التغيرات المناخية والحروب: دعوة للحلول السلمية والدبلوماسية الخضراء
اعداد :مي عبد الرازق احمد سعد – مسئول برنامج دراسات التنمية المستدامة والطاقة بالمركز
على الرغم من الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة التغيرات المناخية سواء باتخاذ الدول لاستراتيجيات التخفيف، او لاستراتيجيات التكيف، الا أنه قد تم اغفال أحد العوامل الهامة المتسببة في تزايد الانبعاثات الكربونية، الا وهى الحروب والصرعات التي تحدث في كوكبنا بين الحين والأخر، فالحروب والنزاعات لا تخلف فقط دمار مادى او اقتصادي وتترك ورائها ابنية مهدمة او مدن خاوية، بل تترك ورائها اثار بيئية تصيب كل من المنتصر والمهزوم او حتى من وقف على الحياد، حيث تمتد الاثار البيئية الى خارج النطاق المكاني والجغرافي للصراعات والحروب، الامر الذى يجعل على عاتق الجميع التصدي لهذه الحروب والوقوف على أسباب اندلاعها والحيلولة دون تفاقم الخلافات الداخلية او الدولية الى حدوث حرب مادية بتراشق الأسلحة والقنابل.
وتتناول هذه الورقة الاثار البيئية التي تخلفها تلك الحروب والنزاعات سواء بتلوث المياه المحيطة بمنطقة النزاع او تلوث التربة، بالإضافة الى ثلوث الهواء، بسبب عمليات تسخين المياه نتيجة ارتفاع درجات الحرارة و انتشار الغازات السامة المنبعثة من الأسلحة المستخدمة في هذه الحروب والانبعاثات نتيجة الحرائق بالإضافة الى القضاء على الغطاء الأخضر لمناطق النزاع والحروب والتي تعتبر “الرئة” المنتجة لغاز الاكسجين ” السلاح الفتاك ضد الانبعاثات الكربونية ، من مما له تأثير على البيئة المحيطة بالكائنات الحية الامر الذي يضرب بكل المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالمناخ واهداف التنمية المستدامة ذات المحور البيئي عرض الحائط، ويعطل خطط التنمية المستدامة بمحاورها الثلاثة.
وتقدم هذه الورقة دعوى للسلام ووقف النزاعات والحروب واللجوء الى الحلول السلمية والدبلوماسية الخضراء، وذلك لخدمة كوكبنا والحفاظ عليه من اثار التغيرات المناخية، والذي أصبح على شفا حفرة من نار بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة والبعد عن تحقيق هدف الانبعاث الصفري للكربون، ذلك من خلال عرض نماذج لتأثر مجموعة من الدول بيئيا نتيجة النزاع الدائر فيها كما يحدث في العرق، وسوريا، واليمن.
مع عرض بعض التوصيات لحل الازمات البيئية التي تتعرض لها مناطق الصراع والحروب.
أولا اهداف التنمية المستدامة ذات المحور البيئي:
افردت الأمم المتحدة في اجندتها لعام 2030 القادم، 17 هدفا للتنمية المستدامة SDGs، 169 غاية، 244 مؤشر كان منهم 93 مؤشر للمحور البيئي للتنمية المستدامة، وفى عام 2019 قدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP، تقريرا عن مدى تحقق الأهداف البيئة المنشودة[1] من خلال تطبيق الدراسة على 72 مؤشر بيئي، حيث أوضح التقرير انه لاتزال كثير من الأهداف البيئية غير محققة، وان العالم لا يزال في حاجة الى التوسع في تطبيق استراتيجيات خفض الانبعاثات والحفاظ على المواد الطبيعية وحماية البيئة، تنسيق الاستراتيجيات البيئية على المستوى الإقليمي ودون الإقليمي والقطري وذلك لضمان عدم تضارب السياسات والاهداف البيئية.
ثانيا الاثار البيئية للحروب والصراعات – دراسات حالة:
كان للثورة الصناعية بصمات بارزة للتلوث البيئي، ليس فقط انبعاث لأدخنة المصانع وانما أيضا مساهمتها في صناعة الأسلحة الكيماوية والنووية ذات الأثر البالغ في تلوث كل من التربة والهواء والماء والنبات، وما صاحبها من ظهور العديد من الامراض التي اثرت بالسلب على صحة الانسان والحيوان والنبات.
وقد كان من بين أهداف التنمية المستدامة، الهدف 16 الخاص بالسلام والعدل والمؤسسات القوية، نظرا لان غياب السلام وانتشار الحروب والصراعات يحول دون تحقيق تنمية مستدامة حقيقية نظرا لان الحروب تأتى على حق الأجيال الحالية ولا تأخذ في اعتبارها الأجيال القادمة أيضا، حيث تشير الاحصائيات التابعة للأمم المتحدة، ان اعتبارا من مايو 2022 ، تجاوز عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من النزاع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد 100 مليون، وتشكل النساء والفتيات حوالي 60 في المائة من جميع ضحايا القتل.
فعلى سبيل المثال، تعرضت العراق خلال حرب الخليج عام 1990-1991، وكذلك خلال الهجمات الأميركية عام 2003، الى العديد من انواع التلوث البيئي، حيث تلوث البيئة البحرية بسبب غرق ناقلات البترول، وتلوث الهواء والتربة بسبب مخلفات الأسلحة بالمواد السامة والكيماوية الخطرة المنبعثة من ادخنة الذخائر، أيضا مخلفات الناتجة عن هدم المنازل والمنشآت المختلفة مما أدى الى انتشار الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء TSP بأنواعها المتعددة، بالإضافة الى نقص المساحة الخضراء نتيجة استغلال كافة مساحات الأراضي – حتى الزراعية منها – في الحرب وزيادة على ما أصابها من تدمير، الامر الذى أدى الى انخفاض مساحة الغطاء الأخضر واصابتها بالتصحر او تملح الأرض وعدم قابليتها للزراعة مرة اخرى، وتدمير للموائل النظام الأيكولوجي.
وفى سوريا، تعرض السكان الى مستويات عالية وبشكل متزايد من تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة PM2.5، الفترة من 2010 – 2015 بنسبة 69% الى 72% وذلك نتيجة عدم الإدارة البيئية الصحيحة للانبعاثات الصناعية وعوادم المَرْكبات، وحرق النفايات، والتلوث الموسمي، والغارات التي شنتها القوات المتصارعة في تلك الفترة، وقد احتلت سوريا المرتبة 18 من 92 دولة في الدول الأكثر تلوثا لعام 2019، أيضا أدى القصف الى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والموائل وتدمير 76% من الغابات الفترة من 2010 حتى 2020، بالإضافة الى قطع الأشجار من اجل التدفئة، وظهور مشكلة الامن الغذائي نتيجة انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني اثناء الصراعات، خاصة مع انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة الى 21% الفترة بين عام 2010 – 2014.
أيضا شهدت سوريا سوء إدارة المخلفات الصلبة والنفايات حيث قدرت وقت الصراع بحوالي 850 طن يوميا الامر الذي ادى الى تلوث الهواء وتزايد انبعاث غاز الميثان، وتلوث التربة والمياه وأيضا مخاطر صحية كبيرة.
وفى اليمن، ادى الصراع الدائر بين القوات السعودية والحوثيين الى تراجع خطط التنمية في اليمن في الفترة من 2015 الى 2020، وكان للصراع اثار بيئية كان أهمها: التصحر، وتراجع المساحات الزراعية في المدرجات الجبلية التي تشتهر بها اليمن منذ الاف السنين مما أدى الى ظهور ازمة الامن الغذائي في اليمن حيث يعانى 17 مليون مواطن يمنى من انعدام الامن الغذائي، وتدهور المياه والصرف الصحي نتيجة ضعف تمويل مشروعات الصرف الصحي ونقل المياه كما في مدينة ” تعز اليمنية” الامر الذى أدى الى لجوء الكثير من الاسر الى مصادر المياه الجوفية والابار الغير آمنة، حيث ان بعضها نسبة كبيرة من نترات الحديد في مياه الآبار كما في مدينة ” صنعاء” بالإضافة الى احتوائها على نسب عالية من الزرنيخ والزنك العديد من المعادن الثقيلة السامة والتي تنتقل بالضرورة الى الخضروات والفاكهة نتيجة استخدام المزارعين لمصادر المياه الملوثة نفسها في الزراعة، وكذلك ارتفاع نسبة تلوث الهواء نتيجة الانبعاثات الصادرة من الأسلحة والذخائر والحرائق نتيجة النزاع، ولا يمكن اغفال مشكلات التخلص من النفايات الصلبة والمخلفات ومدى اهمال التي وصلت اليه المدن اليمنية نتيجة عدم التوزيع العادل لمكبات المخلفات في المدن بالإضافة الى انخفاض عددها مقارنة بعدد سكان المدن الذى يتزايد في بعضها نتيجة نزوح السكان اليها هروبا من النزاعات.
وفى السودان، بدا النزاع في 2003 بدافور بسبب الجفاف الشديد الذى شهدته البلاد مما أدى الى تصارع القبائل المختلفة حول الموارد الطبيعية الامر الذى تطور بدوره الى صراعات مسلحة في ظل غياب حكومة عادلة في توزيع الموارد على جميع السكان ومحاباة بعض القبائل على الأخرى.
ثالثا التوصيات:
وفقا لما تم ذكره من اثار بيئية بالغة للحروب والصراعات فانه يتحتم على قادة الدول والحكومات اتباع نظم الإدارة البيئية المتكاملة وتفعيل الرقابة البيئية والرقابة على المنشآت خلال عمليات إعادة الاعمار وإزالة اثار الحروب والنزاعات، والتخلص الآمن من النفايات وإعادة تدوير المخلفات كما يلي:
- التزام الدول في عمليات إعادة الاعمار بتأكيد التزامها بتقديم استراتيجيات العمل المناخي ضمن ” وثيقة المساهمات المحددة وطنيا” والتابعة لبرنامج الأمم المتحدة[2] والتي قدمتها العديد من الدول مثل العراق، وسوريا والمغرب وفيتنام…وغيرهم.
- نشر الثقافة البيئية بين افراد المجتمع وكذلك ثقافة الإنتاج والاستهلاك المستدام.
- وضع الاستراتيجيات القائمة على الاستثمار الأخضر سواء التكليف او التخفيف من اثار التغيرات المناخية، مع تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بما يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية للدول بعد الحرب ووفقا للمزايا التنافسية التي تتمتع بها الدول من موارد الطبيعية يمكنها من توليد طاقة متجددة ومستدامة.
- تشجيع الاستثمار الأخضر من خلال تسهيل شروط ادماج القطاع الخاص والجمعيات الطوعية في عمليات إعادة الاعمار الأخضر.
- تعزيز استخدام وسائل النقل الجماعي الأخضر لتخفيف نسبة الانبعاثات الناتجة من عوادم السيارات ووسائل النقل الأخرى.
- تعزيز اتباع نظم الإدارة البيئية المتكاملة في إعادة تدوير المخلفات بكافة أنواعها والتخلص الامن من النفايات واتخاذ كافة الإجراءات لمنع الحرق العشوائي، ومراعاه التوزيع العادل لمكبات المخلفات على أساس عدد السكان في المدن بدلا من التوزيع الجغرافي للمدن، مع انشاء وحدات للتخلص الآمن من النفايات الطبية والخطرة.
- تعزيز اتباع معايير الاستدامة في التخطيط العمراني في مناطق إعادة الاعمار، واستخدام مواد البناء الصديقة للبيئة.
- وضع القوانين واللوائح لتنظيم استخدام الرقع الزراعية من اجل الحفاظ على الغطاء الأخضر الحالي مع وضع استراتيجيات لإعادة تشجير واستصلاح المساحات التي تم فقدها اثناء الحرب والنزاع من أجل زيادة نسبة الغطاء الأخضر، والذي يعتبر أحد اهم خطوط الدفاع امام الانبعاثات الكربونية بالإضافة الى انه يحقق توازن بيئي للعديد من الكائنات الحية والموائل، كما تعتبر خط دفاع لازمات للأمن الغذائي التي تعانى منها المناطق التي تعرضت للنزاعات والحروب خاصة مع نزوح الكثيرين من السكان وتكدسهم في مناطق محدودة.
- تعزيز كفاءة استخدام الموارد المائية المتاحة.
- تعزيز استخدام الموارد المائية غير التقليدية مثل تنقية مياه الصرف – استغلال مياه الامطار – مياه النتح في الصباح – مياه الآبار.
[1] الأهداف البيئة المنشودة هي 6 اهداف من جملة 17 هدف للتنمية المستدامة وهم: الهدف 6 : المياه النظيفة والحياة الصحية، الهدف 7: طاقة نظيفة بأسعار معقولة، الهدف 12: الإنتاج والاستهلاك المسئوولان، الهدف 13: العمل المناخي، الهدف 14: الحياه تحت الماء، الهدف ال 15: الحياه في البر.
كما تتداخل بعض هذه الأهداف مع الأهداف الاقتصادية للتنمية المستدامة مثل الهدف 11: مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الهدف 16: السلام والعدل والمؤسسات القوية، الهدف 17: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
[2] تعد وثيقة المساهمات المحددة وطنياً من أهم الوثائق التي تهدف إلى توجيه التحول الاقتصادي في العالم من خلال تضمين مفهوم الاقتصاد الأخضر، والتركيز على الطاقات المتجددة والآليات النظيفة، ومحاولة عدم تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية البالغ 1.5 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة العالمية قبل الثورة الصناعية