حول مُعاناة المرأة الأفريقية في كل من نيجيريا وكينيا
اعداد :
نهاد محمود أحمد – باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية عضو مجموعة عمل الدراسات الأفريقية بالمركز
مع تسارع حِدة الصراعات والاضطرابات التي لاتزال تعصف بالقارة الإفريقية بما في ذلك من أزمات وكوارث طبيعية، تتفاقم معها صعوبة الحياة لدى القابعين بتلك البقاع المشتعلة، كان من الضروري بمكان التطرق إلى التحديّات التي تواجهها النساء خلال هذه الأجواء المُعقّدة شديدة الصعوبة. وذلك من خلال عرض لتقريرين أساسيين نشرتهما شبكة CNN الأمريكية، يناقش الأول وضع النساء بإحدى مُخيّمات العاصمة النيجيرية “أبوجا”، خاصة خلال فترة الحمل لديهن وما يواجههن من احتياجات لا يُلبَى الكثير منها خلال هذا الوقت الصعب لديهن. أما التقرير الثاني فيتطرق إلى حياة النساء الأكثر فقرًا في “نيروبي” العاصمة الكينية، وتأثير تلوث الهواء على صحة أجساد النساء هناك، ومعانتهن خلال ذلك مع الفقر لاسيّما خلال فترات الطمث لديهن التي تطلّب شراء مستلزمات صحية يَندُر توافرها لديهن، ما يجعلهن عُرضَة للوقوع في فخ الممارسات الجنسيّة للحصول على مقابل مادي يُمكنهن من شراء احتياجاتهن اللازمة لهذه الفترة المتكررة شهريًا.
المحور الأول: المرأة في نيجيريا.. تهديدات ومخاطر متصاعدة بالمُخيّمات
في هذا المحور نشير إلى ما نشرته شبكة CNN الأمريكية من تقرير لـ “آدي فانيسا أوفيونج” حول حياة النازحين داخليًا في نيجيريا، وبشكل أكثر تحديدًا حول حياة النيجيريات خلال فترات الحمل بإحدى المُخيمات الواقعة في العاصمة النيجيرية أبوجا، وما يتعرضنّ له من مصاعب تمثل تهديدًا خطيرًا على حياتهنّ.
يبدأ الحديث من قلب العاصمة النيجيرية “أبوجا” حيث الالتقاء بإحدى النيجيريات التي تُدعى “عائشة عليو” الحامل في شهرها الثامن، إضافة إلى أربعة من أطفالها الجالسين حول قدميها، بينهم “حواء” البالغة من العمر عامين و”أبا” البالغة من العمر خمس سنوات تبكيان وتتجاذبان حجاب والدتهما ذو اللون البني. أما الطفل الذي تحمله “عليو” فهو الابن العاشر لها. وقد تم تسليم الأربعة الأصغر في مخيم “دورومي”، الواقع في العاصمة النيجيرية “أبوجا” الذي تعتبره “عليو” وأكثر من 3,000 نازح داخلي آخر وطنٍ لهم.
بدأت الأزمة في عام 2013، حينما فرّت “عليو” من منزلها في قرية “والا” بولاية “بورنو” شمال شرق نيجيريا إلى عاصمتها “مايدوغوري”. وذكرت حينها إن قريتها تعرضت للهجوم وأُحرِقَ جزءًا كبيرًا منها على يد جماعة بوكو حرام المُسلَّحة. وبعد ذلك بعامين، هاجمت الجماعة المُسلَّحة “مايدوغوري”، ما أجبر “عليو” على الهجرة مرة أخرى، وهذه المرة سافرت أكثر من 856 كيلومترًا جنوبًا إلى “أبوجا” مع زوجها وأطفالها الخمسة. رأت الفتاة البالغة من العمر الآن 39 عامًا أن إنجاب العديد من الأطفال هو وسيلة لتعويض فقدان أقاربها الذين قُتِلوا على أيدي المتمردين، إلا أنها اكتشفت لاحقًا ضرورة التوقف عن الإنجاب بعد حملها الأخير في عام 2021 وبدأت في استخدام وسائل لمنع الحمل. ومع ذلك، أصبحت حاملًا مرة أخرى خلال العام المنصرم.
بعد أن أنجبت أطفالًا بالفعل في مخيم دورومي (واحد من 264 مجتمعًا للنازحين داخليًا بنيجيريا)، كانت “عليو” خائفة، لتيقنها من الموارد المحدودة التي ستتمكن بشق الأنفس من الوصول إليها. لم تكن زوجة المزارع قادرة على تحمل تكاليف الطعام والدواء الذي تحتاجه للبقاء بصحة جيدة، وكانت خدمات ما قبل الولادة محدودة للغاية.
كانت المساحة التي تم إنشاؤها في البداية كقسم للولادة في المخيم بدائية وبالكاد يتوافر بها الحد الأدنى من المتطلبات الصحية، كما توضح “لياتو أيوبا”، التي عُيّنت مسئولة نسائية في المخيم عندما وصلت إليه في عام 2014. ومنذ ذلك الحين تعاملت مع القضايا المتعلقة بالصحة أو الغذاء أو الأطفال نيابة عن النازحين. “كانت خيمة طويناها، وكنت أضع حصيرة أو غلافًا على الأرض للنساء للاستلقاء عليه للولادة،” كما تقول “أيوبا”، التي كانت خلال معظم تاريخ المخيم القابلة الوحيدة للولادة. تشير إليها العديد من النساء النازحات باسم ماما. تقول “أيوبا” إن الخيمة كانت عبارة عن أكواخ مبنية بألواح تسقيف مموجة وأرضية رملية. إذا كانت القفازات متوفرة، استخدمتها القابلة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، تشرح أنها تغطي يديها بأكياس البوليثين وتستخدم الأدوات المتاحة لديها، على سبيل المثال تذكر أنها في كثير من الأحيان تقوم بقطع الأحبال السرية للمواليد بشفرة حلاقة. “لقد أنجبت ثلاثة من أطفالي بمساعدة ماما على حصيرة تحت الملجأ”، تقول “عليو” مستكملة: “قطعت ماما الحبل السري واستحمّ الطفل.”
- لا ترتيبات خاصة للنساء الحوامل في مخيمات نيجيريا:
تُجَسِّد حياة “عليو” الكثيرات من النساء النازحات داخليًا اللواتي يحملن أطفالهن ويضعهن في مخيمات نيجيريا، حيث لا يوجد في بعض الأماكن ولو مركز صحي أو مأوى للولادة، وبدلًا من ذلك يحتجن للذهاب إلى المخاض في مآوهن الخاصة أو ملاجئ القابلات. في هذا الشأن تشير أطروحة دكتوراه أعدتها “فاطمة محمود جبيريلا” في جامعة والدن عام 2021 إلى أن النساء اللواتي يعشن في مخيمات النازحين داخليًا في نيجيريا “كُن الأكثر عُرضة لخطر الوفاة عن النساء اللواتي يعشن في منازلهن”. تستكمل الباحثة: “لا توجد ترتيبات وتجهيزات خاصة للنساء خلال فترات الحمل بمخيمات النازحين واللاجئين في نيجيريا. كما أن هناك خدمات سيئة قبل الولادة وغير كافية للكشف عن المضاعفات المُحتملة المرتبطة بالحمل ومن ثمّ معالجتها.
في بلدٍ يُصَنّف ضمن البلدان الأعلى في معدلات وفيات الأمهات بالعالم، فضلًا عن كونه البلد الثالث إفريقيًّا الذي يضم أكبر عدد من النازحين داخليًا في القارة منذ نهاية عام 2022، وفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي (IDMC)، فإن الافتقار إلى توفير الرعاية الصحية الكافية للأمهات في هذه المخيمات سيظل يشكل مصدرًا كبيرًا للقلق. وتُظهر أرقام مركز رصد النزوح الداخلي لعام 2022 أيضًا أن 4.5 مليون نيجيري تم تصنيفهم على أنهم “نازحون داخليًا” نتيجة للنزاع والكوارث الطبيعية على حد سواء، حيث تجاوزت الفيضانات العنف الذي طال أمده كمصدر رئيس للنزوح.
وعلى الرغم من عدم وجود توزيع متفق عليه للنازحين داخليًا حسب الجنس أو العمر، إلا أن تقريرًا صدر عام 2023 عن قطاع تنسيق وإدارة المخيمات (CCCM) يشير إلى أن هناك 1,575,741 امرأة وطفلًا في ولايات “بورنو” و”أداماوا” و”يوبي” النيجيرية وحدها، يُشَكِّلون 74٪ من 2,124,053 نازحًا داخليًا في تلك الولايات. ويعتمد إجمالي عدد النازحين داخليًا في نيجيريا إلى حدٍّ كبير على المنظمات الخيرية للحصول على الرعاية الصحية، حسبما قالت “أيوبا” وممرض المخيم “عيسى عمر” لشبكة CNN.
2- تكاليف باهظة للرعاية الصحية:
في زيارة سي إن إن لمخيم دورومي كان ممرض المخيم “عيسى عمر”، الذي أُجبِر هو نفسه على مغادرة منزله بسبب أعمال للتمرد، في غرفة الاستشارات يستخدم ماسح ضوئي محمول بالموجات فوق الصوتية لمراقبة نمو الطفل ومنظار جنين لمراقبة نبضات القلب بين الأمهات الحوامل القادمات. يقيس “عمر” معدة كل امرأة حامل متبوعًا بوزنها. بعد رؤيتهن، تقارن النساء الملاحظات أثناء جلوسهن على شرفة العيادة، ويناقشن كيف سيتم دفع ثمن الأدوية التي وصفها الممرض. “لكن من المؤسف أن الترتيبات اللازم إعدادها للنساء هنا خلال فترات الحمل بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية”، يقول “عمر” ممرض المخيم لشبكة CNN مستكملًا: “ليس لدينا حتى حمض الفوليك أو الأدوية المضادة للملاريا لإعطائها للنساء الحوامل هنا. لذا يجب أن أكتب هذه الأدوية لهم ليذهبن ويشترونها.” الملاريا متوطنة في نيجيريا وتُشَكِّل العدوى مخاطر مختلفة أثناء الحمل، مثل خطر الولادة المبكرة والإجهاض، لذا يوصى بحمض الفوليك للحوامل أو اللواتي يخططن للحمل، لتقليل مخاطر بعض العيوب الخلقية بالمواليد.
ولكن بالنسبة لمعظم النساء ال 64 المسجلات في سجل المواليد في المخيم هذا العام، فإن هذه التكاليف ستكون باهظة وغير متوفرة لديهن. على سبيل المثال، يكلف حمض الفوليك 3000 نيرة نيجيرية (3.74 دولار) مقابل 100 قرص، في هذا السياق تقول “عليو” لشبكة CNN إنها لم تكن لتتحمل هذه التكلفة لهذا المكمل الحيوي طوال فترة حملها لولا أن تبرعت به المنظمات غير الحكومية مجانًا. تضيف “عليو” إن الحصول على المياه النظيفة في المخيم يمثل تحديًا كبيرًا أيضًا، موضحة أنها مهمة شاقة وتستغرق وقتًا طويلًا وتتطلب منها القيام بعدة رحلات يوميًا، وهي مهمة لم يعد بإمكانها القيام بها في الأسابيع الأخيرة من حملها. بدلًا من ذلك، تدفع مقابل ما يكفيها من المياه لإعداد وجبة إفطار الأسرة والأعمال المنزلية الأخرى لمدة شهر، وهو ما يُكَلِّف 24000 نيرة نيجيرية (28.43 دولارًا). يُمكِن أن ترتفع التكاليف بنسبة 25٪ في الأيام التي لا توجد فيها كهرباء وتكون هناك حاجة إلى مولد لتشغيل المضخات، أو عندما يضطر بائعو المياه إلى الذهاب مسافة أبعد لجلبها.
أما بالنسبة لتطعيم الأطفال في المخيم، فيتعين على الأم اصطحابهم إلى أقرب مستشفى حكومي، لكن الأمر يتطلب أموالًا إضافية لشراء مستلزمات تشترطها الممرضات هناك. يشمل ذلك ضرورة أن يرتدي الطفل حفاضة، فضلًا عن وجوب توافر أشياء أخرى كالقطن وغسول الأطفال، الأمر الذي سيتطلب مالًا تقول “عليو” إنها لا تملكه. “في بورنو، لم يكن استخدام الحفاضات إلزاميًا عند الذهاب إلى المستشفى. لقد استخدمنا للتو أغلفتنا اليدوية (قطعة قماش مربوطة حول خصر الأطفال). أما بالمستشفيات تصر الممرضات على أن الأطفال يجب أن يرتدون حفاضات ويجب أن يكون لديهم حفاضة إضافية في حقائبهم. وهذا لم يكن حال “عليو” فقط، بل إنها شكاوى متعددة وشائعة شاركتها العديد من الأمهات مع CNN.
ردًا على ذلك يقول الطبيب “تشارلز نزيلو”، المسئول بوزارة الصحة الفيدرالية النيجيرية، لشبكة CNN إنه يعتقد أن العاملين في القطاع الصحي بنيجيريا يتصرفون على هذا النحو من أجل المصلحة العامة للطفل، لكنه يعترف رغم ذلك بافتقار بعض الكوادر الطبية إلى المهارات والخبرات اللازمة للتواصل مع النساء اللواتي يعشن في مخيمات النازحين. ويشرح قائلًا: “عندما تأتي إليّ كطبيب، سأقدم لك المشورة الطبية بالطريقة التي من المفترض أن تكون عليها بغض النظر عما يلائمك لاسيما مع قلة الخبرة، لكن عندما يكون الطبيب أكثر خبرة، سيتمكن بلاشك من التعامل مع مرضاه على نحو أكثر مرونة يتفق مع إدراكهم وقيمهم والبيئة التي ينحدرون منها.
بالتوازي مع ذلك كله، تقول “عليو” إنها تكافح من أجل تلبية جميع احتياجاتها واحتياجات أطفالها. على سبيل المثال لشراء ما تستطيع من متطلبات، تصنع “عليو” وتبيع الشعر المستعار والقبعات التي يرتديها الرجال، وتجني في المتوسط 10,000 نيرة نيجيرية (12.49 دولارًا) شهريًا. علاوة على ذلك تشعر “عليو” بالقلق من الإصابة بالملاريا وعدم قدرتها على إنتاج ما يكفي من حليبها الطبيعي بسبب رداءة نوعية نظامها الغذائي، خاصة أنها وعائلتها يعيشون على المواد الغذائية الأساسية فقيرة القيم الغذائية مثل المعكرونة والذرة بأشكالهما مختلفة. رغم ذلك تقول أن المال ليس شاغلها الوحيد لكنه ضروري لتأمين الغذاء اللازم لصحة جسدها، خاصة في ظل تفشّي الأمراض بالمخيم فتقول: “لا أستطيع تحمّل تكاليف علاج الملاريا، إذا حدث وأُصِبت بهذا المرض، فسأكون ميّتة لا محالة”.
المحور الثاني: معاناة المرأة في كينيا.. كيف يمكن أن يؤثر تلوث الهواء على حياة النساء الكينيات؟
في هذا الإطار نتطرق إلى تقرير نُشِرَ عبر شبكةCNN لـ “إليزابيث ويلز” و”إوين ماكسويني”، يتعلق بتأثير تلوث الهواء في كينيا على أجساد النساء هناك، خاصة خلال فترات الحيض لديهن، على نحو يجعل هذه الأوقات أكثر إيلامًا وتكلُفة عليهن.
في البداية وفي “نيروبي” العاصمة الكينية تقول “أليس شيكوكو” أنه يتعين عليها كل شهر الاختيار ما بين شراء ما يكفي من الطعام لعائلتها أو شراء الفوط الصحية لابنتها. كانت عائلتها قد انتقلت في وقت سابق إلى “كوروغوتشو”، إحدى أفقر الأحياء الفقيرة في “نيروبي”، قبل أربع سنوات، عندما توفي والد أطفالها. بعد فترة وجيزة، أُجبِرت على بيع ماكينة الخياطة الخاصة بها، التي تعد مصدرًا لدخلها الوحيد، حتى تتمكن من الحصول على علاج لعدوى في ساقها. “أصبحت الحياة صعبة للغاية”، تقول “شيكوكو” لشبكة CNN، بينما كانت جالسة خارج منزلها المصنوع من الصفائح المعدنية إلى جانب أطفالها. “اليوم، ليس لديّ أي شيء، هناك أقمشة أُعطيت لي لحياكتها، لكن ليس لدي ماكينة خياطة للقيام بذلك”.
في اليوم الأكثر ربحًا، يمكن أن تجني “شيكوكو” حوالي 1 دولار (150 شلن كيني) مقابل غسل الملابس وتنظيف المنازل، لكن رغم ذلك فإن أرخص مستلزمات الحيض “الفوط الطمثية” المتوفرة في كوروغوتشو تُكلِّف حوالي 33 سنتًا (50 شلن كيني). وهذا يعني أن ابنتها “ميرسي” البالغة من العمر 14 عامًا يجب أن تذهب بدونها في كثير من الأحيان. في نوفمبر الماضي، تم إرجاع “ميرسي” إلى المنزل من المدرسة بعد أن فاجأتها دورتها الشهرية. لذا تبقى الفتاة على الدوام في المنزل إذا لم يكن لديها فوط صحية، لتجنب الإحراج الذي تتعرض له. يؤشر هذا على الفقر المتفشّي في البلاد، كما يؤكد ذلك شيوع وتكرر الأمر للملايين من النساء في جميع أنحاء كينيا.
تشير التقديرات إلى أن 65٪ من النساء والفتيات في البلاد لا يستطعن تحمل تكاليف الضروريات الأساسية للتعامل مع دوراتهن الشهرية، وفقًا لتقرير صادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وتقول ست نساء وفتيات تحدثت إليهن سي إن إن في “نيروبي” إن الطالبات الكينيات يتغيبن بانتظام عن المدرسة بسبب ذلك، وهي مشكلة تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.
من جهة أخرى تشير بعض البحوث العلمية المنشورة حديثًا إلى أن نوعية الهواء الملوثة يمكن أن تزيد الأمور سوءًا على صحة النساء. حيث وجدت هذه الدراسات أن تلوث الهواء يزيد من خطر الإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، وهو مرض يتسم بنمو نسيج مشابه لبطانة الرحم خارج الرحم. يمكن أن يسبب نمو النسيج البطاني الرحمي المنتبذ ألمًا شديدًا ونزيفًا حادًا أثناء الحيض، كما أن من مخاطره جعل الحمل أكثر صعوبة فضلًا عن عددٍ لا يحصى من مشاكل الصحة الإنجابية الأخرى.
على سبيل المثال وجد الباحثون في الولايات المتحدة أن الفتيات اللائي تعرضن بشكل أكبر للجسيمات الدقيقة -وهي جسيمات صلبة أو سائلة ذات أبعاد مجهرية ومعلقة في غلاف الأرض الجوي وتُشَكِّل مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء- في مرحلة الطفولة وأثناء حمل أمهاتهن كان لديهن توقيت مبكر للدورة الشهرية الأولى. على الصعيد ذاته وجدت دراسة أجرتها جامعة الصين الطبية في “تايتشونغ” أن النساء المعرضات لأعلى مستويات تلوث الهواء كُن أكثر عرضة للإصابة بعسر الطمث، بمعنى أنهن يتعرضن لآلام مضاعفة بهذه الفترة تتجاوز غيرهن ممن لا يتعرضن لهذا المستوى من الهواء الملوث بحوالي 33 مرة.
- في أرضٍ قاحلة وسامة:
لم يتم إجراء أي بحث مماثل حول كيفية تأثير نوعية الهواء الرديئة على صحة المرأة في كينيا على وجه التحديد، على الرغم من أن أجزاء كثيرة من “نيروبي” تعاني من مستويات خطيرة من تلوث الهواء. على الطريق من منزل “شيكوكو” في “كوروغوتشو” تقع “داندورا”، إحدى أكبر مواقع تفريغ النفايات في العالم. رغم الإعلان عن امتلائها بالنفايات منذ أكثر من 20 عامًا، إلا أن الأراضي القاحلة المترامية الأطراف التي تبلغ مساحتها 30 فدانًا تعتبرها الوجهة النهائية لنفايات معظم سكان نيروبي البالغ عددهم 5.3 مليون نسمة.
يتجوّل الآلاف من عاملي النظافة في أكوام لوحات المفاتيح والكابلات والمطاط المهملة لكسب لقمة العيش، على الرغم من مستويات تلوث الهواء هناك التي تعتبر أعلى عدة مرات مما تعتبره منظمة الصحة العالمية آمنا على صحة الإنسان. كما تشتعل جبال القمامة بانتظام، وتطلق غازات ضارة تتدفق إلى بعض المجتمعات الأكثر كثافة سكانية في المدينة. “يحتوي موقع التفريغ الكثير من الأشياء الأخرى التي يستنشقها الكينيون هناك، وهم لا يعرفون أن ذلك يؤثر عليهم”، كما تقول “إيمي إيروندانغا”، التي نشأت في مدينة “داندورا” التي تعيش على مخلفات “نيروبي”. وتدير “إيروندانغا” الآن منظمة غير ربحية في كينيا، تهدف إلى معالجة القضايا التي تواجهها النساء والفتيات في “كوروغوتشو”، بما في ذلك فقر الدورة الشهرية. وهي قلقة من أن البيئة تسبب مشاكل لنساء الأحياء الفقيرة بطرق قد لا يفهمها النساء على الإطلاق. “في بعض الأحيان، يكون لديهن فترات طمث غزيرة بسبب الأبخرة التي يستنشقونها، وفي بعض الأحيان تظهر عليهن أعراض فجائية من التشنجات”.
- تكلُفة مرتفعة لمستلزمات فترات الطمث:
تقول “إيروندانغا” لشبكة CNN حول تكلفة الفترات الأصعب المتكررة شهريًا بالنسبة لفتيات “كوروغوتشو” أن عبوة واحدة من الفوط الصحية تحتوي على سبع أو ثماني قطع فقط، وتستمر مع الفتاة بحد أقصى من ثلاثة إلى أربعة أيام. ولكن إذا استمرت فترة الطمث أطول من ذلك، فستحتاج إلى مجموعة أخرى. “هل يمكنهن تحمل ذلك؟” تتساءل “إيروندانغا”، وتستكمل: “إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب على الفتيات إيجاد بديل، البديل هنا سيكون أن أضطر للذهاب إلى رجل لديه دخل أكبر قليلًا لدعمي، وسيخبرني أن هذا الدعم لن يكون مجانًا. لذلك عليكِ أن تستعدين لدفع المقابل، ويمكن تفهّم بالطبع ما الذي سيتم دفعه حينها.”
في هذا الصدد تشير دراسة استقصائية أجرتها منظمة “هورو” الدولية -منظمة غير حكومية دولية تعمل على التخفيف من “فقر الدورة الشهرية” في موكورو وماثاري، وهما مستوطنتان غير رسميتان في نيروبي- أن 16٪ من الفتيات قد أبلغن عن اضطرارهن إلى الاعتماد على أصدقائهن أو الرجال للحصول على المال لشراء الفوط الصحية. “عندما تعتمد الفتيات على الرجال أو الأصدقاء للحصول على الفوط الصحية، فإن الطريقة الوحيدة التي يسددن بها ثمن ما يتحصلن عليه هي التورط في الممارسات الجنسية”، كما تقول “وانجيرو كيفا”، المدير القُطري لمؤسسة “هورو” في كينيا.
تشير كل من “إيروندانغا” و”كيفا” أن ممارسة ما يعرف بالجنس التجاري مقابل الفوط الصحية ممارسة شائعة في أفقر المجتمعات المحلية في “نيروبي”. وينتهي الأمر بالفتيات إلى الحمل غير المرغوب فيه والتسرب من المدرسة، ما يديم حلقة الفقر والعوز لديهن. “هذا يعرض حياتهن للخطر”، تقول “كيفا” مستكملة: “إنهن يخاطرن بالحمل في مرحلة الطفولة، وهذا يعني أنه سيؤثر حقًا على معيشتهن بالكامل.” كما أن تبادل الجنس مقابل الفوط الصحية يؤثر أيضًا على حياة الفتاة بطرق أكثر دهاءً، ولاسيّما الالتحاق بالمدرسة. تقول “كيفا” إن هناك عاملين رئيسيين يتسببا في تغيّب الفتيات عن الفصول الدراسية في الأحياء الفقيرة وهما: عدم الحصول على الفوط الصحية والحيض المؤلم.
كان هذا هو الحال بالنسبة لـ “داماريس أتيينو”، التي كانت تبلغ من العمر 15 عامًا عندما بدأت دورتها الشهرية في ريف كينيا. كان الأمر مؤلمًا للغاية، كما تقول، فقد تغيبت عن المدرسة طوال الأسبوع. في بعض الأحيان، كانت المنظمات غير الحكومية تقوم بزيارة مدرستها وتقدم فوطًا مجانية إليهن، لكنها لم تكن متوفرة بشكل دائم. في مرحلة سابقة، كانت لديها فوطة صحية واحدة لدورتها بأكملها. ما أجبرها على الاكتفاء بالمناديل الورقية والملابس القديمة فقط. لقد أثر ذلك كثيرًا على احترامها لذاتها عندما كان الناس يضايقونها في المدرسة بسبب وجود بقع دم على سروالها. تسببت دورتها الشهرية في تغيّبها مرات عديدة عن المدرسة. لم تشعر بالراحة في الخروج مع صديقاتها لأنها كانت تخشى أن تسقط الأقمشة المؤقتة التي تستخدمها أمامهن، لذلك كانت تفضل البقاء في المنزل والنوم بدلًا من ذلك.
- التصدي لفقر الدورة الشهرية:
مع كل هذه المُعاناة التي تواجهها النساء الكينيات، لاسيّما في الأحياء الأكثر فقرًا بالبلاد، تسعى السيناتور الكينية “غلوريا أوروبا” إلى سنّ سياسات تساعد النساء على مواجهة فترات الطمث وإدارتها على النحو الأمثل والأيسر، بما في ذلك إنهاء النظرة الدونيّة إلى الدورة الشهرية من قِبَل المجتمعات المحلية لاسيما الذكور منهم، ناهيك عن الفقر الذي تواجهه النساء هناك خاصة فيما يتعلق بصعوبة الحصول على مستلزمات هذه الفترة من فوط صحية ومسكنات وخلافه. جدير بالذكر أن هذه النائبة البالغة من العمر 37 عامًا كانت قد حظيت باهتمام دولي في وقت سابق من عام 2023 عندما طُلِبَ منها مغادرة إحدى جلسات البرلمان بسبب بقعة دم على سروالها الأبيض. وفي هذا الصدد تقول إنها “غاضبة” من طردها، أشعر أن مطالبتي بالمغادرة تستخدم طبيعتي الأنثوية لإخراجي من القاعة وإحراجي بذلك.” ترى “أوروبا” أن النساء لا يحصلن على الرعاية أو الدعم الذي يحتجن إليه لإدارة دورتهن الشهرية في كينيا. كما تعتقد أن البحث المنشور حديثًا حول تأثير تلوث الهواء على المرأة ومضاعفة آلام فترة الطمث يجب أن يكون مصدرًا لقلق كبير لملايين النساء اللواتي يكافحن من أجل إدارة دورتهن الشهرية في نيروبي، خصوصًا مع غلاء حتى مسكنات الألم التي تُكلفهن حوالي ستة سنتات، أو 10 شلن كيني، ونتيجة لعدم توافر المال تقول النساء: “لا يمكنني الذهاب إلى العمل. لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة. لا أستطيع فعل أي شيء”.
تعتبر النائبة جزء من حزب التحالف الديمقراطي المتحد الذي يتزعمه الرئيس الكيني “ويليام روتو”، وتحاول “أوروبا” تسخير كل ما تمتلك من أجل إجراء تغييرات على سياسات الحكومة الكينية بما ييسر فترات الحيض على النساء. وتسعى النائبة إلى تبني ميزانية بقيمة 6.1 مليون دولار (940 مليون شلن كيني) تهدف إلى توزيع الفوط الصحية المجانية على ملايين النساء والفتيات في جميع أنحاء البلاد اللواتي لا يستطعن تحمل تكاليفها، كما أنها تدير العديد من حملات التوعية من أجل تغيير النظرة المهينة السائدة حول الدورة الشهرية في البلاد.
في الأخير نقول بأن هناك ضرورة مُلِحَّة بشأن وجود تكاتف حكومي وغير حكومي عاجل للتعامل مع الآثار المحتملة لتلوث الهواء على فترات الحيض لدى النساء، خاصة بالأحياء والمناطق الأشد فقرًا. ومع ذلك، فإن الخطوة الأولى نحو سياسة ملموسة تتمثل في إجراء المزيد من البحوث، والاعتراف بأن آثار تغير المناخ والتلوث ستكون مختلفة بالنسبة لتداعياتها على النساء، على وجه الخصوص بما يصاحبه ذلك من ضرورة البحث عن حلول عاجلة ومستدامة للتعامل مع هذه التداعيات بما يؤدي إلى تقليل آثارها على النساء في المستقبل المنظور، ومنعها تمامًا لاحقًا، على المدى الطويل.
المراجع:
- Adie Vanessa Offiong, “Away from threat of Islamist violence or floods, health risks for pregnant women in Nigeria’s refugee camps remain high”, CNN, Nov 29, 2023, On: https://rb.gy/vb08s8
- Elizabeth Wells and Eoin McSweeney, “Period poverty: How air pollution in Kenya could make periods heavier, more painful and more expensive”, CNN, Dec 4, 2023, On: https://rb.gy/ms5dnc