.5 مليون شخص على تايوان لسنوات عديدة على الرغم من كونها تمثل ما يقرب من 14% فقط من تعداد سكان تايوان. لدى تايوان دستورها الخاص وقادتها المنتخبون ديمقراطيا وحوالى مايقرب من 300 ألف جندى عامل فى قواتها المسلحة ، بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن فى الثمانينيات حيث طرحت الصين آنذاك صيغة تعرف باسم (دولة واحدة ونظامان) تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا وافقت على فكرة إعادة توحيد الصين، لكن رفضت تايوان العرض وخففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار فى الصين. فى عام 1991م، أعلنت تايوان انتهاب الحرب مع جمهورية الصين الشعبية فى البر الرئيسى. فى عام 2000م، عندما انتخبت تايوان تشين شوى بيان رئيسا شعرت بكين بالقلق انطلاقاً من أن تشين كان مؤيداً صراحةً للاستقلال. بعد عام من إعادة انتخاب تشين فى عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون “مناهضة الانفصال” الذى ينص على حق الصين فى استخدام الوسائل غير السلمية ضد تايوان فى حين محاولاتها الانفصال عن الصين. عام 2008، تولى “مايينغ جيو” الرئاسة فى تايوان، وكان له الدور الأكبر فى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية. انقسم مواطنو تايوان آنذاك بين ثلاث معتقدات عامة:

  • الحفاظ على الوضع الراهن، ولكن التحرك نحو الاستقلال (26%)
  • الحفاظ على الوضع الراهن والاختيار بين التوحيد أو الاستقلال (31%)
  • الحفاظ على الوضع الراهن إلى الأبد (26%)

بالنسبة للأحزاب، هناك حزبان في تايوان:

  • حزب الكومينتانغ (KMT)، حتى وقت قريب دعم حزب الكومينتانغ علاقات أوثق مع بكين على الرغم من أنهم يعيدون النظر الآن.
  • والحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، يريد الحفاظ على الوضع الراهن مع دعم الاستقلال في نهاية المطاف.

بعد ثمانى سنوات من تولى “جيو” الرئاسة فى عام 2016، تم انتخاب “تساى إينج ون” لرئاسة تايوان والتى كانت تقود الحزب الديمقراطى التقدمى الذى يميل نحو الاستقلال الرسمى النهائى عن الصين حتى فازت بولاية ثانية فى عام 2020. الصين كانت تؤمن بمبدأ (صين واحدة) والذى ينص على: ” لايوجد فى العالم سوى صين واحدة ومنطقة تايوان جزء لا يتجزأ من أراضى الصين، وجكومة جمهورية الصين الشعبية هى الحكومة الشرعية الوحيدة التى تمثل الصين بأكملها”، حيث تعتبر الصين تايوان مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر على عكس قادة تايوان يعترفون بفكرة أن تايوان دولة ذات سيادة. نجد أن الصين طوال عام 2018 صعدت من ضغوطها على الشركات الدولية وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية فى الصين إذا لم تتمثل. رغم أن التقدم السياسى بين الصين وتايوان كان بطيئاً إلا أن الاقتصاد والروابط بين الشعبين نمت بشكل كبير، فقد استثمرت الشركات التايوانية مايقرب من حوالى 60 مليار دولار فى الصين ويعيش ما يصل إلى مليون تايوانى هناك حيث يدير العديد منهم مصانع تايوانية. [5]بعض التايوانيين كانوا يشعروا بالقلق من فكرة أن اقتصادهم يعتمد على الصين، بينما يعتقد البعض الآخر أن توثيق العلاقات التجارية يجعل العنل العسكرى الصينى بعيد الحدوث؛ لما قد يكون له من تكلفة كبيرة على الاقتصاد الصينى. فى أبريل 2022م، أكد مستشار الأمن القومى الأمريكى “جيك سوليفان” أن سلطات بلاده ستتخذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان عدم إعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة، وكانت وزارة الدفاع الصينية أكدت فى مارس من نفس العام أنه لاتوجد قوة تستطيع منع إعادة توحيد الصين وتايوان. خلال تلك التصريحات، كان الرئيس الصينى “شى جين بينج” قد أكد لنظيره الرئيس الأمريكى “جو بايدن” أن قضية تايوان تحتاج إلى أن تُعالَج على نحو سليم من أجل تجنب أى تأثير سلبى فى العلاقات الصينية الأمريكية. فقد زار وفد يضم ستة من أعضاء الكونجرس الأمريكى من الحزبين الجمهورى والديمقراطى تايوان؛ لإبداء الدعم لها فى مواجهة الضغوط الصينية ، لكن لم تتجاهل الصين تلك الزيارة الأمريكية لتايوان بل أبدت رد فعل قوى تمثل فى إطلاق مناورات ضخمة جوية وبحرية فى ذات اليوم تزامناً مع الزيارة، وأشار المتحدث باسم قيادة مسرح العمليات الشرقى لجيش التحرير الشعبى “شى يى لو” أن الجيش الصينى أرسل فرقاطات وقاذفات وقنابل وطائرات مقاتلة إلى بحر الصين الشرقى والمنطقة المحيطة بتايوان، مؤكداً على أن هذه العملية بمثابة رد على إرسال إشارات خاطئة على نحو متكرر من الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص تايوان وأن الجيش الصينى سيتخذ بحزم كل الإجراءات لوقف محاولات تنظيم (استقلال تايوان)، فالولايات المتحدة لأمريكية آنذاك كانت تتخذ إجراءات تنتهك بشكل خطر مبدأ (صين واحدة) وتحاول تقويض الأساس السياسى للعلاقات الصينية الأمريكية وتزيد من التوترات فى تايوان. لهذا، نلاحظ الصين حريصة على تايوان بشكل أكثر حساسية وتعتبر قضية تايوان بالنسبة لها قضية فارقة فى حسم علاقاتها مع الكثير من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية التى تسعى جاهدةً لدعم تايوان وتمثل أهم مورد سلاح لها. على الرغم من عدم وجود قواعد للولايات المتحدة في تايوان ، فقد أكد المسؤولون الأمريكيون العام الماضي أن القوات الخاصة تتدرب مع الجيش التايواني منذ أكثر من عام ، بما في ذلك العمليات البحرية مع القوات الخاصة البحرية في الأسابيع الأخيرة، وقال المتحدث باسم البنتاغون “جون سبل” أن الدعم العسكري الأمريكي لتايوان يستند إلى تقييم الاحتياجات الدفاعية لتايوان والتهديد الذي تمثله الصين.[6]

تأثير الحرب الروسية الأوكرانية وردود أفعال صينية وأمريكية

الحرب الحالية في أوكرانيا أيا كانت نتيجتها سواء انتهت بسيطرة القوات الروسية على بعض الأراضي الأوكرانية أو كاملها  وسواء حدث اتفاق سياسي أو تجمد المشهد عند خطوط القتال التي سيتوقف عندها، وأيا كانت السيناريوهات القادمة حول كيفية انتهاء هذه الحرب ومتى وأين وكيف، فإن التداعيات التي أفرزتها كثيرة  خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول الكبرى على الساحة الدولية، والصراع حول تايوان، التي تتخوف من أى غزو صيني قد يحدث فى أي وقت.[7]

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، من المتوقع دخول العالم  مرحلة جديدة  تعيد فيها الدول أمجادها التوسعية، حيث يشجّع هذا الغزو، دولًا أخرى على إحياء آمالها في التوسع واتخاذ خطوات هى الآخرى لاستعادة الدول والمناطق التي استقلت عنها، واتخذت فيما بعد سياسات معادية لها.

العالم مازال يتقلب على نيران مدافع الحرب الروسية في أوكرانيا التي تسببت في إنهاك اقتصادات دول من تصنيفات مختلفة، واضطراب أسواق الطاقة والغذاء حول العالم، وليس بحاجة لحرب أخري بين أكبر اقتصادين في العالم والتي بدأ دخانها يسطع في سماء تايوان عقب الزوبعة التي أثارتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي “نانسي بيلوسي” لتايوان.[8]

حيث أعلنت وزارة الدفاع التايوانية بعد مضى ساعات على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أن قواتها الجوية قامت بأبعاد تسع طائرات صينية دخلت منطقة دفاعها الجوي، ولم تكن تلك الحادثة هى الأولى من نوعها، بل تكررت عدة مرات  في  الأشهر الأخيرة، وقبل ذلك قد صدر تصريح من وزارة الخارجية الصينية مفاده أن تايوان ليست دولة مستقلة كأوكرانيا؛ بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الصين، وأن تبعية تايوان للصين هى حقيقة قانونية وتاريخية لا جدال فيها.

ومنذ ذلك التصريح والأمور الخاصة بشأن هذا الصراع متاججة وفي حالة عدم استقرار، وقد تأذن الأوضاع في أى وقت ببدء حرب، لأنه فور صدور ذاك التصريح، دعت رئيسة تايوان “تساي إنغ ون” جميع الوحدات الأمنية والعسكرية إلى رفع مستوى مراقبتها وإنذارها المبكر بالتطورات العسكرية حول مضيق تايوان.

تبينت تطورات الأحداث الأخيرة حول الصراع حول تايوان خلال منتدى آسبن الأمني في التصريحات التي أدلى بها كل من السفير الصيني لدي الولايات المتحدة “تشين غانغ”، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” وليام بيرنز، الذي اعتبر أن القيادة الصينية في بكين لم تتأثر بقيام الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية ما إذا كانت  ستسخدم  القوة ضد تايوان في السنوات القليلة المقبلة، وأن الدروس التي استقتها من تلك الحرب لم تنل من عزمها على غزو تايوان بل جعلتها تعيد حساباتها بشأن “متى” و”كيف” ستفعل ذلك، واعتقد أن جميع التكهنات التي ترجّح إمكانية أن يتخذ الرئيس الصيني “شي جينبينغ” قراراً بغزو تايوان، غير أكيدة، خصوصاً  بعد اجتماع  الحزب الشيوعي الحاكم.

في حين قال السفير الصيني أن بلاده ما زالت تدعم عملية سلمية لإعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي، وأن مبدأ -لا نزاع لا حرب- هو أهم اتفاق بين الصين والولايات المتحدة، مبدياً أسفه من تراجع الولايات المتحدة تدريجياً عن سياستها القائمة على الاعتراف بدولة صينية واحدة تمثلها بكين، وأن المنطلق الوحيد الذي يمكن أن يصل إلي إعادة توحيد سلمية، هو الالتزام الصارم من قبل الولايات المتحدة بسياسة صين واحدة، والوقوف صفاً واحداً في رفض استقلال تايوان.

كان الرئيس الأميركي جو بايدن أثار غضب الصين حين قال إن بلاده لن تتوانى عن التدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان إذا ما شنت الصين هجوماً عسكرياً ضدها، لكن عاد بعدها وأوضح أن سياسة “الغموض الإستراتيجي” التي تتبعها بلاده إزاء هذا الملف لم تتغير، وهي سياسة تقوم على الاعتراف دبلوماسياً بالبر الصيني والالتزام في الوقت نفسه بإمداد تايوان بالأسلحة للدفاع عن نفسها.[9]

سيناريوهات محتملة حول مستقبل الصراع

احتمالية وقوع مواجهة عسكرية هي مجرد سيناريوهات محتملة يأمل العالم أن تذهب أدراج الرياح، لكن للأسف تجري الرياح بما قد لا تشتهي السفن، فجميع جميع الخيارات موجودة في اندلاع الحرب بين الصين وتايوان ولكن الأقرب هو الحلول العسكرية وليست الحلول الدبلوماسية، حيث بعد وصول “بيلوسي” – نائبة في مجلس النواب الأمريكي- لتايوان، ورفع حالة الاستعداد القصوي من قبل جميع الأطراف، يجدر  الإشارة إلى أن المشهد يحمل عدد كبير من السيناريوهات[10]، يمكن إجمالها في 3 سيناريوهات رئيسة:

السيناريو الأول: يتمثل في  تكرار أزمة مضيق تايوان في عام 1995، حين توجه الرئيس التايواني آنذاك “لي تنغ هوي” إلى الولايات المتحدة، وهو ما ردت عليه الصين بإطلاق صواريخ في المياه المحيطة بتايوان، وانتهت الأزمة بعد أن أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة لدعم تايبيه – عاصمة تايوان -، أي أن هذا السيناريو يعكس احتمالات الرد المحدود من الطرفين إدراكًا منهما لخطورة التصعيد وتكلفته، وهذا يعني أنه في حالة وجود رد فعل صيني، فمن غير المرجح أنه سيشعل صراعًا عسكريًا كبيرًا، إذ من المستبعد أن تقدم الصين على عمل يوصف بالـمتهور تجاه سلامة رئيسة مجلس النواب.

يستند هذا السيناريو إلى إجراء عمليات عسكرية محدودة كاستهداف القوات التايوانية أو الاتجاه لفرض حظر طيران على تايوان، والعمل على تعطيل مضيق تايوان بما يعرقل إمدادات التكنولوجيا العالمية لأن تايوان هي أكبر مصنع للرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات. كما قد تعاقب  الصين  تايوان بالأداة الاقتصادية من خلال العمل على عزلها اقتصاديًا، الأمر الذي قد يجعل واشنطن توفر المزيد من الدعم لتايوان وتكثيف العقوبات الاقتصادية على الصين من جانب آخر، ما يعني معاناة العالم من أزمة اقتصادية حرجة يعاني منها بالفعل،في أعقاب جائحة كورونا وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية.

السيناريو الثاني: يتمثل في رد حازم وقاطع من قبل الصين، وذلك يمكن تبينه من التصريحات الصينية والتي يتضح فيها، أن الصين لن تتواني عن أخذ رد فعل تجاه الزيارة، حتي تثبت للجميع أن الأمور عندها لا تتوقف عند إصدار التهديدات، إنما تملك كامل القدرة علي تنفيذها، لأنه لو لم تتخطي الأمور مجرد التهديدات، ستحفز الصين بذلك من يؤيدون استقلال تايوان، حيث لم يكن هذا الأمر ببعيد، فقد صدر تصريح  “لا تقل إنه لم يتم تحذيرك”، عام 1979 والذي كان مؤهلًا للحرب الحدودية بين الصين والهند.

يدعم هذا السيناريو ما أعلنت عنه السلطات الصينية المشرفة على الأمن البحري من بدء تدريبات عسكرية في المحيط المباشر للسواحل الصينية بالذخيرة الحية في منطقة “فوجيان” والتي تعتبر أقرب نقطة لتايوان، كذلك بثت قيادة المسرح الشرقي بجيش التحرير الشعبي مقطع فيديو لاستعراض الأسلحة والتكتيكات القتالية، ومع الفيديو تم نشر بيان للجيش أشار فيه إلى  استعدادهم التام لمواجهة أي احتمال، كما قد يتجاوز الأمر استغلال الصين الفرصة لشرعنة إجراءات ضمها لتايوان في ظل عدم الالتزام الأمريكي بسياسة الصين الواحدة وعدم احترامها لسيادة الصين، كما أن رد الفعل الغربي على الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد يمثل محفزًا إضافيًا للصين لس؛ لانشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب تواضع رد الفعل الغربي تجاه سيطرة روسيا على شرق أوكرانيا. أما من ناحية توقيت الضربة الصينية، فسواء أكان أثناء  تواجد “بيلوسي” في تايوان أو في أعقاب مغادرتها، فإن التحرك الصيني تجاه تايوان يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية رد فعل قوي؛ الأمر الذي يضع العالم على مشارف حرب عالمية جديدة. 

السيناريو الثالث: ينطلق من فكرة مفادها عدم تجاوز الأزمة الحالية المتعلقة بزيارة “بيلوسي” لتايوان لحدود الحرب الكلامية والتصريحات التصعيدية من قبل الجانبين، وبعض التحركات الدبلوماسية. ويستند هذا السيناريو للتاريخ الطويل من التصريحات السلبية المتبادلة بين واشنطن وبكين والتي لم تنعكس فعليًا على أرض الواقع في شكل احتكاك عسكري مباشر، وفي هذا الخصوص يتضح أن تأثير هذا السيناريو هو الأفضل بالنسبة العالم، حيث يقلل من احتمالية تحمل المزيد من التكاليف المرتبطة بالصراعات والنزاعات والحروب. ولكن في المقابل، ستتضرر صورة الصين، كونها لم تفي بالتصريحات التصعيدية التي أطلقتها تباعًا، والتي أكدت فيها أنها لن تسمح بأي تجاوز يطال سيادة الصين.[11]

استنادًا إلى ما سبق، وفي ظل حال الضبابية التي تغلف المشهد، والتعقيد الذي تتصف به الحسابات السياسية للدول، يمكن القول أن السيناريو الأول هو صاحب الفرص الأكبر في الحدوث انطلاقًا من المعطيات المتاحة، إذ يقوم على ردود فعل تبدو متوسطة نسبيًا من قبل كل الأطراف بدون تجاوز للخطوط الحمراء، فالعالم ليس مستعداً لدفع فاتورة جديدة حال اندلاع المواجهة بشأن تايوان لأنه ما زال يدفع فاتورة تبعات جائحة كورونا ويستنزف موارده لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ليس له فيها ناقة ولا جمل، فهل يتغلب صوت العقلاء على مطامع الزعماء.[12]

المراجع:          


[1] مقال بعنوان: هل العالم مستعد لدفع فاتورة جديدة في حال اندلاع المواجهة بشأن تايوان؟، CNCB عربية، ١١ أغسطس ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://cnbcarabia.com/news/view/99670/%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9

[2] MIKE SWEENEY, HOW MILITARILY USEFUL WOULD TAIWAN BE TO CHINA? APRIL 12, 2022, Available at: https://www.defensepriorities.org/explainers/how-militarily-useful-would-taiwan-be-to-china.

[3] أحمد صلاح، لماذا تريد الصين تايوان؟، 2022، متاح على: https://dotgulf.co/world-news/29329922/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%9F.html.

[4] Lindsay Maizland, Why China-Taiwan Relations Are So Tense, COUNCIL ON FOREIGN RELATIONS, August 3, 2022 4:45 pm (EST), Available at: https://www.cfr.org/backgrounder/china-taiwan-relations-tension-us-policy-biden

[5] OFFICE OF THE HISTORIAN, The Taiwan Straits Crises: 1954–55 and 1958, Available at: https://history.state.gov/milestones/1953-1960/taiwan-strait-crises.

[6] MARK LEGG, Why does China want to invade Taiwan?, JUNE 13, 2022, Available at: https://www.denisonforum.org/current-events/global/why-does-china-want-to-invade-taiwan/.

[7] د.علاء الحديدي، تداعيات مباشرة: تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات بين القوى الكبرى، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ٢٤ مارس ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://ecss.com.eg/18993/

[8] مقال بعنوان: هل العالم مستعد

[9] مقال بعنوان: واشنطن: غزو أوكرانيا أثر على توقيت غزو الصين لتايوان وليس على احتمالية حدوثه، يورونيوز، ٢١ يوليو ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: https://arabic.euronews.com/2022/07/21/washington-invasion-of-ukraine-timing-chinas-invasion-taiwan

[10] CNCB عربية، مرجع سبق ذكره.

[11] فردوس عبد الباقي – مها علام، سيناريوهات محتملة: ماذا بعد زيارة “بيلوسي” لتايوان؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ٣ أغسطس ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي: 

https://ecss.com.eg/20320/.

[12] Richard Wood, what is behind the China-Taiwan dispute? 8:43pm Aug 11, 2022, Available at: https://www.9news.com.au/world/china-taiwan-tensions-explainer-what-is-behind-long-running-dispute/04749e94-19c6-4dc2-9482-1061bde59e87.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى