“التجمعات الاقتصادية الإفريقية “ما بين التكتل الحقيقي المؤثر والشكلي الغير فعال”.. “مصر أين ولماذا…؟ “
كتب :رامي زهدي- عضو الهيئة الاستشارية للدراسات الافريقية بالمركز
في عالم صعب المراس وتحديات جمة منها السياسي، الأمني، الإستراتيجي والاقتصادي، وجد العالم منذ عهود طويلة أن الإتحاد قوة، ولا قوة أكثر تأثيرا في العالم الأن من القوة الاقتصادية، بل أن أسباب ونتائج وأحداث معظم الصراعات والمشكلات في العالم يمكن ربطها بوضوح بالإقتصاد العالمي وسعي الدول الشريفة نحو تأمين اقتصادها وحماية مقدرات الشعوب والأجيال القادمة، بينما علي النقيض تسعي دول أخري يمكن وصفها بالغير شريفة الي السيطرة أو سرقة مكتسبات الآخر وثروات الشعوب، أدركت الدول الإفريقية منذ عقود طويلة فيما بعد التحرر من الاستعمار أن الاستعمار الاقتصادي قادم لامحالة، وأن إفريقيا الأن هي ساحة للتنافس فيما بين القوي الدولية الكبري للسيطرة علي ثروات إفريقيا من مواد أولية بترولية ومعدنية وطبيعية زراعية وحجرية وسمكية، بينما تدار القارة من بعيد كسوق لمصنعي الدول الكبري ومجال لطرح المنتجات وجني الأرباح، وعلي المستوي الإستراتيجي لبيع وتجريب الأسلحة، ومسرح عمليات ونقطة انطلاق لنشاط الإرهاب والتطرف في العالم كله، وسط كل ذلك ظلت محاولات كبيرة من دول القارة للتجمع داخل نطاق تجمعات اقتصادية وجغرافية وتحت مظلة اتفاقيات اقتصادية تتيح لهذه الدول ممارسة قدر من التكامل والشراكة الاقتصادية والتي مازالت في مراحل إما أولية أو متوسطة علي الأكثر بينما تظل هناك آمال أكبر في تطوير هذه التجمعات أو دمجها في إطار موحد أو أكبر من القائم حاليا، مصر دائما ومن موقع دورها الحتمي في القارة الإفريقية وأيضا بحسابات الاقتصاد، تداخلت بقوة في عدد من هذه النطاقات الاقتصادية، أملا في دعم الاقتصاد المصري وتحرير أكثر للتجارة والاستثمار المصري في إفريقيا وأيضا من جهة أخري دعما لدول القارة والاقتصاديات الإفريقية الناشئة، فيما يلي، نستعرض موقف مصر من التجمعات الاقتصادية الرسمية الكبري في القارة الإفريقية وهي ثمانية كيانات، كالاتي:
أولاً: تجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD)يقع مقره بمدينة (طرابلس) بليبيا ويضم هذا التجمع (28) دولة وهم: (جزر القمر، جيبوتى ، اريتريا ، كينيا ، الصومال ، أفريقيا الوسطى ، تشاد ، مصر ، ليبيا ، المغرب ، ساوتومي ، السودان ، تونس ، بنين ، بوركينافاسو ، كوت ديفوار ، جامبيا ، غانا ، غينيا ، غينيا بيساو ، ليبريا ، مالى ، موريتانيا ، النيجر ، نيجيريا ، السنغال ، سيراليون ، توجو ) ويلاحظ أن العدد الأكبر من هذه الدول ينتمى إلى إقليم غرب افريقيا حيث يبلغ عددها (15) دولة ويبلغ عدد سكان تجمع دول الساحل والصحراء 607 مليون نسمة. وبني هذا التحالف في المقام الأول علي الشراكة الإستراتيجية بين هذه الدول وبدرجات مؤثرة في التعاون الآمني والعسكري والاستخباراتي، وكذلك محاربة الإرهاب ومقاومة الفكر المتطرف، والجريمة والجريمة المنظمة والجريمة العابرة للدول والقارات، وفيما يؤثر ذلك وبشكل قوي علي حركة التجارة والاستثمار بين هذه الدول، إلا أن التأثير الاقتصادي المباشر لتعاون هذه الدول، لم يظهر حتي الأن بنفس درجة ظهور التأثير الإستراتيجي لتعاون هذه الدول.
ثانياً: السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا – COMESA) والذى تأسست في (لوساكا) بزامبيا وتضم هذه الجماعة (21) دولة وهم : (بوروندي ، مصر، كينيا، موريشيوس، الصومال ، زيمبابوي ، جزر القمر ، اريتريا ، ليبيا، رواندا ، تونس، جيبوتي ، اثيوبيا ، مدغشـقر، سيشل ،أوغندا ،جمهورية الكنغو الديمقراطية، أي سواتينى، مالاوي ، السودان ، زامبيا).
ويلاحظ أن هذا يعد ثاني أكبر التجمعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا من حيث عدد الدول الأعضاء بعد تجمع دول الساحل والصحراء ويبلــغ إجمـالي المسـاحة الجغرافـية التي تشملها الجمـاعة نحـو 12 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع دول الكوميسا 596 مليون نسمة، ورغم انه النطاق الاقتصادي الأكبر في إفريقيا حتي الأن، إلا ان التطبيق يحتاج لتطوير، خاصة مع خروج بعد الدول أو رغبة دول أخري في عدم التطبيق الكامل لكافة بنود الاتفاقية، وربما ينقص هذا الاتفاق تحريراً مقننا لحركة الأفراد داخل نطاق الكوميسا الجغرافي لأغراض العمل، التجارة، الاستثمار، والأغراض الاجتماعية الأخرى والإنسانية من علاج، سياحة، تعليم.
وجود مصر في اتفاقية الكوميسا ورئيساً لها خلال 5 سنوات بدء من 2021 يعتبر مؤثر جداً بالنسبة لمصر وبالنسبة لدول القارة جميعها، خاصة دول الكوميسا، كما أن إصلاحاً جوهرياً هاماً في آليات عمل اتفاقية الكومسا ودعم لتجارة الخدمات الغير نمطية والاستثمار تحاول مصر تنفيذه خلال فترة ترأسها للكوميسا.
ثالثاً: التجمع الاقتصادي لدول وسط افريقيا ( ايكاس – ECCAS) والذى يقع مقره في (ليبريفيل) بالجابون ويضم (11) دولة وهم: (أنـجولا، بوروندي، الكاميرون، جمهورية افريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، الجابون، رواندا، ساوتومى ، تشاد، الكونغو الديمقراطية )، ومصر ليست عضو، ويعزي ذلك لكون مصر جغرافيا خارج النطاق المستهدف، ويبلغ إجمالي المساحة الجغرافية التي تشملها الجماعة نحو 6.5 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع دول وسط افريقيا 205 مليون نسمة.
رابعا: تجمع شرق افريقيا ( اياس – EAC).يقع مقره في (أروشا) بتنزانيا ويضم (6) دول وهم: (أوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، جنوب السودان), وبالتأكيد ليست مصر من أعضاء هذا الإتحاد، ويبلـغ إجمالي المساحة الجغرافية التي تشملها الجماعة او الإتحاد نحو 2.5 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع شرق افريقيا 195 مليون نسمة.، ويمثل هذا الإتحاد أحد أنجح الاتفاقيات الاقتصادية والاستراتيجية في القارة الإفريقية، ويتيح قدر كبير من حرية الحركة وتدوال الأموال، وإدارة الأعمال بين شعوب هذه المنطقة.
خامساً: تجمع الهيئة الحكومية للتنمية ( إيجاد – IGAD)و يقع مقره في (جيبوتي) ويضم (8) دول وهم : ( جيبوتي، اثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، السودان، اريتريا ،جنوب السودان) ويبلـغ إجمالي المساحة الجغرافية التي تشملها التجمع نحو 5.2 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع إيجاد 275 مليون نسمة.، وهو ايضا لا يضم مصر، ولا يعتقد ان لهذا التجمع قوة اقتصادية مؤثرة، أكثر من كونه تنسيقيا سياسيا بدرجات متفاوتة وظروف معينة.
سادساً: التجمع الاقتصادي لدول غرب افريقيا ( إيكواس – ECOWAS) ومصر ليست عضو، ويقع مقره في (كوتونو) ببنين وتضم هذه الجماعة (15) دولة وهم : (بنين ، بوركينافاسو، الرأس الأخضر، كوت ديفوار، جامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، ليبريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون، توجو) ويبلـغ إجمالي المساحة الجغرافية التي تشملها الجماعة نحو 5.1 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان التجمع الاقتصادي لدول غرب افريقيا 397 مليون نسمة.، وهو احد ابرز التجمعات التي يبدو فيها التوازن الإجتماعي والعرقي بين دول المجموعة، بقي له ان يحصل علي مزيداً من الدعم من أعضاء التجمع انفسهم.
سابعاً: تجمع التنمية للجنوب الأفريقي (سادك – SADC) تعود جذور تأسيسه في (لوساكا) بزامبيا وتضم هذه الجماعة (15) دولة وليس منهم مصر، وهم : (أنـجولا ، بتسوانا، ليسوتو، مالاوي، موزمبيق، سوازيلاند، تنزانيا، زامبيا، زيمبابوي، جنوب افريقيا، موريشيوس، سيشل، الكونغو الديمقـراطية، مدغشـقر، ناميبيا ) ويبلــغ إجمـالي المسـاحة الجغرافـية التي تشملها الجمـاعة نحـو 556.8 كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع التنمية للجنوب الأفريقي 362 مليون نسمة.، تجمع قوي، مؤثر، تبدو فيه سيطرة قوية واضحة لدولة جنوب إفريقيا وهي أحد أبرز اقتصاديات إفريقيا، كما أنها من أعلي دول العالم نموا، وعضو في تجمع بيركس (BRICS) ويضم الإسم الأحرف الأولي المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتسعي هذه الدول لتطوير التجمع الي بيركس بلس (BRICS PLUS) بضم دول أخري، او تحويله الي بيركسي (BRICSE) بضم مصر تحديدا وإضافة حرف ال E، الحرف الأول من إيچيبت.
ثامنا: اتحاد المغرب العربي (AMU): و يقع مقره بمدينة (الرباط) بالمغرب ويضم هذا التجمع (5) دول وهم: (تونس، المغرب، الجزائر، موريتانيا، ليبيا) وقد تنضم له مصر مستقبلا، إن أمكن تعديل التوصيف الجغرافي لشمال وغرب القارة، ويبلــغ إجمـالي المسـاحة الجغرافـية التي تشملها الجمـاعة نحـو 5.8 مليون كم2 ويبلغ عدد سكان تجمع اتحاد المغرب 104 مليون نسمة.
وتحاول مصر بالتعاون مع بقية الدول الإفريقية الاستعداد لاتفاقية التجارة الإفريقية الحرة الشاملة (AFCFTA) والتي سوف تكون إطاراً جامعاً شاملاً لكافة هذه الاتفاقات وتكون الكوميسا حجر الأساس ومحور الانطلاق فيها، وتمثل هذه الاتفاقية تطور اقتصادي إفريقي عظيم بإطلاق إتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية ودخولها حيز التنفيذ خلال العام الحالي، حيث تربط القارة بأكملها في سـوق حر واحد وتسهم في تسهيل حركة التجارة البينية الافريقية وتمثل خطوة للأمام نحو توحيد الجهود الرامية لإنشاء تجمع اقتصاد أفريقي واحد، علي الرغم من استمرار بعض الأمور العالقة محلاً للتفاوض والتوافق في مفاوضــــات النفاذ للأسواق لاسيما تحرير التجارة السلعية وما يتعلق بها من قواعد المنشأ، وتطبيق جداول التخفيضـــات الجمركية، وكذا التوافق حول النقاط الخلافية في قواعد المنشأ، وتوصيف السلع النهائية والوسيطة وعوامل الإنتاج والمواد الخام الأولية، بالإضافة الي توصيف مصطلح تجارة الخدمات وتبادل الفرص الإستثمارية وتبادل المعلومات التفضيلية، وأيضا حسم إجراءات الدول لتطبيق الإعفاءات الجمركية من حيث الشكل والمضمون، ويبقي ايضاً استيعاب الفروق الكبيرة الاقتصادية والقدرات التصنيعية فيما بين الدول الأعضاء، كذلك تحدي أن كثيراً من الدول الإفريقية تعتبر العوائد الجمركية سواء صادر او وارد جزء هام من مقومات دخلها القومي.
تأثير التجمعات الاقتصادية الثمانية علي خطط التنمية في القارة الإفريقية، ومدي إمكانية تعظيم أوجه الاستفادة منها:
لا أمن، ولا آمان بدون استقرار، ولا إستقرار بدون تنمية إقتصادية حقيقية عاجلة آنية ومستدامة راسخة، وبالتالي مثل هذه التجمعات الإقتصادية الثمانية والتي تمثل أحجار إرتكاز قوية في طريق الاستقرار في القارة الإفريقية، سواء الاستقرار السياسي، او الإقتصادي، بينما تظل الظروف المعيشية ومبادئي الحياة الكريمة ولو في صورتها الأساسية، أملا للشعوب للإفريقية والتي تعاني أعداد كبيرة منها من غياب للماء النظيف، والصرف الصحي الآمن، والكهرباء، والوقود، بالإضافة لضعف او عدم توافر الرعايات الصحية، وإن كان الأمر كذلك في نطاقات جغرافية متعددة في القارة، فإن صياغة أطر تعاون وتكامل من خلال تجمع إقتصادي سياسي مؤثر هو أمر هام قد يعول عليه كثرا في حل مشكلات كل المنطقة ودعم مسارات التنمية المستدامة والمستهدفة لهذه المنطقة ومواجهة التحديات والتي علي الأغلب تكون متشابهة ومشتركة للدول التي تتشارك حدود او نطاق جغرافي واحد.
يظل دائما القواسم المشتركة لأهداف اي تحالف او تجمع اقتصادي متشابهة في الإطار العام كالتالي:
– توافق الرؤي لإستراتيجية تنفـذ من خلال مخطط تنموي متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء وتشمل الإستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والإجتماعية والثقافية وميادين الطاقة.
– العمل الدائم لإزالة كافة العوائق التي تحول دون وحدة الدول الأعضاء عن طريق إتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تسهيل تحرك الأشخاص ورؤوس الأموال ومصالح مواطني الدول الأعضاء، و حرية الإقامة والعمل والتملك وممارسة النشاط الاقتصادي، و حرية تنقل البضائع والسلع ذات المنشأ الوطني والخدمات، وكذلك تشجيع التجارة الخارجية عن طريق رسم وتنفيذ سياسة الإستثمار في الدول الأعضاء، بالإضافة إلي زيادة وتطوير وسائل النقل والاتصالات الأرضية والجوية والبحرية فيما بين الدول الأعضاء عن طريق تنفيذ مشاريع مشتركة، و تنسيق النظم التعليمية والتربوية في مختلف مستويات التعليم والتنسيق في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية.
– التطلع لمزيدا من التعاون البناء لمواجهة التحدي الأمني، وتمدد عمل الجماعات الإرهابية وإنتشار الجريمة والعنف بالتوازي مع إنتشار الفقر والجوع والأمراض هي أسباب مانعة معطلة لأي جهود او خطط تنمية حقيقية في هذه المنطقة، سواء تنمية آنية او مستقبلية مستهدفة او مستدامة طبقا لخطط التنمية المستدامة في إفريقيا 2063.
أخيراً، ما يحدث في العالم الأن من تغيرات وما تواجهه القارة الإفريقية الأن ومستقبلا من تحديات أبرزها التبعية الإقتصادية لقوي دولية، يحتم العمل بجدية نحو التحرر الاقتصادي مثلما تحررت أفريقيا سابقا من الاستعمار السياسي والعسكري، وأحد أدوات تحقيق هذا التحرر هو الإتحاد في كيانات إقليمية اقتصادية حقيقية، قوية ومؤثرة.