سياسة

المؤسسية طريق مصر الصحيح للتكامل مع القارة الإفريقية

اعداد : رامي زهدي -خبير الشؤون الإفريقية الإقتصادية والسياسية

إفريقيا ومصر، ومصر وإفريقيا، إطار متصل متكامل، لا يمكن أبدا الفصل بينهما،  بل أن الأمور تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة،  لتصبح مصر محورا للتواصل الفعال مع 54 دولة إفريقية،  وقد اتخذ الملف خصوصية تختلف من دولة لأخري بالنسبة لمصر،  النهج الجديد المصري للتعامل مع إفريقيا هو التعامل مع كل دولة علي حدا علي حسب ظروف واحتياجات هذه الدولة وخط المصالح المشتركة بين مصر وهذه الدولة وليس التعامل كما سبق بفكر مشمول إفريقيا او وضع مصر الدولة في ميزان مكافئ للقارة الإفريقية كقارة تتكون من دول عدة.

ما يعيب السياسية المصرية تجاه مصر في الماضي وفي بعض من الحاضر وما نحاول الي ان نشير لأهمية تجنبه في المستقبل،  هو التعاطي مع القارة الإفريقية بشكل فردي يحمل قدرا كبيرا من تأثير شخصية القائم بالعمل،  بدلا من إطار مؤسسي متواصل متكامل لا يختلف باختلاف وزير او سفير او رئيس او افراد إدارة في أحد أو كل الملفات المصرية الإفريقية،  لا يمكن علي سبيل المثال لاحدي الوزرات المصرية ذات الصلة الوثيقة في التعامل مع إفريقيا أن يختلف منهج عملها وأهدافها من وزير لآخر،  لا يمكن ان نفقد مكتسباتنا في ملف العلاقات الإفريقية لمجرد تغيير القائم بتنفيذ السياسات ولابد ان نفرق فيما بين السياسات والمنهج وإطار التنفيذ لهذه السياسات تحت مظلة نفس الرؤية والأهداف.

العمل الفردي وشخصية القائد او المسؤول متواصلا مع قائد مناظر او مسؤول في دول أخري،  لم تعد هي المسار الأمثل في إدارة العلاقات المصرية الإفريقية، كما أن الرهان علي شخصية رئيس دولة ما متفق ومحب ومتعاون مع الدولة المصرية، اصبح رهان غير مؤكد النجاح،  لان للأسف الأشخاص في افريقيا وفي كل مكان في العالم تغير وتتغير لأسباب وضغوط ومصالح وأمور أخري،  بينما الرهان علي الشعوب هو الأقوى،  مصر المؤثرة الفعالة لابد وان يكون دورها متصل وواصل ومتواصل مع الشعوب أكثر من القادة والحكام والحكومات،  لان الشعوب باقية والباقي من حكام او قادة او مسؤولين متغير وغير ثابت المواقف.

تعريف العمل المؤسسي وإمكانية نقل التعريف لمؤسسات الدولة المصرية التي تستطيع ان تساهم في بناء منظومة علاقات إفريقية مصرية أكثر تأثيرا:

العمل المؤسسي الإفريقي تحديدا هو العمل الذي يهدف إلي رفع كفاءة العمل من خلال تحسين الأداء الخاص بالمؤسسات التي تتعاطي مع الملف الإفريقي ولايمكن استثناء مؤسسات معينة من كونها ممكن جدا أن تشارك بدورا ما في بناء العلاقات المصرية الإفريقية لكن تبرز مؤسسات معينة يعول عليها كثيرا في إدارة وتوجيه الملف مثل الوزرات المختلفة وأبرزها الزراعة، التجارة والتجارة الخارجية، الصناعة، الموارد المائية والري، الشباب والرياضة، السياحة، والبيئة وأيضا المؤسسات الأمنية، والدينية، والجامعات والمعاهد وهيئات المجتمع المدني والأحزاب ويجب أيضا أن يهدف العمل  الى تنظيم وتوزيع الأدوار وفرق العمل بشكل مناسب لكل تخصص وينقسم هذا النوع من العمل إلى نوعين العمل الفردي والجماعي،  لكن يظل التخطيط والمنهج هو الأساس،  حتي نستطيع مواصلة ما تحقق من تداخل قوي للدولة المصرية في الشأن الإفريقي لصالح مصر ولصالح إفريقيا ككل ودول القارة منفردة أيضا.

وقد ظهر حديثا في ميدان الحقل الإداري العديد من المفاهيم والمصطلحات العصرية التي شقت طريقها كأحد المتطلبات الرئيسية للعمل المهني في شتى ميادينه الحياتية بما في ذلك العمل الدولي والإقليمي، وأيضا الميدان الأكاديمي، والاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي، ومن هذه المفاهيم مفهوم العمل المؤسسي أو كما يطلق عليه في اللغة الإنجليزية اسم (Institutional work)، والذي بدوره يشير إلى أبرز المتطلبات التي تحتاجها المؤسسات ليتم تأسيسها بصورة كاملة بغض النظر عن طبيعة عمل هذه المؤسسات،  وإن كنا هنا نحدد خصوصية العمل في إطار دعم العلاقات المصرية الإفريقية.

أهمية العمل المؤسسي وصفاته خاصة فيما يتعلق بملف العلاقات المصرية الإفريقية وكمحور هام لإدارة الملف من وجهة النظر المصرية:

اولا- صفات العمل المؤسسي

 الانفتاح على العالم الخارجي، وامتلاك عقلية ناضجة، بالإضافة إلى الابتعاد بشكلٍ تام عن عقليات السيطرة والتملك. و اليقين والتأكد من النجاح. وأيضا الثقة العالية، و التخطيط والتنظيم السليم، بالتوازي مع امتلاك عقلية إيجابية في التفكير، والابتعاد عن اليأس والسوداوية، و امتلاك المهارات الإدارية التخصصية اللازمة، بالإضافة الي عناصر البناء المؤسسي.

ثانيا: أهمية العمل المؤسسي:

 يحقق العمل التعاوني والتشاركي والجماعي، والذي يعتبر من أفضل الأعمال التي تحقق الأهداف المختلفة في الوقت المناسب لها ، و يحقق حالة من التكامل في العمل، و يعين على توفير الاستقرار والهدوء النسبي، بالإضافة الي تحقيق الموضوعية وعدم التحيز، و ضمان استمرارية العمل، و تحقيق المنفعة العامة والقصوى لأغلب الفئات، كما يقضي على كافة أشكال الفوضى والعشوائية، ويحقق حالة من التنظيم والاتزان، مما يقي من ضياع الوقت والجهود والأموال،  ويساهم في الاستفادة من التجارب المختلفة،  بينما يؤمن بالمبادئ والقيم الجوهرية السامية التي يجب أن تتوفر في بيئات العمل السليمة، كالشفافية، والنزاهة، والأمانة، ويساهم في تحقيقها، ويسير على خطى ثابتة وواضحة نحو تحقيق الأهداف المطلوبة، ويأخذ شكلاً من أشكال التخطيط الإستراتيجي الذي يقود إلى النجاح، مع الاستفادة من كافة الإمكانيات والقدرات المتوفرة، بما في ذلك البشرية، والمادية.

التقدم الكبير في ملف العلاقات المصرية الإفريقية هل تم بتأثير وجهود الرئيس أم خطط وعمل مؤسسات الدولة:

امر شديد الأهمية ان نوضح ان شكل وطبيعة ومنهج العلاقات المصرية الإفريقية تغير بشدة إيجابيا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي إدارة الدولة المصرية منذ العام 2014، الا ان جزء كبير من تطوير وتغيير شكل العلاقات المصرية الإفريقية،  إنما يرجع بشكل ونسبة كبيرة الي شخصية الرئيس نفسه وعمله وإيمانه وتفهمه للأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للعمق المصري الإفريقي،  لكن أداء المؤسسات المصرية المختلفة المتعاملة مع إفريقيا قبل وبعد الرئيس لم يختلف كثيرا،  من كان منها ايجابيا ظل كما هو ومن كان منها أقل إيجابية بقي كما هو،  لا شيء تغير الا ان بعضها ونقصد هنا المؤسسات حاولت ان تتماشي مع سرعة واحترافية تحرك الرئيس في إفريقيا،  لكن مازال فرق السرعات واضح،  مما يعني ان،  لو أن الرئيس انشغل أكثر في قضايا داخلية او خارجية او لا قدر الله حرب مع أي طرف خارجي فإن ذلك يعني ان هذه المؤسسات سوف تفقد حماسها تجاه إفريقيا،  بل أن الأمر الأصعب لو أن الرئيس التالي لمصر  لم يكن علي نفس درجة الحماس للشأن الإفريقي فهل معني ذلك أنه لن يجد توجيها قويا من هذه المؤسسات تجاه إفريقيا،  وبالتالي نواجه خطر فقدان ماتحقق من ايجابيات في الفترة الحالية وتحديدا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور.

الرئيس القادم… هل يسير علي نفس النهج تجاه إفريقيا أم أن المنهج يختلف حسب شخصية الرئيس

سؤال هام،  يحتاج مزيدا من التدبر،  هل شخصية المدير او الرئيس أو المسؤول او الوزير تؤثر في شكل الإدارة او أهدافها؟  .. السؤال مطروح للجميع للتفكر والتدبر ومن ثم التوقع.

مصر وإفريقيا عبر أنظمة الحكم المختلفة وشخصيات الحكام:

أولا-الملكية:

في عهد الملكية،  كان مصر دولة محورية في العالم،  وتتشارك بشكل مباشر او غير مباشر في الأحداث في العالم مهما بعدت المسافات وإختلفت المصالح والأهداف،  وكانت إفريقيا بالنسبة لمصر عالم مجهول،  مصدر للذهب والكنوز،  والعمالة البشرية،  ولم تكن مصر تعرف أبعد من دول حوض ومنابع النيل وغربا في شمال القارة،  وشرقا موانئ الصومال وجيبوتي وزنجبار فقط لاغير،  ولم تكن وقتها مصر تمتلك توجه او سياسية محددة او مختصة بالشأن الإفريقي.

ثانيا-الجمهورية المصرية:

1- (الرئيس محمد نجيب)

الرئيس المصري ذو الأصل السوداني،  لم يستمر كثيرا في الحكم،  ولم يكن يعرف من إفريقيا أكثر من السودان،  وبالتالي لم يعرف تحديدا دورا او تخطيطا معينا بالنسبة للرئيس نجيب تجاه إفريقيا، حيث بدا أن إنشغاله بالثورة المصرية الوليدة كان أكثر عمقا وأهم.

2- (الرئيس جمال عبدالناصر)

القائد الإفريقي الذهبي،  الأشهر بالنسبة لأجيال إفريقية عديدة،  نقل الخبرات المصرية وعمل علي دعم حركات التحرر ومجانية التعليم ودعم المزارعين وعمال المناجم في إفريقيا مثل قام بذلك في مصر،  لكن الرئيس عبد الناصر ومثل زعماء أفارقة كثيرون في ذلك الوقت،  عمد إلي شخصية القائد “ناصر” أكثر من مؤسسات الدولة المصرية وكان إسم جمال عبد الناصر يسبق كل شئ،  وكان التواصل مع إفريقيا في ذلك الوقت بنسبة كبيرة بين قائد وقائد،  زعيم وزعيم،  ولم تظهر مؤسسات قوية،  علي الرغم من محاولة الرئيس عبد الناصر في تأسيس كيانات اقتصادية وإذاعات موجهة وجمعية افريقية بالقاهرة وهيئة استعلامات وتعاون أمني واستخباراتي وغير ذلك من مؤسسات لدعم العمل الإفريقي ولكن بقي أداء هذه المؤسسات أقل تطويرا من الرئيس نفسه.

3- (الرئيس أنور السادات)

منشغلا بالشأن الداخلي وحرب التحرير ثم التحرير الاقتصادي والتنمية لم يستطيع الرئيس السادات تقديم الكثر للقارة الإفريقية ولا الي الملف المصري الإفريقي.

4- (الرئيس حسني مبارك)

تحدث هنا كما شئت،  ثلاثون عاما،  مدة الحكم الأطول عبر الجمهورية المصرية،  فعل الرئيس كل شئ الإيجابي والسلبي والأقل إيجابية،  إهتم وأهمل وتغاضي ونسي وإنعزل في الأخير وأصبحت مصر في عهده دولة غير إفريقية الهوي او الهوية،  وعلي عكس سابقيه،  بقيت المؤسسات المصرية علي تواصلها مع إفريقيا بينما غاب الرئيس معظم الوقت عن المشهد الإفريقي وفقدت مصر في عهده ماكانت حظيت به في عهد الرئيس عبد الناصر من مكانة وسطوة ونفوذ داخل القارة الإفريقية.

5- (المجلس العسكري)

6- (حكم الإخوان)

7- (الرئيس المؤقت عدلي منصور)

الثلاثة يتشابهون في قصر المدة،  ومحدوديتها بأجل مؤقت،  وبالتالي لم يقدموا شيئا منظورا للقارة الإفريقية،  لكن تحديدا في عهد الإخوان،  بقي إجتماع سد النهضة وبثه دون قصد او بقصد علي الهواء نقطة مظلمة في علاقة مصر بإفريقيا وبإثيوبيا تحديدا.

8- (الرئيس عبدالفتاح السيسي)

في ثمانية سنوات،  وضع الرئيس منهج ومسار وأفاق جديدة لعلاقات مصرية افريقية ناضجة مبنية علي المصالح المشتركة وعلي الفهم والإدراك للأدوار وتوصيف متزن وواقعي للمشكلات وطريقة الحلول،  وأصبحت مصر في عهده،  مرة أخري وجهة وقبلة ومركز للأفارقة،  ومحور الربط القوي بين إفريقيا وقوي العالم،  ووضع الرئيس دائما مشكلات ومتطلبات الدول الإفريقية في موضع قريب من مشكلات ومتطلبات الدولة المصرية،  ودافع عن إفريقيا مثلما لم يفعل غيره مطلقا.

– “القوي الناعمة ليست فقط ثقافة وفنون ولغات.. الغذاء والصناعات المختلفة تمثل قوي ناعمة مؤثرة في شعوب القارة الإفريقية

عند الحديث عن مؤسسية العمل الإفريقي،  لابد وأن نوسع من مصطلح القوي الناعمة المصرية في إفريقيا ليصبح أكبر من اللغة والتعليم والرياضة والفنون،  ليشمل قوي الغذاء والمنتجات،  في عالم يعاني من نقص الغذاء وبطئ وتعطل سلاسل الإمداد والتموين،  تحتاج مصر لعمل مؤسسي يعمل علي تواجد المنتجات المصرية الغذائية وغير الغذائية أمام وفي متناول المواطن الإفريقي ويؤثر ذلك كثيرا في عقل وفكر المواطن في كل دولة إفريقية،  ومما لاشك فيه ان القوي الناعمة ذات أهمية كبيرة في إدارة ملفات التعاون مع كافة الدول الإفريقية ويفتح بها أبوابا عديدة ظلت كثيرا مغلقة.

– “هل إمتلكت الكنسية المصرية نفس الأدوات ونفس الدعم الذي حصل عليه الأزهر الشريف للتأثير في إفريقيا كقوة ناعمة علمية ودينية..؟” 

من أهم النماذج الناجحة للعمل المؤسسي عبر عقود طويلة هي مؤسسة الأزهر الشريف التي كان دائما لها دور ريادي كبير في القارة حتي مع تغيير شيخ الأزهر من شيخ لأخر،  ظل الأزهر محافظا علي دوره العظيم في القارة، ورغم إستخدامنا دائما لعبارة “دور الأزهر والكنيسة في إفريقيا”  بدا أن العبارة تقليدية لأنه علي أرض الواقع لم يكن أبدا دور الكنيسة المصرية في نفس حجم دور الأزهر الشريف رغم أن غالبية الأفارقة مسيحيون،  وليس الأمر تقليلا أبدا من مؤسسة الكنيسة المصرية إلا أنه وصفا لأمر لا يتطرق له الكثيرون،  لم تتاح للكنيسة نفس الدعم والأدوات حتي تستطيع أن تؤدي دورا مكافئ لدور الأزهر الشريف،  لم تمتلك الكنيسة جامعة علمية وإنسانية مثلما إمتلك الأزهر جامعة تدرس علوم الدين وأيضا علوم الدنيا المتطورة العلمية والإنسانية وبالتالي إستطاع الأزهر تكوين قوة بشرية كبيرة من طلابه الأفارقة الذين درسوا في مصر ثم رجعوا الي بلادهم،  حتي أنه حديثا تأسست المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف لمتابعة خريجي الأزهر في دول العالم ومنها إفريقيا،  ربما طرحا بإنشاء جامعة تتبع الكنيسة المصرية تقدم منح علمية للأفارقة قد يكون طرحا يستحق الدراسة والمراجعة،  ويأتي في إطار دعم العمل المؤسسي المصري في صالح العلاقات المصرية الإفريقية،  ومثال الأزهر والكنيسة إنما هو للتوضيح لدور مؤسسات أخري مصرية تستطيع أن تقدم الكثير لخدمة الملف وفي إطار عمل مؤسسي ممنهج وإستراتيجية وخطط واضحة،  لا تتغير بتغير الأشخاص…  أبدا.

المصادر:

موقع الإتحاد الإفريقي

الهيئة العامة للإستعلامات

– “The Innovator’s Dilemma: When New Technologies Cause Great Firms to Fail” Harvard Buisness School.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى