المقدمة :
عملت روسيا من بدء العملية العسكرية في أوكرانيا على بناء تحالفات اقتصادية وسياسية مع العديد من دول العالم بهدف اضغاف تاثير العقوبات التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي، بالإضافة إلى بحث فتح أسواق جديدة لتسويق منتجاتها، وفي هذا الإطار قامت بتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العديد من الدول وخاصة الصين والهند.
أولا: العلاقات بين روسيا وكل من الصين والهند :
تربطت الدول الثلاث بتاريخ طويل من العلاقات؛ ورغم من ان العلاقات الروسية الصينية كانت قوية على مدار التاريخ، إلا أنه شهدت تطور ملحوظ مع تولي الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، الحكم عام ٢٠٠٠، وقد تم توقيع معاهدة التعاون وحسن الجوار في ٢٠٠١ ، كما تمت تسوية قانونية نهائيه فيما يخص الحدود بين الدولتين عام ٢٠٠٨، وفي عام 2009 وقعت البلاين اتفاقية بشأن التعاون في مجال النفط والغاز، وشهد التعاون العسكري بين روسيا والصين طفرة كبيرة، إذ تشكل الأسلحه الروسيه نسبة ٧٠٪ من إجمالي الواردات الصينية من الاسلحة، بالاضافة لعقد مناورات بحريه بين البلدين في ٢٠١٢ ، ٢٠١٣، ٢٠١٤، في حين تتضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين من 100 مليار دولار في 2015، إلى 200 مليار دولار في عام 2020. ([1])
وعلى صعيد العلاقات الروسية الهندية، بالرغم من قدم العلاقات التاريخية بين البلدين إلا أن التعاون بينهم ظل في إطار المنظمات الدولية مثل منظمة بريكس ومعاهدة شنغهاي للتعاون، ويتمثل التعاون العسكري بين البلدين في المناورات الروسية الهندية البحرية التي تمت عام ٢٠١١ في المحيط الهندي، كما تورد روسيا للهند العديد من الاسلحة والمعدات، بينما بلغ مستوي التبادل السلعي في عام ٢٠٠٦، ٣.٢ مليار دولار، لتزيدات بعد ذلك الصادرات الروسية إلى الهند بنسبة ٦٢.٦٪ ، وبلغت الصادرات الهندية الي روسيا ٣٦.٥٪ عام 2007 ووصل حجم الاستثمارات الهندية في روسيا عام ٢٠٠٨، قيمة ٨٢٠ مليون دولار، وتطور التعاون العلمي بينهم وتم توقيع برنامج شامل عام ٢٠٠٠ طويل الأمد لتطوير التعاون التقني حتي عام ٢٠١٠. ([2])
وبخصوص التعاون العسكري بين روسيا والهند ،يوجد برنامج التعاون التقني العسكري الذي بدأ عام ٢٠٠١ واستمر حتي عام ٢٠٢٠ وتم من خلاله انجاز العديد من مشاريع تصنيع وتطوير للاسلحه الثقيلة مثل برنامج صواريخ (براموس) . ([3])
وبلغ حجم التبادل التجاري بينهم خلال عام ٢٠١٠ و ٢٠١٧ الي ٨-١٠ مليارات دولار أمريكي ، يتمثلون في ٧٠ مشروعا صناعيا منهم ٢٧ مشروعا للطاقة و ٩ للفولاذ و ١٢ مشروعا للكيماويات. ([4])
ثانيا: الموقف الصيني والهندي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية:
- موقف الصين :
تتخذ الصين موقفا محايدا فيما يسمي ب “سياسة منتصف العصا” تجاه الأزمة الروسية الاوكرانية وذلك خوفا على مصالحها بين كلا من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث من الممكن أن يكون لها مكاسب استراتيجية من خلال استعادة تايوان من خلال عملية مماثلة لتلك التي تقوم به روسيا في أوكرانيا، فضلا عن المكاسب الاقتصادية التي قد تعزز فرص الصين في الصعود بصورة أكبر في العالم، وفي إطار ذلك رفضت بكين الموافقة على قرارات مجلس الأمن المتعلقه بإدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، فضلا تأيد الموقف الروسي من حلف الناتو، إذ أكد نائب وزير الخارجية الصينية(لي يوتشنغ) على أنه لا ينبغي توسع حلف الناتو شرقًا ([5])
- موقف الهند :
تبنت الهند موقف مشابة للموقف الصيني من الأزمة الروسية الأوكرانية، بدء من الامتناع عن التصويت على مشروع قرار الأمم المتحدة لإدانة روسيا، ويرئ متخصصين أن الموقف الهندي لم يكن مفاجئ لدي الكثير؛ حيث توجد روابط اقتصادية وعسكرية مهم بين الهند وروسيا منذ زمن بعيد، كما تعد روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند، بالاضافة إلى التعاون الدبلوماسي بينهما في العديد من القضايا، فقد سبق لروسيا استخدام حق النقد ضد قرارات مجلس الأمن بخصوص قضية كشمير وذلك لمساعدة الهند علي بقاء القضية ثنائية، كما أكد رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) للرئيس الاوكراني (فولوديمير زيلينسكي ) أن الهند عملت جاهدة لإبقاء قنوات الدبلوماسية مفتوحه مع كلا الجانبين.
ثالثا:تعزيز التعاون:
إلتقي الرئيس الصيني (شي جين بينغ ) بنظيرة الروسي فلاديمير بوتين على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وأكد الرئيس الصيني أنه ” لا يوجد حد لعلاقة بكين المعززة حديثا مع روسيا” ، وبعد العملية العسكرية الروسية لأوكرانية امتنعت الصين عن وصف الهجوم الروسي بأنه “غزو” ([6]) بالإضافه إلى ذلك إجتمع الرئيس الروسي ونظيرة الصيني في 9 فبراير عام ٢٠٢٢ وهدفت هذه القمة إلى تنسيق الجهود وذلك من أجل مواجهة هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، كما اوضح البيان المشترك الصادر عن الرئيسين بوجود نية لتبادل الخدمات، وقامت الصين وروسيا بمعارضة مبدأ حلف شمال الاطلسي (الناتو) وهو توسيع الحلف وضمه لمزيد من الدول، ومنها الرفض لإنضمام أوكرانيا إلى الحلف، ايضا أكد الرئيسان على القيام بمواجهة أي تدخل قوي أجنبية في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة ([7])
، وقامت شركة غازبروم الروسية بتوقيع صفقة لتوريد الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين في فبراير 2022.
واوضحت شركة غازبروم الروسية في بيان لها أنها وقعت عقدا لتصميم خط أنابيب سويوز فوستوك عبر منغوليا باتجاه الصين” ، ومن الممكن ان ينقل هذا الخط ما يقرب ل ٥٠ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا الي الدول الاسيويه ([8])
وعلي صعيد متصل قامت روسيا بتصدير الألماس الخام إلى الهند وذلك بعد انقطاع تصديره دام لفترة قصيرة بسبب العقوبات التي فرضت علي روسيا من قبل الغرب ، ونجد ان الهند تتعامل مع بنوك مختلفه للدفع باليورو ، ومن المتوقع ان يقوموا بعد ذلك للدفع بالروبل.
وأوضح الممثل التجاري الروسي في الهند ألكسندر ريباس علي انه تم شحن ما يقرب من ٧٠٠ مليون دولار من أحجار الالماس من روسيا الي الهند وذلك من نهايه سبتمبر عام ٢٠٢١ . ([9])
كما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ، اقتراب الصادرات الروسية من النفط الي مليار دولار ، موضحا وجود خطط لزيادة تلك الصادرات الي الهند في الفتره القادمة ، بالاضافه الي ذلك اهتمام روسيا بالتوسع في شبكة المبيعات في الهند وتقوية الاستثمارات الهندية في قطاع الغاز والنفط بموسكو ، ونجد ان نيودلهي قامت بوصع آلية التعامل بالروبل وذلك لتمويل واردات النفط وتجنبها لإجراء التبادلات بالدولار الأمريكي. وفي سبيل تقوية علاقاتها مع الهند ، قدمت روسيا خصما علي مشتريات النفط بنسبة ٢٠٪ وهذا اقل من الاسعار القياسية العالمية كما ذكرت تقارير إعلامية هندية وقامت شركة النفط الهندية الحكومية بشراء ٣ ملايين برميل من النفط الخام من روسيا وذلك من اجل تأمين احتياجاتها من الطاقة ومواجهة الضغوط الغربية .
رابعا: أسباب التحالف الروسي مع الصين والهند :
تسعي روسيا حاليا الي تعزيز علاقاتها بالصين والهند وذلك بهدف إنقاذ الخسائر الاقتصادية المترتبة علي العقوبات التي فرضتها دول الغرب عليها ، وايضا بهدف وجود بدائل لصادراتها من الطاقة ومصادر جديدة للإستثمارات ، وخاصه بعد حظر استيراد النفط الروسي من جانب العديد من الدول الاوروبية مثل بريطانيا وايضا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا، بالاضافه الي ذلك سوف تستخدم روسيا علاقاتها المتطورة مع الصين والهند للضغط علي اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك من خلال الاستغناء عن صادراتها إليهم ، وذلك عبر إقامة شركة غازبروم الروسية لنقل الغاز الي شمال الصين ، وعلي الجانب الاخر قامت روسيا بالتحالف مع الصين والهند من اجل الاستغناء عن وسائل الدفع المصرفية العالمية بالدولار ،وايجاد طريقة جديدة للدفع المالي ([10])
خامسا: التداعيات التحالف الروسي مع الصين والهند :
من الممكن أن يهدد هذا التحالف الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية ويؤدي الي إضعاف الإمكانيات العلمية والتكنولوجية لواشنطن وذلك وفقا الي نتائج وكالات الاستخبارات الأمريكية ، حيث التعاون بين موسكو وبكين ونيودلهي في العديد من المجالات مثل صادرات الطاقة ،والاسلحة ،والمناورات العسكرية ، والاقتصاد وخاصة تعزيز هذا التعاون في الفترة الحالية ، كل ذلك سوف يساعد روسيا من مواجهة الولايات المتحدة ، ويغير النظام العالمي الي نظام متعدد الاقطاب([11])
بالإضافه الي ذلك تتمثل التداعيات الاقتصادية والمالية لهذا التحالف في قيام روسيا بتطوير نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك “سيبس” وذلك بعد إخراج البنوك الروسية من نظام المعاملات في شبكة المدفوعات الدولية “SWIFT” بعد هجومها العسكري علي أوكرانيا وذلك من الممكن أن يؤدي الي تقليل تأثير النظم الأوروبية والأمريكية في مدفوعات الأفراد في روسيا والصين والهند ، مما ينتج عن ذلك ضرب هيمنة الهيكل المالي العالمي القائم علي هيمنة الدولار الأمريكي ، كما حذرت بعض التقارير الاقتصادية الغربية من أن إقصاء روسيا عن نظام “SWIFT” سوف يؤدي الي إرباك حركة المدفوعات الدولية وزعزعة الاستقرار في الاسواق المالية .
بالإضافة الي ذلك هناك العديد من التداعيات الإقتصادية نتيجة العقوبات التي فرضتها الدول الاوروبية وايضا التحالف الروسي مع الصين والهند علي كلا من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، حيث التداخل بين الاقتصاد الروسي وإقتصاد الدول الاوروبية سوف يؤدي الي حدوث خسائر كثيرة علي قطاعات الإنتاج والخدمات في هذه الدول ، وعلي سبيل المثال حدوث أضرار في قطاع الإنتاج في الصناعات التي تستخدم مواد خام من روسيا مثل صناعة الطائرات وصناعه الكهرباء ،مع عدم قدرة الدول الاوروبية علي توفير بدائل سريعه عن الواردات الروسية ، وفي القطاع الزراعي الاوروبي الذي يستخدم مستلزمات الانتاج القادمة من روسيا مثل الحبوب والزيوت ، بالإضافة الي الاستثمارات المالية الروسية في دول الإتحاد الأوروبي ، وخسارة إمدادات النفط والتي تزيد علي خمسة ملايين برميل يوميا من النفط ، وصعوبة وجود بديل مع إرتفاع أسعار هذه المنتجات ، وكل ذلك سوف يؤدي الي ارتفاع اسعار المنتجات ومعاناة المواطنين في الدول الاوروبية ، حيث قدر حجم الخسارة علي اقتصاد المواطنين في اوروبا بأكثر من ٢٠٠ مليار يورو وذلك خلال الشهور الثلاثة الاولي من بداية الهجوم الروسي لأوكرانيا الي نهاية مايو ٢٠٢٢ .
وعلي الجانب الاخر هناك خسائر إقتصادية ايضا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث مع إنخفاض منتجات النفط ومشتقاته القادمة من روسيا والتي تتراوح بين ٦٠٠ الف و ٧٠٠ الف برميل يوميا ، من الممكن ان يؤدي الي ارتفاع اسعار السلع والخدمات في الاسواق الامريكية ، وحدوث خسارة في بعض الشركات الأمريكية العاملة في السوق الروسية في قطاع الطاقه والصناعة .
وبخصوص تداعيات الهجوم الروسي لأوكرانيا وقيامها بالتحالف مع الصين والهند ، يشير البعض الي إمكان حدوث انهيار للنظام المالي العالمي في عام ٢٠٢٢ وذلك في حالة استمرار ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية ، كمل قدر بعض الخبراء ان كل من يحتفظ بمدخرات بالدولار قد خسروا ٦٨ دولارا من كل ١٠٠٠ دولار وذلك بسبب انخفاض القوة الشرائية للدولار الأمريكي. (([12]
الخاتمة :
مع تزايد العقوبات الإقتصادية التي فرضتها دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية علي روسيا ، وقيام روسيا بتعزيز علاقاتها مع كلا من الصين والهند ومحاولتها لوجود بدائل لتسويق منتجاتها سوف يزداد الوضع سوءا وذلك علي مستوي دول العالم وليس دول محددة فقط ، لذلك من الضروري إيجاد حل لهذه الأزمة كي لا يتضرر جميع المواطنين علي مستوي العالم.
[1] لؤي ابراهيم , العلاقات الروسية الصينية بعد انتهاء الحرب الباردة ، ، جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والسياسية ،المجلد(37) ،العدد الثالث 2021
[5] https://www.skynewsarabia.com
[7] https://www.annahar.com/arabic
[8] – https//www.alarabiya .net
[9] https//Arabic.rt.com
[10] https://www.skynewsarabia.com
[11] http://arabic.sputniknews.com
[12] https://www.almayadeen.net