التنمية المستدامة والطاقة

دروس مستفادة من التجربة الصينية في تحقيق اهداف التنمية المستدامة

إعداد:هدير اسامه صابر من متدربي “منتدى الخريجين الأول لكلية الاقتصاد والإدارة” بجامعة 6 أكتوبر بالمركز

إشراف :مي احمد -مسئول برنامج دراسات التنمية المستدامة والطاقة بالمركز

مراجعة:مروة حسين – باحث مشارك بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء

المقدمة

يشهد العالم أزمات متداخلة علي كافة الاصعدة اقتصادية وتنموية ومناخية بالغة الصعوبة، وتشمل هذه الأزمة الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، ومن هذا المنطلق يمكن القول هذا التقدم السريع تسبب في انتشار التلوث البيئي على مستوى العالم سواء التلوث البري والجوي والبحري، مما تسبب في انتشار الأمراض الوبائية لدى الإنسان والحيوان فلا تخلو دولة فقيرة أو غنية متطورة أو متخلفة من هذا التلوث الخطير، مما أدى إلى انقراض بعض الحيوانات والطيور صديقة البيئة وخلق بعض الكائنات الضارة للبيئة، مما تسبب في انتشار الأوبئة مثل: وباء كورونا وانفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور وفيرسا ايبولا وفيروس ذيكار … الخ. وترجع أسباب انتشار هذه الأوبئة إلى التغير المناخي والبيولوجي السريع الذي نتج عن التغير في الصناعة دون مراعاة المعايير العلمية والمناخية،  كما أن هذه الدول التي تجري هذه التجارب تقوم بتغيير طبيعة الوجود الكوني من خلال تخليق بعض الكائنات عند إجراء الأبحاث العلمية دون الالتزام بالقيم الأخلاقية اللازمة عند إجراء هذه الأبحاث هذا بالإضافة إلى التطور البحثي الفوضوي والعشوائي في مجال الصناعات التكنولوجيا والفضاء.

وعلي صعيد أخر، هناك بعض التساؤلات حول مدى تحقيق باقي اهداف التنمية المستدامة، مثل انهاء حالة الفقر المدقع، وتحقيق التنمية المستدامة والتطوير والتقدم من خلال التطور التكنولوجي.

وتركز هذه الورقة حالة تحقيق اهداف التنمية المستدامة في دولة الصين، ومدى التعامل مع الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد، حيث الانتقال من حالة الركود والفقر المدقع إلى حالة التنمية المستدامة.

فقد عاشت الصين خلال فترة حكم سلالة “تشينغ” الملكية التي حكمت الصين من عام ١٦٤٤ – ١٩١١ حالة من الفقر والفساد السياسي وإهمال التسلح والقيود المالية وتبنى سياسته الانغلاق تجاه العالم الخارجي، وكان من نتيجة هذا أن قسمت الصين خلال هذه الفترة نتيجة الحروب العدوانية عليها واحتلال بريطانيا لهونج كونج وضعت روسيا يدها على منطقتين ضفة نهر أمو الشمالية وشرق نهر أسيوي التابعين للأراضي الصينية، واحتلال البرتغال لمكاو  واستعمرت المانيا خليج كيا وتشو بمقاطعة شاندونج، واحتلت اليابان تايوان وجزر بنغور هذا بالإضافة إلى انتشار الأفيون في العديد من المقاطعات الصينية.

نبذة تاريخية عن الصين:

مرت الصين في القرن الماضي بالعديد من التحديات السياسية، لهذا توقع العديد من المحللين بانتشار الفقر المدقع الذي سيشمل جموع الشعب الصيني كما جاء في توقعات وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيون بأن الصين لم تستطع تلبية الاحتياجات الضرورية لسكانها وسوف يعيش شعبها في حالة من الفقر المدقع، كما نشر ليستر براون مدير معهد مؤسسة ووالد ووتس الأمريكية مقالة بعنوان “من يطعم الصين؟” في مستهل القرن الحادي والعشرين الذي سيصل سكانها في عام ۲۰۳۰ إلى حوالي ١.٦ مليار نسمة؟ مما يعني زيادة الطلب على الطعام مع انخفاض الأراضي الصالحة للزراعة ونقص المياه وأضرار البيئة .

الا ان الصين استطاعت مخالفة كل التوقعات التي توقعها أتشيون وبراون وغيرهما، حيث وصل معدل الاكتفاء الذاتي من الغذاء إلى أكثر من 90% في عام [1]٢٠١٦، وليس هذا فحسب بل حققت الصين إنجازات كثيرة لدعم الحياة الأساسية للشعب، وبالفعل حدثت زيادة نمو ودخل الفرد، وتوفير الغذاء والكساء، وليس هذا فقط بل وصلت الصين إلى قائمة الدول الغنية والمتقدمة في كثير من المجالات، ومن هنا أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بلغ الناتج المحلى الإجمالي للصين ١٤,٧ تريليون دولار عام ۲۰۲۰ ، كما أصبحت أكبر دولة في العالم من حيث حجم التجارة الخارجية وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، وبلغ إجمالي حجم الصادرات والواردات الصينية ٤.٦٥ تريليون دولار عام ۲۰۲۰. وباتت الصين مصنع العالم”، وتغزو منتجاتها الصناعية أسواق العالم وأصبحت أكبر شريك تجاري لأكثر من ۱۳۰ دولة في العالم.

 وقفز ناتجها المحلى الإجمالي مما يعادل 6% من ناتج الولايات المتحدة الأمريكية عام ۱۹۸۱ إلى أكثر من ۷۰% في عام ۲۰۲۱ ، ومازالت تمضي قدما، ومن المرشح أن تتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقد القادم، كما تجاوز حجم الاقتصاد الصيني لأول مرة نظيره الفرنسي عام ٢٠٠٥، وبات يمثل 5 مرات حجم الاقتصاد الفرنسي عام ۲۰۲۰ ، ويمثل 4 أضعاف الاقتصاد الألماني، و 3 أضعاف الاقتصاد الياباني.

ويمثل الإنتاج الصناعي الصيني ضعف الإنتاج الصناعي الأمريكي حيث قامت الحكومة الصينية بمعالجة الفقر من خلال التنمية في ظل توجيه السوق وتعديل الهيكل الاقتصادي واستغلال الموارد المحلية وتطوير الإنتاج السلمي وتعزيز قدرتها على تدبير الأموال والتنمية بأنفسهم واستخدمت العديد من الطرق والمناهج للحد من حالة الفقر بالاعتماد على الذات والعمل الجاد – وتشييد البنية التحتية سواء في الزراعة والصناعة والطرق والري وتوفير الأموال اللازمة للتطوير والتدريب وتوفير جميع النفقات اللازمة للتقنيات التكنولوجية لكل مجال مع محاولة المحافظة على البيئة من حيث الحفاظ على التربة والمياه وحماية البيئة والبناء الايكولوجي مع تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة التي وضعتها الحكومة المركزية  ولم تكتفي الصين بالقضاء على الفقر بل ذهبت إلى رفع مستوى الحياة في كل المجالات ومنافسة الدول المتقدمة في كثير من المجالات والسؤال هنا كيف وصلت الصين إلى هذه المكانة الاستراتيجية والمنافسة مع دول العالم الكبرى؟

مؤشرات تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الصين:

وفقا لآخر احصاءات تم نشرها من قبل برنامج الامم المتحدة [2] لتقييم ملف التنمية المستدامة في الصين:

  • مساحة الأراضي الزراعية لعام 2020: 9,424,703 كم
  • يتم  استخدام الأراضي لكل قطاع: 56٪ زراعية و23٪ حرجية و21٪ غير ذلك (2018 – 2020)
  •  مجموع السكان: 1,412,175,000 نسمة (2022)
  •  التوسُّع الحَضَري: 61٪ يعيشون في المناطق الحَضَرية و39٪ يعيشون في المناطق الريفية (2020)
  • نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي: 16,301 دولار أمريكي في السنة (2020)
  • القيمة المُضافة من كل قطاع: 7٪ من الزراعة و55٪ من الخدمات و40٪ من الصناعة (2020 – 2022)
  • وتحتل دولة الصين المركز رقم 63 في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وذلك طبقا لما ذكر في تقرير الأمم المتحدة[3] بهذا الشأن، تسبقها فنلندا بالمركز الأول، يليها السويد في المركز الثاني، ثم الدنمارك في المركز الثالث، بينما تأتى سنغافورا في المركز 64 بعد الصين، وماليزيا في المرتبة 78.
شكل رقم (1) تطور تحقيق اهداف التنمية المستدامة بدولة الصين
المصدر: Sustainable Development Report 2023 (sdgindex.org)

وقد استطاعت الصين تحقيق 46.9% من اهداف التنمية المستدامة، و32% نجاح متوسط من الأهداف، ولا يزال النسبة المتبقية تواجه العديد من التحديات، ويوضح ذلك الشكل التالي:

شكل (2) مؤشرات تحقيق الصين لأهداف التنمية المستدامة
المصدر: Sustainable Development Report 2023 (sdgindex.org)

حيث يمكن تلخيص اهم الأهداف التي تم الوصول لتحقيقها وفقا لمعدل تنفيذ الغايات العامة لكل هدف كما يلى:

  • اهداف تم تحقيق الغايات المرتبطة بها بمعدل كبير، ويرمز لها بالسهم الاخضر، مثل الهدف الأول : حل مشكلة الفقر، والهدف السادس: توفير مياه نظيفة نقية، والهدف التاسع: الصناعة والابتكار.
  • اهداف تم تحقيق الغايات المرتبطة بها بمعدل متوسط، ويرمز لها بالسهم البرتقالي، مثل القضاء على الجوع، والصحة الجيدة، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي، والمدن المستدامة.
  • اهداف لا تزال تواجه تحديات في تحقيق الغايات المرتبطة بها مثل الهدف الخامس عشر، الخاص بالحياة على البر، نظرا لاستمرار قطع الأشجار في الغابات وعدم وجود سياسات فعالة لحمياه التنوع البيولوجي.

ويتم تلخيص ما سبق في الشكل التالي:

شكل (3) أداء الصين في تحقيق اهداف التنمية المستدامة


المصدر: Sustainable Development Report 2023 (sdgindex.org)

خطة الصين للتنمية المستدامة والتخفيف من حدة الفقر:

  • وهنا يمكن القول أن الصين كدولة محورية لها تجربة في التنمية المستدامة كما سبق بيانه بعد أن عاني شعبها من الفقر والفساد في بعض الأوقات، هذا بالإضافة للتلوث البيئي الناتج عن محاولات النهضة الصناعية العشوائية التي كان يقوم بها السكان لسد الحاجة دون مراعاة المعايير الصحية والبيئية لهذه الصناعات.

 ولهذا يرجع الفضل في نهضة الصين في مجال التنمية وعلاج الفقر إلى أن الصين عاشت في القرون السابقة حالة من المعاناة بسبب الفقر المدقع الذي عاشه الأغلبية من سكان الريف شمل معظم القرى وبعض المدن، وحسب الاحصائيات عام ۱۹۸۷ بلغ عدد الفقراء حوالي ۲۵۰ مليون نسمة منهم حوالي ۳۰% من هؤلاء يعشون تحت خط الفقر. وحسب الاحصائيات التي قامت بها الصين، بأنه لو استمر الوضع على ما هو عليه لوصل معدل انتشار الفقر الي %۹۷،۵% واصبح عدد السكان الذين يعيشون في الفقر ۷۷۹ مليون نسمة، هذا بالإضافة إلى حالة الفساد التي شملت الكثير من أبناء الشعب، بالإضافة إلى حالة الفوضى التي عاشتها الصين بل أنها تسببت في قيام الثورة الصينية عام ١٩١١ ثم حركة الإصلاح والانفتاح، والتي دفعت الصين من خلالها إلى اتخاذ العديد من الإجراءات للقضاء على الفقر شملت الإجراءات في البداية ٥٩٢ محافظة من بين أكثر من الفي محافظة فقيرة .

أليات الصين للتخفيف من حدة الفقر :

استندت الصين الى العديد من الاليات للوصول الى معدلات جيدة في التخفيف من حدة الفقر، حسب الوضع السائد، كما يلى:

  • قامت بتحديد وتحليل الوضع السائد في كل أنحاء الصين لإبراز نقاط القوة والضعف – وأيضاً عملت علي مشاركة القطاعات غير الحكومية بعد أن كان الاقتصاد الصيني في بداية الثورة الشيوعية في يد القطاعات الحكومية فقط نظراً لنظام الحكم الاشتراكي الذي يضع السلطة التنموية في يد الحكومة دون مشاركة القطاع الخاص، ومن هذه الخطوات عملت علي تشجيع أبناء الشعب بالاعتماد على الذات والمشاركة في التنمية الشاملة ومن هنا حققت الصين نتائج ملحوظة من التخفيف من حدة الفقر سواء على مستوى المناطق الفقيرة أو على مستوى الدولة، كما قامت في ضوء الوضع السيء الذي كان يعيشه الشعب في البحث عن أسباب هذا الفقر والفساد قبل البدء في العلاج ومن خلال البحث عن أسباب الفقر، ووجدت أن من هذه الأسباب الجهل والافتقار إلى التنمية الذاتية، وانتشار الأمراض والاوبئة وسوء الصحة وعدم كفاية وكفاءة العمالة وضعف البنية التحتية من طرق ومرافق.. الخ.
  • فضلاً عن الظروف الطبيعية السيئة في بعض المقاطعات، بالإضافة إلي وجود علاقات سببية معقدة ثنائية الاتجاه مثل التنمية الإقليمية التي تختلف من إقليم لإقليم فلكل مقاطعة نظامها المختلف، ورأت الصين أيضاً أن عدم كفاية القدرة على التنمية الذاتية والتي تتمثل في انخفاض مستويات التعليم ونقص التكنولوجيا والتمويل اللازم في كثير من المناطق لهذا وضعت الصين ايدولوجيا واستراتيجية موسعة للمعالجة الشاملة لهذه الظواهر .

أيديولوجيا الصين للنهوض والتنمية المستدامة:

  • يمكن الإشارة إلي أنه كان من مهام الحزب الشيوعي هو النهوض بالصين سياسياً واقتصادياً وعلمياً ودولياً، لهذا قام بوضع خطته الأيدولوجية للنهوض بالصين في جميع الجوانب وتمثلت هذه الأيدلوجية في البحث عن الأسباب التي أدت بالصين إلى هذا الوضع السيء التي كانت عليه خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وقامت الصين بإجراء الدراسات والأبحاث المعرفة أسباب التخلف التي وصلت إليه الصين، والحفاظ على روابط الثقة بين الحزب والجماهير للحصول على ثقة الشعب في الحزب، والالتزام بالمركزية الديمقراطية التي جمعت كل القوميات دون التفرقة بين قومية وأخري والتي تتمثل في المزج بين الديمقراطية تحت إشراف المركزية مع احترام الجميع للقوانين الموضوعية دون استثناء كما كانت نظرة الحزب الشيوعي للخطة الاستراتيجية التي وضعها.

الشوامل الأربعة:

وهي نظرة شمولية تبناها الحزب الشيوعي في التعامل مع ملف التنمية المستدامة يتلخص فيما يلى:

أولا: السعي لبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل لتحقيق الحلم الصيني،

 ثانياً: تعميق الإصلاح على نحو شامل غير قاصر على جانب دون جانب،

 ثالثاً: تطبيق أحكام القانون بشكل شامل دون استثناء فئة دون الأخرى،

 ورابع هذه الشوامل تعزيز الانضباط بشكل شامل.

ومن خلال هذه الايدلوجية التي اعتمدتها الصين فقد اتخذت الإجراءات الموضوعية والمتابعة الدقيقة لمعالجة التدهور الاقتصادي الذي ساد الصين لعدة قرون، وبالرغم من أن النظام السياسي نظام اشتراكي شيوعي إلا أنها اختارت نظام الاقتصاد المختلط الذي يجمع بين النظام الاشتراكي والرأسمالي ثم وضعت الأولوية لمشاريع التنمية الصناعات الثقيلة في فترة الانتعاش التي دامت ثلاث سنوات أما الخطة الخمسية الأولى من ١٩٤٩ – ١٩٥٧ ، تم خلالها تأسيس الاقتصاد المملوك للدولة مع إضفاء الطابع الاجتماعي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج سواء في الزراعة والصناعة والتجارة والحرف اليدوية الفردية ، ومما تقدم يمكن القول أن التنمية للاقتصاد الوطني خلال الفترة من عام ۱۹۵۸ – ۱۹۷۸ كان الغرض من هذه المرحلة هو بناء نظام اجتماعي ذي التنمية الاقتصادية المتساوية على أساس الإنتاجية المنخفضة التكاليف والتي قامت الصين بتصدير الكثير منها للشعوب الفقيرة وقد شاهدنا ذلك في مصر والعالم العربي  في بدايات القرن الماضي، ثم جاءت مرحلة الصناعة من أجل دعم خطة التنمية الصناعية في البلاد مع الحفاظ على تحسين الخدمات المالية الريفية من خلال إنشاء شبكة وطنية لتعزيز التكنولوجيا الزراعية والصناعية ، جاء ذلك مع تحكم الحكومة الصينية في جميع مقومات هذه النهضة من خلال تطوير نظم التعليم والتي تتناسب مع كل الفئات والمناطق والبيئة.

نظرية التعليم الشامل كمحور أساسي في التنمية:

يعد الاهتمام برأس المال البشري الطريقة الرئيسة لتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال استخدام التعليم لتحسين إنتاجية القوة العاملة، ولهذا نفذت الصين خطة موسعة للاستثمار في التعليم مثل تتبع سجلات الطلاب الاليكترونية، وتحديد عدد الطلاب الفقراء والمتعثرين دراسياً لعلاجها، وهذا يعد المرحلة الأولى لاستراتيجية التعليم في الصين تلاها مراحل أخرى منها إرسال العديد من الطلاب للدراسة في الخارج في أفضل الجامعات الأوروبية والأمريكية على نفقة الحكومة للمساهمة بعد عودتهم في نهضة الصين العلمية والصناعية والتكنولوجية.

الاهتمام بصحة المواطن الصيني:

حيث تأسيس نظام الرعاية الطبية التعاونية القائمة على الاقتصاد الجماعي والمساعدة المتبادلة.

لكن السؤال هنا ما هو تأثير هذه النهضة الصناعية على تلوث المناخ داخل وخارج الصين؟

والرد علي هذا التساؤل يمكن الإجابة عليه بأن تلوث معظم أنحاء الصين وخارجها كان نتيجة النهضة الصناعية التي حققتها جمهورية الصين وتفوقت بها اقتصاديا على مستوي العالم أنها تعد أكبر مصدر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري والزئبق في العالم، وهذا التلوث الجوي الضار يهدد الشعب الصيني، كما يهدد الصحة العالمية والاقتصاد العالمي

الإجراءات التي اتخذتها الصين لمواجهة التلوث البيئي:

تواجه تحديات الموازنة بين التلوث البيئي الناتج عن النهضة الصناعية والتكنولوجيا، نظرا لأن التلوث أصبح أزمة تواجه الصين والعالم فقد اتخذت العديد من الإجراءات للتخفيف من حدة التلوث. ومن هذه الإجراءات التي اتخذتها قيام البرلمان الصيني بإصدار قانون يفرض لأول مرة الضرائب على الصناعة لحماية البيئة، ونظرا لأن هذه الإجراءات لم تفي للحد من التلوث، وتنامت حالة الغضب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم جراء فشل الحكومة المتكرر في علاج تلوث الأرض والمياه والهواء بعد أن غطى الضباب الدخاني أجزاء شاسعة من شمال الصين قامت الحكومة الصينية بفرض رسوما أخري على التلوث الضوضائي الناجم عن المصانع

كما بدأت الصين في ادخال الحظر على استخدام بعض المنتجات الملوثة للبيئة حيز التنفيذ في ١٥ يونيو عام ۲۰۰۸ ، ومنع جميع محلات السوبر ماركت والمتاجر والدكاكين في جميع أنحاء الصين من إعطاء أكياس بلاستيكية مجانية، وبالتالي شجع الناس على استخدام أكياس القماش ويحظر أيضا إنتاج وبيع واستخدام الأكياس البلاستيكية الرقيقة جدا – التي يقل سماكها عن ۰.۰۲۵ ميلي مترا. كما طالب مجلس الدولة بالعودة إلى أكياس القماش وسلال التسوق، كذلك تم الحظر على الاستخدام الواسع لأكياس التسوق الورقية في متاجر الملابس أو استخدام الأكياس البلاستيكية في المطاعم لتناول الطعام الجاهز في الخارج، وتوصل استقصاء أجرته الجمعية الدولية لتغليف المواد الغذائية إلى أنه في العام التالي لتطبيق الحظر،

ايضا قامت الحكومة بتخفيض الكثافة السكانية في بعض المناطق المزدحمة بالسكان مثل: منطقة دونغ تشينغ، وهي منطقة سكنية رئيسية في بكين، إلى خفض عدد سكانها إلى ٧٦٢ ألفا بحلول عام ۲۰۲۰ ، بينما تستهدف منطقة شيتشينغ ألا يزيد عدد سكانها على ١.١ مليون شخص خلال خمس سنوات. وفي منطقتا داشينغ وشاني قرارات الحكومة ألا يزيد عدد سكانهما على ۱٫۷ مليون و ۱.۳ مليون على الترتيب، في حين أن شيجينغشان وهي منطقة صغيرة نسبية تستهدف أن يصل عدد السكان إلى ٦١٦ ألفا.كما قامت الحكومة بنقل السكان والشركات وبعض الإدارات الحكومية خارج العاصمة أو إلى الضواحي على أطراف المدينة علاوة على هدم المباني التي شيدت بطريقة غير قانونية للحد من التلوث.ومن هذه الإجراءات تركيب أجهزة لمكافحة التلوث على المصادر الثابتة الرئيسية وتشغيلها. وإغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بإحراق الفحم والاستعاضة عنها بمحطات تعمل بأنواع وقود أنقى مثل الغاز الطبيعي، أو الطاقة النووية، أو أنواع الوقود المتجدد.

كما فرضت تركيب أجهزة لمكافحة التلوث في المركبات الآلية الجديدة وتشغيلها بينما يتم إيقاف المركبات القديمة التي تخلو من هذه الأجهزة عن العمل، بهدف تنقية الهواء في المدن الصينية، والاستعاضة عن الفحم بالغاز الطبيعي لتحسين جودة الهواء وللتخلص من الكتل البيولوجية والنفايات البلاستيكية في المناطق الحضرية من قبل المستخدمين من السكان والتجاريين تعمل جادة للتخلص منها. لأن وجود الكتل البيولوجية والنفايات في الخارج أو في المواقد المنزلية ينتج أحجاماً كبيرة جداً من الملوثات في الكيلوغرام الواحد من المادة المحترقة على مقربة شديدة من المراكز السكانية .

خطة الصين في العمل المناخي وتحقيق الحياد الكربوني 2060[4]

قامت الصين بالسعي للوصول إلى حياد كربوني بحلول 2060 وذلك من خلال الخطة المقدمة الى مؤتمر المناخ COP 26، والاعلان عن  خطة جديدة بعنوان “الكتاب الأبيض”[5]  نحو عدالة خضراء وخفض الانبعاثات الكربونية.

وتحدد الخطة الصينية سياسات البلاد وأهدافها للاستجابة لتغيّر المناخ، وتحتوي على القليل من المبادرات الجديدة والأهداف المتمثلة في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن طريق حرق الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وخفض كثافة انبعاثاتها، وهي كمية الانبعاثات في كل وحدة من الناتج الاقتصادي، بأكثر من 65%، حسبما أورده موقع “إنترناشونال بيزنس تايمز”.

ونصّت خطة الصين التي قُدِّمت إلى مؤتمر كوب 26 على أن فلسفة الصين بشأن التغير المناخي تتمثل في الاستجابة الاستباقية لهذه الظاهرة من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والصحية المستدامة، وإنشاء هيكل اقتصادي سليم للتنمية الخضراء منخفضة الكربون والدائرية، ونظام طاقة نظيف.

وأوضحت أن التعديلات الهيكلية في الاقتصاد والصناعة والطاقة والنقل والاستهلاك ستولّد زخمًا مستدامًا للتنمية المتطورة وتحقق ربحًا على الصعيدين التنموي والاقتصادي ومعالجة التغير المناخي.

وتظهر الحسابات الأولية تخفيضاً لاستهلاك الصين للطاقة بشكل عام من 2011 إلى 2020 بما يصل إلى 28,7%، وهو من أسرع المعدلات في العالم. خلال فترة الخطة الخمسية الثالثة عشرة (2016–2020)، غذت الصين متوسط ​​نمو اقتصادي سنوي بلغ 5,7% بمتوسط ​​نمو سنوي في استهلاك الطاقة بنسبة 2,8%. وانخفضت نسبة الفحم في إجمالي استهلاكها للطاقة من 72,4% عام 2005 إلى 56,8% عام 2020.

 كذلك أطلقت عام 2021 الصين و28 دولة أخرى مبادرة شراكة الحزام والطريق بشأن التنمية الخضراء، داعية إلى أنه يمكن معالجة تغير المناخ من خلال إجراءات تسترشد بمبادئ الإنصاف والمسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الخاصة، مع مراعاة الظروف الوطنية المختلفة. تعمل الصين مع الدول ذات الصلة لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق للتعاون فيما بين بلدان الجنوب بشأن تغير المناخ، وإنشاء شراكة الطاقة الخاصة بالحزام والطريق، وتسهيل الإجراءات المتعلقة بالحفاظ على البيئة وتغير المناخ[6].

ويشير الانفوجراف التالي الى مدى تطور مزيج الطاقة في الصين[7] حيث تهدف الى تحفيض الوقود الأحفوري من مزيج الطاقة بحلول 2060 من 52% لعام 2025 الى 3% فقط ، وزيادة طاقة الرياح من 4% عام 2025 الى 24% عام 2060.

أسرار وراء المعجزة التنموية المستدامة الصينية:

  • تجدر الإشارة إلي أن الصين أدهشت المعجزة الاقتصادية التي أحزرتها الصين العالم بأسره والكل يسعى إلى فكّ الأسرار وراء هذا النجاح الباهر وتفسير أسبابه، ويتساءل عما إذا كانت تجربة الصين في التنمية نموذجًا يُحتذى به للدول النامية، وما الخبرات التي يمكن للدول النامية أن تستفيد منها. ولا ريب أن التجربة الصينية مصدر إلهام مهم لدول العالم ويمكن تطبيق بعض من خبراتها بعد الأخذ في الاعتبار خصائص الدول وظروفها المحلية.
  • ويمكن القول أن نجاح الصين في التنمية يعود إلى عوامل عديدة منها داخلية، مثل الدور المحوري الذى تلعبه القيادة والحزب الحاكم في عملية التنمية ومنها خارجية، مثل: موجة العولمة الاقتصادية التي خلقت ظروفًا مواتية للصين.

1- الحزب الشيوعي ومسئوليته التاريخية تجاه الأمة والشعب: يعدّ الحزب الشيوعي الصيني أكبر حزب سياسي في العالم، ويصادف هذا العام الذكرى المئوية على تأسيس الحزب، وهو يلعب حاليًا دورًا حيويًّا مهمًّا في جميع شئون الدولة كبيرها وصغيرها مما نال ثقة ومصداقية من أبناء الشعب الصيني، إذ قاد الشعب الصيني فى نيل الاستقلال وتحقيق التنمية والقضاء على الفقر والسعي إلى الرفاه المشترك. ويعمل الحزب على إسعاد المواطن وتحقيق نهضة الأمة باعتباره هدفًا وغاية. ونجحت القيادة في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة في اللحظات المفصلية فى تاريخ الصين الحديث لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار.

ويعود فضل نهضة الصين الاقتصادية أساسًا إلى السيد “دينغ شياو بينغ” الذى أدرك الضرورة الملحّة لتخليص البلاد من الفقر وفتح أبوابها على مصراعيها أمام العالم الخارجي بهدف مواكبة ركب الاقتصاد العالمي من خلال التعامل الإيجابي مع موجة العولمة.

 وتتسم شخصيته وأفكاره بالبرجماتية والعملية، حيث شدد على أهمية التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب. ومن مقولاته الشهيرة: “لا يهم أن تكون القطة سوداء أم بيضاء المهم أن تأكل الفأر”، يعنى بذلك أنه من الضروري تحقيق التنمية مهما كانت السبل. و”الفقر ليس ميزة الاشتراكية” يعنى أن أهداف الاشتراكية كنظام سياسي ليست الوصول إلى سدة الحكم فحسب، إنما إسعاد أبناء الشعب من خلال توفير حياة كريمة لهم معتبرًا تأييد الشعب منبعًا للشرعية السياسية للحزب.

وبعد تولى الرئيس شى جين بينغ مقاليد الحكم عام 2012، بدأ الحزب يولى أهمية كبرى للبناء الذاتي وأطلق الحزب حملة التثقيف والانضباط واسعة النطاق، بغية مكافحة الفساد ورفع معنويات أعضاء الحزب، وكان شعار الحملة “ضرب النمور والذباب معًا” يعنى بذلك أن الحزب يعتزم اجتثاث جذور الفساد بكل أشكاله وصوره ومهما كان منصب المسئولين المتورطين في قضايا الفساد.

وأطلقت القيادة الصينية حملة تاريخية بهدف القضاء على الفقر بشكل نهائي. واستثمرت الحكومة وأوساط اجتماعية مختلفة جهودًا جبارة وموارد مالية هائلة في المناطق النائية والفقيرة وتحسنت الظروف المعيشية لعدد كبير من أهالي الريف وأعلن الرئيس شى جين بينغ في نهاية عام 2020 عن النجاح التام لحملة القضاء على الفقر. فخلال العقود الأربعين الماضية، تخلص ما يزيد عن 800 مليون نسمة من الفقر بما يشكّل 70% من نتائج الحملة العالمية لمحاربة الفقر.

2- اعتبار التنمية أولوية كبرى ومفتاحًا لحل مشاكل الصين كافة: منذ 40 عامًا حدد الحزب الحاكم التنمية هدفًا ذا أولوية كبرى. ومن ثم جاءت كل السياسات الداخلية والخارجية المطبقة في الصين خلال تلك الفترة لتخدم هذه الأولوية الكبرى. وفى عقيدة الحزب أن التنمية مصدر هام للمشروعية السياسية، وسبيل لكسب ولاء الشعب للحزب والقيادة.

ومنذ اتخاذ سياسة الإصلاح والانفتاح، كانت القيادات الصينية المتعاقبة تتمسك بالتنمية باعتبارها القضية الأولى والمركزية، إلى جانب قضية القضاء نهائيًا على الفقر. نال الحزب الشيوعي الصيني ثقة ومصداقية الشعب حيث تصل شعبيته إلى 93.1% وفقًا لاستطلاع الرأي الذى أجراه فريق أبحاث من جامعة هارفارد الأمريكية عام 2019(.

وقد ارتكزت الإصلاحات الاقتصادية الصينية في بداية الأمر على زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي واستكمال إنشاء البنى التحتية في الريف والحضر وإنشاء نظام حوكمة الشركات الحديثة ما أرسى أسسًا راسخة للتنمية الاقتصادية المستدامة كما يقول المثل الصيني: “تمهيد الطرق بداية الثراء”، “لا استقرار بدون الزراعة، لا ثروة بدون الصناعة” مما يدل على مدى اهتمام الصينيين بتطوير البنية التحتية والقطاعات الأساسية.

3- تحرير العقول والتقدم مع العصر: يدعو الحزب الشيوعي الصيني إلى النظرة الموضوعية للتراث الصيني وللنظريات الماركسية، وربط المبادئ الماركسية بواقع الظروف الصينية، والاستفادة من تجارب جميع الشعوب، حيث أكد “دينغ شياو بينغ” على ضرورة إنهاء الخلافات العقائدية والجدل حول الاشتراكية والرأسمالية والذى كان محتدمًا فى أوساط الحزب والمجتمع.

 وأكدت القيادة الصينية مرارًا أنه يجب كسر جمود الفكر وتحرير العقول من القيود العقائدية، وأن الاشتراكية لم تكن لها شكل موحد وقالب جامد لا يتغير، إنما تتقدم مع الزمن وتكتسب الاشتراكية خصائص ومميزات فى بلدان مختلفة.

ويحرص الحزب على ضخ دماء جديدة إلى قياداته على مختلف المستويات بما يمكّن الشرائح الاجتماعية الجديدة والصاعدة من الانضمام إلى صفوف الحزب لتوسيع تمثيل الحزب وإشراك الفئات الجديدة فى قضايا الحكم والتنمية.

4- اعتماد الإصلاح التدريجي ورفض الأسلوب الصدامي: لا تؤمن الصين بالإصلاحات الجذرية الصادمة والحلول السريعة إنما اتبعت الأسلوب التدريجي، إذ يتم إجراء اختبارات على مستويات مختلفة للتأكد من صواب وفعالية السياسات والإجراءات، وهو الطريق الذى جنب الصين مخاطر التغير الاجتماعي المفاجئ وضمن لها الاستقرار الذى يؤمّن استمرارية مسيرة الإصلاح.

 فسياسة الانفتاح التي تنتهجها الصين على سبيل مثال، جرى تطبيقها، فى بداية الأمر، فى أربع مدن ساحلية فقط، ثم امتدت التجربة إلى أربع عشرة مدينة واقعة على سواحل البحار والأنهار، وفى نهاية المطاف، تم تطبيق سياسة الانفتاح فى جميع المناطق الصينية.

 والجدير بالذكر أن مدينة شين زين تحولت من قرية صيادين صغيرة بجوار هونغ كونغ فى الثمانينيات من القرن الماضي إلى أهم مركز اقتصاد المعرفة فى الصين والعالم وقد تجاوز الناتج المحلى الإجمالي لهذه المدينة الوليدة لما يساوى الناتج المحلى الإجمالي فى هونغ كونغ. على مستوى الحكم، تتمسك الصين بمبدأ “الاستقرار أولاً” دون التخلي عن التجارب الديمقراطية على مستوى القاعدة وداخل الحزب. فالقيادة الصينية حريصة على أن تحافظ على الاستقرار الاجتماعي باعتباره ضمانًا أساسيًا للتنمية.

5- خلق بيئة دولية مواتية للتنمية: فتحت الصين أبوابها على العالم بشكل كامل حرصًا منها على تحسين العلاقات مع العالم الغربي، وانتهاج سياسة حسن الجوار مع البلدان المجاورة، وتطوير الصداقة التقليدية مع الدول النامية، والتمسك بمبدأ تعددية الأقطاب وتبنى سياسة خارجية مبنية على أساس الاستقلالية والسلام.

 واعتنقت الصين مبادئ العولمة بل أضحت أقوى مدافع عنها، إذ تحولت الصين من اقتصاد معزول عن النظام الاقتصادي العالمي -بعد الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية عام 2001- إلى فاعل نشيط وأكبر مستفيد من العولمة، حيث نجحت الصين فى اجتذاب رصيد هائل من الاستثمار الأجنبي واستضافت كبريات الشركات العالمية مما أدى إلى الاستفادة من التقدم التكنولوجي على أرضها فتعلمت منها عن قرب التكنولوجيا العالية وأساليب الإدارة الحديثة وبذلك ارتفعت القدرات التنافسية للشركات الصينية فظهر العديد من الشركات الصينية القادرة على خوض المنافسات الدولية.

وفى السنوات الأخيرة، طرح الرئيس شى جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق” بهدف تحقيق التنمية المشتركة مع الدول النامية خاصة تلك الواقعة على طول طريق الحرير الجديد، عن طريق الاستثمار فى بناء مشروعات البنية التحتية والمساهمة فى عملية التصنيع وتيسير التجارة البينية وتعزيز التعاون المالي، وقد تم إحراز تقدم كبير فى التعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة بين الصين والدول النامية وتنتشر مشاريع البنية التحتية وقواعد الإنتاج الصناعي التي تستثمر فيها الصين أو تموّلها أو تقوم بتشييدها فى أنحاء العالم.

6- اعتماد نظام السوق آلية أساسية للاقتصاد الصيني: تؤمن الصين بأن نظام السوق يضخ الحيوية فى الاقتصاد ويفجر روح المبادرة للأفراد ويخلق بيئة الأعمال الجيدة. فاقتصاد السوق الحر يلعب دورًا مهمًا فى إشراك القطاع الخاص فى عملية التنمية وتشجيع تطور الشركات المتوسطة والصغيرة والناشئة وريادة الأعمال بحيث بلغت مساهمة القطاع الخاص فى الاقتصاد الوطني نحو 60%، من مجموع الضرائب المحصّلة.

وتلعب الشركات المملوكة للدولة دورًا رئيسيًا فى الصناعات الاستراتيجية وتتحكم فى شرايين الاقتصاد القومي أما أغلب القطاعات فيقوم فيها القطاع الخاص والمشترك بالدور الرئيس.

7- الاهتمام بالتعليم: انتهجت الصين أساليب عدة لرفع نوعية الموارد البشرية والتشجيع على روح المبادرة والإبداع والابتكار. حيث تشير الإحصاءات إلى أن الإنفاق على تعليم الأبناء يأتي فى مقدمة النفقات المعيشية لمعظم الأسر الصينية سواء أكانت فى الأرياف أم في المدن ويزداد الإنفاق الحكومي فى التعليم والبحث العلمي والتطوير سنة بعد أخرى، مما أدى إلى تفوّق العديد من الشركات الصينية فى مجال الاتصالات والتسويق الإليكتروني والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات.

الخاتمة

مما سبق ظهر جلياً أن الأزمة العالمية التي يمر بها العالم اليوم ليست متمثلة في حالات الفقر والمجاعة التي تعيشها بعض الدول الفقيرة والمعدمة فحسب، بل أصبح يواجه العالم أزمة متعددة الجوانب لم يمر بها من قبل( هجره غير شرعيه – تصحر – فقر – مجاعة – عدم مساواه – تفشي الامراض والأوبئة –نزوح سكاني ) ونظرا لأن الصين تعايشت وعانت من الكثير من هذه الازمات فخرجنا من تجربتها بالدروس المستفادة في معالجة الفقر الذي عاشه شعبها بالعديد من التجارب لو طبقت ستساعد في تخفيف من حدة الفقر، نفس الأمر في تجربتها في التغلب على التلوث والتي استفادت منها بعض الدول، إنها تجربة تستحق الدراسة والبحث للاستفادة منها في العالم . تعتبر الصين الدولة الوحيدة التي تستوعب تكنولوجيا نقل الطاقة الكهربائية باستخدام التيار المستمر ذي الضغط الفائق، وبناء مشروعات نقل الطاقة الكهربائية وتحويلها بالتيار المستمر والمتغير ذي الضغط الفائق في العالم. وتعد الشبكة الكهربائية ذات الضغط الفائق من أكبر المشروعات لحماية البيئة في العالم لأنها ترفع فاعلية نقل الكهرباء وتخفض فقدانها وتوفر موارد الأرض.

ومع تكثيف التعاون الدولي في الطاقة في ظل تعميق العولمة، تتمسك الصين بالانفتاح في مجال الطاقة.

ودعت الصين الى تعزيز الحوار والتبادل بين الدول المصدرة للطاقة والدول المستهلكة ودول العبور، والقيام بالتعاون العملي في الطاقة، والاشتراك في الحفاظ على سلامة الطاقة العالمية واستقرار الدول المنتجة للطاقة والدول الناقلة للطاقة خاصة الدول والمناطق المنتجة لها في الشرق الأوسط لتخفيف تأثير النزاعات الجيوسياسية في امدادات الطاقة العالمية.

حيث أن الطاقة قضية عالمية، ولا يمكن لمعظم الدول ضمان الطاقة الآمنة بعدم المشاركة في التعاون الدولي. ولا تنفصل المنجزات الصينية في تنمية الطاقة عن التعاون الدولي.

ولهذا اتخذت الصين التي يتجاوز عدد سكانها 1.3 مليار نسمة طريق التنمية المستدامة في مجال الطاقة، ويعد هذا الاكتشاف والممارسة الجديدة في التاريخ البشري لتنمية الطاقه .

الملخص:

  • يمكن القول أن العالم يواجه الآن أزمة متعددة الجوانب لم يمر بها من قبل والتي تتمثل في الفقر المدقع الذي شمل الكثير من شعوب الدول النامية، و أزمة تغير المناخ، وتعد أهم أسباب هذه الأزمة التلوث الناجم عن نشاط الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا، بالإضافة الي أن معظم مخرجات هذه الثورة الصناعية والتكنولوجية أدت الى نشر الكثير من الأمراض والأوبئة الناتجة عن الطفرة البيولوجية.
  • ومن هذا المنطلق تتناول الدراسة تجربة الصين في مواجهة الازمات الاقتصادية ومعالجة الفقر وخطتها نحو التنمية المستدامة، ومن ناحية اخري نسلط الضوء على كيفية مواجهة الصين التلوث البيئي الناتج عن النهضة الصناعية والتكنولوجية، من خلال العديد من السياسات الداخلية، ومن أبرزها قيام البرلمان الصيني بإصدار قانون يفرض لأول مرة الضرائب على الصناعة لحماية البيئة، ومواجهة مخاطر تغير المناخ.

المراجع:


[1] تعليق شينخوا: كيف ساهمت الصين في الأمن الغذائي العالمي (news.cn)

[2] البلد (أو المساحة) | بيانات الهدف ٦ من أهداف التنمية المُستدامة (sdg6data.org)

[3] Sustainable Development Report 2023 (sdgindex.org)

[4] مؤتمر المناخ.. الصين تقدم خطة جديدة لخفض الانبعاثات – الطاقة (attaqa.net)

[5] نحو العدالة الخضراء: «الكتاب الأبيض» للصين 2021 (kassioun.org)

[6] نحو العدالة الخضراء: «الكتاب الأبيض» للصين 2021 (kassioun.org)

[7] مؤتمر المناخ.. الصين تقدم خطة جديدة لخفض الانبعاثات – الطاقة (attaqa.net)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى