تقارير

“قراءة حول مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية تيكاد8”

اعداد : رامي زهدي

عضو الهيئة الاستشارية للدراسات الافريفية للمركز

ما بين ثنائية العلاقات المصرية اليابانية وتشاركية العمل الإنمائي الإفريقي الياباني،  تأتي قمة طوكيو للتنمية الإفريقية في نسختها الثامنة (تيكاد 8) بالعاصمة تونس،  ليستكمل بها مسار طويل من العمل المصري الياباني من جهة ومن تجارب التعاون المثمر بين القوة الدولية المؤثرة في العالم (اليابان) وبين القارة الأهم إقتصاديا في هذا التوقيت بالنسبة للعالم الذي يعاني إنكماشا اقتصاديا وتضخم وفوضي إنهيار سلاسل الإمداد والتموين وسط صراعات قاتلة للعملات وأسعار المعادن والخامات البترولية.

القارة الإفريقية صاحبة الإستعداد الأكبر لإستعياب الفرص الإنمائية والإستثمارية مرة أخري علي موعد مع العملاق الياباني الذي يصنف بالنسبة للشعوب الإفريقية في مصاف الأصدقاء للقارة حيث تنتهج اليابان منذ عهود سياسة متزنة مابين الموائمة بين مصالحها وبين مصالح القارة الإفريقية عكس قوي دولية أخري خرجت من إفريقيا من ثوب المستعمر العسكري والجغرافي ورجعت مرة أخري أشد شراََ في ثوب المستعمر الإقتصادي والإستراتيجي.

قمة تيكاد 8، لثاني مرة فقط منذ تأسيسها تعقد في 27،28 أغسطس 2022 في العاصمة التونسية تونس بعد ان عقد في العام 2016 في العاصمة الكينية نيروبي،  بينما بدأت في العام 1993 في اليابان،  وكان أبرز دوارتها في العام 2019 برئاسة مشتركة مابين اليابان ومصر التي كان تترأس الإتحاد الإفريقي أنذاك وبمشاركة متميزة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تعقد هذه الدورة بمشاركة رئيس الوزراء د مصطفي مدبولي، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي،  والذي القي كلمة خلال الجلسة العامة الأولى حول الموضوعات الاقتصادية وفرص التعاون.، حمل فيها وجهة نظر مصر في عدد من القضايا، وأبلغ فيها تحيات وتقدير الرئيس عبد الفتاح السيسي لدولتي اليابان وتونس ولكل المشاركين.

رئيس الوزراء مصطفي مدبولي توجه بالشكر للرئيس التونسي على التنظيم المتميز للقمة،  وللدور الياباني الداعم منذ أن دشنت هذه المنصة تأكيداً لأحقية القارة الأفريقية في ملكيتها لمساراتها التنموية ودعم أطر التعاون الممكنة مابين اليابان والقارة الإفريقية.

ألقى الدكتور مصطفى مدبولي كلمة، خلال الجلسة العامة الأولى بالقمة، حول الموضوعات الاقتصادية بحضور الرئيس/ قِيس سعيد، رئيس جمهورية تونس، والرئيس/ “ماكي سال”، رئيس جمهورية السنغال، والسيد/ موسى فقيه، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وعدد من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية،  ومشاركة “افتراضية” للسيد/ “فوميو كيشيدا”، رئيس وزراء اليابان.

وتأتي “تيكاد”  كقمة قارية هامة،  دشنها الشريك الياباني عام 1993 تحت شعار “الملكية والشراكة” تأكيداً لأحقية القارة الأفريقية في ملكيتها لمساراتها التنموية.،  وشملت كلمة رئيس الوزراء المصري تقديم واجب العزاء في وفاة رئيس وزراء اليابان السابق “شينزو آبي”، الذي أسهم في الارتقاء بمستوى الشراكة المصرية اليابانية والإفريقية اليابانية ودفعها إلى آفاق أرحب تلبية لتطلعات الجانبين.،  وأطلق مسارات قوية شاركت بها مصر جنبا الي جنب مع اليابان لدعم خطوط تماس المصالح المتبادلة بين كافة الأطراف إستناداََ علي الندية وتكافؤ الفرص.

وقد حملت كلمة مصر خلال المنتدي عدد من المحاور التي تستلزم التنسيق المشترك؛  بهدف اتخاذ خطوات فورية وفعّالة لتعزيز جهود القارة في تحقيق التنمية المستدامة،  اتخذت شكل أربعة محاور أساسية كالتالي:

– المحور الأول يتمثل في أهمية تنويع مصادر واردات الغذاء، وتأمين سلاسل الإمداد لدول القارة، بما في ذلك السيطرة على ارتفاع الأسعار، مع ضرورة التنسيق المشترك من أجل النهوض بالسياسات الوطنية الزراعية الأفريقية؛ سعياً للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، على اعتبار التأثير المباشر للأزمة الغذائية على أوضاع السلم والأمن في أفريقيا، وهو الأمر الذي يستدعي دعم الدول الأفريقية، عبر تقديم حزم تحفيزية لاقتصاداتها.

– المحور الثاني يركز على الحاجة لإيلاء أولوية خاصة لتخفيف أعباء الديون عن كاهل دول القارة، خاصة في ظل ما نواجهه من تحديات دولية قاسية، من هنا تبرز أهمية التركيز على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويأتي ذلك استمراراً لخطة عمل “يوكوهاما”، التي دشنها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي مع أخيه الراحل “شينزو آبي” عام 2019.

– المحور الثالث الضوء على ضرورة العمل على تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، باعتبارها حجر الزاوية في الوصول إلى التكامل الاقتصادي المنشود بقارتنا الأفريقية؛ سعياً لتحسين مناخ الاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.

– المحور الرابع يناقش قضية تغير المناخ، باعتبارها من القضايا الحيوية المهمة التي تتطلب تكاتفاً دولياً، ومن هذا المنطلق فإن مصر ستسعى، خلال رئاستها لمؤتمر الدول أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي (COP27) الذي ستستضيفه مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022، لإعادة توجيه دفة المناقشات الدولية لصالح تفعيل مبدأ المسئولية المشتركة، وتعزيز جهود التكيف والتخفيف من حدة الآثار المناخية، وزيادة التمويل الدولي المتاح لدولنا الأفريقية، ونتطلع لمشاركتكم جميعا في هذا المحفل الدولي.، التركيز على أجندة التعافي الأخضر والانتقال العادل لتعزيز قدرة أفريقيا على الصمود أمام القضايا المرتبطة بتغير المناخ، ومن ثم العمل علي استمرار التنسيق القائم مع الشريك الياباني لدعم جهود وتطلعات القارة الأفريقية؛ من أجل تنفيذ تعهدات المناخ وتحويلها إلى واقع ملموس، وتوفير التمويل اللازم، خاصة في مجال التكيف.

بينما يأتي اليقين المصري الثابت بأن التنمية الاقتصادية الحقيقية تستدعي تعزيز مناخ السلم والأمن داخل القارة الأفريقية، واعتماد مقاربة شاملة تحول دون العودة للصراعات، حيث تحتل مسألة إعادة الإعمار والتنمية أولوية قصوى لدى القيادة السياسية المصرية؛ إذ يتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي ريادة هذا الملف المهم على المستـوى القـاري، إيماناً من سيادته بأن استدامة السلام ومنع تجدد النزاعات المسلحة لن يتحققا دون توحيد كافة الجهود الدولية والقارية والوطنية،لتدعيم الدول الخارجة من النزاعات المسلحة، وتعمل مصر من خلال استضافتها لـ “مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الاعمار والتنمية” على التواصل مع الشركاء الدوليين والإقليمين، لدعم خطط دول القارة في هذا المسار لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، وكذلك إيمان الدولة المصرية بأهمية تكامل العمل الإقليمي والقاري لدعم الجهود الوطنية القائمة لتنفيذ أهداف “أجندة   2063 “؛ سعياً للوصول إلى مرحلة التكامل الاقتصادي، واستدامة السلام، وتحقيق تطلعات دول القارة، الأمر الذي لن يتأتى سوى بتضافر الجهود الدولية وتوجيهها لصالح دعم الدول الأفريقية ومؤسساتها المعنية بتحقيق الأمن والتنمية في أفريقيا.

علي مستوي المشاركة،  جاء المشاركون في المؤتمر(البنك الدولى، الحكومة اليابانية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مفوضية الاتحاد الأفريقي) بالإضافة الي قائمة الوفود الرسمية التي وصلت تونس للمشاركة في مؤتمر طوكيو  والتي مثلت حوالي 66 شخصية رسمية من بينها 20 شخصية تتوزّع بين رؤساء دول وحكومات وملك ووزير أول ووزراء خارجية ووزراء تجارة ومنظمات مالية عالمية وإقليمية.

نتائج ومؤشرات:

لعل أبرز المخرجات في المنتدي هي إعلان رئيس الوزراء الياباني في كلمته عن بعد عن تخصيص بلاده لـ 34مليار دولار للتنمية في أفريقيا على امتداد الثلاث سنوات المقبلة، حيث من المنتظر أن يناقش المؤتمر سبل تفعيل العلاقات اليابانية الافريقية و خاصة في مجال الاستثمار، حيث بلغ حجم تمويلات المشاريع المعروضة و البالغ عددها 82 مشروعا، في حدود 2.7 مليار دولار في عدد من المجالات، على غرار قطاعات الصحة وصناعة السيارات والطاقات المتجددة، والتي ستستفيد منها عدد كبير من الدول الإفريقية منها مصر ومنها تونس مقر إنعقاد الدورة الحالية من المنتدي، كذلك تناول المؤتمر سبل الاستفادة القصوى من التكنولوجيا اليابانية بالتوازي مع منح طوكيو الأولوية في عدد من مشاريع الاستثمار في أفريقيا،  بينما على المستوى التونسي فقد وقعت وزارة الصحة التونسية، الجمعة، مع الجانب الياباني 4 اتفاقيات تمويل وشراكة في 4 مشاريع صحية، كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة بين منظمة الأعراف التونسية ونظيرتها اليابانية.، وفيما يتعلق بثنائية التعاون المصري الياباني،  رئيس الوزراء المصري التقي بوفد القيادات التنفيذية لشركة “تويوتا تسوشو” اليابانية، حيث تم توقيع الشركة خلال الشهر الجاري مذكرة تفاهم مع الهيئة الاقتصادية لقناة السويس في مجال مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق وإنتاج الأمونيا الخضراء والزرقاء،  بينما أوضح رئيس الوزراء أنه تم إقرار استراتيجية لتوطين صناعة السيارات في مصر، كما وافق مجلس الوزراء على إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويل التحول إلى وسائل النقل المستدام، مشيرا إلى أن المجلس الأعلى يختص بإقرار السياسات العامة والخطط والاستراتيجيات اللازمة لتنمية صناعة السيارات في مصر ومتابعة تنفيذها، كما يختص باتخاذ كل ما يراه لازما لتهيئة مناخ أفضل لصناعة السيارات، بجانب اختصاصه بدراسة ووضع الحلول المناسبة للمعوقات التي تواجه صناعة السيارات،  في الوقت الذي أعرب وفد القيادات التنفيذية لتويوتا تسوشو عن سعادته بمستوى التعاون القائم مع مصر، في الموضوعات التي ذكرها رئيس الوزراء، مشيرين إلى المشروع الجاري تنفيذه لإنشاء محطة توليد الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة 500 ميجاوات بمنطقة خليج السويس، مع تحالف شركات “أوراسكوم، وإنجى للطاقة، وتويوتا تسوشو”.

وجاءت من اهم احداث المنتدي بالنسبة لمصر عقد رئيس الوزراء المصري اجتماعا عبر تقنية “فيديو كونفرانس” مع نظيره الياباني،  تناول المحاور التالية:

– الدولة المصرية تقدر الدعم المُقدم من الجانب الياباني في مشروع “المتحف المصري الكبير”

– دعوة الحكومة المصرية القطاع الخاص الياباني لضخ مزيد من الاستثمارات في مصر للاستفادة من إجراءات تحسين مناخ الاستثمار.

– التأكيد علي أن المنطقة ‏الاقتصادية لقناة السويس مركز لوجيستي مهم وبوابة للمنتجات ‏اليابانية لأفريقيا.

– الإشادة بالشراكة المصرية – اليابانية في تطبيق نظام التعليم الأساسي “توكاتسو” وتجربة الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST

– مصر تتطلع إلى قيام الجانب الياباني بالبدء في اتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة لإقامة منطقة صناعية يابانية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بما يحقق المصلحة المشتركة للجانبين.

– القطاع الخاص الياباني يمكنه ضخ المزيد من الاستثمارات في مصر والاستفادة من الإصلاحات التشريعية والهيكلية، ‏التي تم إقرارها في إطار تحفيز بيئة الأعمال وتحسين مناخ الاستثمار، لا سيما في المنطقة ‏الاقتصادية لقناة السويس، التي تعد بمثابة مركز لوجيستي مهم يمكن أن يكون بوابة للمنتجات ‏اليابانية لأفريقيا.

– الفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة أمام الشركات اليابانية في مختلف القطاعات، مثل مشروعات: العاصمة الإدارية الجديدة، ‏ومشروعات الكهرباء والطاقة المتجددة، والتصنيع الزراعي، وتحلية المياه ونقل التكنولوجيا، مجددا الإشارة إلى الحوافز ‏والضمانات التي يكفلها القانون المصري للمستثمرين بهذه المشروعات.‏

– الشراكة المصرية اليابانية في قطاع التعليم، والتعاون في تطبيق نظام التعليم الأساسي الياباني “توكاتسو” في المدارس المصرية، إضافة إلى التجربة التعليمية المهمة المتمثلة في الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST.

– تقدير الحكومة المصرية لما توفره نظيرتها اليابانية من منح للطلاب المصريين، في إطار مبادرة تعليم إدارة الأعمال للطلاب الأفارقة ABE Initiative ، التي أطلقها رئيس الوزراء الياباني الأسبق في قمة “تيكاد” الخامسة في “يوكوهاما”، وتم تجديدها لمدة خمسة أعوام إضافية اعتباراً من عام 2019. 

– اهتمام الحكومة المصرية بنفاذ المزيد من المنتجات الزراعية المصرية إلى اليابان خلال الفترة المقبلة، وهو ما يسهم في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.

 – تأكيد رئيس الوزراء الياباني علي جوانب التعاون الإنمائي مع مصر في مجالات النقل، والصحة، وكذا طرح 500 مليون دولار من سندات الساموراى المقومة بالين الياباني، مؤكداً على ما توليه الحكومة اليابانية من اهتمام بتعزيز التعاون مع مصر في مختلف المجالات.

– وفيما يلى أبرز المعلومات عن تيكاد:

– تم إطلاق المؤتمر الأول لتيكاد فى اليابان عام 1993.

– مؤتمرات تيكاد كانت تعقد كل 5 سنوات فى اليابان حتى عام 2013.

– تغير نظام الانعقاد لتعقد كل 3 سنوات بدلا من 5.

– منذ 2016 تنظم مؤتمرات تيكاد بالتبادل بين اليابان والقارة الإفريقية.

 – تستضيف تونس المؤتمر هذا العام كثانى دولة إفريقية تستضيف تيكاد بعد كينيا.

 – تهتم قيمة تيكاد بمحاور النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة وتحقيق الأمن.

 – تعمل قمة تيكاد على حشد الدعم لمبادرات التنمية في إفريقيا.

– تهتم بتعزيز التعاون الاقتصادي بين آسيا وإفريقيا.

 – يمثل المنتدي هذا العام الثاني من نوعه الذي ينتظم خارج اليابان (حيث احتضنت كينيا الدورة 2016)، وقد شهد حضور رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية من 50 بلدا أفريقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى